راشد السيف (1900 - 1972) الشاعر والمعلم والغواص الذي تعلَّم تجارب إنسانية عميقة

راشد السيف (1900 - 1972) الشاعر والمعلم والغواص الذي  تعلَّم تجارب إنسانية عميقة

الشاعر‭ ‬الكويتي‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭,‬‭ ‬وجه‭ ‬مضيء‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الشعر‭ ‬بالكويت‭. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬تميز‭ ‬عن‭ ‬رفاق‭ ‬مسيرته‭ ‬الشعرية‭ ‬بمساهماته‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬النهضة‭ ‬العلمية‭ ‬والأدبية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬كانت‭ ‬حافلة‭ ‬بالأحداث‭ ‬القومية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والتجارب‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتعددة‭.‬

نشأته‭ ‬ودراسته

ولد‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬لدى‭ ‬أسرة‭ ‬مكافحة،‭ ‬ودرس‭ ‬في‭ ‬الكُتَّاب‭ ‬وحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬وتعلم‭ ‬بعض‭ ‬مبادئ‭ ‬الحساب،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يستمر‭ ‬لوفاة‭  ‬والده،‭ ‬فاضطر‭ ‬وهو‭ ‬لايزال‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المهن‭. ‬عمل‭ ‬بحارًا‭ ‬في‭ ‬السفن‭ ‬التجارية‭,‬‭ ‬وغواصًا‭ ‬على‭ ‬مراكب‭ ‬صيد‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬الدراسة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬الاطلاع‭ ‬والــــقـــراءة،‭ ‬فاتجــــه‭ ‬للعــمـــل‭ ‬فــــي‭ ‬مدرسة‭ ‬السعادة‭ ‬للأيتام‭ ‬التي‭ ‬أنشــــأها‭ ‬شملان‭ ‬بن‭ ‬عــــلي‭ ‬آل‭ ‬سيف‭ ‬الرومي‭ ‬لتعلــــيـــم‭ ‬أبناء‭ ‬أهــــل‭ ‬الكويــــت‭ ‬على‭ ‬نفقته،‭ ‬وعمل‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬المباركــــية‭ ‬وتنقل‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬التدريس‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬ناظرًا‭ ‬للمدرسة‭ ‬الأحمدية‭.‬

 

كتاب‭ ‬الغنيم

ويحدثنا‭ ‬عنه‭ ‬د‭.‬يعقوب‭ ‬يوسف‭ ‬الغنيم‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬الشاعر‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬راشد‭ ‬السيف‭.. ‬حياته‭ ‬وشعره‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الشاعر‭ ‬فيصل‭ ‬السعد،‭ ‬يقول‭ ‬الغنيم‭: ‬‮«‬ما‭ ‬مر‭ ‬أمامي‭ ‬ذكر‭ ‬الأستاذ‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬إلا‭ ‬وتذكرت‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬دخلت‭ ‬فيه‭ ‬المدرسة،‭ ‬كان‭ ‬يومها‭ ‬ناظرًا‭ ‬للمدرسة‭ ‬الأحمدية‭ ‬آنذاك‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬سيف‭ ‬البحر‭ ‬من‭ ‬العاصمة،‭ ‬وقد‭ ‬أخذني‭ ‬والدي‭ ‬صبيحة‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬البعيد‭ ‬إليها‭ ‬بقصد‭ ‬قيدي‭ ‬تلميذًا‭ ‬مستجدًا‭ ‬بها،‭ ‬وأذكر‭ ‬يومها‭ ‬أنه‭ ‬أدخلني‭ ‬غرفة‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬ذلك‭ ‬المبنى‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬رجل‭ ‬بدا‭ ‬لي‭ ‬أنه‭ ‬المسئول‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المدرسة،‭ ‬وكان‭ ‬الرجل‭ ‬مهيبا‭ ‬له‭ ‬لحية‭ ‬خطها‭ ‬الشيب‭ ‬وعلى‭ ‬عينيه‭ ‬نظارة‭ ‬طبية،‭ ‬يتحدث‭ ‬بهمس‭ ‬ويعمل‭ ‬بصمت،‭  ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬بترتيب‭ ‬أمور‭ ‬دراستي‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬وتحديد‭ ‬للصف‭ ‬الدراسي،‭ ‬فابتدأت‭ ‬مسيرتي‭ ‬الدراسية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬توجيهاته،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬هو‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬شاعرا‭ ‬وإنسانا‭ ‬وصديقا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭ ‬تاركا‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬عظيم‭ ‬الأثر‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬يتحلى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬كريم‭ ‬الصفات‭..‬‮»‬‭.‬

