أوغوست كوديه صورة محمد علي باشا

أوغوست كوديه صورة محمد علي باشا

يمثل الرسام الفرنسي لوي - شارل أوغوست كوديه حالة متطرفة في التعبير عن الفنانين الأكاديميين، الذين عرفوا في القرن التاسع عشر شهرة عظيمة وتم تصنيفهم ضمن كبار العباقرة، ولكنهم دخلوا لاحقًا طي التجاهل شبه التام، وكأنهم لم يكونوا موجودين يومًا.
فهذا الرسام المولود عام 1790م، والذي لفت الأنظار إلى موهبته وهو في الرابعة عشرة من عمره، عندما عرض لوحة صغيرة في «الصالون السنوي» عام 1804م، بعدما درس في محترف رينيو أولًا،  ثم عند جاك لوي دافيد، تسلق لاحقًا سلم الشهرة، بحيث أوكلت إليه الحكومة رسم أحد أسقف قصر اللوفر، وأوصته على لوحات عديدة لبعض أهم دور العبادة والقصور بما فيها قصر فرساي، فأصبح عضوًا في «أكاديمية الفنون» عام 1839م، وضابطًا في جوقة الشرف بعد ذلك بسنتين. وظل كوديه من ألمع الأسماء في الحياة الفنية في فرنسا حتى نهاية عهد الإمبراطورية الثانية عام 1870م. ولكن ما الذي بقي منه اليوم؟
الجواب: نحو أربعمائة لوحة ورسم تحضيري، مبعثرة في مختلف أنحاء فرنسا وأوربا، وأربعة أسطر فقط في موسوعة «ويكيبيديا» (حتى في نسختها الفرنسية)، فالرجل لم يحظ بأي معرض استعادي، ولا بكتاب واحد عنه أو عن أعماله باستثناء أطروحة شهادة دكتوراه أُعدت أخيرًا، ولكن حتى هذه لم تنشر للعموم.
رسم كوديه هذه اللوحة عام 1841م،  بناء على طلب من الملك الفرنسي لويس فيليب لوضعها في المتحف التاريخي في فرساي. وفي ما عدا ذلك، فإننا لا نعرف الكثير حول ظروف رسمها. ولكن من شبه المؤكد أن الفنان استعان ببعض الرسوم السابقة التي عاد بها المستشرقون من مصر، وتدل على ذلك أمور عديدة.
فعندما رسم الفنان هذه اللوحة، كان الوالي المصري في الثانية والسبعين من عمره. ومع ذلك، نرى هنا وجه رجل يكاد يخلو من أي تجاعيد، ولولا بياض اللحية لقلنا إنه دون الخمسين من العمر. ومن المرجح أن هذا التجميل لا يعود فقط إلى الرسوم القديمة المستوحاة، بل أيضًا لدوافع سياسية تتمثل في حسن العلاقات بين مصر وفرنسا في تلك الفترة، تؤكد ذلك ملامح القوة والعزم والوقار على وجه الباشا.
وبالوصول إلى العناصرالأخرى في اللوحة، يلفتنا السيف التركي الطراز في حضن الوالي، وهو ما يراه البعض أمرًا غير واقعي، إذ ما من داعٍ لأن يحتضن الوالي العجوز سلاحًا. الأمر الذي يرد عليه آخرون بالقول إنه مجرد إشارة رمزية إلى ما حفلت به سيرة الباشا من معارك وحروب. أما النافذة التي تظهر من خلالها أهرامات الجيزة، فلا وظيفة لها سوى أن تقول لزوار متحف فرساي آنذاك إن هذا الرجل الشرقي هو والي مصر. وبالتالي، يا ليتها ما كانت... لأنها لا ترقى إلى البلاغة اللونية والبراعة في رسم الخطوط المرئية أينما كان في هذه اللوحة من السيف إلى العمامة مرورًا بالحزام الحريري، التى ترقى إلى مستوى من تعلم كوديه على يديه: جاك لوي دافيد ■