هل يمكن التغريد على «تويتر» من المريخ؟ الإنترنت في الفضاء الخارجي
حين وصلت الأمريكية - الإيرانية الأصل - آنوشي أنصاري إلى الفضاء الخارجي في رحلتها التي قامت بها في العام 2006، اعتبرت بذلك أول سائحة تقوم بجولة في الفضاء الخارجي، والمثير في الأمر أن أنصاري كانت تقوم بكتابة يومياتها في الفضاء وتبث في مدونة إلكترونية سجلت فيها هذه التجربة الخاصة، بكل ما فيها من مشاعر فياضة ومتاعب بدنية وجسدية، وخصوصا أن رحلة التأهيل للخروج للفضاء اقتضت منها شهورا عدة. فهل كانت تدون هذه اليوميات في المركبة الفضائية عبر شبكة الإنترنت؟ وإذا كانت هناك شبكة إنترنت في الفضاء الخارجي فكيف تعمل، وهل تختلف عن شبكة الإنترنت الموجودة هنا على الأرض؟
في ذلك الوقت، أي خلال جولة أنصاري في الفضاء، غالبا لم يكن من الممكن أن يقوم رواد الفضاء بالاتصال الإلكتروني مباشرة بشبكة الإنترنت، بل كان بإمكانهم فقط الاتصال بالمحطة الأرضية عن طريق بريد إلكتروني، فحتى العام 2010، لم يكن ممكنا لرواد الفضاء، على سبيل المثال، أن يقوموا بالتغريد على وسيلة التواصل الاجتماعي «تويتر»، إلا عبر الاتصال بالمحطة الأرضية عن طريق البريد الإلكتروني، ومنه يتم بث التغريدات على تويتر من قبل طاقم الاتصال على الأرض.
تعرف شبكة الإنترنت الداخلية في المركبة الفضائية Onboard Internet Access ، المخصصة لاستخدام طاقم المركبة بـ Crew Support LAN، وهي تسمح للشبكة بالاتصال بأحد أجهزة الكمبيوتر الأرضية عن طريق جهاز الكمبيوتر المحمول في المركبة.
وفي يوم 22 يناير من العام 2010 بدأ بث أول تغريدة من رائد فضاء من موقعه في الفضاء الخارجي على موقع «تويتر» من الحساب الخاص برائد الفضاء Astro_TJ@: وقال فيها: «مرحبا بكون تويتر، نحن الآن نغرد مباشرة من محطة الفضاء الخارجية الدولية».
الإنترنت الكوكبية
لكن العلماء عملوا على تصميم شبكة إنترنت تصل ليس فقط بين الأرض وبين المركبات الفضائية، بل وبين المركبات الفضائية في الفضاء الخارجي. وهذا النوع من الشبكات يعرف باسم الإنترنت الكوكبية أو The Interplanetary Internet، وهي شبكة إنترنت مصممة في الفضاء تتكون من مجموعة من العقد الشبكية التي يمكنها أن تتصل ببعضها البعض.
لكن بسبب المسافات الشاسعة في الفضاء الخارجي، فإن هذه الشبكة لا تمتلك سرعة الاتصال التي نعرفها في شبكات الإنترنت الأرضية، بل تتأخر كثيرا، لذلك تحتاج هذه الشبكات إلى بروتوكولات (لغة تخاطب بين الحواسيب على الشبكة) وتقنيات خاصة تتعامل مع نسب الخطأ، والتأخير بشكل مرن.
وللمزيد من التوضيح نقول إن شبكة الحاسوب هي نظام لربط جهازين أو أكثر باستخدام إحدى تقنيات نظم الاتصالات من أجل تبادل المعلومات والموارد والبيانات بينها المتاحة للشبكة، مثل الآلة الطابعة أو البرامج التطبيقية أياً كان نوعها، وكذلك تسمح بالتواصل المباشر بين المستخدمين. من الممكن أن تكون أجهزة الحاسوب في الشبكة قريبة جداً من بعضها، وذلك مثل أن تكون في غرفة واحدة وتسمى الشبكة في هذه الحالة شبكة محلية LAN. ومن الممكن أن تكون الشبكة مكونة من مجموعة أجهزة في أماكن بعيدة مثل الشبكات بين المدن أو الدول وحتى القارات، ويتم وصل مثل هذه الشبكات في كثير من الأحيان بالإنترنت أو بالسواتل (Satellite) وتسمى الشبكة عندها شبكة عريضة WAN، هناك أيضاً في مقابل ذلك الشبكة الشخصية PAN التي تربط مجموعة أجهزة قريبة من المستخدم. وأشهر شبكة كمبيوتر أو حاسوب هي شبكة الإنترنت.
