حول تعلُّم الكتابة على الحاسوب

حول تعلُّم الكتابة على الحاسوب

في الولايات المتحدة، يعلّمون الأطفال الكتابة بواسطة لوحة مفاتيح الكمبيوتر، مرتكبين في ذلك خطأ جسيمًا حسب رأي علماء الأعصاب، الذين يشيرون إلى أن هذه الطريقة يمكن أن تتمخض عنها لاحقًا صعوبات في القراءة بالشكل الصحيح.

 

احتل الإعلان صفحات الجرائد والمجلات، فمع بدء العام الدراسي 2014، لن تكون الكتابة العادية الجميلة باليد إلزامية في عدد من المدارس الأمريكية، وبدلاً عنها، سيستخدم التلاميذ برمجيات معالجة نصوص، مثل Word، من أجل إتقان العمل على لوحة المفاتيح منذ نهاية التعليم الابتدائي. في الواقع، اعتمدت 45 ولاية على الأقل أهدافًا تعليمية مشتركة في الرياضيات واللغة الإنجليزية جعلت تعليم الكتابة المتصلة باليد اختياريًا. وبات المطلوب هو تعليم الخط الطباعي فقط الذي يقوم على فصل حروف الكلمة، والذي يبدو في الواقع أقرب إلى ما نحصل عليه بواسطة لوحة المفاتيح.
لكن هذا التغيير الأمريكي يذهب بعيدًا: تعليم الكتابة باليد، بمختلف أنماطها، والذي يبدأ عادة منذ الصف الأول الابتدائي، لم يعد إلزاميًا. وليس هذا مدهشًا في بلد يكرّس معلمو المدرسة الابتدائية فيه ساعة واحدة أو أقل في الأسبوع لتعليم الكتابة باليد، وحيث يمارس صانعو البرمجيات ضغوطًا قوية. وهذا غير متصوّر في فرنسا مثلاً، حيث التعلق بالقلم والورقة في المدرسة قوي وعميق. ولكن هل هو غير متصوّر فعلاً؟ كيف يمكن إنكار ذلك وقد بات الفرنسيون اليوم أقل فأقل لجوءًا إلى قلم الحبر؟ وفي بريطانيا، يقر 40 في المائة من المواطنين أنهم لم يكتبوا باليد منذ ستة أشهر... ويتساءل البعض: ما الفائدة بعد من الكتابة باليد وقد غزت الحواسيب صفوف المدارس، حيث يمضي التلاميذ وقتًا أطول في إرسال «الإيميلات» من ذاك الذي يقضونه في كتابة رسائلهم باليد؟

أبحاث إجماعية
في العام 2003، أجرت مارييك لونكامب Marieke Longcamp وجان - لوك فيلاي Jean-Luc Velay، من Institut de la Mediterranee لعلوم الاستعراف العصبية، تجربةً في هذا الإطار، استخدما فيها تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي التي تتيح رؤية الدماغ خلال نشاطه. ودعا العالمان متطوعين بالغين للتمدد في جهاز مفراس (سكانر) كي يقرأوا حروفًا عادية وحروفًا غير حقيقية (رموزًا تشبه الحروف ولكن لم يكن قد قرأها هؤلاء الأشخاص ولا كتبوها من قبل أبدًا). ولاحظا عندئذ شيئًا مدهشًا: عندما ينظر المتطوعون إلى الحروف، تتنشّط منطقة في قشرتهم المخية أمام الحركية Cortex premoteur الضالعة في الحركة، خصوصًا «باحة إكسنر» Exner (الباحة المخصصة للكتابة)، بينما يكون هؤلاء متمددين بلا حراك في المفراس! «غالبًا ما تبدو هذه المنطقة متأذية إذا كان الفرد يعاني مشكلات في الكتابة. بالمقابل، عندما ينظرون إلى الحروف الكاذبة، لا يحدث ولا يتنشط أي شيء»، يوضح جان لوك فيلاي.
في مرحلة ثانية، طلب العالمان من الأشخاص أن يكتبوا هذه الحروف والحروف الكاذبة باليد. وهذه المرة، تنشطت «باحة إكسنر» في الحالتين. «إذًا، هذه الناحية الدماغية مرتبطة بالكتابة. عندما ننظر إلى الحروف التي تعلمنا كتابتها، ننشِّط هذه المنطقة الحسيّة - الحركية»، يضيف جان - لوك فيلاي. ويتابع قائلاً: «تترك حركة الكتابة أثرًا، ذاكرة حسية - حركية نستخدمها مجددًا حينما نقرأ لتحديد الحروف». القراءة إذًا هي أيضًا كتابة تقريبًا».
هل يعني ذلك أن من الحتمي أن نعرف الكتابة كي نتعلم القراءة؟ إلا أن الضرب على لوحة المفاتيح يتطلب أيضًا حركات يدوية يمكن أن نتصوّر أنها تترك أثرًا ذهنيًا يمكن أن يتنشّط خلال القراءة.

«دارة للقراءة»
ولحسم هذه المسألة، ابتكر العلماء تجربة جديدة طبّقوها على 76 طفلاً من مدرسة الحضانة: بعد أن قدّروا كفاءاتهم في القراءة. وفي الكتابة، وضعوهم في مجموعتين، إحداهما يجب عليها أن تتعلم الحروف من خلال كتابتها باليد، والأخرى من خلال كتابتها بواسطة لوحة المفاتيح، وبعد ذلك بأربعة أسابيع، أعاد العلماء تقييم الأداءات في القراءة: «كانت الحروف التي تعلّمها الأطفال باليد مميزة بشكل أوضح من تلك التي تعلّموها بالضرب على مفاتيح اللوحة»، يقول فيلاي. وكانت النتائج هي نفسها لدى بالغين دُرّبوا على لغات أجنبية، كاللغتين «التامولية الهندية والبنغالية». وتبين من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن مناطق الكتابة الحركية هي التي تنشّطت عند رؤية الحروف المكتوبة باليد. «إذا لم يتعلم الطفل الكتابة باليد لا يمكنه استخدام ذاكرته الحسيّة - الحركية بخصوص الحروف، التي تبقى غائبة. ومن شأن ذلك أن يبطئ بشكل مؤكد قدرات تمييزه للحروف. وعندئذ، يمكننا أن نتصوّر أنه سيواجه صعوبات أمام عشرات الكلمات إن لم يكن صفحات نصية كاملة»، يوضح فيلاي.
ومن هنا إلى أن يثبت العلماء أن الأطفال الذين لا يتعلمون الكتابة إلا عن طريق لوحة المفاتيح سيعانون صعوبات في القراءة لا توجد سوى خطوة يترددون في اجتيازها، إذ يلزمهم حتى الآن أن يتمكنوا من دراسة مثل هذه الفئة من الأطفال، غير الموجودة الآن أو حتى الوقت الحاضر على الأقل. هل ستكون موجودة بعد بضع سنوات؟ حين يكون قد فات الأوان؟ يلزم تقدير نتائج التخلي عن الكتابة باليد قبل تعميمه. لنتصوّر انقضاء جيل أو جيلين، أي نحو خمسين سنة، قبل أن ندرك أن الأطفال يعانون مشكلة مع القراءة، وأن ذلك قد يكون مرتبطًا بأنهم لم يعودوا يتعلمون الكتابة باليد. مَن سيكون حينذاك قادرًا على إعادة تعلّم الكتابة باليد بشكل شامل في المدرسة؟ يحذّر فيلاي ■