تقنيات جديدة لتكنولوجيا النانو

تقنيات جديدة لتكنولوجيا النانو

يمثل «النانو» لغير المتخصصين أحد فروع العلم الحديثة، لكنه للمهتمين بحقل العلم بوابة واسعة نحو تقنيات ثرية تبشر بغد أفضل، فما هو النانو تحديدا? وما هي علومه وتطبيقاته في جميع المجالات؟ قد يتطلب الحديث عن هذا الموضوع ما لا يسعه مقال محدود الصفحات، لكن وبنظرة شاملة فإن مصطلح «النانو» يشير إلى وحدة قياس تمثل جزءاً من المليار من المتر (1*|910م) وأصبحت ترتبط بجميع العلوم والتقنيات العاملة في هذا المدى بالغ الصغر من مواد وجسيمات وتطبيقات. 

مع أن هذا التعربف يوحي بأن النانو حقل تطبيقي أكثر منه نظري ويرتبط بالتكنولوجيا أكثر من كونه علما قائما بذاته، إلا أن الكثير من أهل الاختصاص يرون استقلالية علوم النانو عن بقية العلوم مع أنه إلى الآن يعد النانو بئرا عميقة كل حسب مجاله يدلي فيه بدلوه.
ووجد أن خواص المادة الواحدة تتغير تماما إذا كانت في مدى النانو مقارنة بالمدى الطبيعي المعروف لنا، مما شجع على دراسة خواص المواد النانوية واستخدامها في تطبيقات متنوعة من هندسية وبيئية وكيميائية وطبية وجميع فروع العلم والمعرفة. ومن المعروف أن الظهور الأول لمصطلح النانو كان عام 1974 على يد العالم نوريوتا نيجوشي، حيث وصف به فكرة الفيزيائي الشهير ريتشارد فينمان الذي يعد أول من أعطى توصيفا لفكرة «النانوتكنولوجي» عام 1959 دون تسمية محددة، ولكن البعض يعتبر أن الظهور الملموس للنانو قام به «إريك دريكسلر» الذي قام طوال ثمانينيات العشرين بأبحاث عن مواد النانو, وكان أول من ألف كتابا عنها عام 1986 عنوانه «محركات الإبداع: الحقبة القادمة من تطبيقات النانو»
Engines of Creation: The Coming Era of Nanotechnology 
وفي ما يلي نلقي الضوء على أحدث التقنيات المرتبطة بعلوم النانو والتي تتقاطع مع عدد من المجالات الأخرى:
تحويل الأكياس البلاستيكية إلى تكنولوجيا نانو عالية التطور:
تعتبر المواد البلاستيكية غير العضوية أكثر المواد إضرارا بالبيئة نظرا لعدم تحللها في التربة كالمواد العضوية، ولذا تتراكم في البيئة حتى تمثل شريحة كبيرة من النفايات وكذلك تعد خطرا بيئيا جسيما عند حرقها كما يحدث في معظم مكبات النفايات خصوصا في عالمنا العربي، حيث إن المواد البلاستيكية مشتقات بترولية تتحول عند حرقها إلى أكاسيد كربونية مضرة وتساهم في زيادة الاحتباس الحراري كباقي منتجات البترول، لذا فإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية من أهم عمليات إعادة التدوير وأنفعها للبيئة.
والأكياس البلاستيكية هي أكثر منتجات البلاستيك شيوعا في الاستهلاك الآدمي، لذا طور العديد من طرق إعادة تدويرها، أحدثها وأكثرها إثارة للدهشة بلا شك هي إعادة تدويرها في هيئة أنابيب كربون نانوية.
وأنابيب الكربون النانوية يعدها البعض أهم المواد المكتشفة من فئة مواد النانو فهي أصلب من الحديد الصلب مئات المرات ومع ذلك أخف منه وزنا بست مرات، لذا فهي فتح تكنولوجي هائل دخل بنجاح منقطع النظير في عديد من الصناعات الإلكترونية والبطاريات طويلة الأجل وأجهزة الاستشعار وتوربينات محطات الرياح والأجهزة الرياضية.
والتقنية الجديدة طورها عدد من العلماء الأستراليين وتعتمد على تبخير الأكياس البلاستيكية في أفران لإنتاج الكربون، ومن ثم تتم معالجة الكربون الناتج بتراكمه خلال غشاء نانوي المسام من الألمونيا     membrane nanoporous alumina وبهذا يتم تكوين أسطوانات كربونية نانوية خلال مسام الغشاء.
ويقول القائمون على التجربة إنها أنجح من كثير من التقنيات المستخدمة حاليا لإنتاج أنابيب الكربون النانوية, حيث تتسم العمليات التقليدية بتقنيات معقدة عالية التكلفة وكذلك إنتاج منخفض لا يتجاوز بضعة جرامات في اليوم، لذا التقنية الجديدة ذات عوائد اقتصادية أعلى كثيرا بسبب بساطة الأجهزة المستخدمة وإمكان إنتاج الأنابيب في أشكال وأحجام مختلفة ولها ميزة مدهشة في أنها صديقة للبيئة، حيث إن البلاستيك المستخدم هنا لا ينتج عن معالجته أي مواد كيماوية مضرة للبيئة على خلاف بعض عمليات إعادة تدوير البلاستيك الملوثة للبيئة.

