نَحنُ والأَمثال

نَحنُ والأَمثال

تشكل «الأمثال» عنصراً مهماً من عناصر التراث العربي، وقد حظيت باهتمام الأدباء والمؤرخين، كالميداني في كتابه «مجمع الأمثال»، والطرطوشي في «سراج الملوك»، وغيرهما. وتبادل العرب «الأمثال» مع أصحاب الثقافات الأخرى، كالفارسية واليونانية والهندية. والأمثال مستوحاة من تجربة فرد أو جماعة، وقد تمت صياغتها في جمل قصيرة لتصور تلك التجربة، وتنوعت الأمثال بين نصائح أخلاقية وسياسية واجتماعية... ولكن الأمر اللافت أنه يتم التعامل مع هذه الأمثال على أنها حقائق يصح العمل بها في كل زمان ومكان، وقد ترتب على هذا الموقف نتائج أعاقت تطور حياة الأفراد والجماعات. 
إذا أردنا أن نفيد من الأمثال ونضعها في المكان اللائق من تراثنا فعلينا أن ندرك أن هذه الأمثال ظهرت في سياق تاريخي معين، وصورت حياة المجتمع في عصر محدد، وبالتالي فهي ليست قوانين يصح تطبيقها في كل العصور، فمثلاً كان للعصر الجاهلي أمثاله، ولكن بعد ظهور الإسلام تلاشت في معظمها لتظهر أمثال جديدة تعكس سمات مجتمع جديد، يضاف إلى ذلك أن الكثير من الأمثال إنما جاء ليخدم طبقة معينة، فبماذا نفسر كثرة الأمثال التي تدعو إلى الصمت أمام جبروت الحكام مثل «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، أو تلك التي تعبر عن ازدراء طبقة الفقراء مثل «ليس من خلة يُمدح بها الغني إلا ذمّ بها الفقير، فإذا كان شجاعاً قيل أهوج، وإن كان وقوراً قيل بليد»، أو تلك الأمثال التي تفسد العلاقات الاجتماعية مثل «اتق شر من أحسنت إليه»، أو تلك التي تشجع على شريعة الغاب، مثل «إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب»؟
    ينبغي أن نعمل عقولنا في نقد وتمحيص الأمثال، لنتبين الغث من السمين، قبل أن تتحول هذه الأمثال إلى ممارسات في حياتنا، كما يجب أن نتمسك بالأمثال التي تنبض بالحياة، وترتبط بقضايا الإنسان، بغضِّ النظر عن الزمان والمكان والجنس والعرق، كتلك التي تدعو إلى الحرية والعدالة والمساواة والحق والخير والتسامح، ويحضرنا قول الخليفة عمر بن الخطاب  إلى عمرو بن العاص ، والذي أصبح مثلاً: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»؟ ■