نظرية جديدة في التخطيط العمراني وحماية المنشآت الخرسانية

نظرية جديدة في التخطيط العمراني وحماية المنشآت الخرسانية

يقول أندريه دواني Andrés Duany، أحد مشاهير مخططي المدن في الولايات المتحدة الأمريكية، وأسس مع زوجته إليزابيث بلاتر - زيبرك elizabeth Plater-Zyberk منتدى التخطيط العمرانى الحديث، «يشتهر دعاة التخطيط العمراني الجديد بإعادة تصميم الضواحي المعهودة كالمدن الصغيرة، بيــد أن مبادئهم مهمة أيضًا في ما يتعـلق بالتخطــيط الحضــري والريفي، خاصة في عزل وحماية المنشآت الخرسانيــة».

انتقد البعض حركة التخطيط العمراني الحديث، باعتبارها تركز على الضواحي، وذلك لأنهم لا يرغبون في العيش بنسخة جديدة من المدينة الصغيرة التقليدية، وقد يفضلون أيضًا صخب المدينة أو هدوء الريف، بيد أن التخطيط العمراني الحديث يتسم بالعمومية، حيث يستوعب أنماطًا متنوعة من البيئات البشرية، فهو يتصف باستراتيجية تخطيط شاملة تصلح لجميع أنواع التطوير من البرية النائية وحتى قلب المدينة المزدحم. والنظام المعروف باسم المقطع المستعرض Transect هو الآن دليل الكثير من المدن الجديدة، ويجري تبنيه بوصفه قانونًا وشريعة في العديد من دول العالم. 
أستعير مفهوم المقطع المستعرض من علم البيئة. وهو مقطع مستعرض جغرافي لسلسلة من البيئات بدءًا - على سبيل المثال - من الأراضي الرطبة إلى المرتفعات، ومن التندرا إلى التلال الواقعة على سفوح الجبال، ويمتد من البيئات الطبيعية إلى المواطن البشرية بفضل زيادة الكثافة والسمة الحضرية. ويتدرج هذا المقطع من الفيلا في الغابات إلى مناطق المساحات الكبيرة في الضواحي التي تتشارك في بساط أخضر مزود بشبكة إضافية من الطرق، وصولاً إلى القطاعات الحضرية الأكثر تعقيدًا واستمرارية. ولا يلغي مفهوم المقطع المستعرض معايير وقوانين تحديد المناطق الحالية، وإنما ينسبها إلى الأجزاء التي تنتمي إليها من المقطع المستعرض. لذا فإن المتطلبات الحالية لاتساع الشوارع لا ينظر إليها على أنها صحيحة أو خاطئة، بل هل هي في مكانها الصحيح أم لا؟ فقد تكون الشوارع العريضة ملائمة عندما تسمح سرعة الحركة بذلك، حتى لو كان ذلك على حساب بيئة المشاة. وبالمثل، فإن المواصفات الحالية لنظم الصرف المغلقة ليست خاطئة، فهي ببساطة ملائمة فقط للمناطق الحضرية التي تشتمل على أرصفة وطرق للمشاة.
إن المقطع المستعرض يوسع مجالات اختيار التصميم، فاستخدام القوانين والمعايير التقليدية يجعل الارتدادات الجدارية الأمامية للمباني ينبغي أن تتمثل في ساحة مغطاة بالحشيش (النجيلة) بعرض 25 قدمًا أو موقف سيارات مرصوف، في حين يقدم لنا المقطع المستعرض ستة خيارات أخرى على الأقل. 
ولا تصلح جميع البيئات لتطبيق مفهوم المقطع المستعرض، فالمباني المدنية – كالدينية، والتعليمية، والحكومية، والمعاهد الثقافية - غالبًا ما تتطلب معاملة خاصة كشأن المطارات، ومستودعات النقل، والمناجم، والمصانع؛ فكلها تخضع لمواصفات خاصة بها، بيد أن المقطع المستعرض يلغي الأشكال غير المبررة لتقسيم المناطق إلى مناطق ذات استعمال وحيد، حيث تعتبر أي محاولة للجمع بين الأمكنة التي تخدم الحياة اليومية كالمساكن والمحال التجارية وأمكنة العمل أمرًا شاذًا لابد من التغاضي عنه. من هذا المنطلق، فإن دستور التقسيم المعتمد على مفهوم المقطع المستعرض ينقض الدستور الحالي. إنه نظام جديد يجعل الجيد سهلاً والسيئ صعبًا، كما يقول المعماري «لو كوربيزيه»، وبفضل ذلك من الممكن مصالحة الناس مع النمو والتوسع الذي غدا أمرًا لا مفر منه، بعزل وحماية المنشآت.
