معوقات البحث العلمي في العالم العربي

معوقات البحث العلمي في العالم العربي

نلمس بشكل متزايد الشعور بالأزمة في عالمنا العربي وعلى جميع الصعد، وليس الميدان المعرفي أقلها أهمية. وهذا وفق ما يرى توماس كون فيلسوف علوم الفيزياء (2291 - 6891) علامة إيجابية، إذ إن بداية أي تغيير كبير تحدث بطريقة الثورات السياسية نفسها، أي بعد تصاعد الإحساس بالقصور وبسوء الإدارة، حيث يكثر عندها التعبير عن هذا الأمر، ما يعني بداية تلمُّس البحث عن مخرج.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، يتعلق بموقع العالم العربي في ما يخص الإنتاج العلمي على الصعيد العالمي.

الإنتاج العلمي والإبداع الثقافي هما أحد أوجه التحدي الذي يواجهه العالم العربي، ولا يمكن أن تبرز هوية ثقافية في ظل هذا الغياب الصارخ عن الخريطة العلمية.
والسؤال الذي يشغل الأوساط الفكرية في العالم العربي: لماذا نحن متأخرون بهذا القدر؟ لماذا يبدع أفرادنا في الدول المتطورة، فنجد من ينال «نوبل» أو من يكون في أفضل المراكز العلمية العالمية، وهناك أشخاص منهم معروفون على صعيد الكرة، ويعجزون عن ذلك في بلادهم الأصلية؟
السؤال المحوري الثاني: لماذا لا يولي العالم العربي الأهمية المطلوبة للبحث والتطوير العلميين؟
هل يتعلق الأمر ببنية المجتمع العربي؟ بكيفية توزيع السلطة فيه؟ بطبيعة ممارسة السلطة وبكيفية صناعة القرار الذي لا يستند إلا إلى الثقافات والممارسات التقليدية السائدة والمعتمدة على علاقات القربى والولاء الشخصي، والتي لم تستوعب بعد في داخلها جدوى البحث العلمي ونتائجه وإشكالاته؟ أم بسبب غياب حيوية ما عن هذا المجتمع؟ ثم كيف ينعكس ذلك على الباحث العربي، من صعوبات على مستوى المنهج وعلى مستوى الفعالية وعلى مستوى الغاية أو الغايات؟
أين نحن على مستوى وظيفة البحث وجدواه عندما يوجد؟
وهنا يمكن الإشارة إلى نوعين من العقبات في وجه التطور العلمي، أحدها يتعلق بالموانع والظروف البيئية الموضوعية التي يوجد فيها الباحثون ونوع المحفزات أو التشجيع التي يحصلون عليها، والثانية تتعلق بالموانع الداخلية والمتعلقة بالباحثين أنفسهم وبشروط عملهم.

وضعية البحث والمؤسسات البحثية في العالم العربي
تشير ريما خلف الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية (الإسكوا) في مقدمة تقرير التكامل العربي إلى وجود اتفاق عند مختلف المراقبين في توصيف حال العالم العربي الذي يعاني: «القهر والاستباحة والتعثر التنموي، هي في نظر فريق التقرير أهم سمات الواقع الراهن الذي هو وليد عقود من التشرذم، والإخفاق في نهج التنمية السياسية والاقتصادية. ومن قلب هذا الواقع، يدعو التقرير إلى مسار بديل تكون بدايته في إحياء فكرة التكامل بين الدول العربية، ويتسع ليشمل جميع الفضاءات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية».
ويشير التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية، الذي صدر عن مؤسسة الفكر العربي في العام 2010 حول وضعية البحث العلمي في العالم العربي، إلى أن نسبة موازنة البحث العلمي لا تتجاوز 0.2 في المائة من إجمالي الدخل القومي العام. بينما تورد بعض الدراسات أن هذه النسبة قد وصلت أخيرًا إلى حوالي 0.4 في المائة، في حين أن المعدلات العالمية للإنفاق على البحث والتطوير تجاوزت 3.73 و3.39 و3.37 في المائة في كل من السويد واليابان وفنلندا على التوالي، وتتراوح بين 2 و2.5 في المائة بشكل عام في معظم الدول الغربية.
أما في ما يخص المكانة البحثية للجامعات العربية، فنجد تبعًا لتصنيف جامعة شنغهاي للعام 2010 سجلت جامعتان عربيتان فقط اختراقًا مميزًا. حيث وردت جامعة الملك سعود ضمن مجموعة 301 - 400، بينما وردت جامعة البترول والمعادن ضمن مجموعة 401 - 500 جامعة شملها مؤشر شنغهاي العالمي. هذا في الوقت الذي احتلت فيه ست جامعات إسرائيلية مراتب متقدمة بين الجامعات الخمسمائة الأولى. أما في تصنيف مجلة «تايمز» البريطانية للعام 2010، فلم تذكر من بين الجامعات العربية سوى جامعة الإسكندرية، وذلك في المرتبة 
الـ 149 من بين مائتي جامعة.
وهذا ما يؤدي إلى هجرة العقول إلى الخارج، بحيث يشير التقرير إلى أن هناك أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة من المهاجرين العاملين في الدول المتقدمة، وتضم كل من أمريكا وأوربا 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا وفق تقرير مؤسسة العمل العربية.
بينما تشير التقارير إلى أن 54 في المائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم، وإلى أن 34 في المائة من الأطباء الأكفاء في بريطانيا ينتمون إلى الجاليات العربية، وأن مصر وحدها قدمت في السنوات الأخيرة 60 في المائة من العلميين العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة، في حين ساهم كلّ من العراق ولبنان بنحو 15 في المائة. أما نسبة من هاجروا من العراق ما بين 1991 - 1998 فقد بلغت 7350 عالمًا تركوا بلادهم بسبب الأحوال السياسية والأمنية ونتيجة الحصار الدولي الذي كان مفروضًا على العراق آنذاك.

