الرقصة الطقوسية رقصة الهبيش في حضرموت أنموذجا

الرقصة الطقوسية رقصة الهبيش في حضرموت أنموذجا

استدل‭ ‬الباحث‭ ‬بأن‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬الحضرمية‭ ‬رقصة‭ ‬طقوسية‭ ‬قديمة‭ ‬تغيرت‭ ‬وظيفتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والطقوسية‭ ‬من‭ ‬التعبد‭ ‬للإله‭ ‬‮«‬سين‮»‬‭ (‬إله‭ ‬القمر‭ ‬عند‭ ‬الحضارم‭) ‬إلى‭ ‬وظيفة‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬بقول‭ ‬الشاعر‭:‬

على‭ ‬ضوء‭ ‬ذا‭ ‬الكوكب‭ ‬الساري‭ ‬

باقضي‭ ‬الليل‭ ‬خبه‭ ‬وسيره‭ ‬

ذلك‭ ‬البيت‭ ‬الشعري‭ ‬الذي‭ ‬يعظم‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬الكوكب‭ ‬المعبود‭ ‬قديما‭ ‬ويحكي‭ ‬قصة‭ ‬اكتمال‭ ‬القمر‭ ‬وتعظيمه‭ ‬اعتبر‭ ‬أساسا‭ ‬ومرجعا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬السمر‭ ‬والشرح‭ (‬للباحث‭ ‬الحضرمي‭: ‬صالح‭ ‬سعيد‭ ‬باشنتوف،‭ ‬مخطوطة‭ ‬2004م‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬بنى‭ ‬عليه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشعار‭ ‬أشعارهم‭ ‬وحاكوه،‭ ‬وقد‭ ‬كثرت‭ ‬الأقوال‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬هذا‭ ‬البيت،‭ ‬فبعضهم‭ ‬نسبه‭ ‬إلى‭ ‬الجن،‭ ‬وآخرون‭ ‬نسبوه‭ ‬إلى‭ ‬شاعر‭ ‬مجهول،‭ ‬بينما‭ ‬اختار‭ ‬البعض‭ ‬السلامة‭ ‬فنسبوه‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ (‬تسمى‭ ‬القصيدة‭ ‬كثيرة‭ ‬الحركة‭ ‬وذات‭ ‬الإيقاعات‭ ‬السريعة‭ ‬والمقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬الطويلة‭ ‬‮«‬قصيدة‭ ‬شرحية‮»‬،‭ ‬ويقال‭ ‬لمن‭ ‬يمارسها‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬‮«‬‭ ‬مشترحون‭ ‬‮«‬وللنساء‮»‬‭ ‬‮«‬مشترحات‮»‬‭)‬‭.‬

إن‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬ظاهرة‭ ‬أو‭ ‬رقصة‭ ‬تراثية‭ ‬شفهية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مسجلة‭ ‬بأنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬أو‭ ‬رقصة‭ ‬طقوسية‭ ‬صعب‭ ‬جدا‭ ‬لتقادم‭ ‬الزمان‭ ‬وتغير‭ ‬القيمة‭ ‬الوظيفية‭ ‬والثقافية‭ ‬من‭ ‬العبادة‭ ‬للآلهة‭ ‬وتعظيمها‭ ‬وشكرها‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬وظيفية‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية‭ ‬عند‭ ‬ترسخ‭ ‬قيم‭ ‬الإسلام‭ ‬وأحكامه‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المسلمة،‭ ‬والدوافع‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬الباحث‭ ‬لدراسة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الصعبة‭ ‬‮«‬الرقصة‭ ‬الطقوسية‮»‬‭ ‬أجملها‭ ‬في‭ ‬الآتي‭:‬

‭<‬‭ ‬ما‭ ‬تمتاز‭ ‬به‭ ‬حضرموت‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬تاريخي‭ ‬ضاربٍ‭ ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الغابر،‭ ‬والتنوع‭ ‬والتعدد‭ ‬لتنوع‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والطقس،‭ ‬إضافة‭ ‬لحالات‭ ‬التأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬كمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الرقصات‭ ‬والألعاب‭ ‬الشعبية‭ ‬بعضها‭ ‬مازال‭ ‬قائمًا‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬انقرض‭ ‬واندثر‭.‬

‭<‬‭ ‬الدور‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬المقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬والإيقاعات‭ ‬الموسيقية‭ ‬للرقصات‭ ‬الحضرمية‭ ‬والأغنية‭ ‬الحضرمية؛‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬الرقصة‭ ‬تتطلب‭ ‬مقاطع‭ ‬شعرية‭ ‬متنوعة‭ ‬وطويلة،‭ ‬تواكب‭ ‬الإيقاعات‭ ‬الشعرية‭ ‬المتعددة‭ ‬والمتنوعة‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الحركة‭ ‬الكثيرة‭ ‬والسريعة‭ ‬في‭ ‬الرقصة،‭ ‬ولذلك‭ ‬رأى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬أن‭ ‬‮«‬رقصة‭ ‬الهبيش‮»‬‭ ‬هي‭ ‬أصل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الرقصات‭ ‬والإيقاعات‭ ‬والأنواع‭ ‬الغنائية‭ ‬الحضرمية‭.‬

‭<‬‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تمسك‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬الحضرية‭ ‬والبيئة‭ ‬البدوية‭ ‬برقصاتها‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬وإيقاعاتها‭ ‬المتناسبة‭ ‬مع‭ ‬بيئتها،‭ ‬فإن‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬ذات‭ ‬الأصل‭ ‬البدوي‭ ‬شكلت‭ ‬محل‭ ‬اجتماع‭ ‬بين‭ ‬الحضر‭ ‬والبدو،‭ ‬فهي‭ ‬رقصة‭ ‬متطورة‭ ‬متحركة‭ ‬غير‭ ‬جامدة،‭ ‬تطورت‭ ‬إيقاعاتها‭ ‬ومقاطعها‭ ‬الشعرية‭ ‬بتطور‭ ‬التمازج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

