بصماتٌ في سجلَّ العملِ الإنساني لدولةِ الكويتِ وأميرِها

بصماتٌ في سجلَّ العملِ الإنساني  لدولةِ الكويتِ وأميرِها

لم يكن التقدير الكبير والعرفان المتميز اللذان حظيت بهما دولة الكويت، وحضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت - حفظه الله ورعاه - من منظمة الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي أمرًا مفاجئًا ولا مستغربًا لكل من عرف سمو أمير البلاد عن قرب، وتلمَّس أعماله الإنسانية، ولكل من عايش العطاء الإنساني للكويت على مدى العقود الماضية، منذ أن كان سموه وزيرًا للخارجية فنائبًا لرئيس مجلس الوزراء ثم رئيسًا للوزراء فأميرًا لدولة الكويت في العام 2006م.

 

مما لا شك فيه أن تكريم صاحب السمو يعبر عن إجماع دولي واعتراف عالمي ببصمات أياديه البيض الممدودة باسم الكويت وشعبها إلى كل أصقاع المعمورة ، ولا يقل عنه مكرمة وفخراً - ولاسيما في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي تتشرف برئاسة سموه لمجلس إدارتها - تصنيف الكويت كدولة سمتها الأسمى «الإنسانية» في ظل قيادة سموّه الرشيدة.
لقد كان العمل الإنساني نهجًا ثابتًا ومبدأ راسخًا في رؤية الكويت للتعاون بين الأمم، والتي تمثلت دومًا في استشراف سمو أمير البلاد للعلاقات التي يجب أن تسود بين الشعوب، وفي الرؤية السديدة التي تشمل تقديم العون والمساعدات الإنسانية لكل البلدان المحتاجة، وخاصة في أعقاب الكوارث الطبيعية والنزاعات التي تدمر المجتمعات البشرية وتشرِّد الأبرياء، بعيدًا عن المحددات الجغرافية والدينية والإثنية، انطلاقًا من عقيدة الكويت وإيمانها بوحدة الإنسانية، وقناعتها بأهمية الشراكة الدولية وتوحيد وتفعيل الجهود الدولية، بهدف المحافظة على الأسس التي قامت لأجلها الحياة، وهي النفس البشرية.
وحينما أتحدث عن تلك الجوانب الإنسانية من واقع منصبي الحالي، فإنني أنظر إلى ذلك الاهتمام الكبير من سمو أمير البلاد بالجانب العلمي، وعنايته البالغة بكل ما يتعلق بمجالاته، باعتباره يمثل أحد الاهتمامات التي تجمع بين أبناء البشر، ونقطة التقاء بين كل الأمم، ودعامة يمكن الاعتماد عليها في تحقيق التفاهم ونشر السلام بين دول العالم المختلفة.
لقد كان اهتمام سمو أمير البلاد المتواصل بالعلم نابعًا من رؤيته الثاقبة للآفاق التي يفتحها على العالم من حيث بناء العلاقات والتفاهمات، وللإنجازات التي يمكن أن يحققها لبلد صغير كالكويت، ولإسهاماته التي يمكن الاعتماد عليها في بناء كوادر وطنية مبدعة خلاقة تحمل على كاهلها مهمة بناء الوطن ورفعته وتقدمه ورخائه.
ولقد عُرف ذلك التوجه عن سموه منذ أن كان وزيرًا للخارجية بعيد استقلال دولة الكويت نحو دعم إنشاء مؤسسات علمية وبحثية رائدة في البلاد ورعايتها ودعمها بكل الوسائل والإمكانات، وتحفيز العطاء والإبداع والابتكار والبحث العلمي، وتشجيع الباحثين والمبدعين من الشباب والأكاديميين العلميين، وتكريم أصحاب الإنجازات العلمية الرفيعة، ورعاية الفعاليات العلمية المتنوعة، وتوجيه سموه الجهات العلمية المعنية في القطاعين العام والخاص نحو تنفيذ المشروعات العلمية المتنوعة التي تسهم في تحقيق التنمية المنشودة في البلاد.
وعلى صعيد مؤسسة الكويت للتقدم العلمي - التي شرفني سموه بتكليفي بتولي منصب المدير العام فيها في عام 2011 – فإن المؤسسة تستلهم من توجيهات سموه  كل ما هو خَيّر ويعود بالنفع العظيم على الوطن والمواطنين في مجالات عملها. فما المؤسسة إلا نتاج تلاقي الرؤية السامية لأمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح – طيب الله ثراه – مع مبادرة من قيادات الشركات المساهمة في القطاع الخاص من خلال غرفة تجارة وصناعة الكويت. وهكذا تواصل المؤسسة بعد ذلك خطواتها المباركة حين تشرفت بترؤس سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد - حفظه الله ورعاه - لمجلس إدارتها، ما خلق حافزًا مضاعفًا لبذل قصارى الجهد لتحقيق المزيد من الإنجازات على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي. فأنشأت على سبيل المثال مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع، ومركز جابر الأحمد للطب النووي والتصوير الجزيئي، إضافة إلى المراكز التي سبق إنشاؤها كالمركز العلمي، ومعهد دسمان للسكري، حيث تحظى جميعها دومًا باهتمام ورعاية سموّه. يضاف إلى ذلك رعاية ودعم سموّه للكثير من الاتفاقيات والبرامج الدولية المشتركة بين المؤسسة والجامعات العالمية المرموقة ومراكز البحث العلمي، مثل جامعة هارفارد وجامعة ساينسزبو وجامعة لندن للاقتصاد وغيرها، بهدف تطوير التعاون الثقافي والعلمي وتبادل الخبرات بين علماء الكويت وطلبتها من جانب ونظرائهم في تلك المؤسسات الأكاديمية العريقة من جانب آخر لخدمة التنمية في الكويت ومحيطها والعالم. 