 

ثقافة‭ ‬ذاتية

استطاع‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬أن‭ ‬يثقف‭ ‬نفسه‭ ‬ثقافة‭ ‬ذاتية،‭ ‬معتمدًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقرأه‭ ‬من‭ ‬أدب‭ ‬وشعر‭ ‬وكتب‭ ‬الدين‭ ‬والتراث،‭ ‬فحقق‭ ‬منهاجا‭ ‬أخلاقيا‭ ‬لا‭ ‬يحيد‭ ‬عنه،‭ ‬وعمله‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬جعله‭ ‬ملتزمًا‭ ‬بمبادئ‭ ‬الحق‭ ‬والخير‭ ‬والسلوك‭ ‬القويم‭ ‬والتربية‭ ‬الصالحة‭. ‬لقد‭ ‬خبر‭ ‬الحياة‭ ‬وذاق‭ ‬مرارة‭ ‬الشقاء‭ ‬والجهد‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والكفاح‭ ‬المضني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الرزق‭ ‬الحلال،‭ ‬واختلط‭ ‬برجال‭ ‬البحر‭ ‬الصيادين‭ ‬والغواصين‭ ‬البسطاء‭ ‬الذين‭ ‬يخرجون‭ ‬في‭ ‬مراكبهم‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وقد‭ ‬يعودون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يعودون،‭ ‬إنهم‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬الريح‭ ‬والليل‭ ‬والعواصف‭ ‬والأمواج،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المناخ‭ ‬الإنساني‭ ‬يلوذ‭ ‬الإنسان‭ ‬بروحه‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬ويزداد‭ ‬إيمانه‭ ‬ويقينه‭ ‬بالخير‭ ‬والحب‭ ‬والتسامح‭ ‬والارتباط‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬أجلهم‭.‬

 

مساندة‭ ‬الحق

وعندما‭ ‬وصل‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت،‭ ‬حيث‭ ‬ازدهرت‭ ‬الحياة‭ ‬وتطورت‭ ‬الأمور‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط،‭ ‬توجهت‭ ‬قصائده‭ ‬إلى‭ ‬مساندة‭ ‬الحق‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬ومواجهة‭ ‬الأخطار‭ ‬وتحرير‭ ‬البلاد‭ ‬المحتلة‭ ‬والوقوف‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر‭ ‬والحروب‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬الآمنة،‭ ‬فوقف‭ ‬بجانب‭ ‬الثورة‭ ‬الليبية‭ ‬وضد‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1956،‭ ‬ودعا‭ ‬شباب‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬التمسك‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬وتطهير‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬الآثام‭ ‬والانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬والتسلح‭ ‬بالعلم‭.‬

ويقول‭ ‬عنه‭ ‬الأديب‭ ‬خالد‭ ‬سعود‭ ‬الزيد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬أدباء‭ ‬الكـويت‭ ‬في‭ ‬قرنين‮»‬‭ - ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬كان‭ ‬لقســــوة‭ ‬الحـــــياة‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ ‬أبلغ‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬نفسيته،‭ ‬فجاء‭ ‬سلوكه‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬والحياة‭ ‬إيجابيًا‭ ‬صريحًا‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬ميالاً‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والانعتــاق‭ ‬الفكــــري،‭ ‬كـــــما‭ ‬كــــان‭ ‬لهذه‭ ‬القسوة‭ ‬نصيب‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬فــــي‭ ‬مجــــرى‭ ‬أسلوبه‭ ‬الشعري،‭ ‬فـــجــاء‭ ‬شعره‭ ‬خــــاليًا‭ ‬مـــن‭ ‬زخرف‭ ‬اللفظ‭ ‬وطــــلاوة‭ ‬التـــركــــيب،‭ ‬يمـــيل‭ ‬بشعره‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬القوي‮»‬‭.‬