‭<‬‭ ‬الغموض‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬أحاط‭ ‬برقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬والهالة‭ ‬القدسية‭ ‬والأسطورية‭ ‬التي‭ ‬أعطت‭ ‬للرقصة‭ - ‬وقد‭ ‬تصدر‭ ‬المسمى‭ ‬الآتي‭ ‬‮«‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬ذلك‭ ‬الحضور‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬الغموض‮»‬‭ - ‬عنوانا‭ ‬للبحث،‭ ‬فالبعض‭ ‬نسبها‭ ‬للشياطين‭ ‬والجن،‭ ‬وآخرون‭ ‬اعتبروها‭ ‬رقصة‭ ‬طقوسية‭ ‬لعبادة‭ ‬القمر،‭ ‬وهكذا‭ ‬تضاربت‭ ‬فيها‭ ‬الآراء‭ ‬واختلفت‭ ‬التفاسير‭ ‬المتأثرة‭ ‬بالطابع‭ ‬الأسطوري‭.‬

‭<‬‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬مصادر‭ ‬أو‭ ‬مراجع‭ ‬مكتوبة‭ ‬حول‭ ‬نشأة‭ ‬الرقصة‭ ‬وتاريخها‭ ‬عبر‭ ‬الأزمنة‭ ‬والتطورات‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬عليها‭ ‬خلال‭ ‬تاريخها‭ ‬والتأثيرات‭ ‬التي‭ ‬تتأثر‭ ‬بها‭ ‬سلبا‭ ‬وإيجابا‭.‬

‭<‬‭ ‬الموقف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والديني‭ ‬الرافض‭ ‬لهذه‭ ‬الرقصة،‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬المواقف‭ ‬الرافضة‭ ‬للرقصة‭ ‬بالآتي‭:‬

‭- ‬غير‭ ‬مقبولة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬المدن،‭ ‬إذ‭ ‬تتم‭ ‬معارضتها،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬هواتها‭ ‬يمارسونها‭ ‬دائمًا‭ ‬خارج‭ ‬المدن‭ ‬مع‭ ‬السماح‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬المناسبات؛‭ ‬وحجة‭ ‬تلك‭ ‬الفئات‭ ‬المعارضة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬يحدث‭ ‬فيها‭ ‬الاختلاط‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬علنًا‭.‬

‭- ‬ولأنها‭ ‬أيضًا‭ ‬باللهجة‭ ‬العامية‭.‬

ولأنها‭ ‬‮«‬ليست‭ ‬صفو‭ ‬أهل‭ ‬البلاد‮»‬‭. ‬يعني‭ ‬ليست‭ ‬الرقصة‭ ‬الرئيسة‭ ‬لأهل‭ ‬البلد‭ ‬والمعترف‭ ‬بها‭ ‬اجتماعيا‭.‬

‭- ‬تدخل‭ ‬السلطة‭ ‬ممثلة‭ ‬بالحكام‭ ‬لمنع‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬إرضاء‭ ‬لتلك‭ ‬الفئات‭ ‬بموجب‭ ‬حجج‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬أخلاقية؛‭ ‬لما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬مشاركة‭ ‬فاعلة‭ ‬للمرأة‭.‬

‭- ‬لكونها‭ ‬رقصة‭ ‬‮«‬الشياطين‮»‬‭.‬

‭- ‬لأنها‭ ‬تترك‭ ‬أثرا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬مشاعر‭ ‬المشترحين‭ ‬أثناء‭ ‬الرقصة،‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬بالبعض‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬فقدان‭ ‬الشعور‭ ‬الذي‭ ‬يتقمص‭ ‬الراقص‭ ‬ويعرف‭ ‬بالعامية‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الغي‮»‬‭.‬

‭- ‬ما‭ ‬ينشأ‭ ‬أثناء‭ ‬ممارسة‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬عشق‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الرجال‭ ‬وبعض‭ ‬الراقصات‭.‬

‭- ‬إثارة‭ ‬النعرات‭ ‬القبلية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬أثناء‭ ‬ممارسة‭ ‬الرقصة،‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬ترفض‭ ‬المشترحة‭ ‬مشاركة‭ ‬الرقص‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬لاعتبارات‭ ‬قبلية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭.‬

‭- ‬أصدر‭ ‬السلطان‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬غالب‭ ‬القعيطي‮»‬‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مرسوما‭ ‬يمنع‭ ‬إقامتها‭ ‬داخل‭ ‬المدن‭.‬

‭- ‬صدرت‭ ‬وثيقة‭ ‬بمنطقة‭ ‬الصداع‭ ‬بتاريخ‭ ‬1322هـ‭ ‬تمنع‭ ‬نساء‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬شرح‭ ‬البدو‭.‬

 

النشأة‭ ‬والموطن

أعاد‭ ‬الباحث‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬لأصلها‭ ‬اللغوي،‭ ‬فمعنى‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬هبيش‮»‬‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أعاد‭ ‬معظم‭ ‬المعاني‭ ‬اللغوية‭ ‬لكلمة‭ ‬‮«‬الهبيش‮»‬‭ ‬للأصل‭ ‬‮«‬فعل‭ ‬جمع‭ ‬الشيء‭ ‬أو‭ ‬تجميعه،‭ ‬أو‭ ‬تجمُّع‭ ‬لقوم‭ ‬غير‭ ‬متجانس‮»‬،‭ ‬فالتسمية‭ ‬لهذه‭ ‬الرقصة‭ ‬أتت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الفعل،‭ ‬وهو‭ ‬تجمع‭ ‬أولئك‭ ‬النفر‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬وتأديتهم‭ ‬لتلك‭ ‬‮«‬الرقصة‮»‬‭ ‬بصورة‭ ‬إيقاعية‭ ‬منسجمة‭ ‬تمامًا‭. ‬وحين‭ ‬العودة‭ ‬لشهادات‭ ‬الرواة‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬ونشأة‭ ‬الرقصة‭ ‬أتت‭ ‬الإجابات‭ ‬محملة‭ ‬بعنصري‭ ‬الخرافة‭ ‬والأسطورة‭.‬

الرواية‭ ‬الشائعة‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬قديمة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬عاد،‭ ‬وأن‭ ‬قوم‭ ‬عاد‭ ‬سكنوا‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬ضبضب‭ ‬كما‭ ‬يقولون‮»‬‭ (‬جبل‭ ‬ضبضب‭ ‬بمدينة‭ ‬الشحر‭ ‬بساحل‭ ‬حضرموت‭).‬

