الكمبيوتر البشري... شاكونتالا ديفي

الكمبيوتر البشري... شاكونتالا ديفي

في الحادي والعشرين من أبريل الماضي، توفيت عبقرية الرياضيات هندية الجنسية شاكونتالا ديفي Shakuntala Devi عن عمر يناهز الرابعة والثمانين عامًا. قد لا يسترعي اسمها انتباه الكثيرين، بل وسيتساءل الغالبية العظمى من القراء من هي شاكونتالا ديفي عند قراءة عنوان المقال، وسيكون الفضول هو السبب الرئيس لقراءته للتعرف على هذه الشخصية المجهولة وفنانة الحسابات. 

ولدت شاكونتالا ديفي في الرابع من نوفمبر من عام 1929، في مدينة بنجالور الهندية. ومنذ نعومة أظفارها وبلوغها سن الثالثة، ظهرت موهبتها الفذة في الرياضيات. كان والدها لاعب السيرك والأكروبات المحترف هو أول من اكتشف موهبتها تلك حين أراد تعليمها لعبة كروت تعتمد على الذاكرة في حفظ الأعداد والتعرف عليها، وإيمانًا منه بموهبتها، ترك الأب السيرك وطاف البلاد بابنته لتقديم عرض خاص بشاكونتالا وحدها. وقد برهنت شاكونتالا ديفي على مواهبها الفذة حين عرضتها أمام مجموعة من المتخصصين في مجال الرياضيات بجامعة ميسوري الهندية Mysore بعدها بثلاث سنوات، أي وهي تبلغ من العمر قرابة الست سنوات فقط، ثم غادرت الهند بصحبة والدها عام 1940 متجهة إلى لندن لعرض موهبتها، منطلقة بعد ذلك في جولة في مختلف أنحاء أوربا ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
في عام 1977، دخلت شاكونتالا ديفي أكثر من مرة في منافسة مع كمبيوتر لحساب جذور تربيعية وتكعيبية لأرقام كبيرة، فازت هي فيها متفوقة على الكمبيوترات بقدراتها المحدودة نسبيًّا في ذلك التوقيت. وفي العام نفسه استطاعت ديفي أن تعطي الإجابة الصحيحة عن حساب الجذر الثالث والعشرين لرقم مؤلف من 201 عدد، في أقل من 50 ثانية، متفوقة بذلك على الكمبيوتر وقتها والذي استغرق 62 ثانية لإعطاء الإجابة نفسها بعد تزويده ببرنامج خاص، ليتمكن من حساب مثل هذه العملية الكبيرة. وفي العام 1980 قدمت عرضًا شهيرًا في كلية للعلوم التطبيقية بلندن، حين قامت بإعطاء الناتج الصحيح لعملية حسابية اختار الكمبيوتر أرقامها عشوائيًّا في لحظتها، وهي حاصل ضرب رقمين يتألف كل منهما من ثلاثة عشر عددًا وهما: 7.686.369.774.870 x 2.465.099.745.779 ويتكون هذا الناتج الصحيح الذي توصلت إليه شاكونتالا عقليًّا، ودون استخدام ورقة أو قلم، من رقم مؤلف من ستة وعشرين عددًا وهو: 
18،947.668.177.995.426.462.773.730، وقـــــد توصلت إليه ديفي في خلال 28 ثانية فقط، وهو أقل من الوقت الذي قد نستغرقه جميعًا لمجرد كتابة هذين الرقمين على الآلة الحاسبة أو حتى لقراءتهما بصورة صحيحة. وكان هذا الإنجاز هو ما ضمن لشاكونتالا مكانًا خاصًا في موسوعة جينيس للأرقام القياسية بعدها بسنتين، أي في العام 1982 كأسرع حاسبة بشرية في العالم.  وقد تعرضت شاكونتالا للعديد من الاختبارات من قبل علماء متخصصين وعلماء نفسيين للبرهنة على قدراتها الفذة، واجتازتها جميعًا بنجاح تام. وعلى الرغم من ذلك فقد أكدت في أكثر من مرة أنها لا تعتبر نفسها نجمًا لامعًا في عالم الرياضيات، على الرغم من إطلاق البعض ذلك اللقب عليها، وإنما مجرد شخص عادي يتمتع ببعض الموهبة في مجال شديد التعقيد والخصوصية. وتميزت شاكونتالا أيضًا بقدرة فائقة على حساب اليوم الصحيح في الأسبوع لتاريخ معين في سنوات مختلفة مقبلة، وهي عملية صعبة حقًا إلا إذا كنت تختزن صورة أجندة تلك السنوات كاملة في ذهنك، وهو ما يعد مستحيلاً بالفعل. 
وقد استغلت شاكونتالا ديفي موهبتها تلك في النهاية بشكل سليم وفي الاتجاه الصحيح، فلم يكن من الممكن أن تقتصر تلك الموهبة على العروض الترفيهية فقط، لكنها أرادت القيام بشيء نافع لأبناء جلدتها في الهند ويخلد ذكراها بعد مماتها؛ فقامت بتأسيس مدارس عدة هناك لتعليم الرياضيات وجذب الطلبة للدراسة فيها وإكسابهم حب ذلك العلم الصعب عن طريق قدراتها الخاصة، وتعليمهم أيضًا بعضًا من مواهبها الفذة للتفوق فيه.
وأصبحت عروضها التلفزيونية في مختلف دول العالم، إضافة إلى مؤلفاتها المختلفة عن سحر الأرقام، وكيفية إيقاظ القدرة على التعامل مع الأرقام لدى الأطفال وفي مجالات أخرى مختلفة مثل علم الفلك والطهي والروايات الخيالية، وسيلة أساسية للإنفاق على هذه المدارس واسترعاء الانتباه لجذب التبرعات العالمية إليها .