وبينما شبكة الإنترنت الأرضية كما هي معروفة عبارة عن شبكة اتصال تتضمن شبكات كثيفة مزدحمة، تتصل ببعضها البعض بكفاءة ووفق نسبة لاتكاد تذكر من الخطأ أو التأخير، فإن شبكة الإنترنت الكوكبية أو الفضائية هي مخزن وشبكة إنترنت غير متصلة عادة، تعمل بالاتصال اللاسلكي wireless، وهذه الشبكة مشحونة بروابط أو وصلات عرضة للخطأ وللتأخير في نطاق يتراوح ما بين عشرات الدقائق وبضع ساعات حتى، وذلك حتى لو كانت الشبكة متصلة.
سباق المسافات الطويلة
فهنا على الأرض تعمل شبكة الإنترنت بشكل بسيط، هناك مجموعة من أجهزة الحاسوب، تود أن تقوم بالاتصال ببعضها البعض وتكون شبكة اتصال. جهاز الحاسوب يقوم بإرسال رسالة إلى حاسوب آخر، وهذا الأخير يرسل رسالة يقول فيها إنه تلقى الرسالة، وهذه العملية، أي الإرسال والاستقبال لا تتجاوز عادة زمن ثانية واحدة، وبالتالي يتم الأمر بشكل رائع، لكنك لو أردت أن ترسل هذه الرسالة إلى جهاز كمبيوتر أو حاسوب موجود على كوكب المريخ، فإن الرسالة سوف تستغرق عشر دقائق حتى تصل إلى الجهاز، وسوف تستغرق الإشارة أو الرسالة الواردة عشر دقائق أخرى، وبالتالي فهذا يعني أن علينا أن نجري تغييرا تاما في الطريقة التي تتحدث أو تتواصل بها أجهزة الحاسوب بين الكواكب المختلفة. وهذا هو ما يعمل عليه المختصون الآن.
مرت عملية تطوير الاتصالات الفضائية بمراحل بدأت بتقنيات باهظة التكاليف، تعتمد على الاتصال بين نقطتي اتصال وحيدتين، ثم بمرحلة إعادة استخدام التقنيات المتاحة في عمليات ناجحة، وصولا إلى مرحلة تأسيس بروتوكولات جديدة خاصة بالاتصالات الفضائية تعود إلى العام ١٩٨٢، مع تأسيس الهيئة الاستشارية من أجل نظم المعلومات الفضائية (CCDS) التي شكلت من عضوية ١١ وكالة فضاء من أرجاء العالم، و٢٢ محطة مراقبة فضائية بالتعاون مع مائة مؤسسة صناعية في مجال تكنولوجيا الاتصالات.
وسارت تقريبا عملية تطور تقنيات نظم المعلومات والاتصالات الفضائية بالتوازي مع تطور تقنيات شبكة الإنترنت، وبنوع من التلاقح في المفاهيم بين المجالين الذي أثمر في عملية تطوير كل منهما، ومع ذلك فإن مجال الإنترنت الفضائي يعد حقلا منفصلا نسبيا في تطوره.
اختلاف في المفهوم
وبينما تناسب بروتوكولات الإنترنت، وتلائم المسافات المحدودة كتلك التي تكون بين المحطة الأرضية والمسبار مثلا، أو بين مركبة الهبوط على كوكب والمسبار، وما شابه ذلك من قفزات صغيرة نسبيا. فإن نظام شبكات الفضاء الخارجي، أو الشبكات الكوكبية، يحتاج إلى أن يتم تلقي المعلومات من منطقة ما إلى الأخرى في النظام الشمسي. وبالتالي يتضح أن مفهوم «منطقة» يعني وجود مساحة ما تتماثل فيها ظروف الاتصال.
وتشمل خصائص «منطقة» معينة كلا من الاتصالات، والأمن، والحفاظ على الموارد، وربما الملكية، وغيرها من العوامل. وبصوغ آخر يمكن القول إن الإنترنت الكوكبية هي شبكة تضم مجموعة من شبكات «المناطق».
ومن أمثلة «المناطق» في حالة شبكة الإنترنت الكوكبية أن توجد منطقة اتصال على سطح القمر مثلا، أو على سطح المريخ، وتكون المنطقة الأخرى هي المسبار أو المركبة الفضائية. لذلك فمع ضغطة الزر Send التي أطلقها رائد الفضاء تيموثي ج، لكي يرسل أول تغريدة على تويتر من الفضاء إلى الأرض، فإن ما فعله ليس مجرد إطلاق تغريدة من الفضاء الخارجي فقط، بل وإثبات - بالدليل الدامغ - على الخطوة العملاقة التي خطاها مجال تطوير الإنترنت الكوكبية، بعد سنوات شاقة من الدراسة والاختبارات.