ولا تخفى على أحد أهمية عزل وحماية المنشآت عامة، والمنشآت الخرسانية على وجه الخصوص، لأن أي استثمار لا يبنى على حمايته وإطالة عمره الافتراضي يكون استثمارًا مستهلكًا وغير مدروس. وعدم تمام العزل والحماية والصيانة لأي منشأ يقلل من عمره الافتراضي، وبالتالي يضعف من حالة المنشأ ويقلل قيمته. والخط المتوازي مع خط العزل والحماية هو خط الصيانة الدورية للمنشآت، بشرط أن يكون على أسس علمية سليمة ومنشآت جيدة لعمر افتراضي طبيعي. وبالتالي نحافظ على الثروة القومية، والاقتصاد الوطني، والبنية الأساسية. ونحافظ على المال العام والخاص. ولكي تكتمل الصورة والجودة مع الخطين السابقين، يجب أن يسبقهما - بداهة - سلامة وجودة التصميم والتنفيذ واتباع الشروط والمواصفات السليمة، بدءًا من المواد والخامات الأولية الداخلة في صناعة الإنشاءات وتشييدها، على أن يكون ذلك بداية من منابع الخامات ومحاجرها ومصانعها ومخازنها. تلي ذلك جودة التنفيذ والمتابعة والإشراف الجيد، وأن يُعهد لذوي الخبرة من المقاولين والمهندسين التنفيذيين والمشرفين والاستشاريين متابعة العملية كاملة قبل وأثناء وبعد الإنشاء. 

العزل قديمًا أفضل من الحديث
إن عزل وحماية المنشآت يُعدان من الموضوعات المهمة جدًا التي تسبب كثيرًا من المشكلات في الخرسانة، والحديد، والبياض، والتشطيبات. وبجانب خطورة ما تسببه، فهي تظهر المنشآت بصورة سيئة ورديئة. والعزل أنواع متعددة: منها عزل الرطوبة والمواد التقليدية للعزل، مثل البيتومين المؤكسد والعادي، والخيش المقطرن واختياراته، ورولات العزل المختلفة، والسيكات العازلة، والمواد البيتومينية الحديثة في العزل (البارد- المطاطي)، والمواد الأسمنتية، والمواد الأكريليكية. وهناك احتياطات لازمة عند استخدام كل هذه الأنواع، وأيضًا عند استخدام الأيبوكسي. كما تتعدد كذلك طرق العزل، وتتم عن طريق مواد وقف تدفق المياه، والبولي ريتان العازل، وكيفية حشو الفواصل قبل العزل. وهناك ما يعرف بالعزل السالب والعزل الموجب، وطرق عزل الأساسات والسراديب والحمامات والأسطح. كذلك هناك العزل الحراري عن طريق المواد العازلة للحرارة، مثل الفيبر جلاس والصوف الزجاجي والزجاج العازل. ويوجد أيضًا العزل باستخدام الفوم، والعزل بالمونة الحرارية، والطوب الحراري، والسيليتون، والبوليسترين المشكل بالبثق، والمونة ذات الفقاعات. كل ذلك لمنع تآكل الخرسانة والحديد من العوامل المسببة له مثل الكبريتات، وماء البحر للخرسانة، والأحماض، والصقيع. كما أن هناك طرق حماية ومعالجة أسطح حديد التسليح، مثل الحرق-الرمالة والطرق الكيميائية والميكانيكية والكهربائية، وتحويل الصدأ إلى حديد كيميائيًّا.
إن تآكل الخرسانة والحديد، وعدم المعالجة الصحيحة لها، وعدم الاهتمام بطرق العزل، يؤدي إلى خسائر كبيرة؛ كما أن الخرسانة الجيدة من حيث المواد والمصنعية والمعالجة والغطاء الجيد تكون كفيلة بأن تحمي نفسها مما بها، سواء المؤثرات الخارجية أو الداخلية، وهو ما يدعو البعض إلى التساؤل عن أسباب جودة العزل قديمًا عن العزل الحديث. فقديمًا كانت الخرسانة تأخذ حقها من الرعاية المتكاملة، سواء في المواد بدءًا من المحاجر، ومصانع الأسمنت، والحديد، والخلط الجيد لمكونات متدرجة جيدة بنسب مدروسة، مع المعالجة بالمياه للوقت الكافي. وفي هذه الحالة تكون الخرسانة خط دفاع رئيسًا، ويكون العزل أيًّا كان نوعه ليس سوى خط ثان. وقديمًا لو كان متاحًا لدينا ما هو متاح الآن من تكنولوجيا وكيماويات وإضافات لوصلنا إلى ذروة الكفاءة في الجودة.