بعض المقارنات البسيطة والأرقام
أرقام موازنة جامعة هارفارد بلغت عام 2009 (26 مليارًا) - بعد الأزمة العالمية في العام 2008 - بينما كانت قبل ذلك بعامين حوالي 39.2 مليارًا. عندما نقارن موازنة جامعة واحدة كهارفارد مع موازنات وزارة التربية في كل من مصر، (دولة فقيرة)، والسعودية من أغنى الدول العربية، نجد ما يلي:
موازنة مصر لوزارة التربية 4.5 مليارات جنيه (سعر صرف الجنيه حينها يبلغ حوالي 5.5 مقابل الدولار) أي أقل من مليار دولار بقليل. أما السعودية (إحدى أغنى الدول العربية وأكثرها تمكنًا)، فموازنتها بلغت في الفترة نفسها 105 آلاف مليون ريال، أي حوالي 37 مليار دولار أمريكي.
وهذا يقول لنا الكثير عن الجهد الذي يجب بذله على هذا المستوى.
ويعبر ما سبق عن الواقع الثقافي العام في البلاد العربية التي تعاني جمودًا وتأخرًا على مستوى القراءة، حيث تعد قراءة الصحف أحد المؤشرات التي تدل على حيوية شعب ما وقدرته على الاطلاع، وعلى هذا المستوى يشير تقرير التنمية الإنسانية 2003 على مستوى المقارنة في إصدار الصحف اليومية للسكان، بين الدول العربية ومناطق أخرى في العالم للعام 1998، إلى انخفاض عدد الصحف لكل 1000 شخص إلى أقل من 53 في الدول العربية، مقارنة 
بـ 285 صحيفة لكل 1000 شخص في الدول المتقدمة، ويعود ذلك إلى عزوف القارئ العربي بسبب انخفاض معدلات القراءة وارتفاع تكلفة الصحف مقارنة بالدخل، والسبب الثاني هو أن تراجع مستوى الصحافة العربية واستقلاليتها ومهنيتها جعلها غير مرغوبة عند فئات واسعة من القراء العرب.
أما في ما يتعلق بعدد الإصدارات - تأليفاً وترجمة - لكل مليون من السكان في الوطن العربي ومناطق أخرى، فلم يتجاوز إنتاج الكتب في البلدان العربية 1.1 في المائة من الإنتاج العالمي، على الرغم من أن العرب يشكلون 5 في المائة من سكان العالم. كما أن إنتاج الكتب الأدبية والفنية أضعف من المستوى العام، فعدد الكتب الأدبية والفنية الصادرة في البلدان العربية لم يتجاوز 1945 كتابًا عام 1996، مما يمثل 0.8 في المائة فقط من الإنتاج العالمي. وهو أقل مما أنتجته دولة مثل تركيا، والتي لا يتعدى عدد سكانها ربع سكان البلدان العربية.
هذا فضلاً عن أن 11 مليون طفل عربي لم يلتحقوا بالمدارس للعام 2004 بحسب دراسة وضعها فريق الإحصاءات والمؤشرات الاجتماعية في «الإسكوا». هذا وتشكل البنات 60 في المائة من مجموعهم.
وهذا ما ينعكس، بالإضافة إلى تأخر الوضع التربوي العام، على الابتكار والبحث العلمي، نجد أن لدى إسرائيل: براءات الاختراع الممنوحة للمقيمين لكل مليون شخص بلغت 35 براءة، أما نسبة الإنفاق على الأبحاث في التنمية من الناتج المحلي الإجمالي فتبلغ 5.1 في المائة، وهذا الرقم هو الأعلى في العالم. وفي مصر تبلغ نسبة الإنفاق على أبحاث التنمية 0.2 في المائة، أما براءات الاختراع فهي 2.
ويورد مايرنغ، وميزته أنه يقدم نظرة وافية وحديثة عن أوضاع الكتاب والقراءة في العالم العربي، العديد من الإحصائيات التي سنقرأ بعضها:
لا وجود لصورة واضحة حول الكتب وإنتاجها، ولكن هناك نقصًا كبيرًا في الكتابة، وهناك شكوك حول فائدة الكتب. وأن متوسط عدد النسخ التي تطبع من الكتاب يتراوح بين 1000 و3000 نسخة. وليس هنا من إحصاءات حول الكتب المفضلة. ويعتقد العرب عامة أن الغرب هو الذي بحاجة إلى ترجمة الكتب العربية وهم يشكون من وجود الكثير من اللغات الأجنبية.
ثم هناك تفاوت كبير بين أنواع الإحصائيات حول الكتب، لكن من الملاحظ أن أكبر نسبة من الكتب المنشورة هي الكتب الدينية، تشكل نسبتها في مصر 27 في المائة من الكتب المنشورة بين الأعوام 1995 - 2004 تليها كتب الأدب ونسبتها 19 في المائة ومن ثم كتب العلوم الاجتماعية وتأتي كتب العلوم البحتة في أسفل الهرم مع نسبة 4 في المائة.