 

شاعر‭ ‬عصره

إن‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬أثرى‭ ‬فترته‭ ‬وعصره‭ ‬بنتاج‭ ‬شعري‭ ‬تمكن‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يصور‭ ‬لنا‭ ‬واقعه‭ ‬ونفسه‭ ‬ولواعجها‭ ‬وتمزقه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وحدة‭ ‬العرب‭ ‬وما‭ ‬أصاب‭ ‬بلده‭ ‬من‭ ‬أزمات‭. ‬إنه‭ ‬ابن‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أنه‭ ‬يعد‭ ‬بمقاييس‭ ‬عصره‭ ‬وفترته‭ ‬شاعرًا‭ ‬أجاد‭ ‬النظم‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬على‭ ‬النفاق‭ ‬والخيانة‭ ‬والخداع‭ ‬والكذب‭ ‬والجمود،‭ ‬فيقول‭:‬

ولقد‭ ‬كرهت‭ ‬الخائنين‭ ‬فبغضهم

من‭ ‬غير‭ ‬أخلاقي‭ ‬وغير‭ ‬مرادي

لا‭ ‬أرتضي‭ ‬عمل‭ ‬النفاق‭ ‬كسلم

أرقى‭ ‬به‭ ‬الأكتاف‭ ‬في‭ ‬الحسادِ

ومتى‭ ‬تعاكسني‭ ‬الظروف‭ ‬فإنني

لم‭ ‬أنحرف‭ ‬عن‭ ‬موقفي‭ ‬بعنادِ

بذلك‭ ‬التزم‭ ‬الشاعر‭ ‬بقيم‭ ‬أخلاقية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬حددت‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬ويذكرك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بشعراء‭ ‬القيم‭ ‬والإباء‭ ‬والأخلاق‭ ‬الرفيعة‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬العربية‭ ‬كقول‭ ‬عنترة‭:‬

بكرت‭ ‬تخوفني‭ ‬الحتوف‭ ‬كأنني

أصبحت‭ ‬عن‭ ‬غرض‭ ‬الحتوف‭ ‬بمعزل

فأجبتها‭: ‬إن‭ ‬المنية‭ ‬منهل

لابد‭ ‬أن‭ ‬أسقي‭ ‬بكأس‭ ‬المنهل

وفي‭ ‬نص‭ ‬شعري‭ ‬آخر،‭ ‬يدعو‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬قومه‭ ‬إلى‭ ‬الأخلاق‭ ‬العالية‭ ‬لأنها‭ ‬سبيل‭ ‬النهضة‭ ‬الحقيقية‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬دونها،‭ ‬وأن‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬أخلاقها‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬ثابتة‭ ‬هي‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬طريقها‭ ‬نحو‭ ‬التقدم‭ ‬والرفعة،‭ ‬فيقول‭:‬

هي‭ ‬الأخلاق‭ ‬فلنعمل‭ ‬بها‭ ‬يا‭ ‬إخوتي

فيها‭ ‬سما‭ ‬الآباء‭.. ‬كونوا‭ ‬مثلهم‭ ‬أيضًا

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الشاعر‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬هدفا‭ ‬في‭ ‬شعره،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬مثالا‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬ولا‭ ‬تناقض‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬قومه‭ ‬وما‭ ‬يعيشه‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬إنه‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬يتسم‭ ‬بالإباء‭ ‬والشهامة‭ ‬ورفض‭ ‬النفاق‭ ‬والتلون،‭ ‬فيقول‭:‬

