الأمير في رداء الإنسانية

الأمير في رداء الإنسانية

نظمت الأمم المتحدة, يوم الثلاثاء, التاسع من سبتمبر 2014، حفل تكريم سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر, أمير الكويت, كرائد للعطاء الإنساني, في ترتيب منظم أقامه بان كي مون, الأمين العام للأمم المتحدة، مع تقديم اعتراف مكتوب يحمل وسامًا ثابتًا ناطقاً بأداء سمو الأمير الإنساني العالمي، الذي تمثل في مساحات واسعة ومتواصلة عبر مؤتمرات دولية ولقاءات ضمت شخصيات عالمية كلها اجتمعت في الكويت بإشراف ورعاية سمو الأمير.

 

كانت مناسبة تاريخية، خرجت منظمة الأمم المتحدة من لوائحها الجامدة ومن إجراءاتها التي لا تتغير بإعدادها مأدبة ضمت شخصيات من المنظمة وفريقًا متكاملاً ضم شخصيات مسؤولة وهيئات كويتية ساهمت في العطاء الإنساني، مثل الهلال الأحمر وصندوق التنمية الكويتي, وصندوق التنمية العربي، وبيوت الزكاة. 
ترتبط الكويت مع هيئة الأمم المتحدة بعلاقات أسسها سمو الأمير منذ بداية الستينيات، حيث اتسمت العلاقة بين الطرفين, الكويت والأمم المتحدة، بتحولات غير عادية سجلها التاريخ, فبعد إعلان الاستقلال في 19 يونيو 1961, قدمت الكويت طلب الانضمام للأمم المتحدة، وناقش مجلس الأمن هذا الطلب في الأسبوع الأول من يوليو 1961, لكن الطلب تعرض لمواجهة سوفييتية باللجوء إلى «الفيتو» الذي أسقط ذلك الطلب، في ممارسة سوفييتية اعتادت عليها موسكو أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين.
وبرغم الألم العميق, والظلم الطاغي، لم تتردد الكويت في طرق أبواب مجلس الأمن مرة ثانية, وهذا ما حدث في نوفمبر 1961, ومرة أخرى يعيد الاتحاد السوفييتي ممارسته للفيتو, ويزيد هذا الاعتراض من إصرار الكويت على عضوية الأمم المتحدة, متشجعة من المداخلات التي جاءت في كلمات الوفود بدعمها لطلب الكويت وأحقيتها في العضوية ولياقتها الأخلاقية وانسجامها مع قواعد العضوية المعروفة. 
وفي 13 مايو 1963, أصبحت الكويت عضواً في الأمم المتحدة، بعد أن تبدلت مواقف موسكو، وألقى سمو الأمير عندما كان وزيراً للخارجية كلمة الكويت التي أكد فيها التزام الكويت بكل المبادئ التي جسدها ميثاق الأمم المتحدة, واحترامها لهذه المبادئ. 
كانت كلمات سمو الأمير آنذاك عهدًا منه أمام الدول الأعضاء بأن الكويت عازمة على محبة الجميع، شريك في مشاريع التنمية، وفيّ للقيم العالمية في العلاقات الدولية، يحتضن الجميع في محبة ومودة، في عطاء بلا مقابل، وصفاء في التعامل، وطيب النوايا في التواصل. 
ويمكن القول إن سمو الأمير منذ ذلك الخطاب الأول, من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وضع حجر الدبلوماسية الحميدة التي تتبعها الكويت، وسائلها هي الآليات الناعمة في علاقات متميزة في نقاوة نواياها, وفي المشاركة في المشاريع التنموية, وفي المساعي المخلصة لحل المشكلات العالقة بين الدول عبر وساطات الخير، ولاسيما في قضايا سجلها التاريخ في اليمن والبحرين وموريتانيا ولبنان وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية, والسجل واسع، تنقل خلالها سمو الأمير بين العواصم في مأمورية تاريخية لتجاوز العقبات, تقبلها بروح المؤمن لاعباً دائماً لتسهيل المهمات. 
ومع الممارسة صار نهج الكويت معروفاً لدى أوساط الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة التي عملت فيها مندوباً دائماً ومثلت الكويت خلالها في مجلس الأمن مستندة إلى قاعدة من التجارب وحزمة من المبادئ بناها سمو الأمير في رحلته الطويلة في الشأن الخارجي. 
