التشكيلي محمد الدَّمخي.. فنانٌ سبقَ عصرَه

التشكيلي محمد الدَّمخي.. فنانٌ سبقَ عصرَه

حين‭ ‬قررت‭ ‬القيام‭ ‬برحلة‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬سيرة‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي،‭ ‬وجدتني‭ - ‬على‭ ‬غير‭ ‬طبيعتي‭- ‬مجبرًا‭ ‬نحو‭ ‬إجراء‭ ‬حديث‭ ‬خاص‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬الدقيقة‭ ‬لدى‭ ‬السيدة‭ ‬هند‭ ‬إبراهيم‭ ‬الدمخي،‭ ‬المربية‭ ‬الفاضلة‭ ‬وشقيقة‭ ‬الفنان‭ ‬الراحل،‭ ‬عمَّا‭ ‬يتعلق‭ ‬بحياة‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬الأسرية‭ ‬والتعليمية،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬الحياة‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬بها‭ ‬بشكل‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭.‬

الفنانة‭ ‬التشكيلية‭ ‬اقتبست‭ ‬حب‭ ‬الفن‭ ‬من‭ ‬شقيقها‭ ‬الراحل‭ ‬خلال‭ ‬الجلوس‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬مرسمه،‭ ‬وخلال‭ ‬حديثها‭ ‬معه‭ ‬بين‭ ‬الفترة‭ ‬والأخرى،‭ ‬فكانت‭ ‬أصدق‭ ‬مَن‭ ‬تحدث‭ ‬لي‭ ‬وأدق‭ ‬من‭ ‬وصف‭ ‬الفنان‭ ‬المرهف‭ ‬الحسّ،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬التميز‭ ‬يرافقه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬دراسته،‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬شهاداته‭ ‬الدراسية‭ ‬التي‭ ‬يسّرتها‭ ‬لنا‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬النادرة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬زملاء‭ ‬الدراسة‭ ‬والهواية‭.‬

قالت‭ ‬هند‭: ‬محمد‭ ‬موصوف‭ ‬بيننا‭ ‬بأنه‭ ‬قليل‭ ‬الشكوى،‭ ‬قليل‭ ‬الكلام،‭ ‬يحب‭ ‬العمل‭ ‬بصمت،‭ ‬مجتهد‭ ‬مثابر‭ ‬على‭ ‬الرسم‭ ‬يحب‭ ‬الطبيعة،‭ ‬يعشق‭ ‬البحر،‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬سكنا‭ ‬السالمية‭ (‬أحد‭ ‬أحياء‭ ‬الكويت‭)‬،‭ ‬كانت‭ ‬سعادته‭ ‬غامرة،‭ ‬حيث‭ ‬تقع‭ ‬السالمية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬ساحل‭ ‬الخليج،‭ ‬وكانت‭ ‬الطبيعة‭ ‬مازالت‭ ‬على‭ ‬فطرتها،‭ ‬فعاش‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬أغنت‭ ‬مخيلته‭ ‬وأشبعت‭ ‬ذاكرته‭ ‬بالألوان‭ ‬والعناصر‭ ‬المتناسقة‭ ‬التي‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬الفنية‭.‬

وصفت‭ ‬الفنانة‭ ‬شقيقها‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬بأنه‭ ‬راقي‭ ‬الإحساس،‭ ‬لطيف‭ ‬المعاملة،‭ ‬جميل‭ ‬المعشر،‭ ‬مما‭ ‬يضفي‭ ‬عليه‭ ‬صفة‭ ‬الإنسان‭ ‬المحبوب‭ ‬للجميع‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬وهذه‭ ‬الصفة‭ ‬تقرّب‭ ‬منه‭ ‬الآخرين‭ ‬ليستفيد‭ ‬ممن‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬خبرة،‭ ‬ويفيد‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أقل‭ ‬منه‭ ‬دراية‭ ‬وتجربة،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬الفنان‭ ‬الأستاذ‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬الجميع،‭ ‬وصدقت‭ ‬شقيقته‭ ‬هند‭ ‬بوصفه،‭ ‬وهذا‭ ‬أكد‭ ‬لي‭ ‬صحة‭ ‬تحليلي‭ ‬له‭ ‬كفنان‭ ‬تميز‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬بصدق‭ ‬إحساسه‭ ‬وقدراته‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬نمت‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬طبيعة‭ ‬إنسانية‭ ‬صادقة‭ ‬ومحيط‭ ‬بيئي‭ ‬جميل‭ ‬يشمل‭ ‬البحر‭ ‬والصحراء‭ ‬والحضارة‭ ‬معًا‭.‬

محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬أبريل‭ ‬1967‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬دراسته‭ ‬الأكاديمية‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ترك‭ ‬مكانه‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الفنية‭ ‬الكويتية‭ ‬شاغرًا‭ ‬لا‭ ‬يملأ‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬الكبير‭ ‬سواه‭. ‬رحل‭ ‬بسرعة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وضع‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬للحركة‭ ‬التشكيلية‭ ‬الحديثة‭ ‬لعصر‭ ‬النهضة‭ ‬التشكيلية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭. ‬يعد‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭- ‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الكويتيين‭ ‬الذين‭ ‬ذهبوا‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬عام‭ ‬1965‭ ‬بطريقة‭ ‬أكاديمية‭ ‬تخصصية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهى‭ ‬دراسته‭ ‬الثانوية‭ ‬بنجاح‭ ‬وانضم‭ ‬إلى‭ ‬زملائه‭ ‬في‭ ‬المرسم‭ ‬الحر‭ ‬عام‭ ‬1960‭ ‬بعد‭ ‬تأسيسه‭ ‬برعاية‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭.‬

 

حياة‭ ‬من‭ ‬المعاناة

حياة‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬الفنية‭ ‬ليست‭ ‬طويلة،‭ ‬ولكنها‭ ‬مليئة‭ ‬بالمعاناة‭ ‬الحسية‭ ‬والاجتهاد‭ ‬الفكري،‭ ‬وهما‭ ‬أساسان‭ ‬مهمان‭ ‬لقدراته‭ ‬الفائقة‭ ‬في‭ ‬تلمّس‭ ‬الواقع‭ ‬والشعور‭ ‬بالتأثير‭ ‬الفني‭ ‬والمعنوي‭ ‬معًا،‭ ‬وهذا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الكفاية‭ ‬لتأسيس‭ ‬وبناء‭ ‬فنان‭ ‬مبدع‭ ‬مثل‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬الذي‭ ‬يختلف‭ ‬معه‭ ‬الوضع،‭ ‬وذلك‭ ‬لسبب‭ ‬واحد‭ ‬رئيس‭ ‬وأساسي‭ ‬مهم،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬الدمخي‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬فطريًا‭ ‬أو‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬ولد‭ ‬ليصبح‭ ‬فنانًا‭.‬

لوحاته‭ ‬ليست‭ ‬رسومًا‭ ‬فقط‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬ألوان‭ ‬متناسقة،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬خطوط‭ ‬قوية‭ ‬مدروسة‭ ‬متناسقة‭ ‬الأبعاد‭ ‬والنسب‭ ‬وحسب،‭ ‬لكنه‭ ‬امتلك‭ ‬الحس‭ ‬وهو‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬الحافل‭ ‬بالتجارب‭ ‬الحياتية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬والده،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬يعانيه‭ ‬الفنان‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬أيقظت‭ ‬عنده‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭. ‬لهذا‭ ‬استطاع‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬ما‭ ‬قدم‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬فنية‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬الإبداع‭ ‬الفني‭ ‬أساسه‭ ‬الرئيس‭ ‬الحس‭ ‬الخاص‭ ‬بالفنان،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬صقل‭ ‬هذا‭ ‬الحس‭ ‬الموهوب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬حسب‭ ‬قدرات‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬على‭ ‬حدة‭.‬

