الثقافة الموسيقية.. ما هي الموسيقى؟

الثقافة الموسيقية.. ما هي الموسيقى؟
        

          الموسيقى لغة تحاكي مشاعر الإنسان وتتواصل مع حياته اليومية وفعالياته المختلفة، فهي معه في مهرجانات الفرح ومناسبات الحزن وطقوسه الدينية والفعاليات المسرحية والغنائية وفي تعليم الأطفال وصولاً إلى العلاج بالموسيقى.

          هذه اللغة تصل إلى السامع عبر وسائلها الأساسية، وهي الآلات الموسيقية على مختلف أشكالها وتقنياتها سواء كانت آلات بدائية أو متطوّرة، إلا أنها تعتبر وسيلة للتعبير حسب البيئة ودرجة التحضّر.

          ولا عجب إذا قلنا بأن هذه اللغة (لغة الموسيقى) تمتد إلى التفاعل والتواصل حتى مع المخلوقات غير العاقلة، إذ إنها تؤثر على فعاليات وسلوك الحيوانات، وأوضح مثال على ذلك تأثيرها على حيوانات السيرك المدرّبة.

أركان الموسيقى:

          1 - المؤلف الموسيقي.

          2 - الوسيط الناقل للموسيقى (العازف أو المغني).

          3 - المستمع.

          فلا توجد موسيقى بلا مؤلف، ولا موسيقى من دون عازف، ولا موسيقى من دون مستمع.

          هذه الأركان الثلاثة هي التي تعبّر عن وجود الموسيقى.

عناصر لغة الموسيقى:

          أولاً: اللحن: وهو الجانب والعنصر الذوقي الذي يتم بناؤه في السلم الموسيقي الذي يتحكم في حركة النوتة الموسيقية على الفواصل والتراكيب النغمية التي أشبه ما تكون حروفها التي تتمثل في النوتة على السلم الموسيقي، بالحروف الهجائية في اللغة عندما تتجمع وتتناسق هذه الحروف لتشكل كلمة ذات معنى، كذلك تتناسق النوتات على السلم الموسيقي وفق رؤية المؤلف لتصبح جملة موسيقية ذات معنى.

          ثانيًا: الإيقاع: وهو الجانب الذي ينظم التعاقب الزمني والحركة النظامية لميزان الأنغام في سير اللحن بشكل مطرد وتنظيم التواتر الزمني لحركة اللحن، ومثلما هناك إيقاع في الحياة الطبيعية للإنسان كعملية التنفس، فإن الموسيقى تحافظ على هذا الإيقاع الذي يعتبر ضروريًا لتوفير الناحية النظامية في الموسيقى، ومن دون هذا الإيقاع تخرج الموسيقى عن مفهومها وتتحول إلى صخب.

          ثالثًا: التوافق الصوتي (الهارموني): ويعتبر استخدام هذا العنصر ملازمًا في الموسيقى العالمية أو ما تسمى الموسيقى الغربية أو الأوربية ولا تتوافر مقومات استخدامه في الموسيقى الشرقية لاختلاف السلم الشرقي عن السلم الغربي، مما جعل الموسيقى الشرقية تفقد خاصية مهمة وأساسية في الارتقاء الفني للموسيقى. والتوافق الصوتي عبارة عن تراكيب لحنية ضمن المقطوعة الموسيقية من خلال التوزيع الموسيقي الذي يعطي دورًا لكل آلة وبحسابات دقيقة تساعد في إيجاد فرشة واسعة من الألحان تساعد بمجموعها على إخراج المقطوعة الموسيقية المتكاملة. والتوافق الصوتي يتم عبر قيام المؤلف بتوزيع التراكيب اللحنية على الآلات الموسيقية بشكل منسجم ومتناسق مما يزيد من ثراء اللحن وقدرته على التصوير من خلال اللحن الرئيسي للمقطوعة والزخارف الموسيقية التي توفرها التراكيب اللحنية (الهارموني) للمقطوعة.

          رابعًا: الأشكال أو القوالب الموسيقية: وهذا العنصر هو الآخر تفتقر إليه الموسيقى الشرقية، التي لا تتعدى المعزوفة الموسيقية أو الأغنية بمصاحبة الفرقة الموسيقية، أما في الموسيقى العالمية «الغربية» فهناك العديد من الأشكال الموسيقية التي سنتناول البعض منها:

          1 - السيمفونية: وهي عبارة عن قصيدة موسيقية تعتمد في تأليفها على موضوع يتراوح بين القصة والقصيدة والأسطورة أو الإيحاء بموضوع معين كوصف للطبيعة أو التعبير عن نضال الإنسان ضد الظلم أو إطلاق مشاعر الحب.

          وهناك الكثير من القصائد الشعرية والنصوص الأدبية والقصص، التي تحوّلت إلى سيمفونيات مثل «شهرزاد، روميو وجولييت، أنشودة الأمل للشاعر الألماني شيللر» وغيرها.

          ويحتوي الشكل السيمفوني على أربع حركات تتعاقب في سرعة كل حركة عن الأخرى، مما يوفر التنوّع في الألوان الموسيقية والتصوير، فتكون الحركة الأولى على العموم بإيقاع سريع معتدل، والثانية بطيئة، والثالثة بإيقاع راقص ثم الرابعة بإيقاع سريع جدًا.

          2 - الكونشيرتو: وهي عبارة عن مقطوعة لآلة موسيقية تنفرد في العزف بشكل واضح بمصاحبة الأوركسترا بما يشبه الحوار بين الآلة المنفردة والأوركسترا، وتتكون عادة من ثلاث حركات وهي «سريعة، بطيئة، وسريعة جدًا». وتتجلى في هذا الشكل الموسيقي مهارة المؤلف في صياغة ألحان جميلة ذات تكنيك معقّد وهو ذو دور رئيسي في المقطوعة، وكانت من أبرز هذا الشكل كونشيرتات الكمان والبيانو والجلو والفلوت التي برع العازفون في أدائها.

          3 - الأوبرا: وهي عبارة عن مسرحية غنائية تكون مستوحاة من قصة أو رواية أو أسطورة تنتظم خلالها جميع الفنون من موسيقى وغناء وتمثيل ورقص وديكورات وإكسسوارات وإضاءة، وتقدم بعض القصص التاريخية الضخمة على مسارح واسعة تصوّر أحداثًا تتخللها معارك يشارك فيها العديد من الأشخاص، إضافة إلى الكومبارس وبأعداد ضخمة تخصصت بها بعض المسارح الأوربية وتنوّعت عروض وموسيقى الأوبرا بمواضيع متنوعة ومختلفة، فهناك الأوبرا التراجيدية التي تتناول قصص الدراما والشعر الجاد، وكان من أبرز من كتب الموسيقى في هذا الجانب الموسيقار الألماني ريتشارد فاجنر الذي كان يؤلف أشعار أوبراته إلى جانب تأليفه للموسيقى، كما اشتهرت إلى جانب هذا النوع من الأوبرا «الأوبرا الهزلية» أو الساخرة التي كانت تتناول مواضيع انتقادية للمجتمع والسلطة، وكان أشهر مَن برع في هذا الجانب  الموسيقار الإيطالي «جوشينو روسيني» صاحب الأوبرا الهزلية الشهيرة «حلاق إشبيلية»، إضافة إلى العديد من الأوبرات مثل «الطائر اللص» و«إيطالية في الجزائر» و«ويليام تيل».. وغيرها الكثير.

          وهناك الموسيقار الإيطالي جوسيبه فيردي مؤلف أوبرا «عايدة» التي ألّفها بمناسبة افتتاح قناة السويس وحضرها العديد من الملوك والرؤساء بتلك المناسبة آنذاك، والذي اختص بالأوبرات التاريخية الضخمة، كان من بينها أوبرا «نبوخذنصر».

          4 - الباليه: وهو الرقص التعبيري الذي يمتاز بتوازن الحركات وانسجامها كعمل جماعي ترافقه الموسيقى المعبّرة عن الحدث الذي يصوّر واقعة معينة معتمدة أيضًا على قصة أو مسرحية أو حكاية تاريخية، وقد برع في هذا الشكل الموسيقي بعض الموسيقيين الذين استمرت أعمالهم الموسيقية تعرض على مسارح العالم منذ مئات السنين. ويشار إلى الموسيقار الروسي تشايكوفسكي الذي ألّف روائع الموسيقى في هذا المجال مثل باليه «بحيرة البجع»، و«كسّارة البندق»، و«الفتنة النائمة» وغيرها. والجدير بالذكر أن المؤلفين الروس تربّعوا على عرش موسيقى الباليه، لما يتمتع به الأدب الروسي من قصص وأساطير كانت المادة الأساسية لموسيقى الباليه وعملت على ظهور راقصين وراقصات باليه تميّزوا عن كل راقصي دول العالم في المهارة والتعبير.