رأي‭ ‬آخر‭ ‬يزعم‭ ‬بأن‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬كانت‭ ‬تقام‭ ‬بمنطقة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬جعارة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬عرف‭ (‬وادي‭ ‬عرف‭ ‬بمنطقة‭ ‬غيل‭ ‬بن‭ ‬يمين‭ ‬بساحل‭ ‬حضرموت‭)‬؛‭ ‬ولأن‭ ‬الناس‭ ‬هناك‭ ‬بجعارة‭ (‬جعيرة‭) ‬كثرت‭ ‬معاصيهم‭ ‬وذهبوا‭ ‬مع‭ ‬اللهو‭ ‬والمجون‭ ‬فأهلكهم‭ ‬الله‭.‬

إن‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬ليست‭ ‬‮«‬إنسية‮»‬‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬‮«‬جنية‮»‬‭ ‬أخذها‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬الجن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاستماع‭.‬

 

موطن‭ ‬الرقصة

تمارس‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬محدودة‭ ‬المساحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬نسبيا‭ ‬في‭ ‬ساحل‭ ‬حضرموت،‭ ‬وتمتد‭ ‬من‭ ‬الصداع‭ ‬غربًا‭ ‬إلى‭ ‬الديس‭ ‬الشرقية‭ ‬شرقًا‭ ‬والمشقاص‭. (‬المشقاص‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ليست‭ ‬منطقة‭ ‬أو‭ ‬مدينة‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬جهة‭ ‬ومقابلها‭ ‬معراب‭)‬،‭ ‬وتمتد‭ ‬المشقاص‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬الحامي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الريدة‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬حضرموت‭ ‬فقط،‭ ‬لكن‭ ‬مصطلح‭ ‬العامة‭ ‬اتفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬قصيعر‭ ‬والريدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬بالمشقاص‭.‬

 

وصف‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬وطريقة‭ ‬ممارستها

أولا‭: ‬الشكل‭ ‬والعدد

تقام‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬يتراوح‭ ‬عددهم‭ ‬بين‭ ‬الأربعة‭ ‬والعشرين‭ ‬والثلاثين‭ ‬فردًا‭ ‬وأغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬تقام‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العدد،‭ ‬ويتقابل‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬في‭ ‬صفين‭ ‬متوازيين‭ ‬كل‭ ‬صف‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬شنفا‮»‬‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬خالٍ‭ ‬ومستو‭ ‬يسمى‭ ‬مداره‭.‬

ثانيا‭: ‬التمهيد‭ ‬للرقصة

يشرع‭ ‬شخصان‭ ‬بترديد‭ ‬صوت‭ ‬من‭ ‬‮«‬الدان‮»‬‭ (‬يستعمل‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الدان‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬صوت‭ ‬إيقاعي،‭ ‬ويستعمل‭ ‬‮«‬الدان‮»‬‭  ‬بمعنى‭ ‬نوع‭ ‬غنائي‭ ‬متكامل‭ ‬الأغراض‭ ‬الشعرية‭ ‬والإيقاعات‭  ‬الموسيقية‭)‬‭ ‬لتحفيز‭ ‬الشعار‭ ‬والمشترحين‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الرقص،‭ ‬ويشترط‭ ‬في‭ ‬الشخصين‭ ‬اللذين‭ ‬يرددان‭ ‬صوت‭ ‬‮«‬الدان‮»‬‭ ‬أن‭  ‬يمتازا‭ ‬بحسن‭ ‬الصوت‭ ‬وسرعة‭ ‬البديهة‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬الشعر‭ ‬وقوله،‭ ‬وتجرى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مساجلة‭ ‬شعرية‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭. ‬‮«‬الدان‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يغنيه‭ ‬أو‭ ‬يقدمه‭ ‬هذان‭ ‬الشخصان‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬صوتاً‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬لحنًا‭ ‬يظل‭ ‬يتداول‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬بقية‭ ‬المشترحين‭ ‬جالسين‭ ‬لكي‭ ‬يحفظوا‭ ‬كلمات‭ ‬الشعر‭ ‬التي‭ ‬يقولها‭ ‬الشاعر؛‭ ‬لأنهم‭ ‬سوف‭ ‬يغنونها‭ ‬أثناء‭ ‬الرقصة‭.‬

ثالثا‭: ‬بداية‭ ‬الرقصة

تبدأ‭ ‬الرقصة‭ ‬عندما‭ ‬يبدأ‭ ‬شخص‭ ‬منهم‭ ‬متفق‭ ‬عليه،‭ ‬ويكون‭ ‬ذا‭ ‬خبرة‭ ‬قديمة‭ ‬بالرقصة‭ ‬فيقوم‭ ‬بالتصفيق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬وسط‭ ‬الساحة‭ ‬المخصصة‭ ‬للرقصة،‭ ‬وتسمى‭ ‬هذه‭ ‬الساحة‭ ‬‮«‬المدارة‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬ذلك‭ ‬التصفيق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬فيسمى‭ ‬‮«‬كسر‭ ‬الصوت‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬إشارة‭ ‬البدء‭ ‬بالرقصة‭ ‬فيقوم‭ ‬الراقصون‭ ‬‮«‬المشترحون‮»‬‭ ‬بتشكيل‭ ‬صفين‭ ‬يسمى‭ ‬كل‭ ‬صف‭ ‬‮«‬شنفًا‮»‬‭. ‬المساحة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الصفين‭ ‬تقدر‭ ‬بحوالي‭ ‬أربعة‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬أمتار‭ ‬تقريبًا‭ ‬يقوم‭ ‬هؤلاء‭ ‬بالغناء‭ ‬والتصفيق،‭ ‬وكل‭ ‬شنف‭ ‬يؤدي‭ ‬شطرًا‭ ‬من‭ ‬القصيدة،‭ ‬ويكون‭ ‬التصفيق‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ضربة‭ ‬واحدة،‭ ‬يعني‭ ‬‮«‬كفا‭ ‬واحدا‮»‬‭. ‬بعد‭ ‬برهة‭ ‬يخرج‭ ‬إلى‭ ‬وسط‭ ‬المدارة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشخاص‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الرقصة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة‭ ‬أو‭ ‬المسئولين‭ ‬عن‭ ‬الرقصة،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬الثلاثة‭ ‬أحدهم‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬محيق‮»‬‭ ‬والفردان‭ ‬الآخران‭ ‬يسميان‭ ‬‮«‬مرحبين‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تأتي‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬ترقص‭ ‬بهذه‭ ‬الرقصة‭ ‬وتسمى‭ ‬‮«‬الراعية‮»‬‭ ‬فتدخل‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬جوانب‭ ‬المدارة‭ ‬وبالذات‭ ‬الجهة‭ ‬اليمنى‭ ‬ويكون‭ ‬أمامها‭ ‬أولئك‭ ‬الثلاثة،‭ ‬فيقف‭ ‬أحدهم‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬ويتحرك‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬راقصًا‭ ‬‮«‬المحيق‮»‬،‭ ‬وأمامها‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه‭ ‬‮«‬المرحبان‮»‬‭ ‬يرقصون‭ ‬أيضًا‭ ‬ويمشون‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭... ‬وعند‭ ‬دخول‭ ‬الراعية‭ ‬إلى‭ ‬المدارة‭ ‬يتحول‭ ‬التصفيق‭ ‬من‭ ‬ضربة‭ ‬واحدة‭ ‬إلى‭ ‬ضربتين‭ ‬مزدوجتين‭ ‬مع‭ ‬ضـــرب‭ ‬الأرض‭ ‬بالأرجل‭.‬