وإذا جاءت الإشارة إلى متاعب الكويت في نيل العضوية في المراحل الأولى، فإن التاريخ يظل شاهداً على وفاء الأمم المتحدة للكويت في الهبّة غير المسبوقة التي تبناها مجلس الأمن الدولي عندما جاء الغزو المشؤوم في الثاني من أغسطس 1990, حيث تبنت الأمم المتحدة أكثر من ثلاثين قراراً تحت الفصل السابع، أشهرها القرار رقم 678 الصادر في 29 نوفمبر 1990, باستعمال القوة لتحرير الكويت في إطار زمني لا يتعدى 16 يناير 1991.
وجاء التحرير كما رسمته الأمم المتحدة، وتوجت المسيرة الدولية دعمها لدولة الكويت عبر القرار 833 الذي رسم الحدود بين الكويت والعراق، في علاج جذري ونهائي للموضوع الذي يستغله العراق للتحرش والابتزاز. 
هذه الحقائق التي ترافق تاريخ الكويت هي من نتاج المأمورية التاريخية التي تحملها سمو الأمير والتي وضع بذرتها المرحوم الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت (1977 – 2006). 
وعندما يقف سمو الأمير في قاعة الأمم المتحدة لكي يتسلم الاعتراف كأمير للأعمال الإنسانية وراعيها, فإنه يستند إلى صرح متكامل أُسس مع بداية الاستقلال وحصنه سمو الأمير بالآليات المؤثرة وبالعطاء السخي الذي يترفع عن حسابات الأرباح والخسائر، بل يعتمد فقط في تواصلها على الناتج الإنساني من هذا الصرح المستنير. 
ويمكن القول في احتضان سمو الأمير للعمل الخيري, إن الطاقة التي يجندها لهذا المسار لا تعرف التردد في القرار ولا الادخار في الجهد, لأنه يظل عازماً على أن يستوفي النهج الإنساني حقه في الأولويات وفي الدعم, في تعبير عن حرصه على أن يكون العطاء سريعاً وأن يذهب لمن يستحق ولا يتوقف عند حدود أو سدود, لأن العمل الخيري عند سمو الأمير يحلق فوق الاعتبارات الجغرافية ويتعدى تضاريس الجبال, ولا ينحاز لطرف اعتماداً على الأعراق والأديان والمواقع الجغرافية.
ولحسن الحظ أن سمو الأمير يعتمد في النهج على خبرته السياسية والإنســـانية الواسعة، وعلى هـــيئات كويتــــية وتجمعــات خيرية تملك الخبـــرة في التنظــيــم وتملك الجرأة في الاقتحام وتملك الإيمان بعلو الأهداف.
ويدرك سمو الأمير رسوخ العمل الخيري الإنساني التطوعي في ضمير الكويت، وفي استيطانه لتاريخها ولطباعها, ويتوجه في كلمته في الأمم المتحدة نحو شعب الكويت، مشيراً إلى الخصوصية الكويتية السخية، ويعتبر التكريم الدولي موجهًا إلى شعب الكويت الذي عليه أن يفخر ويعتز بهذا التكريم وبالمكانة الرفيعة التي تحتلها الكويت على المستوى الدولي، لأن العمل الخيري والإحسان هما من الفضائل السامية المعروفة منذ القدم في نفوس أهل الكويت, التي نمت واتسعت ملتزمة بنهج الآباء والأجداد، كما جاء في كلمة سمو الأمير الموجهة إلى شعب الكويت عند عودته. 
وهنا لابد من الاعتراف بأن الكويت بفضل هذا الموقع المتميز، أمام تحد خيري إنساني يستدعي التواصل في السخاء وفي التشاور مع الأمم المتحدة التــــي يـــضع أمينــــهـــا العـــام بــــان كي مون دولة الكويت وأميرها فـــي المقام المرتفع في لائحة الباذلين المدفوعين بالمشاعر الإنسانية وبغريزة الخير، ليس فقط في المساهمات وإنما في استضافات اللقاءات وفي المشاورات التي تمارسها الأمم المتحدة في تهيئة اللقاءات العالمية والتحضير لها تأميناً لنجاحها. 
ومع ذلك تبقى حقيقة بارزة هي أن سمو الأمير وبالاعتراف الدولي العالمي بدوره, يملك طاقة إنسانية ساحتها واسعة ينشدها ويستعين بها كل من يحتاج من الدول، وكل من يعاني العوز من المنظمات الدولية، وكل من يبحث عن نصير من الهيئات والتجمعات، ولاسيما المتفرعة من الأمم المتحدة التي ضاعف سمو الأمير أخيرًا مساهمات الكويت فيها، ولعل التجمعات التي شهدتها الكويت أخيرًا والمتلاحقة من قمة عربية – إفريقية وقمة آسيوية، وقمة عربية وقمة مجلس التعاون ولقاءات أصدقاء سورية, وكذلك لقاءات التبرعات لبعض الدول، تشكل أكبر دليل على استحقاق سمو الأمير الرداء العالمي الإنساني كمساهم متخصص في المشروع الخيري الذي تشرف عليه الأمم المتحدة ■