ومن المشروعات التي تنفذها المؤسسة وتحظى باهتمام خاص من لدن سموه، والتي يحرص على رعايتها وحضورها، جائزة الكويت للمبدعين من العلماء العرب والكويتيين. وكذلك المبادرة التي أطلقها سموه باسم جائزة د.عبدالرحمن السميط والمتمثلة بتخصيص مليون دولار سنويًا للتنمية الإفريقية، حيث أعلن عنها سموه في مؤتمر القمة العربية - الإفريقية الثالث عام 2013. وتعنى هذه الجائزة بتقدير وتكريم أفضل الدراسات والأبحاث التطبيقية التي من شأنها دفع عجلة التقدم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا لتحسين الرعاية الصحية ومحو الأمية وتحقيق العدالة في توزيع الموارد الاقتصادية. وقد شمل سموه برعايته كذلك مشروع جامعة الكويت الافتراضية التي ستحقق أحلام أعداد كبيرة من الشباب العربي، الذين تحول ظروفهم حاليًا دون استكمال تعليمهم، وغيرها من المشروعات العلمية ذات الطابع الإنساني والبعدين العربي والعالمي ضمن أغراض المؤسسة وأهدافها.
ومن المشروعات العلمية التي كانت ولا تزال تحظى بالدعم اللامحدود من سمو أمير البلاد، تلك المتعلقة بالاستفادة من الطاقة الشمسية، وتسخيرها لخدمة أغراض التنمية المختلفة في البلاد، ولاسيما أن البلاد تنعم بكميات وفيرة من تلك الطاقة المتجددة، وبإمكانها الحد من الاعتماد على المورد الأساسي لاقتصاد الكويت المتمثل في نعمة النفط التي جادت بها أرض الكويت، وساهمت على مدار العقود السبعة الماضية في تحقيق التنمية والازدهار فيها. ولهذا الغرض، فقد حرص سمو أمير البلاد على تطوير علاقات الكويت بدول العالم وتوظيفها لتعزيز القدرات العلمية الكويتية بشكل عام، من خلال تشجيع ودعم التعاون العلمي مع الدول الصديقة المتقدمة في مجال العلوم والتكنولوجيا، وعلى وجه الخصوص التعاون في مجال تطوير الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال، دعم سموه حين كان وزيرًا للخارجية للتعاون العلمي بين معهد الكويت للأبحاث العلمية وجمهورية ألمانيا الاتحادية لبناء وتشغيل أول محطة تجريبية لتوليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية الحرارية في منطقة الخليج العربي في العام 1984م.
وقد سعت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي للمشاركة في تنفيذ رؤية سموه المتمثلة في استهداف الاستفادة من الطاقة المتجددة بنسبة 15 بالمائة بحلول العام 2030م. فقد أنجزت المؤسسة في سبيل ذلك عددًا من المشروعات العلمية الرائدة بالتعاون مع العديد من المؤسسات العلمية والحكومية، في مقدمتها المنحة الأميرية لبناء مختبر متكامل لأنظمة الطاقة الشمسية في معهد الكويت للأبحاث العلمية عام 2011م، والتي مكنت المعهد من تطوير قدراته والإعداد لمشروع معهد الكويت للأبحاث العلمية لبناء مجمع الشقايا للطاقات المتجددة بالتعاون مع وزارة الكهرباء والماء، الذي يتضمن تصميم وإنشاء وتشغيل أول محطة متكاملة لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة بسعة 70 ميجاوات، كمقدمة للتوسع في بناء محطات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية يخطط لأن تصل قدراتها إلى نحو 2000 ميجاوات بعد نحو عقدين من الآن. 
ومن تلك المشروعات أيضًا مشروع توليد الطاقة الكهربائية على مباني وزارتي الكهرباء والماء والأشغال، كخطوة نحو تعميم استخدام الطاقة الشمسية على مختلف مؤسسات الدولة وتحويل الكويت إلى بلد صديق للبيئة، إضافة إلى مشروع توليد الطاقة الشمسية في عدد من الجمعيات التعاونية الكويتية بدعم وتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
ومن المشروعات الرائدة أيضًا مشروع نموذجي تدعمه وتموله المؤسسة بتوجيه ورعاية من سموه لاستخدام أنظمة الخلايا الكهروضوئية لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في 150 منزلاً، لتشجيع تعميم استخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء في المنازل، بهدف تقليص الأحمال على الشبكة الكهربائية والحفاظ على الموارد النفطية، والحد من الآثار البيئية المترتبة على انبعاث الغازات الضارة المسببة للاحتباس الحراري.