ترفق‭ ‬رعاك‭ ‬الله‭ ‬لست‭ ‬بطامع

إلى‭ ‬أخذ‭ ‬أموال‭ ‬العباد‭ ‬أجوب

ولكنني‭ ‬شهم‭ ‬أحب‭ ‬بشاشة‭ ‬

بحسن‭ ‬اللقا‭ ‬فيما‭ ‬هناك‭ ‬يطيب

وما‭ ‬ترتضي‭ ‬التطبيل‭ ‬نفس‭ ‬أبية

لها‭ ‬بين‭ ‬أسلاك‭ ‬الضلوع‭ ‬طبيب

يعالجها‭ ‬بالصبر‭ ‬والصبر‭ ‬نافع

فلا‭ ‬الداء‭ ‬باق‭ ‬والدواء‭ ‬يصيب

وعندما‭ ‬اعتدت‭ ‬القوات‭ ‬الغازية‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1956م،‭ ‬وهي‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬باسم‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي،‭ ‬غضب‭ ‬الشاعر‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬مما‭ ‬أصاب‭ ‬مصر‭ ‬وأطلق‭ ‬صرخاته‭ ‬الحماسية‭ ‬لتدين‭ ‬العدوان‭ ‬وتعلن‭ ‬وقفة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬خندق‭ ‬واحد‭ ‬ضد‭ ‬المستعمرين،‭ ‬فيقول‭:‬

الحرب‭ ‬في‭ ‬بورِ‭ ‬سعيد

حرب‭ ‬لها‭ ‬شاب‭ ‬الوليد

حرب‭ ‬أراد‭ ‬بها‭ ‬الفنا

من‭ ‬كان‭ ‬جبارا‭ ‬عنيد

لكنها‭ ‬صمدت‭ ‬فلم

تخضع‭ ‬لنار‭ ‬من‭ ‬جديد

الطائرات‭ ‬بجوها

والسفن‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬تميد

والجند‭ ‬في‭ ‬أرجائها

في‭ ‬فتك‭ ‬وحشي‭ ‬القرود

ويؤكد‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬الحق‭ ‬والحرية،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬تضحي‭ ‬بالأرواح،‭ ‬فالحق‭ ‬هو‭ ‬السيف‭ ‬الذي‭ ‬يبتر‭ ‬أعناق‭ ‬الطغاة،‭ ‬ويصف‭ ‬الحق‭ ‬قائلا‭:‬

للحق‭ ‬سيف‭ ‬فاضربوا‭ ‬في‭ ‬حده

عنق‭ ‬المعاند‭ ‬ضربة‭ ‬المغوار

هذا‭ ‬جزاء‭ ‬المشركين‭ ‬بربهم

دنيا‭ ‬ولكن‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬النار

لا‭ ‬تحسبن‭ ‬الله‭ ‬مخلف‭ ‬وعده

مهما‭ ‬تناءت‭ ‬حكمة‭ ‬الأقدار

سوء‭ ‬المصير‭ ‬لمن‭ ‬أساء‭ ‬عقيدة

بالله‭ ‬فوق‭ ‬تحمل‭ ‬الأوزار

ويساند‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬حين‭ ‬يثور‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر‭ ‬الإيطالي،‭ ‬إنه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬بصيص‭ ‬من‭ ‬النور‭ ‬يغشى‭ ‬أرض‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬ويبدد‭ ‬ظلماتها،‭ ‬فيضم‭ ‬صوته‭ ‬إلى‭ ‬طليعة‭ ‬الشعراء‭ ‬الأحرار‭ ‬الذين‭ ‬يغنون‭ ‬لانتماء‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬فيقول‭:‬

تُنادي‭ ‬بني‭ ‬قحطان‭ ‬هيا‭ ‬لتصبروا

أترضون‭ ‬وهنا‭ ‬نحن‭ ‬للعار‭ ‬ندفع

والمعلم‭ ‬يعتبر‭ ‬المجتمع‭ ‬مسئولاً‭ ‬عن‭ ‬الأخلاق‭ ‬وحماية‭ ‬القيم‭ ‬وتعزيز‭ ‬موقعه‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الصغار،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬قد‭ ‬أمضى‭ ‬معظم‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬التدريس،‭ ‬فهي‭ ‬رسالة‭ ‬روحية‭ ‬وعقلية‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬نهضة‭ ‬المجتمع‭ ‬والأمم،‭ ‬فيتيه‭ ‬بدور‭ ‬المعلم‭ ‬وأثره،‭ ‬فيقول‭:‬