وهذه التجارب المستمرة على تطوير شبكة الإنترنت الكوكبية لها العديد من الأهداف، أهمها تسهيل استخدام مركبات يتم التحكم فيها عن بُعد في الكواكب المختلفة، كما حدث مع العربة «كيروسيتي» على المريخ، وضمان المزيد من الأمن لرواد الفضاء في الرحلات الطويلة، وتقليل تكلفة الرحلات بسبب سرعة الاتصال بين المركبة الفضائية، وكذلك لأسباب أخرى من بينها مثلاً أن بعض الذين سئلوا عن رغبتهم في التطوع بين المتطوعين لرحلة المريخ رفضوا الفكرة في البداية، لكن البعض أعلن استعداده لتلك المغامرة إذا كانت الرحلة تضمن وجود شبكة إنترنت.
رحلة المريخ
ورحلة المريخ هذه هي الرحلة التي أعلنت عنها قبل عدة أشهر شركة «مارس وان» الهولندية لإطلاق مركبة غير مأهولة بحلول العام 2018، لتمهيد الطريق لرواد فضاء متطوعين باختبار التكنولوجيا التي سيحتاجون إليها إذا وصلوا إلى المريخ سالمين، لإقامة أول مستوطنة بشرية في الفضاء الخارجي.
ووفقا لما نشرته تقارير صحفية عدة عربية وعالمية، أبدت شركة لوكهيد مارتن للصناعات الجوية الفضائية - التي تعاونت مع وكالة الفضاء الأمريكية ذ (ناسا) في إطلاق العديد من المركبات - استعدادها لإطلاق مركبة مماثلة للمسبار «فينكس»، الذي أطلقته «ناسا» وهبط على سطح المريخ في العام 2008. وستُطلق المركبة مع قمر اصطناعي للاتصالات يوضع في مدار حول المريخ، حيث سيوفر وسيلة لإرسال أفلام فيديو ومعلومات من سطح المريخ إلى الأرض.
كما وقَّعت الشركة الهولندية عقدًا مع شركة سري ساتيلايتس البريطانية للعمل على بناء قمر الاتصالات.
وإذا نُفذت الخطة كما هو مرسوم لها، فإنها ستكون أول رحلة ممولة من القطاع الخاص لاستكشاف كوكب آخر. وقال إيد سيديفي، كبير مهندسي «لوكهيد مارتن» ومدير رحلة المسبار فينكس الذي أطلقته «ناسا»: «المشروع يمثل فجر حقبة جديدة في استكشاف الفضاء».
وأعلن باس لانسدورب، المدير التنفيذي لشركة مارس وان في واشنطن، أن المركبة غير المأهولة التي ستُطلق في العام 2018 هي الخطوة الأولى في خطة الشركة لإقامة مستوطنة دائمة على المريخ.
إذا كللت الرحلة المأهولة الأولى بالنجاح، تخطط الشركة الهولندية لإرسال أطقم أخرى، مرة كل عامين. ولا يتوقع أحد من أفراد هذه الأطقم أن يعود إلى الأرض، بل سيبقون على المريخ بوصفهم سكان أول مستوطنة فضائية. وقال لانسدورب إن شركته تلقت أكثر من 200 ألف طلب من متطوعين يريدون أن يكونوا أول المحلقين إلى المريخ. ويكلف الطلب الواحد 75 دولارًا، ومن يتقدمون إلى المرحلة الثانية من التقييم سيُبلغون بالخطوة التالية في نهاية العام.
وستختبر المركبة غير المأهولة كاميرات الفيديو وتصور أفلامًا على مدار الساعة، فيما ستُجرى تجربة على متنها لإنتاج الماء على سطح المريخ. وتختبر تجربة أخرى لعمل الألواح الخفيفة لتوليد الطاقة الشمسية.
ستكون الرحلة المأهولة إلى المريخ محفوفة بالمخاطر لأسباب عدة بينها مستويات الإشعاع المرتفعة على سطح الكوكب الأحمر، وضعف مجال الجاذبية على المريخ، وهو ما سيتطلب عملية تكيف جذرية، كما أن التأثير النفسي يمكن أن يكون عميقًا. فحتى رواد فضاء متمرسون واجهوا مشكلات في صحتهم العقلية وعدم النوم والتوتر النفسي بعد بقائهم معزولين خلال تجارب على سطح الأرض لاختبار قدراتهم على التحمل.
