قصص قصيرة.. جدًا

قصص قصيرة.. جدًا

أقنعة

بكى‭ ‬المهرج‭ ‬كثيرا‭.‬

بكى‭ ‬المهرج‭ ‬طويلا‭.‬

كان‭ ‬القناع‭ ‬يخفي‭ ‬دمعه‭ ‬المتقاطر‭ ‬صوب‭ ‬العنق،‭ ‬باتجاه‭ ‬الصدر‭.‬

في‭ ‬آخر‭ ‬المشهد‭ ‬خلع‭ ‬المهرج‭ ‬قناعه،‭ ‬لكن‭ ‬وجهه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬باكيا‭.‬

أعــــاد‭ ‬القــــناع‭ ‬مرة‭ ‬أخـــرى،‭ ‬ومــــضــــى‭ ‬خارجا،‭ ‬سار‭ ‬كــــثــــيرا،‭ ‬سار‭ ‬طــــويلا‭.. ‬لا‭ ‬يعــــلم‭ ‬إلــــى‭ ‬أيــــن،‭ ‬فاجــأتـــــه‭ ‬كثرة‭ ‬الأقنعة‭ ‬عــلى‭ ‬ضفـــتي‭ ‬دربــــه‭.‬

تحسس‭ ‬وجهه،‭ ‬وتعجب‭: ‬هل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مرتديا‭ ‬القناع؟‭!‬

 

حيرة

على‭ ‬مدارج‭ ‬القلب‭ ‬اتخذ‭ ‬طريقه‭.‬

درجة‭ ‬درجة،‭ ‬سلما‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭.‬

يا‭ ‬لهذا‭ ‬القلب‭ ‬ما‭ ‬أوسعه‭!‬

أخبرها‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قلبه،‭ ‬وأنها‭ ‬ستبقى‭ ‬وحدها‭ ‬تتخذ‭ ‬تلك‭ ‬المدارج‭.‬

باغتته‭ ‬بالسؤال‭: ‬صعودا‭ ‬أم‭ ‬هبوطا؟‭!‬

 

عبث

عبث‭ ‬معها‭ ‬ذات‭ ‬مرة،‭ ‬وافترقا‭.‬

كرر‭ ‬العبث‭ ‬مع‭ ‬أخريات،‭ ‬وظل‭ ‬يمارس‭ ‬فعل‭ ‬الافتراق‭.‬

لم‭ ‬يكتشف‭ ‬إلا‭ ‬متأخرا‭ ‬جدا،‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬كانت‭ ‬تعبث‭ ‬به‭ (‬وليس‭ ‬معه‭) ‬مرات‭ ‬لا‭ ‬تحصى،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرات‭ ‬عبثه‭ ‬معهن‭.‬

 

مرارة

مضغ‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬فمه،‭ ‬بلغت‭ ‬نكهته‭ ‬أعمق‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬حلقه‭.‬

شعر‭ ‬بالغثيان‭.‬

وحين‭ ‬تقيأ،‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬الإجابة‭ ‬تخرج‭ ‬صفراء‭ ‬مقرفة،‭ ‬كأنها‭ ‬تصعد‭ ‬من‭ ‬مرارته،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬الحلق،‭ ‬لم‭ ‬يتجاوزه‭.‬

عسر

حين‭ ‬أحبها‭ ‬اكتشف‭ ‬أنه‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

أعجبته‭ ‬فكرة‭ ‬الميلاد‭ ‬الجديد،‭ ‬وظل‭ ‬يكررها‭.‬

مع‭ ‬واحدة‭ ‬عرف‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬عسر‭ ‬في‭ ‬الولادة‭.. ‬عسر‭ ‬مميت‭.‬

 

ليلى

خرجت‭ ‬من‭ ‬بيتها‭.. ‬مبتسمة‭.‬

افترسها‭ ‬الذئب،‭ ‬راضيـــة،‭ ‬وقالت‭ ‬له‭: ‬أحبك‭.‬

عادت‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬مدارية‭ ‬البقع‭ ‬الحمراء‭ ‬الداكنة‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تقلق‭ ‬جدتها‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬الدم،‭ ‬قالت‭ ‬لجدتها‭: ‬لم‭ ‬يأكلني‭ ‬الذئب‭ ‬يا‭ ‬جدتي،‭ ‬وسأخرج‭ ‬في‭ ‬الليلة‭ ‬التالية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وقالت‭ ‬في‭ ‬سرها‭: ‬ما‭ ‬ألذ‭ ‬افتراسه‭.‬

 

استعادة

السيارة‭ ‬الفخمة‭ ‬قريبة‭ (‬جدا‭) ‬من‭ ‬باب‭ ‬المكتب‭ ‬الفاخر‭.. ‬تفصلهما‭ ‬مكاتب‭ ‬منســـقـــيـــن‭ ‬ومنســقات،‭ ‬رأى‭ ‬صورته‭ ‬في‭ ‬الصحيفة‭ ‬المنبسطة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الطــــاولة‭ ‬الراقي،‭ ‬باغـــتـــته‭ ‬ذكرى‭ ‬اجتهد‭ ‬في‭ ‬مسحها‭ ‬حد‭ ‬الإنهاك،‭ ‬اســتعادت‭ ‬ذاكرته‭ ‬حفلة‭ ‬البصق‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬بائسة‭.. ‬ليلتها‭ ‬بصقوا‭ ‬كثيرا‭.. ‬بصقوا‭ ‬طويلا‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬المسئولين‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬محلية،‭ ‬كان‭ ‬القهر‭ ‬يمزق‭ ‬صدره‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لسعة‭ ‬الشراب‭ ‬في‭ ‬كأسه‭.‬

أحس‭ ‬بوخزة‭ ‬قهر‭ ‬أخرى،‭ ‬شاعرا‭ ‬بلزوجة‭ ‬بصقة‭ ‬تصفع‭ ‬وجهه‭ ‬من‭ ‬رفاق‭ ‬الأمس‭. ‬

 

ظل

يوم‭ ‬أن‭ ‬عرف‭ ‬الخوف‭ ‬طارده‭ ‬ظله،‭ ‬لم‭ ‬تفده‭ ‬سرعته‭ ‬في‭ ‬تفادي‭ ‬هذا‭ ‬الخيال‭ ‬الأسود‭ ‬الراكض‭ ‬وراءه،‭ ‬فجأة‭ ‬استـــدار،‭ ‬وكان‭ ‬الظل‭ ‬يركض‭ ‬أمامه‭.‬

‭ ‬تبيّن‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬أن‭ ‬ظله‭ ‬يرقد‭ ‬خانعا‭ ‬تحت‭ ‬قدميه‭.. ‬كان‭ ‬فرحا‭ ‬متلذذا‭ ‬يدوس‭ ‬على‭ ‬ظله،‭ ‬كراقص‭ ‬أغوته‭ ‬موسيقى‭ ‬تهز‭ ‬بدنه‭.. ‬مرتعشا‭ ‬بموجات‭ ‬كهربائية‭ ‬تصعقه‭.‬

لكن‭ ‬ظله‭ ‬كان‭ ‬يرقص‭ ‬معه‭ ‬‭.