أعماله‭ ‬ليست‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولكنها‭ ‬متميزة‭ ‬متكاملة‭ ‬الأركان‭ ‬والأسس،‭ ‬بدايته‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬لوحة‭ ‬الطاحونة،‭ ‬وبعدها‭ ‬لوحة‭ ‬عمل‭ ‬السمن‭ ‬التي‭ ‬اشترك‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الربيع‭ ‬الثالث‭ ‬عام‭ ‬1961،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تنقّل‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬يحاكي‭ ‬زمانه‭ ‬وما‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬شخوص‭ ‬وأحداث‭ ‬وصور‭ ‬كانت‭ ‬ومازالت‭ ‬أهازيج‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬الدمخي‭ ‬أن‭ ‬يوثقه‭ ‬واقعيًا،‭ ‬أكدت‭ ‬أنه‭ ‬ذو‭ ‬قدرات‭ ‬متميزة‭.‬

رسم‭ ‬لوحة‭ ‬‮«‬عقاب‭ ‬بحار‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬سيمفونية‭ ‬راقية‭ ‬تحكي‭ ‬وتصوّر‭ ‬واقعًا‭ ‬مؤلمًا‭ ‬كان‭ ‬يعيشه‭ ‬البحار‭ ‬الكويتي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬زلة‭ ‬أو‭ ‬خطأ‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬اللوحة،‭ ‬ولكن‭ ‬لو‭ ‬قمنا‭ ‬بتشريح‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬فنيًا،‭ ‬فسنجد‭ ‬أنه‭ ‬كامل‭ ‬الأركان‭ ‬بشكل‭ ‬باهر،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬أبالغ‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬قدرته‭ ‬الحسيّة‭ ‬تعطي‭ ‬للبحار‭ ‬أنين‭ ‬المتوجّع‭ ‬أو‭ ‬المعترف‭ ‬بذنبه‭ ‬طالبًا‭ ‬العفو‭ ‬والسماح‭ ‬من‭ ‬ربان‭ ‬السفينة،‭ ‬وضعية‭ ‬البحار‭ ‬المشدود‭ ‬على‭ ‬سارية‭ ‬أو‭ ‬خشبة‭ ‬تبرز‭ ‬للناظر‭ ‬إليها‭ ‬قوة‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬تشريح‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭ ‬تشريحًا‭ ‬أكاديميًا‭ ‬متناسقًا‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬بين‭ ‬زواياها‭ ‬أي‭ ‬تناقض‭ ‬أو‭ ‬قصور‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬مساقط‭ ‬الضوء‭ ‬والظل‭ - ‬وهما‭ ‬أساسا‭ ‬التجسيد‭ ‬والبعد‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الكتلة‭ - ‬واقع‭ ‬متميز‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عليه‭ ‬ناقدان‭ ‬بأن‭ ‬التجسيد‭ ‬والبعد‭ ‬والضوء‭ ‬والمنظور‭ ‬العام‭ ‬للوحة‭ ‬لا‭ ‬تشوبه‭ ‬شائبة‭ ‬أو‭ ‬ناقصة‭.‬

وله‭ ‬أيضًا‭ ‬لوحة‭ ‬‮«‬بائعة‭ ‬الباقلة‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تصوّر‭ ‬سيدة‭ ‬جلست‭ ‬وأمامها‭ ‬قدر‭ ‬الفول‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الباقلة‮»‬‭ ‬وحولها‭ ‬الصبية‭ ‬أو‭ ‬الزبائن،‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬تجسّد‭ ‬بوضوح‭ ‬ما‭ ‬قلناه‭ ‬سابقًا‭ ‬عن‭ ‬لوحة‭ ‬‮«‬عقاب‭ ‬بحار‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬إضافة‭ ‬بيئية‭ ‬للمكان‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تجلس‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬السيدة،‭ ‬طبيعة‭ ‬شكلها‭ ‬وشكل‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬وما‭ ‬حولها‭ ‬من‭ ‬مفردات‭.‬