لولا‭ ‬المعلم‭ ‬ما‭ ‬استقلت‭ ‬دولة

في‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬عن‭ ‬إرغام

لولاه‭ ‬ما‭ ‬رفعت‭ ‬لحق‭ ‬راية

كلا‭ ‬ولا‭ ‬سادت‭ ‬على‭ ‬الأحكام

 

القيم‭ ‬القومية

ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬شعراء‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬كانوا‭ ‬جميعًا‭ ‬يشعرون‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬فهم‭ ‬يخشون‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الروحية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والدينية،‭ ‬وينظرون‭ ‬إلى‭ ‬إنجازات‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬بالشك‭ ‬والتردد‭ ‬في‭ ‬الاتباع‭ ‬والانقياد‭ ‬إلى‭ ‬أفكارهم،‭ ‬وعندما‭ ‬أطلقت‭ ‬روسيا‭ ‬أول‭ ‬صاروخ،‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭:‬

ويل‭ ‬الحضارة‭ ‬ويل‭ ‬الخلق‭ ‬من‭ ‬عبث

من‭ ‬نار‭ ‬عاصفة‭ ‬تهوي‭ ‬بلا‭ ‬مطر

لأبرياء‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬محكمة

تقرر‭ ‬الحكم‭ ‬إعدامًا‭ ‬لمحتكر

والقيم‭ ‬القومية‭ ‬أخذت‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬احتلت‭ ‬معظم‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬الكويــــت‭ ‬إلا‭ ‬ذراعين‭ ‬تحتضنان‭ ‬أماني‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬يــــكون‭ ‬لهـــا‭ ‬صوت‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬ومناهضة‭ ‬وسائل‭ ‬الإرهاب‭ ‬الدولي‭ ‬والحروب‭ ‬والطغاة،‭ ‬فلم‭ ‬تقف‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬لتحارب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية،‭ ‬إلا‭ ‬وكانت‭ ‬الكويت‭ ‬بشعبها‭ ‬وشعرائها‭ ‬وأدبائها‭ ‬يساندون‭ ‬الحرية‭ ‬والنضال‭ ‬السياسي،‭ ‬فيدعو‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬وتجميع‭ ‬شمل‭ ‬العرب،‭ ‬فيقول‭:‬

لا‭ ‬تحسب‭ ‬الدهر‭ ‬جيشًا‭ ‬أنت‭ ‬حاشده

ما‭ ‬الذخر‭ ‬إلا‭ ‬تواطى‭ ‬الشعب‭ ‬بالكلم

كم‭ ‬فرَّق‭ ‬الدهر‭ ‬حزبًا‭ ‬كان‭ ‬منتظمًا

فخالف‭ ‬الرأي‭ ‬حتى‭ ‬كاد‭ ‬كالعدم

كفانا‭ ‬هَوانًا‭ ‬إن‭ ‬تُجر‭ ‬نساؤكم

على‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬تهوى‭ ‬من‭ ‬الخزى‭ ‬تجمع

لقد‭ ‬عاش‭ ‬راشد‭ ‬السيف‭ ‬مواقف‭ ‬أمته‭ ‬العربية،‭ ‬وكان‭ ‬معلمًا‭ ‬قديرًا‭ ‬رسالته‭ ‬الأخلاق‭ ‬الكريمة‭ ‬والقيم‭ ‬الوطنية‭ ‬والدينية،‭ ‬ونشر‭ ‬قصائده‭ ‬في‭ ‬مجلات‭ ‬عدة،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬كاظمة‮»‬‭ ‬و«البعثة‮»‬‭ ‬و«الرائد‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬صحف‭ ‬الكويت،‭ ‬ولذلك‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬يُجمع‭ ‬شعره‭ ‬كلّه،‭ ‬ويُصدر‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬خاص‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬ترجمة‭ ‬لحياته‭ ‬كاملة‭ ‬ليطلع‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬الشعري‭ ‬الزاخر‭ ‬بالمواقف‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬‭.