آليات التعامل مع الكارثة
خلال السنوات القليلة الماضية عرفت البشرية أسوأ أنواع التدمير الناتج عن الكوارث الطبيعية والبشرية على حد سواء، ما بين انفجار نووي كما حدث لمفاعل فوكوشيما في اليابان، وإعصار هايان في الفلبين، وتسونامي شواطئ آسيا الجنوب شرقية، كما في سريلانكا، إضافة إلى زلازل وطوفانات، وأخيرًا حروب لطائرات تدك المدن دكاً فتقضي على بنيتها التحتية وآثارها، مثلما تبيد أهلها.
المؤلفة هي أستاذ الجيولوجيا الفخرية في جامعة إلينوي وتعمل بمنحة من مؤسسة ماك آرثر، وهي أيضا عضو في الأكاديمية الوطنية للعلوم، ولها مدونة شعبية تسمى الجيولوجيا تتقدم.
تكتب كيفر «ديناميات الكوارث» بحـــزم شديد يجمع كـــثيرًا من الــــعلوم المعــقـــدة في كتاب متوسط الحجم نسبيا، يتسم بوضوح الكتابة. يترافق ذلك مع اختيار دقيق للرسوم التي تدعم ما تذهب إليه، مما يجعل المحتوى مشوقا، حتى وإن كان يتناول أمرًا كارثيا، وهو ما ييسر الوصول إلـــى قاعـــدة عريضة من القراء.
من هنا تأتي أهمية كــــتاب عالمة الجــــيولوجيا سوزان دبليو. كيفر، الذي يحمل عنوان ديناميات الكارثة، والكارثة الأكـــثر تأثيرًا هنا هي تلك الكارثة الطبيعية التي يمتد تأثيرها الجغرافي والزمني بشكل مدمـــر واستثنائي في تأثيره السلبي ليس لوقت الحدوث وحسب، ولكن لسنوات وربما لأجيال قادمة، تمامًا كما تتذكر وتتألم البشرية لقنبلتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان، ومفـــاعـــل تشيرنوبيل في أوكرانيا.
هكذا تربك الكوارث مسيرة البشرية على كوكبنا، وفي حين يبدو أن كلا منها يمثل حدثا فريدا من نوعه، تظهر الرائدة الجيولوجية سوزان كيفر لتربط جميع الكوارث معًا.
ففي عام 2011، كانت هناك أربع عشرة كارثة طبيعية مدمرة، تبلغ قيمة خسائر كل منها أكثر من مليار دولار من الممتلكات في الولايات المتحدة وحدها. وفي عام 2012، دمر إعصار ساندي الساحل الشرقي وضربت زلازل كبرى إيطاليا، والفلبين، وإيران، وأفغانستان. وفي النصف الأول من عام 2013، واصلت الكوارث قرع طبول الحرب على الكوكب، فكان هناك إعصار مور الوحشي، بأوكلاهوما. وزلزال قوي هز سيتشوان في الصين. مثلما كان الإعصار الذي مزق كوينزلاند بأستراليا؛ وغمرت فيضانات هائلة جاكرتا؛ العاصمة الإندونيسية، كما اجتاح الدمار - أكبر من أي وقت مضى - جزءًا كبيرًا من ولاية كولورادو.
على الرغم من تواتر هذه الأحداث، فلايزال الجميع يتــــصـــرف وكأنهــــا هي القيم المتطرفة، أو الاستثنائية، وإلا فما السبب وراء بناء مجتمعات جديدة بالقرب من البراكين النشطة؟ سواء كان ذلك على الصدوع النشطة تكتونياً، أو على سهول قد تجتاحها الفيضانات، تماما كتطوير المناطق المعرضة للعواصف بشكل روتيني؟
ذات مرة قال مؤرخ شهير إن «الحضارة موجودة بموافقة الجيولوجيا، وهي عرضة للتغيير دون إشعار». وهكذا نجد أثناء تصفحنا صفحات هذا الكتاب الفريد من نوعه.
في حوار لها سُئلت كيفر عما إذا كان يجب على الدول إعادة بناء المدن بعد حلول الكارثة، أجابت بأن علينا معرفة ما الأمر الذي تسبب في النهج الخطأ، فكيف نعيد البناء في مناطق تتعرض لزلازل شديدة الخطر أو تدخل في حزام الـ«تسونامي» المتجدد؟
وحين سئلت كيفر عما إذا كان التقدم التكنولوجي سيساعدنا في منع الكوارث، قالت: لن يكون بإمكانــــنا تغــــيير الكيفية التي تطلق بها الكرة الأرضية طاقاتهــا الكامــــنة، كل ما يمكننا عمله هو تغيير الكيفية التي نستجيب بها للكوارث، مثلما تحديث طرق تعاملنا معها. التكنولوجيا يمكن أن تمنح العلماء تفسيرات أوضح للأسباب. وأعتقد أنه بهذه المعلومات يمكننا أن نتنبأ على نحو أفضل، بما يقدم تحذيرات حاسمة زمنيا للعامة.
