ثلاث سنوات في الكويت

ثلاث سنوات في الكويت

 ثلاث سنوات في الكويت - مذكرات طبيب العظام السوفييتي، البروفيسور ف. ف. تروبنيكوف (1970 - 1973م) صدرت ترجمتها للغة العربية، للدكتورين محمد عيسى الأنصاري وناصر محمد الكندري، عن مركز البحوث والدراسات الكويتية (ط/1/2014م)، ويقع الكتاب في 406 صفحات، ويضم بين دفتيه: تمهيد «الكويت ملامح عامة» وأربعة فصول رئيسة، وخاتمة، وملحق صور، والسيرة الذاتية لمؤلف الكتاب، إضافة إلى تصدير للكتاب، كتبه د.عبدالله يوسف الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، وتقديم لبرجس حمود البرجس وكيل وزارة الصحة الأسبق، ثم تقديم «الطبعة الروسية» لـ: ن.ك. توبيتسين سفير الاتحاد السوفييتي الأسبق في دولة الكويت.

 

تبدأ فصول الكتاب بحديث المؤلف عن سفره من الاتحاد السوفييتي إلى الكويت واستعداده للسفر وما لفت نظره في الطريق إلى الكويت، ثم وصوله إليها، والفصل الثاني: العمل في الكويت، ويستعرض فيه البروفيسور تروبنكيوف عمله في وزارة الصحة الكويتية، ومستشفى العظام الكويتي، والخدمات الطبية في مستشفيات ومستوصفات الكويت، ومركز العلاج الطبيعي، ومعهد المعاقين، ومستشفى الميدان. أما الفصل الثالث: «الأطباء في الكويت» فيتناول فيه الجمعية الطبية الكويتية، والأطباء غير الكويتيين، والأطباء الزائرين، ثم الفصل الرابع والأخير من الكتاب «التجوال في الكويت»، حيث يعرض المؤلف لصورة الكويت الحديثة، وصحرائها، ومكتباتها، والفن والرياضة فيها.

أهمية الكتاب
تتجلى أهمية هذا الكتاب في أنه يؤرخ لمرحلة محورية من مراحل تاريخ الكويت المعاصر، والتي شهدت نهضة اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة، بسبب التوظيف الجيد لعوائد النفط الضخمة، ولمعرفة مؤلفه الجيدة بالكويت، سواء لتخصصه الدقيق وصلته بالموضوع، ولإقامته فيها ومعايشته أهلها، ما يضفي على الكتاب موضوعية ومصداقية يعول عليها في هذا الصدد، وخصوصًا أن د. فيكتور فيليبو فيج تروبنيكوف، الذي عمل في دولة الكويت جراحًا وطبيبًا استشاريًا، كان رجلًا واسع الثقافة والاطلاع، ولديه موهبة التواصل مع الناس، كما أتاحت له مهنته الطبية التعامل مع مختلف شرائح المجتمع الكويتي، والتعرف إلى حياة القبائل الرُّحل والوقوف على ظروف معيشتها. ويؤكد ذلك قول مؤلف الكتاب - في المقدمة - «... يمكنني القول -  دون مبالغة - إنه ليس هناك ركن في الكويت لم أزره...» (ص 14). 
ويشير المؤلف إلى أن دستور الكويت الصادر في 11 نوفمبر عام 1962م، في عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، قد كفل حرمة الملكية العامة والخاصة والاعتراف بحريَّة المعتقدات والكلمة والصحافة والمراسلات، وضمنت الحكومة حرية إنشاء النقابات، كما ضمن الدستور الحقوق المدنية للمواطنين.