وتستمر‭ ‬الرقصة‭ ‬أو‭ (‬الصوت‭) ‬كما‭ ‬يسمى‭ ‬شعبيًا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬نصف‭ ‬الساعة‭ ‬وخمس‭ ‬وأربعين‭ ‬دقيقة‭. ‬وبعدها‭ ‬ينتهي‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬مغادرة‭ ‬الراعية‭ ‬خارج‭ ‬المدارة‭.‬

رابعا‭: ‬المرأة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الرقصة‭ (‬الراعية‭)‬

تعتبر‭ ‬المرأة‭ ‬العنصر‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تلبسه‭ ‬من‭ ‬حلي‭ ‬تَصدر‭ ‬أصوات‭ ‬إيقاعية‭ ‬تعد‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬الإيقاع‭ ‬للرقصة‭ ‬كلها،‭ ‬وتكون‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬الراعية‮»‬‭ ‬قد‭ ‬لبست‭ ‬ملابس‭ ‬جميلة،‭ ‬ولبست‭ ‬أيضًا‭ ‬الحلي‭ ‬من‭ ‬الفضة،‭ ‬ويكون‭ ‬تحت‭ ‬إبطها‭ ‬خلخال‭ ‬يصدر‭ ‬صوتًا‭ ‬عندما‭ ‬تهتز،‭ ‬فتبدأ‭ ‬تدور‭ ‬داخل‭ ‬المدارة‭ ‬وتتحرك‭ ‬بين‭ ‬الصفين‭,‬‭ ‬وعندما‭ ‬تصل‭ ‬عند‭ ‬أحد‭ ‬تلك‭ ‬الصفوف‭ ‬تقف‭ ‬هناك‭ ‬لبرهة‭ ‬وتؤدي‭ ‬حركات‭ ‬اهتزازية،‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬الصف‭ ‬‮«‬الشنف‮»‬‭ ‬قد‭ ‬زاد‭ ‬الضرب‭ ‬بيديه‭ ‬ورجليه‭ ‬رافعًا‭ ‬صوته‭ ‬بالغناء‭ ‬حتى‭ ‬تغادرهم‭ ‬الراعية‭ ‬لتدور‭ ‬نصف‭ ‬دورة‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬الشنف‭ ‬الثاني‭ ‬وهكذا‭.‬

‭ ‬تقوم‭ ‬الراقصة‭ (‬الراعية‭) ‬برفع‭ ‬قدميها‭ ‬مسافة‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬وكأنها‭ ‬تقوم‭ ‬بعملية‭ ‬سحب‭ ‬قدميها‭ ‬وهي‭ ‬تظهر‭ ‬بشكلها‭ ‬هذا‭ ‬متقدمة‭ ‬بها‭ ‬نحو‭ ‬الراقص،‭ ‬وبينما‭ ‬الراقصة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬تعمد‭ ‬ذراعها‭ ‬اليمنى‭ ‬بالإمساك‭ ‬بالحجل‭: ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬فضة‭ ‬خالصة‭ ‬أسطوانية‭ ‬الشكل‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬مسكة‭ ‬اليد‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الحجم،‭ ‬وتلبس‭ ‬الراعية‭ ‬أيضا‭ ‬حزاما‭ ‬طويلا‭ ‬معلقا‭ ‬على‭ ‬كتف‭ ‬الراقصة،‭ ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬منحرف‭ ‬ويكون‭ ‬للحجل‭ ‬من‭ ‬أطرافه‭ ‬كرات‭ ‬من‭ ‬الفضة‭ ‬المجوفة‭ ‬التي‭ ‬تتدلى‭ ‬عليه‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬صوت‭ ‬الرنين،‭ ‬أما‭ ‬الذراع‭ ‬اليسرى‭ ‬للراقصة‭ ‬فتكون‭ ‬معطوفة‭ ‬على‭ ‬كتفها،‭ ‬وكأنه‭ ‬مثلث‭ ‬تلامس‭ ‬أطراف‭ ‬أصابعها‭ ‬الكتف،‭ ‬والبقاء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬متقدمة‭ ‬أمام‭ ‬الراقص‭ ‬تظهر‭ ‬الراقصة‭ ‬حركة‭ ‬هز‭ ‬خاصرها‭ ‬بخفة‭ ‬ودلال‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬هزه،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬اهتزاز‭ ‬الخلاخل‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬خصر‭ ‬الراقصة،‭ ‬والتي‭ ‬تعمل‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬الحجل‭ ‬الذي‭ ‬تمسكه‭ ‬بيدها‭ ‬اليمنى‭ ‬والذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إضفاء‭ ‬صوت‭ ‬رنان‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الأداء‭ ‬الإيقاعي‭ ‬وتصفيق‭ ‬الراقص‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‮»‬‭. ‬