بعض جوانب المشكلة
1 - الركود: 
قد يعني هذا أن المجتمع العربي يعاني مشكلة، وأن هنا حالة ركود تام على المستوى المعرفي وأن العلم فقد مصداقيته لأنه حبيس سياق غير علمي. وعندما نراجع الدراسات الاجتماعية المنجزة نجد أنه تطغى عليها التحليلات والدراسات الوصفية غير الدقيقة وغير النفاذة، فعلماء الاجتماع العرب يمرون بتجربة مريرة من العجز والضعف وغياب النقد. كذلك تنحو الدراسات، في معظمها، نحو الوصف لا التشخيص، بل وتفتقد، في كثير من حالاتها، الأطر التصورية والمنطلقات النظرية التي تفيد في توجيه البحث الوجهة التحليلية الشاملة.
2- النظرية وصعوبة الحصول على المعلومات: إن الإنتاج العلمي الجاد يرتكز على القدرة على جمع المعلومات وتحليلها. بينما نجد أن غياب حرية الفكر عامة في بلادنـــــا يتجلى في ضعف القدرة على الحصــول على المعلومات، ويبدو أننا نعاني في عالمنا العربي صعوبة أساسية في التوصل إلى إمكانية الحصول على معلومات، إذ هناك خوف من إعطاء المعلومات إن عبر الإحصاءات أو عبر المقابلات الحرة والمفتوحة. هذا بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى الشبكات العلمية العالمية والنقص في استخدام أدوات الاتصال البحثية. ذلك كله يعيد إنتاج أبحاث تتسم بالشمـــولية والعمومية.
يقودنا ذلك إلى نقاش مشكلة المعلومات وعلاقتها بالنظرية، ما يبرر السؤال التالي: ألا يكون الباحث/ العالم الاجتماعي في وضع أفضل لتقديم مساهمة نظرية لفهم الظواهر الاجتماعية في مجتمعه عندما يكون باستطاعته الحصول على المعلومات التي يحتاج إليها؟ وإذا كانت المعرفة حاليًا تعتمد على الأنباء وعلى امتلاك المعلومات، ألا يصبح النقص في الحصول على المعلومات إحدى مشكلاتنا الأساسية وسبب عدم قدرتنا على إنتاج المعرفة؟ وذلك ليس بسبب «عدم ملاءمة المنهج أو غربيته»، بل بسبب غياب شروط البحث من أساسها وغياب ما اعتبره ماكس فيبر شروط البحث العلمي: البحث عن تقديم المشكلات وليس الحلول.