ومع ذلك فقد زاد عدد المتطوعين بشكل كبير، ومن المتوقع أن تزداد قدرات شبكات الإنترنت الكوكبية وكفاءتها خلال السنوات المقبلة لكي تواكب هذا الحدث، ولكي تزيد من كفاءة عمليات التواصل بين الأفراد على متن المركبات الفضائية وبين الآخرين على الأرض، وهذا الحدث الخاص برحلة المريخ ليس الحدث الوحيد بطبيعة الحال الذي سيسهم رفع كفاءة شبكة الإنترنت في زيادة نسب نجاحه، إذ إنه حدث بين أحداث أخرى تتعلق بالتجارب الفضائية العديدة التي تقوم بها وكالات الفضاء الأمريكية والروسية والأوربية، إضافة لتجارب الصين التي تزمع الوصول للقمر لإجراء المزيد من الاختبارات على سطحه قريبا. وبشكل عام فإن المدار الخاص بالأرض لا يحتاج إلى «إنترنت كوكبية»، إذ إنه يخضع لبروتوكولات الإنترنت الأرضية، ومع ذلك فهناك بعض التجارب التابعة لوكالة الفضاء الأوربية التي استخدمت شبكة إنترنت كوكبية بشكل تجريبي على عربة استكشاف يفترض أن تصل إلى كوكب آخر من أجل أغراض تعليمية لبرنامج تابع لأحد معاهد الدراسات الفضائية في ألمانيا، من أجل اختبار فكرة استخدام «الإنترنت الكوكبية» في تجارب أخرى في المستقبل.
أبوالإنترنت
أخيرا تبقى الإشارة إلى أن الأبحاث الخاصة بتطوير الإنترنت في الفضاء الخارجي قد تمت تحت قيادة أحد أبرز الأسماء في مجال الإنترنت، وهو فينت سيرف (Vint Cerf) وهو عالم كمبيوتر أمريكي من رواد علوم الإنترنت ونائب رئيس شركة جوجل، يطلق عليه «أبوالإنترنت» لإسهاماته في تطوير الإنترنت، وكانت هذه الزاوية قد تناولت سيرته في عدد سابق قبل بضع سنوات.
في بداية حياته كان سيرف مدير برنامج في وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) ومول العديد من المجموعات لتطوير تكنولوجيا حزمة بروتوكولات الإنترنت، وعندما بدأت «الإنترنت» الانتقال إلى الأعمال التجارية في أواخر الثمانينيات انتقل سيرف إلى شركة «إم سي أي»، حيث كان له دور فعال في تطوير النظام البريدي الإلكتروني التجاري الأول (بريد إم سي أي) المتصل بشبكة الإنترنت.
وكان قد كشف في العام 2009 عن التطوير الهائل الذي يقوم به مع فريق العلماء في مشروع الإنترنت الكوكبية، أو إنترنت ما بين الكواكب، في إحدى المحاضرات التي ألقاها في مكتبة الإسكندرية بمصر.
حيث أوضح آنذاك أنه يعمل على هذا المشروع منذ 10 سنوات، وهو مشروع له علاقة باكتشاف الفضاء ويهدف لتدعيم أجهزة الروبوت لاكتشاف الفضاء، وهو يحمل آمالا بتغييرات في تكنولوجيا المعلومات في المستقبل. وقال «إن الفكرة بدأت حينما توقفت الإشارات اللاسلكية التي ترسلها سفينة فضاء على المريخ في مايو 2008، وجلسنا مترقبين لا نعرف ماذا حدث لها، وفكرنا في خلق شبكة إنترنت لعلماء الفضاء عن طريق البروتوكولات القديمة للإنترنت، ووجدنا أن ذلك لن يفلح، لأنه سيأخذ 20 إلى 30 دقيقة لوصول البريد الإلكتروني، بسبب المسافات البعيدة جدا بين الكواكب وعدم ثباتها، فـ«الإنترنت» تتعامل مع دول ثابتة، وقد تكون ناجحة داخل السفينة أو المعمل، لكنها لن تكون كذلك بين الكواكب، وقد عثرنا على بروتوكول جديد يتعامل مع هذه المشكلة TDRSS، وسنحدد معايير الاتصال من خلال النظام الجديد IPN أو Inter PlaNet». وأشار إلى أن هذا البروتوكول سيسمح بالاتصال بين المريخ والأرض وكذلك الكواكب الأخرى، وعبر عن أمله في تحقيق ذلك من خلال السفينة EPOXY، بعد موافقة «ناسا» على تطبيق ذلك البروتوكول في عدة محطات فضاء، وبنهاية 2009 سيتم عرض هذا البروتوكول على الهيئة الاستشارية للفضاء لتعميمه». واليوم أصبحت الأحلام أكثر من حقيقة .