ولتوضيح طرق العزل الحديثة، كعزل السراديب مثلاً ضد تأثير المياه الخارجية، وهي من أهم المشكلات نظرًا لارتفاع منسوب المياه الجوفية، ومياه الخاصية الشعرية، واحتمالات التسرب من خطوط الصرف وغرف التفتيش نجد أن معظم السراديب تتعرض لهذه المشكلات، لذا فإنه قبل البدء في أعمال السراديب يجب:
1- عمل تحليل كيميائي للمياه الموجودة بالسرداب، ومعرفة الأملاح والقلويات الموجودة بها، وأيضًا وجود طفيليات أو ميكروبات من عدمه. 
2- معرفة مصدر المياه والنشع الموجود بالسرداب: هل هي مياه جوفية، أم خاصية شعرية، أو تسرب خطوط التغذية، أو الصرف الصحي، أو غرف التفتيش؟
3- معرفة منسوب المياه بالسرداب: وهل هو متغير أو ثابت، ومقارنته بمنسوب غرف التفتيش والبيارات الموجودة والمجاورة. 
ثم تأتي بعد ذلك خطوات التنفيذ لعملية العزل وتتلخص في:
1- بعد معرفة مصدر المياه نبدأ أولاً بإيقاف هذا المصدر بعلاج خطوط التغذية أو الصرف.
2- يتم عمل غرفة تجميع أو غرفتين وفق مساحة السرداب بمقاس 50 سم×50 سم، على أن تكون منخفضة بغرض تجميع المياه. 
3- يتم تركيب طلمبات شفط لسحب المياه من هذه الغرف وصرفها إلى بيارات الصرف القريبة. 
4- يتم وقف أي أماكن تسرب مياه واضحة باستخدام «مونة» سريعة الشكّ (الجفاف)، وتتم تغطية هذه المونة بمادة الجراوت.
5- يتم صب خرسانة مسلحة بالأرضية بسمك لا يقل عن 10 سم تسليح خفيف 5ـ10مم/م، مع استخدام أسمنت وإضافات مناسبة لما أسفر عنه تحليل عينة المياه. 
6- يراعى وضع أشاير رأسية للحوائط الخرسانية التي سيتم صبها كقميص للسرداب، مع وضع «واتر ستوب» عند تقابل هذه الأشاير مع حديد الأرضية، والـ«واتر ستوب» عبارة عن ألواح P.V.C أو صلب بعرض من 15 إلى 30 سم وبأطوال تصل حتى 50م وبه نتوءات أو دوائر للتقوية ويكون نصف قطاع الـ «واتر ستوب» في الأرضية، والنصف الثاني في الحائط، وبالتالي يمنع تسرب المياه في هذه المنطقة الحساسة. 
7- يراعى أن يكون تسليح الحائط مناسبًا لسُمك مناسب أيضًا. 
8- يتم صب الأرضية المسلحة مع استخدام أنواع الأسمنت المناسب لتحليل المياه، واستخدام الإضافات المناسبة، ونسبة المياه، وهذا وفق الخلطة التصميمية. 
9- بعد جفاف الأرضية المسلحة، يتم دهان وجهين متعامدين من البيتومين المطاطي على البارد، مع مراعاة النظافة التامة، وبين دهان كل وجه مدة لا تقل عن 8 ساعات، وأيضًا دهان للحوائط بالطريقة نفسها. 
10- تتم تغطية البيتومين بطبقة من الرمال، ويتم عمل البلاط المناسب أو طبقة خرسانة عادية، ثم لصق بلاط فينيل أو خلافه. وبالنسبة للحوائط، يتم عمل «طرطشة مونة» عادية مضافًا إليها مادة رابطة، مع استخدام أسمنت بنسبة 450 كجم/م3 رمل، أو عمل حائط نصف طوبة، أو عمل سلك شبكي ويغطى بطبقة «لياسة» وفق أصول الصناعة ■