إلى الكويت
في الفصل الأول يتحدث المؤلف عن استعداده للسفر من روسيا إلى الكويت، فيقول: وصلنا إلى مدينة الكويت في 12 من مارس عام 1970م، واستقبلتنا العاصمة بدرجة حرارة تبلغ 30، وبدا لنا - وزوجتي - هذا أمرًا لا يُطاق بعد صقيع موسكو... وشيئًا فشيئًا دخلت الحياة في مسارها الاعتيادي... ولم تجعل لي أيام العمل المجهدة وقتًا للراحة، وأجبرتني على مواصلة العمل أيام العمليات والإسعاف الليلي في المستشفى للمرضى ذوي الإصابات الخطيرة والشعور الكبير بالمسؤولية، حيث كنت أمثِّل هنا الطب السوفييتي.
وفي الفصل الثاني الذي يعتبر أكبر فصل في الكتاب (173 صفحة) يتحدث المؤلف عن عمله في الكويت، وبالتحديد في وزارة الصحة ومستشفى العظام الكويتي، والخدمات الطبية في مستشفيات الكويت، والخدمات الطبية في مستوصفاتها، ومركز العلاج الطبيعي - معهد المعاقين، مستشفى الميدان.
ويقول د. تروبنيكوف: جئت مبعوثًا إلى الكويت بطلب من وزارة الصحة العامة (أسست في عام 1961م، بعد حصول الدولة على الاستقلال)، حيث تقع الوزارة - آنذاك - على الساحل وليس بعيدًا عن قصر أمير الكويت في شارع الخليج العربي، ثم تحدث طويلًا عن برجس حمود البرجس الذي تقلد منصب وكيل وزارة الصحة، والذي كانت علاقة المؤلف به قوية وانطباعه عنه طيبًا، لتقديم البرجس له المساعدات الشاملة كخبير سوفييتي في مجال جراحة العظام. أما بالنسبة إلى مستشفى العظام بالكويت فيشير المؤلف إلى أنه باشر عمله فيه بعد وصوله إلى الكويت بيوم واحد بصفة استشارية بمستشفى العظام في أغسطس عام 1962م (ص 79).
وعن ذكرياته - في أول يوم إجراء عمليات في المستشفى الكويتي - بعد ستة أيام من عمله بالمستشفى - يقول «تروبنيكوف، كان عليَّ إجراء أربع عمليات، اثنتان منها صعبتان للغاية، منها على سبيل المثال عملية مريض عماني يدعى عبدالرحمن عبدالله وعمره (75 عامًا)، حيث كان مصابًا بمرض وعائي دموي (HAEMAN GIOMA) وهذا المرض كان يضغط على النخاع الشوكي، وقد بذل هذا الخبير الروسي جهدًا خارقًا - ومعه الفريق الطبي المعاون - في إنقاذه بعد أن تعرَّض للموت السريري وتوقف نبض القلب ثلاث مرات، حيث نجح في النهاية في إنقاذ حياة هذا المريض.

العمل في المستشفى
يذكر المؤلف أن العمل في مستشفى العظام ووحداته الطبية، كان على أساس أن كل المرضى في أجنحة قسم إصابات العظام موزعون على الوحدات الطبية الثلاث (A-B-C)، وعلى نموذج المدرسة الإنجليزية لجراحة العظام، وكان برنامجي محددًا بوضوح: يومان في الأسبوع في غرفة العمليات، ويومان استقبال للاستشارة في العيادة، وعمل منهجي (متابعة) مدة يوم، والمرور على القسم ليوم واحد، والخروج النظامي وتلبية استشارة المرضى في مركز العلاج الطبيعي في مستشفى الصباح، وفي مدرسة للأطفال المصابين بآثار شلل الأطفال (التهاب النخاع السنجابي) وفي مستشفى الميدان، وزد على ذلك تعييني كل ثلاثة أو أربعة أيام ولمدة 24 ساعة مناوبًا مسؤولًا في اثنين من مستشفيات العظام، وهما: «الصباح» و«العظام» الأميريين. (ص 109)، والأطباء في الحكومة كانوا ينقسمون إلى فئتين رئيستين، أطباء ذوي تخصص عام، وأطباء عامين، وكانوا يمثلون المجموعة الأكثر عددًا، إذ كان عددهم يبلغ أكثر من 350 طبيبًا عامًا.
ويضيف المؤلف: كان المستشفى الأميري ينمو من سنة إلى أخرى (يقصد أن خدماته للمرضى كانت تتوسع)، فبالإضافة إلى المبنى الرئيس كان هناك ثلاثة أفرع أخرى، هي عيادة إصابات العظام، ومبنى الولادة وقسم أمراض النساء، وكذلك الأمراض العصبية، ثم تحولت هذه الأفرع في ما بعد إلى مستشفيات مستقلة. أما مستشفى الصباح فكان من أكبر المستشفيات الحديثة، ليس فقط في الكويت، وإنما على مستوى الشرق الأوسط... وعلاوة على الهيئات الطبية الحكومية كانت في الكويت مستشفيات خاصة ومستقلة اقتصاديًا، وكان يعمل فيها 173 طبيبًا، 69 منهم تخصص عام، وكان كل أطباء المستشفيات الحكومية يقومون بعمل طبي ضخم، كما كان الأطباء الكويتيون يذهبون إلى ضواحي المدن ويساعدون المرافق الطبية هناك، وكانوا يلقون المحاضرات في المؤتمرات العلمية في الكويت وخارجها أيضًا (ص 153).
أما السجلات الطبية في الكويت فكان العمل فيها متقنًا للغاية، وكان كل مريض يُعطى بطاقتين صغيرتين؛ بيضاء وزرقاء، وكان مسجلًا على البيضاء اسم المستشفى والاسم الكامل للمريض ورقم ملفه، وتاريخ مراجعته لأول مرة طلبًا للمساعدة الطبية، واسم الوحدة الطبية والاسم الكامل للطبيب المعالج. فملف المريض واحد؛ وعند مراجعته المستوصف، طلبًا للمساعدة الطبية، يتم، كما هي العادة، فتح ملف له، وإذا راجع المريض بعد ذلك المستشفى فإن ملفه يتم إرساله من المستوصف إلى القسم المطلوب في المستشفى، وكان الطبيب المعالج في هذا القسم يستمر في مراجعة  ملف المريض. وبعد خروجه من المستشفى يصبح هذا الملف سجلًا أساسيًا لمريض المستوصف.
ويسجل المؤلف في مذكراته أن الكويت ساهمت مساهمة كبيرة في شؤون التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لإمارات الخليج وجنوب شبه الجزيرة العربية حتى بداية عام 1972م، حيث قدمت الكويت مساعدات لتلك الإمارات بمبلغ 11 مليون دينار، بالإضافة إلى مساعدات الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية.