موقع البحث العلمي في المجتمع
يمكن هنا التساؤل هل أن مشكلة البحث العلمي في العالم العربي تكمن في غياب النموذج الإرشادي وغياب شروط مثل هذا الباراديغم؟ والباراديغم وفق كون هو المعبّر عن مجموع المعتقدات والقيم المتعارف عليها والتقنيات المشتركة بين أعضاء مجتمع بذاته، ويعني وجود تأثير ضمني ومتبادل بين العالِم ومجتمعه. لكن على هذا التبادل مع المجتمع أن يظل ضمن حدود تضمن عدم الضغط على الجسم الأكاديمي أو عرقلة البحث أو تحويره إلى غايات تخدم فئة معينة.
يطرح ذلك أهمية وقيمة البحث العلمي والإنساني، نسبة إلى العلاقات الاجتماعية والتبادلية في المجتمعات العربية، أي موقع البحث العلمي والإنساني على مستوى إعادة صياغة المعرفة ودور هذه المعرفة في المجتمعات العربية.
وهناك أيضًا موقع المعرفة البحثية في الدورة المعرفية، أو العلاقـــــة بيـــــن سلطة المعرفة وبين السلطة السياسية. بمعنى آخر، نحن نعاني مشكلة تهمـــــيش دور المعــــرفة البحثية في المجتمع العربي أو غياب العلاقة بين الباحث أو المؤسسة البحثية من جهة، وبيـــن القابضيــــن على زمام الأمور من جهة أخرى، إضافة إلى مسألة الصعوبة البحثية، أي الصــــعوبات الفعلية والعملية التي تواجه الباحث في التواصل إلى إمكانية الإفصاح عن استنتاجات دون التعرّض للنبذ أو القمع.

شروط البحث العلمي وفق ماكس فيبر
في ما يخص وضعية البحث العلمي تتعلق المسألة بكون تقدم العلم من وجهة النظر هذه ليس مجرد مسألة تقنية لحلول رياضية دعمتها الملاحظة والتجربة أو الصيغ النظرية الجديدة، وإنما هي نتاج ظهور فكر يسمح للمفكرين بتطبيق رموز وأفكار جديدة تحطم حدود الأفكار التقليدية. يسمح هذا بإيجاد مساحة محايدة جديدة يتحرر فيها الباحثون من رغباتهم الجماعية والفردية لتبادل ومناقشة الأفكار الاجتماعية والأخلاقية والقانونية والعلمية الجديدة علنًا وبحرية مطلقة، بهذا يمكن للخطاب العلني أن يؤدي دوره تجاه تحقيق اقتراحات جماعية وفردية، وبهذا فقط يمكن للتعبيرات الفعالة للإبداع العلمي أن تؤدي دورها، وهذا يتطلب:
- غياب التقييد في البحث وفي إنشاء الوقائع نفسها، والحق في تقديم الوقائع الصافية أو الفجة وتمييزها عن تأويلاتها.
- غياب التقييد في ما يتعلق بحق النقاش والنقد، والمطبقين ليس فقط على النتائج الجزئية، لكن على الأسس والحقائق والمناهج، فالمعارف الاجتماعية ترتفع إلى مستوى العلم بقدر ما تتصاحب بوعي حاد لمداها من ناحية ولحدود صلاحيتها من ناحية ثانية.
- غياب التقييد عن فك السحر عن الواقع للمساعدة على الكشف عن الفكرة التي لدينا عن نظام ما، وبعدها عن الواقع الممارس فعليًا في هذا النظام.

أهمية الحريات الأكاديمية في الغرب
يتم في الغرب الاهتمام بهذه الحرية الأكاديمية، بسبب الانقلاب الكبير الذي تعرضت له المؤسسات الأكاديمية، فهي لم تعد مؤسسات تعليمية، بل صار يتوقع منها أن تكون مؤسسة اجتماعية، لذلك تتم محاولات دائمة للسيطرة عليها ولو بطريقة غير منظورة، بسبب التأثير الذي تتركه في المجتمع، وذلك من خلال محاولات رجال المال وأصحاب الأعمال التحكم في محتوى المنهج الدراسي نفسه.
ذلك يعني أن البحث العلمي والنظري والعمل الأكاديمي والتربوي، هما في صميم اهتمامات المجتمع الغربي الصناعي، وأن ذلك هو السبب في تعرض مراكز البحث إلى الضغط والتجاذب من قبل أصحاب سلطة القرار، وهذا هو السبب في النقد الممارس من قبل علماء غربيين تجاه أي تحوير أو استغلال ممكنين للبحث ولمواضيعه. لذلك، إن لاحظنا بقاء الجامعة أو مراكز البحوث النادرة الموجودة في العالم العربي بمنأى عن هذا التجاذب، فذلك يعود إلى هامشيتها وليس إلى الاستقلالية المتوخاة.