مواد النانو الحيوية وطفرة علاجية:
يطلق مصطلح تكنولوجيا النانو الحيوية Bionanotechnology على التطبيقات الرابطة بين علوم النانو والعلوم الحيوية وهو فرع معرفي جديد يعتمد على إنتاج مواد نانوية باستخدام كائنات دقيقة كالبكتيريا والميكروبات وغيرها كعامل محفز لإنتاج الجسيمات النانوية وهذا الفرع المعرفي يبشر بإنتاج مواد نانوية نظيفة، غير سامة ومساندة للبيئة، ويمكن الاستفادة منها في مختلف الصناعات والطب الحيوي. ويعد الذهب والفضة أكثر المواد دراسة في هذا المجال ليس لفائدتهما الاقتصادية وإنما لدورهما الشاسع في الطب العلاجي، والفضة النانوية تحديدا تم تطويرها على أنها مادة مضادة للميكروبات واستخدمت لمكافحة العديد من البكتيريا والطفيليات ولكن استخدام مثل هذه المواد في الحياة اليومية مازال قاصرا وقيد التطوير. وهذا البحث يلقي الضوء على أهم الطرق لإنتاج المعادن النانوية عن طريق الأحياء الدقيقة وكذلك أهم صفات المواد النانوية المنتجة وتطبيقاتها.
وكانت أولى الدراسات في هذا المجال دراسة تمت باستخدام بكتيريا لإنتاج جسيمات كادميوم نانوية واستخدامها كوصلة ثنائية كهربية diode شديد الفاعلية من حيث المقاومة الكهربية المنخفضة وقيمة التيار الأمامي المرتفعة. وتطوير المواد النانوية باستخدام الجسيمات الحيوية شديد الأهمية لأنه يستخدم في إعطاء الأدوية والتشخيص والتصوير الطبي والمجسات.
وجسيمات الفضة النانوية المصنعة حيويا تستخدم كمضاد ميكروبي للعديد من الميكروبات الخطيرة كفصيلتي السالمونيلا والكوليرا، Salmonella typhi، Vibrio  cholera. 
وتمت دراسة سمية الفضة النانوية من خلال بكتيريا الإشريكية القولونية  Escherichia coli وبعض الفطريات ووجد أن سمية الفضة النانوية المصنعة حيويا أكثر من نظيرتها المصنعة كيميائيا، لذا استخدامها علاجيا يتقدم بتأن.
وكذلك البكتيريا المعروفة بـ Brevibacterium casei تم استخدامها في تصنيع جسيمات فضة وذهب نانويين لهما خواص مضادة لتخثر الدم وتم اختبارهما لمنع تجلط الدم خلال أنابيب الاختبار.
ويدرس استخدام المواد النانوية صديقة البيئة في الصناعات الغذائية. 
في بحث نشرته أخيراً «مجلة الجمعية الأمريكية للكيمياء» تثبت «تينا سالجويرو» - أستاذة الكيمياء بجامعة «جورجيا» الأمريكية - أن المواد النانوية وجدت في مصر الفرعونية منذ أكثر من خمسة آلاف عام؛ ممثلة في الصبغة الفرعونية الزرقاء التي استخدمت في رسم الجداريات بالمعابد والمقابر الفرعونية وتزيين المنحوتات والتوابيت. ومادة هذه الصبغة هي «سيليكات الكالسيوم» والنحاس ورمزها الكيميائي (CaCuSi4O10) وكانت تتكون من خليط من رمال ونحاس وأملاح ونقلها عدد من شعوب البحر المتوسط كالرومان والإغريق عن الفراعنة. وفي البحث المذكور قامت العالمة وزملاؤها بدراسة الصبغة ووجد أنها تتكون من شرائح نانوية دقيقة وأنها ذات صفات سوف تعزز من تطوير تقنيات النانو في المستقبل القريب، فهذه المادة تنتج أشعة تحت الحمراء غير مرئية, مما يجعلها مناسبة للغاية في الاستخدام في أجهزة التصوير الطبي المعتمدة على الأشعة تحت الحمراء وأجهزة التحكم عن بعد للتلفاز والأجهزة الإلكترونية الأخرى وأجهزة الإنذار وغيرها من التقنيات الحديثة .