مركز العلاج الطبيعي
يتحدث المؤلف بعد ذلك عن عمله في مركز العلاج الطبيعي، فيقول: كان مجال عملي كاستشاري جراحة عظام (Orthopedist) في وزارة الصحة العامة يحتم علي العمل ليس فقط في مستشفى العظام الكويتي وعياداته، بل كان ضمن مسؤولياتي أيضًا تقديم استشارات أسبوعية لحالات مرضية في مركز العلاج الطبيعي بمعهد المعاقين من جراء شلل الأطفال، وكذلك في مستشفى الميدان، بالإضافة إلى ذلك المناوبة مرتين في الأسبوع في مستشفى العظام والصباح أو في المستشفى الأميري، وهذه المناوبة كانت خارج العيادة، حيث كانوا يستدعونه في حالات الطوارئ النادرة، عندما لا يستطيع الأطباء المناوبون فهم حالة مريض معقدة والقيام بما يلزم تجاهها من إجراءات علاجية، وفي معظم الأحيان كانت الحالات المرضية الثقيلة مصحوبة بإصابات ناتجة عن حوادث سيارات أو مصابين بدو أتوا من الصحراء وهم يعانون حالات من الالتهابات الحادة في الأعضاء الحركية.
ويمكن القول دون مبالغة إنه أحيانًا وفي أثناء هذه المناوبات كانت لا تتوافر للمناوب فرصة للجلوس للراحة للحظة خلال أمسية كاملة، بينما يتحتم عليه الذهاب إلى المستشفى في الصباح لإنجاز الأعمال اليومية المطلوبة، حيث لم تكن تعطى راحة بعد المناوبة (ص 212).

علاج شلل الأطفال
وعن جهود مؤسسات الصحة العامة الكويتية في علاج مرض شلل الأطفال، يتحدث المؤلف باعتزاز وإشادة بتلك الجهود، فيقول: لابد من الاعتراف بالرضا التام عما يبذلونه من جهود، وفي بعض الحالات كان الأطفال الذين يعانون تبعات شلل الأطفال أو أمراض أخرى أو إصابات الجهاز الحركي لابد لهم من البقاء للعلاج في المستشفى لمدة طويلة من أجل الخضوع لعملية جراحية، وفي بعض الأحوال لعدة مرات في مستشفى العظام من أجل الخضوع للعلاج التحفظي أو الطبيعي للعظام... إلخ، وحتى لا ينقطع الأطفال عن دراستهم تم الاتفاق بين وزارة التربية ووزارة الصحة العامة على بناء مصح للعلاج الطبيعي (بسعة 80 سريرًا) ضمن مجمع مستشفى الصباح، وفي مركز إعادة التأهيل هذا يتلقى الأطفال العلاج الضروري، بالإضافة إلى الدراسة.
وقد افتتح مبنى مركز العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل الجديد ذي الطابقين في عام 1963م، وكان مجهزًا بشكل جيد بكل المعدات الضرورية لإعادة تأهيل الأطفال والبالغين الذين يعانون اضطرابات ما بعد الإصابات الشديدة في العمود الفقري، وهؤلاء تم استيعابهم في جناح خاص في فناء مركز العلاج الطبيعي.

التجوال في الكويت
ويختتم المؤلف كتابه بالفصل الرابع متحدثًا عن مدينة الكويت - عاصمة البلاد- التي عمل فيها لأكثر من ثلاث سنوات، والتي شهدت العديد من المباني الحديثة المتطورة، حيث تنتشر الدوائر الحكومية والشركات الكبرى والبنوك والفنادق والمحال الزاخرة بالبضائع، وقد بدت الكويت مدينة جميلة وخصوصًا ليلًا (ص 287).
ثم تحدث المؤلف عن مكتبات الكويت، حيث زار مكتبة خيطان المصممة على هيئة مبنى مجهز بشكل جيد، كما تعرف - بعد ذلك - إلى ست مكتبات مماثلة والمكتبة الحكومية المركزية (المكتبة العامة) من حيث الحجم وكان بها حوالي 30 ألف مجلد إلى جانب المؤلفات الفنية والأدب العالمي بمجالاته المختلفة: الشعبي والاجتماعي والسياسي باللغتين العربية والإنجليزية، والعديد من المطبوعات الأدبية الدورية (ص 345).
والكتاب في النهاية يعكس نبرة حميمية للمؤلف عن ذكرياته ومذكراته خلال سنوات عمله في دولة الكويت في الفترة من عام 1970 إلى 1973م ■