الثُّريّات في البيت الشامي

الثُّريّات  في البيت الشامي

حرفيون يقدمون تصاميم يمزجون فيها الماضي بالحاضر والتراث بالمعاصرة, معتمدين على خيالهم وعلى طرز الثريات القديمة في البيوت الشامية التقليدية ويصممون ثريّات تناسب كل غرفة وصالون في البيت الشامي التقليدي والحديث من حيث استخداماتها وطراز الفرش وألوانها ومن هذه التصاميم الثريا السفينة والهرمي والهندسي.


برع الدمشقيون منذ مئات السنين في ابتكار كل ما له علاقة بالذوق الجمالي الإنساني، وجعلوه منسقاً مرتباً تعشقه العين البشرية من أول مشاهدة له, فقدّم حرفيو دمشق الماهرون الأنسجة العريقة وزخارفها من البروكار الحريري وحتى الآغباني والصايا، وقدموا البيت الدمشقي الجميل بعمارته الرائعة، ولم ينسوا مفردات غرفه وصالونه من المفروشات اليدوية، وحتى ثرياته المعلقة بسقوفه بشكلها الرائع اللافت للنظر وبتصميماتها القماشية والنحاسية وبزخارفها المتنوعة، حيث جعلوا لكل قسم في المنزل ثرياته الخاصة بتصاميم تنسجم مع نمط كل قسم واستخداماته من قبل أصحابه، ولذلك يشاهد الزائر لقصور وبيوت دمشق القديمة كقصر العظم الشهير وقصر النعسان ومئات البيوت التقليدية تصاميم مختلفة للثريات موزعة على أقسام المنزل الشامي التقليدي ما بين السلاملك، وهو مكان استقبال الضيوف، والحرملك مكان إقامة أصحاب البيت واستراحتهم ونومهم والخدملك الخاص بالخدم في البيت, وقد استمد حرفيو الثريات الدمشقيون المعاصرون تصاميمهم وابتكاراتهم للثريات من الزمن الماضي الجميل، فقدموا عشرات النماذج الجميلة بروح الماضي وبنكهة الحاضر وقدموا لكل غرفة وصالون وبهو وممر من البيت العصري تصميمه الخاص من الثريات، بما يتماشى مع نمط العمارة المعاصر واستخداماتها.
يشرح الحرفي (عبدالله الغنيمي)، أنواع وتصاميم الثريات الخاصة بكل مكان وقسم من البيت الشامي التقليدي وحتى العصري قائلاً: يجب أن تكون لكل غرفة ثريتها الخاصة التي تعطي جماليتها، وأنا أشبّه الثريا في الغرفة كربطة العنق للرجل، بحيث تعطي جمالية للبدلة التي يرتديها، ويجب بالتالي أن تكون متجانسة مع كل بدلة، وكذلك الحال مع الثريا، حيث تكمل ديكور الغرفة، ولذلك أنصح الناس هنا بأن يضعوا مثلاً في غرفة الصالون الخاصة بالجلوس والمفتوحة على غرفة الاستقبال وعلى حجرة السفرة (الطعام) ثرياتها الخاصة بحيث تتيح للجالس متعة مشاهدة الثريات في السقف بالنسبة للغرف الثلاث المتصلة، ولذلك تكون جميعها من نوعية واحدة ونسيج متشابه وبما يتماشى أيضاً مع شكل ولون وتصميم الفرش في الغرف، ولذلك هناك تنسيق دائم بيننا كمصممي ومصنعي ثريات ومصممي المفروشات المنزلية، حيث نتشاور ونتناقش حول كل طراز جديد من الفرش لنقدم ما يناسبه من الثريات, وفي غرفة الجلوس أنصح - يتابع الغنيمي -  بتعليق ثريا تتضمن نوعاً من الحيوية وتعطي تحريكاً للغرفة، أي ألا تكون هادئة وبسيطة كما هي حال غرفة الجلوس عادة، حيث تدار فيها النقاشات وجلسات السمر، وهي مكان متحرك بشكل دائم من خلال دخول وخروج الأطفال وأصحاب المنزل، وهناك عدة تصاميم وموديلات لغرفة الجلوس مثل ثريا ندعوها الحلزونية وهي زجاجية وخشبية باللون الزيتي تعطي الإضاءة المناسبة والتحريك الجيد، كما يوجد في تصميمها زهور ملونة، وهذه الثريا عادة تناسب فرش الغرفة ذا اللون الزيتي والأخضر وحتى الذهبي, وهناك مثلاً ثريا بلون البرونز لغرفة الجلوس, أما غرفة استقبال الضيوف فيجب أن تكون مصنعة من الكريستال بحيث توحي بالرزانة والرصانة، فالمكان مخصص لاستقبال الناس الأغراب، فيجب أن تعطي وقاراً للغرفة، ومنها مثلاً ثريات مصممة بشكل يجمع ما بين التقليدي