خامسا‭: ‬الرجال‭ ‬المشاركون‭ ‬في‭ ‬الرقصة‭ (‬المشترحون‭)‬‭:‬

المشترحون‭ ‬يقومون‭ ‬بكل‭ ‬تلك‭ ‬العمليات‭ ‬الثلاث‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد؛‭ ‬التصفيق‭ ‬باليدين‭ ‬وضرب‭ ‬الأرض‭ ‬بالأرجل‭ ‬والغناء‭ ‬بصورة‭ ‬إيقاعية‭ ‬متناسقة‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الراعية‭ ‬وخلخالها‭ ‬الذي‭ ‬يصدر‭ ‬صوتًا‭ ‬إيقاعيًا‭ ‬منسقًا‭ ‬مع‭ ‬الرقصة‭. ‬الكل‭ ‬يتحرك‭ ‬بحركة‭ ‬ديناميكية‭ ‬مقدمين‭ ‬لوحة‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬لحن‭ ‬وحركة،‭ ‬وأي‭ ‬نشاز‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الراقصين‭ ‬يعرفون‭ ‬مصدره‭ ‬مباشرة‭ ‬ويطلبون‭ ‬منه‭ ‬مغادرة‭ ‬المدارة‭. ‬يتقدم‭ ‬الراقص‭ ‬ليصحب‭ ‬الراعية‭ ‬بثني‭ ‬قدمه‭ ‬للخلف،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬كعب‭ ‬القدم‭ ‬يلامس‭ ‬الركبة،‭ ‬أما‭ ‬ساقه‭ ‬الأخرى‭ ‬فيقف‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ويقوم‭ ‬عليها‭ ‬بعملية‭ ‬القفز‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭ ‬بحركة‭ ‬خفة،‭ ‬ويعمل‭ ‬الراقص‭ ‬خلال‭ ‬الرقص‭ ‬على‭ ‬التبديل‭ ‬بين‭ ‬إحدى‭ ‬ساقيه‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬متحركًا‭ ‬بهذه‭ ‬الحركة‭ ‬بالقفز‭ ‬للخلف،‭ ‬ويجر‭ ‬الراقصة‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬وسط‭ ‬حلبة‭ ‬الرقص‭ ‬بشكل‭ ‬نصف‭ ‬دائرة،‭ ‬ويتخلل‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬خلال‭ ‬التحرك‭ ‬للراقص‭ ‬التصفيق‭ ‬بالأيدي،‭ ‬وهي‭ ‬حركة‭ ‬تناغم‭ ‬تشاركها‭ ‬ضربات‭ ‬القدم‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬ويقوم‭ ‬الراقص‭ ‬أيضا‭ ‬بعمل‭ ‬حركة‭ ‬التفاف‭ ‬حول‭ ‬نفسه،‭ ‬وبينما‭ ‬هو‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحركة‭ ‬تعمد‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬الحوم‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬رأس‭ ‬الراقصة‭ ‬بحركة‭ ‬سريعة‭ ‬يكررها‭ ‬الراقص‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬متتابعة‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬التفافه‭ ‬حول‭ ‬نفسه‮»‬‭.‬

سادسا‭: ‬الملابس‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬رقصة‭ ‬الهبيش‮»‬

للرجال‭: ‬صماطه،‭ ‬مقطب،‭ ‬كمر‭ (‬حزام‭)‬،‭ ‬شميز‭ (‬قميص‭).‬

للنساء‭: ‬ثوب‭ ‬مستطيل‭ ‬يتسم‭ ‬بوجود‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬اليدين‭ ‬وأسفل‭ ‬ثنايه‭ ‬الثوب‭ ‬بشكل،‭ ‬مقرمة‭ ‬كبيرة‭ ‬تنسل‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الجسد،‭ ‬حزام‭ ‬من‭ ‬فضة،‭ ‬سروال‭ ‬طويل‭ ‬يلبس‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الثوب‭.‬

سابعا‭: ‬الآلات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬رقصة‭ ‬الهبيش‮»‬

هاجر،‭ ‬مراويس،‭ ‬آلة‭ ‬المزمار‭.‬

سادسا‭: ‬قوانين‭ ‬الرقصة

لرقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬اهتمام‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬عند‭ ‬مريدها‭ ‬ولها‭ ‬قوانين‭ ‬ولوائح‭ ‬تنظم‭ ‬حسن‭ ‬سيرها‭ ‬وتمنع‭ ‬الخلافات‭ ‬وتجاوز‭ ‬قوانين‭ ‬الرقصة،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬القوانين‭: ‬

تقوم‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬على‭ ‬مشاركة‭ ‬امرأة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬المدارة،‭ ‬فإذا‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬امرأتان‭ ‬للمدارة،‭ ‬تفرض‭ ‬قوانين‭ ‬الهبيش‭ ‬أن‭ ‬تقسم‭ ‬المدارة‭ ‬إلى‭ ‬نصفين‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬ترقص‭ ‬في‭ ‬نصف،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬صف‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬‮«‬الشنف‮»‬‭ ‬ترقص‭ ‬عنده‭ ‬أحداهن‭.‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬الراعية‭ ‬ترقص‭ ‬في‭ ‬المدارة‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لزوجها‭ ‬أو‭ ‬أخيها‭ ‬أو‭ ‬أبيها‭ ‬أن‭ ‬يمنعها‭ ‬من‭ ‬الرقص،‭ ‬فإذا‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬يتعرض‭ ‬الفاعل‭ ‬لعقوبات‭ ‬يقرها‭ ‬مجلس‭ ‬العشيرة‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬جلسة‭ ‬محاكمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كبارها‭ ‬لذلك‭ ‬الشخص‭ ‬تنتهي‭ ‬بإجراءات‭ ‬عقابية‭.‬

الدليل‭ ‬على‭ ‬‮«‬طقوسية‭ ‬الرقصة‮»‬‭ ‬والوظيفة‭ ‬الأنتوبولوجية‭:‬

استنتج‭ ‬الباحث‭ ‬أن‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬تطورت‭ ‬من‭ ‬رقصة‭ ‬التنويش،‭ ‬وأنها‭ ‬رقصة‭ ‬طقوسية‭ ‬دينية‭ ‬عند‭ ‬الحضارم‭ ‬الذين‭ ‬يعبدون‭ ‬الإله‭ ‬‮«‬سين‮»‬‭ ‬إله‭ ‬القمر،‭ ‬فهذه‭ ‬الرقصة‭ ‬تمارس‭ ‬عند‭ ‬اكتمال‭ ‬القمر‭ ‬بدرا،‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬دلالة‭ ‬المكان‭ ‬والزمان‭ ‬وشكل‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬الرقصة،‭ ‬ويمكننا‭ ‬إجمال‭ ‬أهم‭ ‬الاستدلالات‭ ‬والحقائق‭ ‬التي‭ ‬تدلل‭ ‬على‭ ‬طقوسية‭ ‬الرقصة‭ ‬في‭ ‬الآتي‭:‬

تقام‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬عادة‭ ‬عند‭ ‬اكتمال‭ ‬القمر،‭ ‬كعادة‭ ‬البادية‭ ‬أن‭ ‬يقيموا‭ ‬حفلات‭ ‬زواجهم‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬اكتمال‭ ‬القمر‭ ‬بدرا،‭ ‬ويختتموا‭ ‬تلك‭ ‬الاحتفالات‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬التنويش‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العروس‭.‬

