4 تقنيات ثورية لعالم أفضل

4 تقنيات ثورية لعالم أفضل

يزخر العلم بالعديد من الإنجازات التقنية الجديدة التي من شأنها أن تجعل من عالمنا مكانا أفضل، إلا أن قلة فقط من تلك التقنيات يمكننا أن نطلق عليها ثورية لما تحمله بين طياتها من حلول خلاقة للمشكلات الضخمة التي تواجه البشرية. تخيرنا بعضا من تلك التقنيات الثورية التي بزغ نجمها في الآونة الأخيرة لما تعدنا به من آفاق مستقبلية أكثر رحابة. 

على الرغم من الثورة الهائلة التي أحدثتها تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، فإن قدرة تلك التقنية قد ظلت محدودة على طباعة أجسام من المواد البلاستيكية فقط مهما بلغت درجة تعقيدها. 
لكن يبدو أننا على أعتاب ثورة تقنية جديدة داخل ثورة الطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث استطاع العلماء أخيراً استخدام طائفة واسعة من المواد تضم أشباه موصلات وخلايا حية لتعمل كأحبار للطابعات ثلاثــــية الأبــــعاد، مما يفتح الباب أمام آفـــاق غــــير محـــدودة من التطبيقات. تأتي في مقدمة تلك التطبيقات طباعة أعضاء حيوية اصطناعية لاستخدامها في اختبار عقاقير طبية جديدة أو كأجزاء تعويضية لجسم الإنسان. وقد تمكن العلماء بالفعل من طباعة أنواع مختلفــــة من الأنسجة الحيــــوية؛ حيث قام فريق بحثـــي من جامعة «برنستون» بطباعة أذن اصطناعــــية تم فيها الدمــــج بين الأنسجة الحيوية والإلكترونيات، كما تمكن فريق آخر من الباحثين بجامعة «كامبردج» بطباعة نسيج معقد للعين باستخدام خلايا الشبكية، وأخيراً قامت مجموعة من العلماء بجامعة «هارفارد» بقيادة العالمة جينيفر لويس بطباعة نسيج حـــيوي يحــــوي شبكة معقدة من الأوعية الدموية في إنجاز غير مسبوق. 
إن العائق الأكبر الـــــذي يواجــــه تطوير طباعة الأنسجة الحيــــوية يتمـــثل في إبقاء تلك الأنسجة المطبوعة على قـــيد الحياة من خلال شبكة من الأوعية الدمـوية يمــــكن ربطهــــا بالجهــــاز الدوري لجسم الإنسان، وهذا ما تمكن فريـــــق جينـــيفـــر لويس من تحقيقــه بطباعة أوعيــة دموية داخــل نسيج حيـــوي، الأمر الذي يعد الخطوة الأولــى تجاه طباعــــة أنسجة اصطناعية حية قادرة على أداء الوظائــــف الحيويــة المعقدة لأعضاء جسم الإنســـان، مما يفـــتح الباب فـــــي المستقـــبل أمام طباعة أعضاء اصطناعية كاملة كالقلب أو الكبد أو الكلى يمكنها أن تنقذ ملايين البشر.

ذكاء اصطناعي أكثر ذكاء
تمتلئ حياتنا بالعديد من الأجهزة الإلكترونية التي توصف بالذكاء، كالهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، إلا أنه في حقيقة الأمر لا تزال تلك الأجهزة بعيدة كل البعد عن الاتسام بصفة الذكاء بمفهومه البشري، فلا تزال تلك الأجهزة غير قادرة على التعامل والتفاعل وفهم العالم كما يدركه البشر. إن السبب الرئيس في ذلك يرجع إلى بنية المعالجات المستخدمة في تلك الأجهزة، والتي تسمح بمعالجة البيانات في نمط خطي من الحسابات، الأمر الذي يمكنها من تنفيذ الأوامر البرمجية – مهما بلغ عددها وتعقيدها- بدقة متناهية، لكن عندما يتعلق الأمر بمعالجة الصور أو الأصوات بغرض فهمها وإدراكها، فإنها تعجز تماما عن ذلك. لذا كان لزاما على العلماء السعي وراء تطوير نوع جديد من المعالجات، قادر على التعامل مع البيانات الحسية والاستجابة لها بشكل ذكي شبه بشري، ومن هنا جاءت فكرة نوع جديد من المعالجات يدعى «المعالجات الشبيهة بالأعصاب» (Neuromorphic). تتميز تلك الفئة الثورية من المعالجات بأن بنيتها تحاكي بنية المخ والطريقة التي يتعامل بها مع المؤثرات الحسية البصرية والصوتية، حيث يمكن لتلك المعالجات أن تقوم بتشفير ونقل البيانات بطريقة مماثلة لانتقال المعلومات داخل المخ في صورة نبضات كهربية تنتقل عبر مليارات الخلايا والتشابكات العصبية بالتوازي، ومن هنا اكتسبت تلك المعالجات لقبها بأنها «شبيهة بالأعصاب». إن تلك المعالجات الجديدة من شأنها أن تحدث طفرة في مجال الذكاء الاصطناعي ستقودنا إلى ابتكار آلات قادرة على فهم العالم والتعامل معه كالبشر تماما، حتى أنها ستكون قادرة على تعلم أشياء جديدة وحل المشكلات التي تواجهها، وبهذا سيتحول عدد من الأجهزة التي نتعامل معها بشكل يومي –كالهاتف المحمول مثلا- من مجرد أجهزة متطورة إلى آلات تمتلك وعيا بشكل ما، يمكنها أن تفهم رغباتنا وتساعدنا بشكل أفضل.