          5 - الافتتاحية: وهي شكل موسيقي يتضمن مقطوعة تستهل بها الأوبرا، وتعتبر المدخل لها قبل أحداث الأوبرا وما فيها من تفاصيل وأحداث، معتبرين هذه الافتتاحية ملخصًا ومقدمة معبّرة عن الأوبرا بشكل مركّز. وقد لجأ بعض الموسيقيين إلى تأليف افتتاحيات لمواضيع معينة من دون أن تكون هناك أوبرا تتبع عرض الافتتاحية، وإنما أصبح هذا الشكل الموسيقي حالة مستقلة مثل حالة ملخص لكتاب أو موضوع معين دون الخوض في تفاصيله.

          6 - موسيقى الآلات «الرباعية - الخماسية - السداسية - السباعية والجامبير ميوزك»: وهذا الشكل الموسيقي يتضمن مقطوعات تؤديها مجاميع من الآلات الموسيقية كموسيقى الكوارتيت وهي تعني الرباعي، وتضم أربع آلات موسيقية، وهناك مجموعة من خمس آلات أو ست أو.. إلخ.

          وهناك موسيقى الصالة التي تعتبر «أوركسترا صغير» تسمى «جامبر ميوزك».

          وهناك أشكال موسيقية عدة أخرى تعد بالعشرات، تتميز كل واحدة منها بأسلوب يمتلك بعض الخصوصية التي تميّزه عن الأشكال الأخرى.

عصور الموسيقى

          نشأت الموسيقى مع ظهور التراتيل الدينية في الكنائس في الغرب باعتبارها أحد الطقوس الأساسية للعبادات في الكنائس، ولاتزال تلك الكنائس شاخصة حتى الآن بعد أن امتدت إليها يد التغيير لتجعل منها قاعات للثقافة والموسيقى والاجتماعات العلمية، بعد أن كانت الكنيسة تسيطر على الحياة الاجتماعية في القرون الوسطى، وكانت تلك البدايات للموسيقى الكنسية قد مهّدت لانتشار الموسيقى وتطوير مهارات العازفين وتطوير الآلات الموسيقية.. حيث تبلورت فيما بعد مدارس موسيقية عبر مراحل تطور الموسيقى. فكانت البداية النظامية الناضجة آنذاك هي عصر موسيقى «الباروك»، هذا العصر الذي امتاز بالزخارف والجماليات سواء في الموسيقى أو في طراز البناء أو حياة المجتمع، وقد برز في تلك الحقبة عشرات الموسيقيين العظام، الذين مازالت موسيقاهم تعزف حتى الآن ومنذ أكثر من 4 قرون، ثم ظهر في أعقاب ذلك العصر الكلاسيكي الذي برز فيه عمالقة الموسيقى الكلاسيكية في ألمانيا وإيطاليا، الذين ألّفوا موسيقى نظامية تعتمد قواعد ونظريات الموسيقى، ملتزمين بالحالة الثقافية للمجتمع في تلك الحقبة، ومتواصلين مع الأدباء والشعراء والرسامين والنحّاتين الذين كانوا جميعهم يلتزمون جانب النظامية والحفاظ على التقاليد الفنية.. ولكن سرعان ما أخذ التطوّر يدب في أوصال جميع الفنون ليأخذ الفنان حريته في التفكير والتصوير ويدخل مرحلة تجديد الكلاسيك حين بدأ الجانب الوصفي وانفتاح مناخات الفكر يأخذ حيزًا كبيرًا في المجتمع.. ويستمر التطور للدخول في مرحلة الموسيقى الرومانتيكية، التي فتحت آفاق الانطلاق والخيال والرومانسية أمام المؤلفين الموسيقيين الذين خرجوا عن قيود الحالة النظامية ليخوضوا في مواضيع الحب والخيال والأسطورة، التي أدت بدورها إلى تطور مهارات العازفين والمسارح، ولم يقف التطور وظهور المدارس الموسيقية عند هذه الحدود، بل امتد لكي تظهر مجموعة من المؤلفين الموسيقيين المحدثين الذين خرج البعض منهم عن قواعد ونظريات الموسيقى ليبتكروا أساليب جديدة في وضع موسيقاهم تتماشى مع الحركة الانطباعية والرمزية والسريالية، التي حدثت في مجال الفنون التشكيلية والشعر والأدب.
---------------------------------
* ناقد وباحث موسيقي من العراق.

 

 

حسام الدين الأنصاري*