ذكر‭ ‬الباحث‭ ‬أن‭ ‬المتغيرات‭ ‬الدينية‭ ‬وأسلمة‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬حضرموت‭ ‬بدخول‭ ‬دين‭ ‬الإسلام‭ ‬أدت‭ ‬لتغيرات‭ ‬وظيفية‭ ‬وثقافية‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬الظاهري‭ ‬لرقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬السفور‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬التنويش‭ ‬إلى‭ ‬التزام‭ ‬الحجاب‭. ‬فالسفور‭ ‬دلالة‭ ‬طقوسية‭ ‬للرقصة‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬قصة‭ ‬تاريخية‭ ‬للملكة‭ ‬سمعون‭ ‬التي‭ ‬نذرت‭ ‬في‭ ‬جمعوض‭ ‬إذا‭ ‬عاد‭ ‬أخوها‭ ‬منتصرًا‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬فسوف‭ ‬تجعل‭ ‬النساء‭ ‬يرقصن‭ ‬عاريات،‭ ‬فالتعري‭ ‬الكامل‭ ‬أو‭ ‬الجزئي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الطقوس‭ ‬أو‭ ‬النذور‭ ‬عادة‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الرقعة‭ ‬الجغرافية‭.‬

انتشرت‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬الطقوسية‭ ‬في‭ ‬رقعة‭ ‬جغرافية‭ ‬محددة،‭ ‬وقد‭ ‬تغيرت‭ ‬قيمتها‭ ‬الوظيفية‭ ‬من‭ ‬العبادة‭ ‬والابتهال‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬وظيفية‭ ‬جديدة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬يقام‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تنصب‭ ‬عند‭ ‬زيارة‭ ‬قبور‭ ‬الأولياء‭ ‬والصالحين،‭ ‬مثل‭ ‬زيارة‭ ‬قبر‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬هود‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬عادة‭ ‬سنويًا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الخريف،‭ ‬والوظيفة‭ ‬الثانية‭ ‬المتغيرة،‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إقامة‭ ‬الرقصة‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬الزواج‭ ‬واستجابة‭ ‬للعادات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬

حركة‭ ‬الراقصة‭ ‬في‭ ‬التنويش‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬وإلى‭ ‬الأعلى،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬الراعية‭ (‬الراقصة‭)‬‭ ‬بدفع‭ ‬رأسها‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬حتى‭ ‬يغطي‭ ‬الشعر‭ ‬وجهها‭ ‬وصدرها،‭ ‬ثم‭ ‬تقوم‭ ‬برميه‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬بحيث‭ ‬يخال‭ ‬للمشاهد‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬واقف‭ ‬عموديًا،‭ ‬ويكون‭ ‬صدرها‭ ‬بارزًا‭ ‬لأعلى‭ ‬وكذا‭ ‬الرأس،‭ ‬وتمشي‭ ‬على‭ ‬أصابع‭ ‬أقدامها‭ ‬كأنها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تحفز‭ ‬للقفز‭ ‬إلى‭ ‬أعلى،‭ ‬وهكذا‭ ‬تستمر‭ ‬الرقصة‭. ‬ودلالة‭ ‬حركة‭ ‬الجسم‭ ‬والشعر‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬تؤشر‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬طقوسية‭ ‬للسماء‭. ‬

 

تطور‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش

تتبع‭ ‬الباحث‭ ‬تطور‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬تاريخيا،‭ ‬ودرس‭ ‬تطور‭ ‬الشكل‭ ‬والحركة‭ ‬للرقصة،‭ ‬ووقف‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬الإيقاعات‭ ‬الموسيقية‭ ‬والمقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬للرقصة،‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بالرقصات‭ ‬الحضرمية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتصنيف‭ ‬الرقصات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأصل‭ ‬والفرع،‭ ‬وسنتوقف‭ ‬عند‭ ‬أهم‭ ‬الاستدلالات‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬الرقصة‭ ‬وتاريخها‭.‬

شكلت‭ ‬رقصة‭ ‬التنويش‭ ‬الأساس‭ ‬للمرجع‭ ‬الأول؛‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬مدلولات‭ ‬فكرية‭ ‬وحركية‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الرقصات‭ ‬الحضرمية‭ ‬وخاصة‭ ‬الرقصات‭ ‬البدوية‭ ‬مثل‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش،‭ ‬حيث‭ ‬واجهت‭ ‬رقصة‭ ‬التنويش‭ ‬رفضا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬ودينيا‭ ‬كبيرا‭ ‬لمشاركة‭ ‬المرأة‭ ‬سافرة‭ ‬الوجه‭ ‬والشعر،‭ ‬أما‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬فتكون‭ ‬المرأة‭ ‬مغطية‭ ‬الشعر‭ ‬والوجه؛‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انتشارها‭ ‬في‭ ‬البدو‭ ‬والحضر‭.‬

المرويات‭ ‬الشفهية‭ ‬وشهادات‭ ‬الرواة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التنويش‮»‬‭ ‬ظل‭ ‬يمارس‭ ‬لوقت‭ ‬قريب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المشقاص،‭ ‬وكان‭ ‬حضوره‭ ‬جليًا،‭ ‬ولم‭ ‬يبدأ‭ ‬التراجع‭ ‬عنه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬استعيض‭ ‬عنه‭ ‬برقصة‭ ‬الهبيش‭.‬

شدة‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬التنويش‭ ‬والهبيش‭ ‬في‭ ‬الإيقاعات‭ ‬والألحان‭ ‬والمقاطع‭ ‬الشعرية،‭ ‬والفارق‭ ‬بين‭ ‬الرقصتين‭ ‬شكليًا‭ ‬فقط‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬الراقصة‭ ‬تكون‭ ‬سافرة‭ ‬الوجه‭ ‬والشعر‭ ‬في‭ ‬‮«‬رقصة‭ ‬التنويش‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬تكون‭ ‬الراقصة‭ ‬محجبة‭ ‬في‭ ‬‮«‬رقصة‭ ‬الهبيش‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬تكون‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيــــش‭ ‬أكثر‭ ‬تطورا‭ ‬من‭ ‬رقصة‭ ‬التنويش‭.‬