اهتمامات شخصية
وعلى الصعيد الشخصي، فإن بصمات سمو أمير البلاد كانت حاضرة في معظم مراحل مسيرتي الدراسية والمهنية، وكانــت توجيــــهاتــــه الساميــــة – ولا تزال - من خلال العلاقة التي ربطت والدي - رحمه الله - بسموه منذ قدوم والدي إلى الكويت عام 1936م رئيسًا للبعثة التعليمية الفلسطينية حين كان سموه يتلقى تعليمه في المدرسة المباركية. وبالنسبة لي شخصيًا، فإن دعم سموه اللامحدود في جميع المناصب التي تبوأتها، أو تلك التي شرفني سموه بها ثقة أعتز بها وأثمنها.
فبعد حصولي على درجة الدكتوراه في الهندسة النووية عام 1970م، من جامعة بيركلي في الولايات المتحدة الأمريكية، سعيت إلى توسيع اهتمامي ليشمل مجال الطاقة المتجددة، ومدى إمكان الاستفادة منها وتطبيقها في دولة الكويت حينما توليت منصب المدير العام لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، في الفترة ما بين عامي 1976م و1986م، حيث كان سموه شديد الاهتمام بإنجازات المعهد ومتابعة مشروعاته المتنوعة بما فيها مشروعات الطاقة المتجددة، وحريصًا على توجيه المعهد للاهتمام بتطوير الأبحاث التطبيقية لإيجاد الحلول الناجعة لقضايا التنمية في الكويت في مجالات الطاقة والبيئة والصحة والغذاء، وتشجيع المعهد للتواصل مع المؤسسات البحثية والعلمية المرموقة في شتى أنحاء العالم لتعزيز التعاون العلمي معها، والاستفادة من خبراتها وتجاربها المتميزة في مجالات العلم المختلفة، تطبيقًا لسياسة الانفتاح على الإنسانية في مجال تتلاقى فيه جميع الأمم والشعوب، ليكون منبرًا عالميًا للتفاهم والتعاون. 
ولا أنسى في هذا المقام أيضًا الدعم والتشجيع اللذين حظيت بهما من سمو أمير البلاد عندما كان نائبًا لرئيس مجلس الوزراء وزيرًا للخارجية بترشيحي للعمل في عدد من منظمات الأمم المتحدة ممثلاً لدولة الكويت، انطلاقًا من عملي مديرًا للمكتب الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بالقاهرة ومن ثم مديرًا في إدارة التعاون الفني بالوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، ثم تولي منصبي الأمين العام بالإنابة لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومدير الأبحاث فيها. وكل ذلك في إطار رؤية سموه الحكيمة لأهمية مشاركة الخبرات الكويتية المؤهلة للعمل في المنظمات الإقليمية والدولية لتعزيز التعاون الدولي, بما يسهم في تطوير مهارات الكفاءات الكويتية والاستفادة من تجاربها وخبراتها في عملية التنمية في البلاد. 
ما من شك في أن رؤية سمو أمير البلاد السديدة نحو الاستفادة من العلم في تعزيز التعاون بين الأمم، وجعله محورًا للتلاقي والتفاهم بين الشعوب، ومنارة للتآخي والسلام بين قارات العالم، ونظرة سموه الاستشرافية التي تدعو إلى تعزيز دور العلم والبحث العلمي في الكويت بالتعاون مع المؤسسات العلمية المرموقة في المحيطين العربي والعالمي، وتأهيل الكفاءات العلمية الوطنية للإسهام في عملية التنمية المنشودة، كانت جانبًا من جوانب عديدة لعطاءات سموه في العمل الإنساني ورؤاه الحكيمة التي جعلت العالم يتوج سموه قائدًا للعمل الإنساني، ويتوج الكويت في ظل سموه مركزًا عالميًا للعطاء الإنساني ■