تبدأ الجيولوجية سوزان كيفر تمهيدًا بذكر معظم أنواع الكوارث الطبيعية. الزلازل، والتسونامي، والبراكين، والانهيارات الأرضية، والأعاصير، والزوابع، والطوفانات. ثم تحدثنا عما وراء كواليس الجيولوجيا الكامنة التي تتسبب في تلك الكوارث. الخطير أنها تؤكد شيوع الكوارث الطبيعية بأكثر مما كنا ندرك، وأن تأثيرها علينا سيزيد كلما تزايد عدد السكان، ليمثلوا حشودًا بأكثر المناطق عرضة للخطر.
كعالمة جيولوجـــــية لم تقاوم سوزان فكرة القيام ببعض العمل الميداني، فـــهــــــيكلة كل فصل تدور حول رحلة ميدانيــــة افتـــراضية، تدعو فيها القراء لزيارة مشاهد من الكوارث السابقة، والتفكير في التأثيرات في النظم المادية والبشرية، واستكشاف العمليات التي تصل الأحداث ببعضها البعض، حتى وإن بدت غير ذات صلة. يتم جلب كل رحلــــة إلى الحياة من خلال أصوات أولئك الـــذين عانوا الكوارث مباشرة كما ذكــر شهـــود عـــيان أو ناجون، أو عن طريق حسابات كيفر من تجاربها الشخصية - المهنية الخاصة. هذه الأصوات تعزز نطاق النص الشاملة من المصادر المشار إليها، والتي تمتد من الأوراق العلمية لاستعراض الأقران إلى لقطات فيديو لهواة التقطوها للظواهر الطبيعية التي نادرا ما ينظر إليها.
تصف كيفر كيف تؤدي الكوارث الطبيعية إلى «التغييرات في الحالة المادية» بقدر ما يتحول الماء إلى بخار، وأننا إذا فهمنا ما يسبب هذه التغييرات من حالة ما، يمكننا أن نبدأ في فهم ديناميات الكوارث الطبيعية.
عناوين فصول الكتاب،
وفق تصنيف المؤلفة، هي:
< الموافقة الجيولوجية. هل لدينا ذلك أم لا؟
< الديناميات والكوارث
< الاستثناء ليس حقيقيا
< بساط الريح
< يوم انفجر الجبل
< سلطان المياه - التسونامي
< موجات مارقة، طقس عاصف
< أنهار من السماء
< الماءُ، الماءُ، بكل مكان ... وما من قطرة للشرب!
وبغضِّ النظر عن أن العنوان الأخير مستعار من بيت شعري من قصيدة صامويل تايلور كولريدج، البحار العجوز، حيث يحيط الماء المالح البحارة فلا يستطيعون له شربًا رغم العطش، فليست هناك من نواح شعرية في كتاب يتحدث عن الكوارث، وإنما تقصد الباحثة أن العلماء والخبراء موجودون، ولكن لا يوجد حل منظور. فالفصول الثمانية الأولى تحدد التعامل مع الظواهر/المخاطر، ويحدد الفصل الأخير كيف يمكننا الاستعداد بشكل أفضل في حالات الكوارث الطبيعية بالمستقبل.
في إطار توحيد تحليل «تغيير الحالة» يتحول المشهد، الذي يبدو شواطئ هادئة إلى طبيعة برية وبحرية في حالة من الفوضى القاتلة. السقوط المفاجئ للأرض من قبل هزة أو زلزال، موجات المحيط اللطيفة التي تترامى بلا قصد تتحول إلى موجات عملاقة تنتفخ وهي تهوي كموجة مستعرة للتسونامي على الشاطئ.
تفسر كيفر - ببراعة - هذه الظواهر مع القياس بانفجار إطارات الدراجات الهوائية، وتموجات بالوعة المطبخ، وما شابه ذلك.
في الفصل الختامي من الكتاب، تحدد كيفر كيف يمكننا الاستعداد بشكل أفضل - وربما في بعض الحالات منع - الكوارث في المستقبل. كما أنها تدعو أيضا إلى إنشاء منظمة ما، مثل جهاز هو أقرب إلى مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، للتعامل مع الكوارث الطبيعية المنتظرة.
تجمع سوزان كيفر في الفصل الأخير بالنص والرسم معا من مناقشات عدة تدور حول أهمية تقاسم المعرفة والتواصل في فهم/تخفيف المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية. إنها تفكر في دور العلماء وغيرهم من الخبراء في حماية المجتمع. تريد من يشحذ الفكر لمقاومة آثار الكوارث في المستقبل.
على الجيولوجيين أن يسهموا من خلال قدرتهم على رؤية العـــالم من خلال «عدسة ثنائية البؤرة»: رؤية الأشياء على مختلف المقاييس المادية والزمنية، والبحـــث عن القرائن من السجل الجيولوجـــــي حول أسباب ونتائج العمليات الجـــــيولوجية على نطاق واسع. وتعــــتـــرف بأن الخبرة الجــــيولوجية وحــــدها لا تكفي، وأن على العديد من القطاعات بين العلماء والمهندسين - المموليـــن، والمربين العمل معا لبناء إطار المعرفة اللازمة للتعامل بشكل فعال مع الكوارث الطـــبيعية، والتأكد من أن حكمتهم الجــــماعـــية تســـتخدم لمصلحتنا جميعًا .