التشابه‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬ورقصتي‭ ‬المريكوز‭ ‬والحفة‭ (‬رقصتا‭ ‬المريكوز‭ ‬والحفة‭ ‬‮«‬رقصتان‭ ‬بدويتان‭ ‬سريعتا‭ ‬الإيقاع،‭ ‬ورقصة‭ ‬المريكوز‭ ‬يصاحبها‭ ‬إشعال‭ ‬نار،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬طقوسية‭ ‬الرقصة‭ ‬عند‭ ‬البعض‭)‬‭ ‬اللتين‭ ‬تقامان‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬جغرافي‭ ‬واحد‭ ‬‮«‬البيئة‭ ‬البدوية‮»‬‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬تطورهما‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬رقصة‭ ‬التنويش‭.‬

الحركة‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬التنويش‭ ‬تتم‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬الضرب‭ ‬بكف‭ ‬واحدة،‭ ‬وتطورت‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش،‭ ‬فصارت‭ ‬تتم‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬الضرب‭ ‬بكفين‭ ‬مع‭ ‬الضرب‭ ‬بالأرجل‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

أصوات‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬ومقاطعها‭ ‬الشعرية‭ ‬وإيقاعاتها‭ ‬شهدت‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬التفاعل‭ ‬والتطور‭ ‬شمل‭ ‬كل‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬الرقص‭ ‬والغناء‭ ‬الحضرمي‭ ‬الحديث،‭ ‬سواء‭ ‬منها‭ ‬الرقصات‭ ‬البدوية‭ ‬مثل‭ ‬المريكوز‭ ‬والحفة‭ ‬أو‭ ‬الرقصات‭ ‬الحضرية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬العده‮»‬‭ ‬والشبواني‭ ‬‭(‬رقصتا‭ ‬العدة‭ ‬والشبواني‭ ‬رقصتان‭ ‬حضريتان‭ ‬تمتازان‭ ‬بالإيقاعات‭ ‬الهادئة‭ ‬والبطيئة،‭ ‬وكذلك‭ ‬تكون‭ ‬حركة‭ ‬الجسم‭ ‬ثقيلة‭ ‬أيضا‭). ‬

رقصة‭ ‬التنويش‭ ‬رقصة‭ ‬بدوية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬شكلها‭ ‬وإيقاعاتها‭ ‬ومقاطعها‭ ‬الشعرية‭ ‬والحركة‭ ‬فيها،‭ ‬وكذلك‭ ‬مشاركة‭ ‬المرأة‭ ‬سافرة‭ ‬الشعر‭ ‬والوجه،‭ ‬بينما‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬الطابع‭ ‬البدوي،‭ ‬ولكنها‭ ‬تطورت‭ ‬وصارت‭ ‬تمارس‭ ‬عند‭ ‬البدو‭ ‬والحضر‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الإيقاعات‭ ‬السريعة‭ ‬والمقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬الطويلة‭.‬

 

الإيقاع‭ ‬في‭ ‬الرقصة

اعتبرت‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيــــش‭ ‬المنبـــــع‭ ‬الأول‭ ‬والأســــاس‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬والرقصات‭ ‬الحضــــرمية‭ ‬إيقاعا‭ ‬موسيقيا‭ ‬ومقاطع‭ ‬شعرية،‭ ‬حيث‭ ‬يستطيع‭ ‬شاعر‭ ‬الهبيش‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬الشعر‭ ‬بسهولة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الرقصات‭ ‬والأنواع‭ ‬الشعرية؛‭ ‬لما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬وتنوع‭ ‬في‭ ‬المقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬والإيقاعات،‭ ‬ويمكن‭ ‬رصد‭ ‬الإيقاعات‭ ‬والمقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬الكثيرة‭ ‬والمتعددة‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭.‬

واكب‭ ‬التطور‭ ‬الحركي‭ ‬لرقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬تطورا‭ ‬موازيا‭ ‬في‭ ‬المقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬وكثرة‭ ‬الإيقاعات‭ ‬على‭ ‬الرقصة‭ ‬‮«‬الشرحية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يتغنى‭ ‬بها‭ ‬الراقصون‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تقطيعها‭ ‬إلى‭ ‬فصول‭ ‬تتناسق‭ ‬عدديا‭ ‬مع‭ ‬مستوى‭ ‬الحركة‭ ‬الإيقاعية‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬الرقصة‭.‬

أعطى‭ ‬تطور‭ ‬المظهر‭ ‬الحركي‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬من‭ ‬التصفيق‭ ‬بضربة‭ ‬واحدة‭ ‬بكف‭ ‬الأيدي‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬التنويش‭ ‬إلى‭ ‬التصفيق‭ ‬بـ«كفين‮»‬‭ ‬مزدوجتين‭ ‬مع‭ ‬ضرب‭ ‬الأرض‭ ‬بالأرجل،‭ ‬تطور‭ ‬المقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬وتعدد‭ ‬الإيقاعات‭ ‬الموسيقية‭ ‬وطالت‭ ‬فصول‭ ‬قصيدة‭ ‬الهبيش،‭ ‬إذ‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬مقاطع‭ ‬يعني‭ ‬أربعة‭ ‬فصول،‭ ‬فإذا‭ ‬قلّت‭ ‬المقاطع‭ ‬الشعرية‭ ‬صار‭ ‬الصوت‭ ‬مبتورًا‭ ‬ومملًا‭ ‬ونشازًا‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الحركي‭.‬

الإيقاع‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الهبيش‭ ‬متنوع،‭ ‬ويكون‭ ‬في‭ ‬الآتي‭:‬

‭- ‬الصوت‭ ‬‮«‬الدان‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬عليه‭ ‬القصيدة‭ ‬الشرحية‭ ‬سريعة‭ ‬الإيقاعات‭.‬

‭- ‬التصفيق‭ ‬بالكف‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬متدرجا‭ ‬من‭ ‬الرقص‭ ‬بكفة‭ ‬واحدة‭ ‬إلى‭ ‬الرقص‭ ‬بكفين‭ ‬مزدوجتين‭ ‬مع‭ ‬ضرب‭ ‬الأرض‭ ‬بالأرجل‭.‬

‭- ‬‮«‬كسر‭ ‬الصوت‮»‬‭ ‬حين‭ ‬يقوم‭ ‬شخص‭ ‬ذو‭ ‬خبرة‭ ‬بالتصفيق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬وسط‭ ‬المساحة‭ ‬المخصصة‭ ‬للرقصة،‭ ‬إيذانا‭ ‬بتحول‭ ‬الرقصة‭ ‬من‭ ‬السكون‭ ‬إلى‭ ‬الحركة‭.‬