والحداثة، فهناك الكريستال الدائري الذي يأخذ الشكل البيضاوي، ومن تصاميم غرف الاستقبال هناك طراز ندعوه السفينة، وهو بألوان متنوعة كالبرونزي والفضي والذهبي, وهناك التصميم الهرمي الخاص بغرفة الاستقبال أيضاً. أما بالنسبة لغرفة النوم - يوضح الغنيمي - فأعتبرها غرفة شخصية، وبالتالي تتبع ذوق ورغبة الشخص هنا إن كان يريدها ذات شكل وتصميم متحرك أو ذات شكل هادئ، ولذلك كل الثريات يمكنها أن تتناسب مع غرفة النوم بشرط موافقة الشخص صاحب البيت عليها, ولكن هنا لابد من أن يكون لون الثريا قريباً من ألوان فرش الغرفة مثل (ثريا غرفة نوم كلوب مع كريستال)، وهناك تصميم آخر لغرفة النوم يدعى (بحرة) تتفرع منها عدة أذرع، ويمكن استخدام الكريستال, وهناك تصميم ثريا ذراع حرف S ثلاثية، وتتضمن حركة على شكل قنطرة بحيث تعطي حركة بسيطة للغرفة.
 أما في البيوت الدمشقية التقليدية والتي مازال البعض يستخدم الثريات التقليدية فيها أو يرمم القديم منها لتعليقها في أسقف هذه البيوت التي تم ترميمها فهنا الثريا تكون مصنّعة يدوياً من القطع النحاسية وكان يدخل فيها سابقاً الشمع أو الكازات، وحالياً ندخل المصابيح فيها، ولكن بعدد قليل وبما يتماشى مع تراثية الثريا, ومن نماذجها (الثريات المشغولة بالخرز، وتلك المصممة هندسياً بشكل معين ومستطيل).
  تقول بعض المصادر التاريخية إنّ بعض الصحابة (رضي الله عنهم) عندماً جاءوا إلى دمشق بعد الفتح الإسلامي لها وجدوا فيها فوانيس فنقلوها للمدينة المنورة ولذلك فإنّ صناعة الثريات في دمشق قديمة جداً، ولكن الصناعة الحديثة للثريات انطلقت قبل 100 سنة، حيث تطورت بعد دخول الكهرباء فازداد تنوع نماذجها مع الخصوصية الدمشقية للثريات وبشكل خاص الفنون الشرقية التي حافظ عليها حرفيو دمشق مع وجود لمحات فنية تعكس مهارة الحرفي السوري. 
أحمد راتب الضعدي حرفي دمشقي يدوي آخر يعمل في مجال تصنيع الفوانيس والثريات يقول: لقد عملت على تصميم الثريات والفوانيس من جديد ولكن بنمط معاصر، حيث حولتها إلى قطعة فنية يمكن أن تعلق على الجدران أو في السقف وتضيء بشكل متميز، من خلال تزويدها بمحرك بسيط يجعل الضوء داخلها يتحرك بشكل موسيقي وكأنه راقصة باليه!.. كذلك أعدت تصميمها بما يتماشى مع العصر الحالي، ولكنني جعلتها تضج بالزخارف والرسومات حتى تظل محافظة على تراثيتها وشرقيتها, فعملت على زخرفتها يدوياً بأسلوب التخريق وبالخطوط الهندسية والزخارف الفاطمية والمملوكية والخط العربي بكتابات تتضمن آيات قرآنية وحكماً وأمثالاً, وذلك لتلبية رغبات وأذواق جميع الناس الذين سيعرضون مثل هذه المنتجات اليدوية في منازلهم.
 كانت الثريات سابقاً تعتمد في مادتها الأولية على النحاس فقط، فقام الدمشقيون بتطويرها من خلال ما يسمى عملية التلبيس بالفضة والبرونز والذهب وقاموا بعملية بخ وشي حراري للمحافظة على زخارف الثريا، كذلك طوّروا في الألوان فتم إدخال ألوان جديدة لم تكن معروفة, وكان يستخدم فيها القماش مثل البروكار والخشب والخرز، حالياً صارت هناك ابتكارات جديدة، فدخل الحديد والألمنيوم في صناعة الثريات، ودخل الكريستال أيضاً الذي تم تطويره من قبل الحرفيين الدمشقيين حسب مصدره فطوروه وأدخلوا بعضه في بعض، كذلك أدخلوا الزجاج المصنع يدوياً (الزجاج المنفوخ يدوياً) وهذا النوع من الثريات يوجد في دور العبادة كون الأماكن واسعة، فالزجاج المنفوخ تكون أحجامه كبيرة، كذلك أدخلوا عليه الزجاج المعشق الملون، أما طرز الثريات اليدوية فغالباً ما يدخل فيها خيال العامل الحرفي، حيث لا يوجد طراز يشبه الآخر ومعظم الورشات تحاول ابتكار نماذج من إبداع عامليها ■