وهنا‭ ‬استشهد‭ ‬بأهل‭ ‬الكويت،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬عاصروا‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬ولن‭ ‬يخـــتلفوا‭ ‬معي‭ ‬ولن‭ ‬تجد‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬ينكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللوحـــة‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المحيط‭ ‬البيـــــئي‭ ‬ليس‭ ‬معروفا‭ ‬معرفـــة‭ ‬مؤكدة‭ ‬وواضــحة‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬هو‭ ‬ذاك‭ ‬الحي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬الشارع،‭ ‬ولكن‭ ‬الحس‭ ‬الصادق‭ ‬في‭ ‬المفردات‭ ‬الذاتية‭ ‬لكل‭ ‬عنصر‭ ‬على‭ ‬انفراد،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬رسمت‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬لزمن‭ ‬مضى‭ ‬وانتهى‭.‬

هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والدقيقة‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬ثياب‭ ‬العناصر‭ ‬المرسومة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نوعية‭ ‬القدر‭ ‬والأواني‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تناثرت‭ ‬من‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬القدر،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬أحد‭ ‬الصبية‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬مع‭ ‬احتضانه‭ ‬الخبز‭ ‬المميز‭ ‬محليًا،‭ ‬وجلوس‭ ‬الآخر‭ ‬أمامها،‭ ‬وهي‭ ‬تناوله‭ ‬ما‭ ‬سكبت‭ ‬من‭ ‬قدرها‭ ‬في‭ ‬إناء‭ ‬مميز‭ ‬يعرفه‭ ‬مَن‭ ‬عاصر‭ ‬ذاك‭ ‬الزمان‭.‬

هذه‭ ‬المفردات‭ ‬الدقيقة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬قدرة‭ ‬الفنان‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مشاعر‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬نقله‭ ‬للواقع‭ ‬والحقيقة‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬اللوحة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬حسيًا،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬فنيًا‭ ‬وأكاديميًا‭.‬

الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬فاق‭ ‬زمانه،‭ ‬وتفوّق‭ ‬على‭ ‬أقرانه،‭ ‬وهذه‭ ‬شهادة‭ ‬أستاذه‭ ‬الفنان‭ ‬عبدالهادي‭ ‬الجزار،‭ ‬الذي‭ ‬تنبأ‭ ‬له‭ ‬بأنه‭ ‬يحاكي‭ ‬الفنان‭ ‬العالمي‭ ‬فان‭ ‬جوخ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعبير،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عناصره‭ ‬المختارة،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬ترعرع‭ ‬حوله،‭ ‬وبين‭ ‬تلك‭ ‬الصور‭ ‬البحار،‭ ‬والطاحونة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬لهرس‭ ‬القمح‭ ‬أو‭ ‬الشعير،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬تلك‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬اختزنت‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬معبّرة‭ ‬مازال‭ ‬النقاد‭ ‬يشيرون‭ ‬إليها‭ ‬بالبنان‭,‬‭ ‬وبأنها‭ ‬لوحة‭ ‬ناجحة‭ ‬وتعتبر‭ ‬طفرة‭ ‬فنية‭ ‬متميزة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬شق‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬صرح‭ ‬فني‭ ‬منافس‭ ‬وصحيح‭.‬

بلور‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬الحاضر‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬الآن‭ ‬سجلاً‭ ‬حافلاً‭ ‬بالروائع‭ ‬الفنية‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مادة‭ ‬دراسية‭ ‬في‭ ‬كليات‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بالحسبان‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬الحركة‭ ‬التشكيلية،‭ ‬وأن‭ ‬الدمخي‭ ‬عندما‭ ‬رسم‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬أو‭ ‬بعضها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬أكمل‭ ‬دراسته‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1961‭ ‬و1965،‭ ‬وهي‭ ‬أدق‭ ‬شاهد‭ ‬ودليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬كان‭ ‬مميزًا‭ ‬وسابقًا‭ ‬لعصره‭. ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الدمخي‭ ‬‮«‬فان‭ ‬جوخ‭ ‬الكويت‮»‬‭ ‬‭>‬