‭- ‬الخلخال‭ ‬ذو‭ ‬الحلقات‭ ‬الذي‭ ‬يصدر‭ ‬أصواتا‭ ‬إيقاعية‭ ‬متناسقة‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الراعية‭.‬

‭- ‬الحجل‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬فضة‭ ‬خالصة‭ ‬أسطوانية‭ ‬الشكل‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬مسكة‭ ‬اليد‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الحجم‭.‬

‭- ‬الحزام‭: ‬تلبس‭ ‬الراعية‭ ‬حزاما‭ ‬طويلا‭ ‬تتدلى‭ ‬من‭ ‬أطرافه‭ ‬كرات‭ ‬من‭ ‬الفضة‭ ‬المجوفة‭ ‬التي‭ ‬تتدلى‭ ‬عليه،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬صوت‭ ‬الرنين‭.‬

‭- ‬الآلات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭: ‬هاجر‭ - ‬مراويس‭ - ‬آلة‭ ‬المزمار‭.‬

احتل‭ ‬‮«‬الغزل‮»‬‭ ‬وليالي‭ ‬السمر‭ ‬الغرض‭ ‬الغالب‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تغفل‭ ‬قصيدة‭ ‬الهبيش‭ ‬أغراضا‭ ‬كثيرة‭ ‬شملت‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬ويكثر‭ ‬فيها‭ ‬شعر‭ ‬الحكمة‭.‬

 

ملاحظات‭ ‬على‭ ‬المنهج‭ ‬العلمي‭ ‬

في‭ ‬تسجيل‭ ‬ودراسة‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش

‭<‬‭ ‬كان‭ ‬للغموض‭ ‬وغلبة‭ ‬الطابع‭ ‬الأسطوري‭ ‬على‭ ‬الرقصة‭ ‬الدافع‭ ‬الأساس‭ ‬لدراسة‭ ‬الرقصة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الغموض‭ ‬ضلل‭ ‬الباحث‭ ‬وخاصة‭ ‬عند‭ ‬توثيقه‭ ‬الرواية‭ ‬الشفهية‭ ‬من‭ ‬مصادرها‭ ‬الميدانية،‭ ‬حيث‭ ‬خلط‭ ‬بين‭ ‬تتبع‭ ‬الروايات‭ ‬الشفهية‭ ‬من‭ ‬ألسنة‭ ‬الرواة،‭ ‬وأقحم‭ ‬رواته‭ ‬في‭ ‬التعليل‭ ‬والتفسير‭ ‬وطالبهم‭ ‬بالتعليل‭ ‬لرواياتهم‭ ‬؛‭ ‬ما‭ ‬صبغ‭ ‬البحث‭ ‬بصبغة‭ ‬التعليلات‭ ‬والتفسيرات‭ ‬والاستنتاجات‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬طبيعة‭ ‬البحث‭ ‬ومادته‭ ‬الأصلية‭.‬

‭<‬‭ ‬اعتمد‭ ‬الباحث‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬دلالة‭ ‬المكان‭ ‬ووظيفته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬فالبيئة‭ ‬المدروسة‭ ‬هي‭ ‬بيئة‭ ‬جغرافية‭ ‬متسعة‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬الشحر‭ ‬إلى‭ ‬المشقاص‭ ‬شرق‭ ‬حضرموت،‭ ‬وجاءت‭ ‬مرويات‭ ‬الباحث‭ ‬الشفهية‭ ‬واستدلالاته‭ ‬الشعرية‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬حضرية‭ ‬محدودة‭ ‬رغم‭ ‬ترجيحه‭ ‬أن‭ ‬الرقصة‭ ‬بدوية‭ ‬المنشأ‭ ‬وتطورت‭ ‬لتصبح‭ ‬جسرا‭ ‬بين‭ ‬الحضر‭ ‬والبدو،‭ ‬وكذلك‭ ‬غابت‭ ‬عن‭ ‬البحث‭ ‬المرويات‭ ‬النسائية‭. ‬والمرأة‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬الرقصة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬والإيقاع؛‭ ‬مما‭ ‬حرم‭ ‬البحث‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬مهمة‭ ‬جدا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفسر‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الغامضة‭ ‬حول‭ ‬الرقصة‭ ‬ونشأتها‭ ‬وتاريخها‭.‬

‭<‬‭ ‬غرق‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الأقوال‭ ‬وتعليل‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتاريخية‭ ‬التي‭ ‬أثقلت‭ ‬البحث‭ ‬وأفقدته‭ ‬الترابط‭ ‬الموضوعي‭.‬

‭<‬‭ ‬غلبة‭ ‬المنهج‭ ‬المعياري‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التعليل‭ ‬والتفسير‭ ‬أضعف‭ ‬التوصيف‭ ‬لكيفية‭ ‬الرقصة‭ ‬وأدائها‭ ‬وملابساتها‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬ناقصة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الرقصة‭.‬

‭<‬‭ ‬عندما‭ ‬استدل‭ ‬الباحث‭ ‬على‭ ‬طقوسية‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬جاءت‭ ‬استدلالاته‭ ‬واستنتاجاته‭ ‬متناثرة‭ ‬متفرقة‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬البحث،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬يدرس‭ ‬ظاهرة‭ ‬قديمة‭ ‬تغيرت‭ ‬قيمتها‭ ‬الوظيفية‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التشتت‭ ‬السير‭ ‬مع‭ ‬التعليل‭ ‬والتفسير‭.‬

أشار‭ ‬الباحث‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رقصة‭ ‬الهبيش‭ ‬وجدت‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬بعيدة‭ ‬نسبيا‭ ‬عن‭ ‬موطنها،‭ ‬فالرقصة‭ ‬تمارس‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬ثمود‮»‬‭ ‬بالشكل‭ ‬والحركة‭ ‬والإيقاعات‭ ‬نفسها،‭ ‬ولم‭ ‬يفسر‭ ‬الباحث‭ ‬هذا‭ ‬الانتقال‭ ‬الجغرافي‭ ‬وأهمل‭ ‬دراسته‭ ‬والالتفات‭ ‬إليه،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التوافق‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬بين‭ ‬بيئة‭ ‬ثمود‭ ‬وبيئة‭ ‬المشقاص‭ ‬كبيئة‭ ‬بدوية‭ ‬‭>‬