خلفيات المشكلة
ربما ينخرط العالم العربي في قلب العولمة على الصعيد السياسي كمنتج للكوارث والأزمات، مع حصول تطورات على المستوى الاقتصادي. أما الوضع على الصعيد الثقافي فيعاني عجزًا فعليًا في القدرة على المشاركة على المستوى العالمي في الإنتاج الثقافي والمعرفي، وهو الأمر الذي أكدته تقارير التنمية الإنسانية.
هناك سبعون مليون أمي في العالم العربي و11 مليون طفل عربي لم يلتحقوا بالمدارس للعام 2004 وفق دراسة وضعها فريق الإحصاءات والمؤشرات الاجتماعية في «الإسكوا» وفي أوضاع عادية. فما بالنا اليوم مع ما نعانيه من حروب وكوارث في كل من العراق وسورية وليبيا واليمن، حيث إن مصير أجيال بكاملها مهدد!

دور التربية
تقول ديباجة القانون الأمريكي إن «جهالة البشر أمضى أسلحة عدوهم إبليس».
الصين قوة هائلة صاعدة بسبب دينامية الشعب الصيني. تريد الصين الانتقال إلى السلع والخدمات الأعلى جودة. المرحلة المقبلة يحددها المسؤولون الحكوميون بوضوح: الاستثمار في رأسمالها البشري بالعزم نفسه الذي أظهرته في بناء الطرقات السريعة. منذ عام 1998، عمدت بيجينج إلى إجراء توسيع كبير في القطاع التعليمي، فضاعفت ثلاث مرات تقريبًا الحصة المخصصة له في إجمالي الناتج المحلي. وهكذا زاد عدد الكليات في الصين مرتين في عقد التسعينيات، وزاد عدد الطلاب خمس مرات من مليون طالب عام 1997 إلى 5.5 ملايين طالب عام 2007.

فوائد التعليم تنعكس على قوة الإنتاج
في الولايات المتحدة، العامل ذو التحصيل العلمي الثانوي أكثر إنتاجية بمعدل 1.8 مرة من شخص توقف عن متابعة تحصيله العلمي في الصف التاسع، وخرّيج الجامعة أكثر إنتاجية بثلاث مرات.

ليس التعليم فقط بل الجودة والعمل
تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن الحصول على التعليم مهم ليس فقط للقضاء على الأمية، بل أيضًا من أجل إيجاد العمل المناسب. ومن غير المقبول بعد الآن إنكار الحق بالتعليم والحصول على المعرفة للأطفال وللبالغين لكي يحصلوا على العمل وعلى المشاركة التامة في المجتمع. وفي ما عدا توفير التعليم للجميع فإن التركيز ينبغي أن يكون على النهوض بجودة هذا التعليم.
وإذا كان مختلف البلدان قد نفذ نظام التعليم الأساسي المجاني، فإن ثمة شعورًا بأنه تعليم هزيل النوعية ويتعذر على العديد من الشباب الحصول عليه. وتحث المنظمات الشبابية البلدان على تنفيذ سياسات وإيجاد بنى أساسية كفيلة بتوفير التعليم الابتدائي المجاني للجميع، مع إيلاء اهتمام خاص بالفتيان والفقراء في المناطق الريفية والحضرية وأطفال الشوارع والشباب المنتمين إلى الشعوب الأصلية والشباب ذوي الإعاقات واللاجئين. ومثلما اقترح تقرير «الأونسكو» الصادر عن اللجنة الدولية المعنية بالتعليم باستثمار 6 في المائة على الأقل من مخصصات ميزانيات الدول للتعليم.

خلاصة
في المحصلة لا يمكن أن نخدع أنفسنا وندعي أن مجتــــمعاتنا العربية هي مجتمعات تشكل تربــــة خصـــبة للإبــــداع من أي نــــــوع كان، فعدا عن مشكلة الأمية، نجد أن الرقابة، على الأقلية التي تقرأ، تنحــــو لأن تـشمل مجمل أوجه نشاطنا، وخاصة تفكيرنا وقراءاتنا، بحيث تمنع الكثير من الكتب (رقابة على كتب التراث). 
وذلك كله يشكل على كل حال نوعًا من المناخ القــــمعي العام الذي يستدخله الإنسان العربي ويظهر على شكل رقابة ذاتية خوفًا من التكفير والاغتيال. وما ينتج عن ذلك ليس سوى الخوف والركود الثقافي والإبداعي ■