التطبيقات الخضراء للطائرات من دون طيار
عندما نسمع عبارة «طائرة بلا طيار» يتأتى في مخيلاتنا طائرات ضخمة شديدة التعقيد تستخدم في العمليات العسكرية وفي أغراض التجسس، لكن تلك الصورة الذهنية قد أضحت ضربا من الماضي، فقد أصبحت الطائرات التي تعمل من دون طيار إحدى التقنيات ذات التطبيقات العلمية المهمة في العديد من المجالات. وأخيراً تحولت تلك التقنية الحربية إلى تقنية خضراء، حيث اقتحمت الطائرات من دون طيار مجال الزراعة، لتوفر بإمكاناتها الهائلة طرقا عديدة لزيادة المحاصيل وتقليل تلفياتها بجانب تحقيق الاستخدام الأمثل لمياه الري. يستخدم حاليا بعض المزارعين بالولايات المتحدة الأمريكية طائرات من دون طيار ذات حجم صغير لا يتجاوز سعرها 1000 دولار أمريكي مزودة بكاميرا ونظام تحديد المواقع (GPS) ومجسات، وذلك من أجل مراقبة ومتابعة المحاصيل بشكل أكثر سهولة وأقل تكلفة، حيث تستطيع تلك الطائرات أن تمد المزارعين بصور عالية الجودة من الجو للمحاصيل المزروعة، ويمكنها أن توضح مشكلات الري واختلافات التربة وظهور الآفات والفطريات التي لا يمكن رصدها بالعين المجردة، بجانب هذا يمكن لتلك الطائرات أن تقوم بتصوير المزروعات بالأشعة تحت الحمراء لتحديد مستويات الكلوروفيل بها لتمييز النباتات التي تعاني مشكلات بالنمو، بالإضافة إلى ذلك، فإن الطائرات بلا طيار يمكنها أن تتفحص المحاصيل الزراعية بشكل دوري يتيح للمزارعين مراقبة محاصيلهم بشكل غير مسبوق، مما يساهم في الحصول على أفضل محصول ممكن. إن التوسع في الاستخدام الأخضر لتلك التقنية الحربية –سابقا- من شأنه أن يساهم بشكل كبير في حل مشكلة الغذاء المتوقعة مستقبلا.

خرائط أكثر دقة للمخ البشري
بعد مجهود متواصل استغرق قرابة عقد من الزمن، استطاع العلماء رسم خريطة جديدة للمخ ذات دقة فائقة لم يسبق الوصول إليها من قبل. فقد تمكن فريق علمي دولي بقيادة علماء من ألمانيا وكندا من إنتاج أطلس ثلاثي الأبعاد للمخ البشري يمكنه عرض تفاصيل دقيقة لتراكيب المخ يصل حجمها إلى 20 ميكرومتراً (جزء من مليون جزء من المتر)، حيث قام العلماء بتقطيع مخ امرأة متوفاة إلى آلاف من القطاعات فائقة الرقة، ثم تم مسح تلك القطاعات باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي ليحصلوا على 7404 صور للمخ، والتي تمت معالجتها باستخدام حواسيب عملاقة فائقة الدقة الدقة تمكنت من دمج الصور وتصحيحها وموضعتها بشكل مناسب، ليتكون في النهاية نموذج دقيق للمخ يمكن الغوص بداخله لرؤية التراكيب الدقيقة المعقدة لتلك المعجزة الإلهية. إن أهمية تلك الخريطة الفائقة للمخ البشري، التي تم الانتهاء منها هذا العام، تكمن في أنها ستمد علماء الأعصاب بكم هائل من المعلومات عن بنية المخ المعقدة، تتضمن ترتيب الخلايا والألياف العصبية داخل أنسجة المخ، مما سيساعد على دراسة وظائف الأجزاء المختلفة للمخ، بالإضافة إلى فهم الطريقة التي تعمل بها أمخاخنا. هذا ويتوقع العلماء حدوث تقدم هائل خلال السنوات القادمة في هذا الصدد والحصول على خرائط أكثر دقة تظهر خلايا المخ بالتفصيل، وذلك من أجل إنتاج محاكاة حاسوبية كاملة للمخ البشري، عسانا أن نفهم ذلك المجهول القابع في رؤوسنا.