المِكْحَلة

المِكْحَلة

المكحلة قطعة أساسية من أدوات الزينة، وأنموذج من نماذج الحرف التقليدية، والصناعات العريقة. وتعد أدوات الزينة تعبيراً راقياً عن مظاهر التحضر، وقيم الحضارة، سواء في عالم «الأشياء» ومنها المكحلة، أو في عالم «القيم»، ومنها قيمة الجمال. وليس من قبيل التحيز في شيء عندما يرى كثيرون أن «السنين الماضية والقادمة، لعالم الجمال والزينة، إنما هي سنين الكُحل».

تمثل قيم الجمال والتجمل للمرأة، خصوصاً، حاجة فطرية تدرج عليها منذ نعومة أظفارها. ولقد تجاوزت الاهتمام بتجملها الشخصي إلى طلب تجميل أدوات زينتها، ومنها المكحلة. و«المِكْحَلة»، بكسر الميم، وفتح الحاء، أو «المُكْحُلَة» بضمهما: الوعاء الذي فيه الكُحْلُ، الذي تكتحل به المرأة، وأحياناً الرجل، أو مولودهما «شعبياً.. يُعتقد أنه يحميه من الحسد والعين الشريرة». والجمع على: مَكاحِلُ، ومكحلات. أما الكُحل (الإثمد) «فخير الأكحال، يجلو البصر، ويُنبت الشعر». 
فهو يعمل على إطالة الأهداب فتزداد قدرتها على حماية العين من الغبار وغيره، فتزيد الرؤية وضوحاً وجلاء. ومن مرادفات الكحل: النُحاس المُحرَق الأصفهاني، وكحل جلاء، وكحل سليمان، والكحل الأسود. ولا يُطلق الكحل على اللون الأسود فقط, بل على مواد بنفسجية، وقرمزية، وبُنية. لذا توصف الألوان الداكنة بأنها كحيلة. 
أما «الكحّال»: فكان مختصاً في علاج أمراض العيون، معرفة تركيب مواد طبها، والعناية بها، وزينتها، ومنها الكُحل. ورؤية المكحلة في المنام: امرأة تسعى في أمور الناس بالخير. لأن العين قوام الخير، والمكحلة جعلت لإصلاحها. ومن أولج مروداً في مكحله ليكحل عينيه وكان عازباً تزوج، وإن كان فقيراً استغنى، وإن كان جاهلاً تعلَّم, إلا أن يكون كحله رماداً فإنه يطلب خسراناً، وربما دلت المكحلة على حفظ الأسرار، والمال الضائع.
ويُحضر الكحل، غالبا، من مسحوق كبريتات الإنتيمون (أو الرصاص). وتقليدياً يوضع حجر الإثمد على الجمر ليتناثر منه الحصى الناعم، ثم ينقع، لأيام، في خليط من الماء، وورق الحناء (أو البن)، ثم يصحن في الهون حتى تتفكك حباته فيتحول لمسحوق، وينخل في قماش ناعم، ويعبأ في المكاحل ويكون جاهزاً للاستعمال. وتوجد طريقة أخرى يوضع فيها الحجر في خليط «النجعة»، وهو مكون من ماء ورد وزعفران، أو ماء مخلوط بماء الورد لمدة 2إلى3 شهور حتى يلين الحجر، ثم ينتشل ويدق ليصبح مسحوقاً ناعماً، ثم ينخل كي يتخلص من شوائبه، ويكرر ذلك أكثر من مرة حتى يصبح نقياً صالحاً للاستعمال. 
وعادة الاكتحال عادة عريقة منتشرة بين العديد من الشعوب والأمم. وقديما اشتهر الفراعنة باستعمال الكحل، فظهرت عيونهم واسعة كحيلة. وكثيرا ما كان يدخل في وصفاتهم الخاصة بالعيون. وحديثاً, يكثر استعماله عند العرب. ومازال الكثير من النسوة يتكحلن بالكحل التقليدي (لتكحيل الرموش والجفون والحواجب)، رغم انتشار أقلام الكحل (سهلة الاستعمال). فعندما لا يتوافر الكحل الطبيعي يستعاض عنه بالكحل الملون و«الماسكرا». 

العيون الكحيلة
العيون مرآة النفس، وعنوان جمالها، وترجمان لغتها. وقد صوّر الشعراء والمطربون، القدامى والمحدثون، عيون المرأة بصور مختلفة، وأبانوا عن «لغتها»، وأسهبوا في وصف تأثيرها. فبعضها يشي بالوداعة والوداد, وبعضها يتسم بالقوة والعناد، وبعضها ساحر فتان, وبعضها ماكر أُلعوبان... إلخ. وكثيراً ما شُبهت بعيون المها، وغيرها. بيد أنها عند الشاعر الشعبي لم تنحصر على «عيون المها»، فقد «جدَّد» في وصفها، فهي عنده: «مدرسة الغزل, والسيف, والسهام، والقيود، والورد, والريحان, وسحر هاروت, والسارقة, والبيت, والدرّ, والمرايا, والعلاج»... إلخ. 
ومهما يكن من أمر وصفها، فقد كانت، ومازالت، العيون الكحيلة مثار تغزل كتاب الفصحى والعامية على حد سواء، باعتبارها من أهم ملامح الجمال الأنثوي الشرقي، ففي قصيدته «العــيون السود» يقول إيليا 
أبو ماضي:
ليت الذي خلق العــــيون الســــــودا 
خــلق القلـــوب الخــــافقات حديدا
لولا نواعــســهـــــا ولولا ســـحـــــرها 
ما ود مـــالك قـــلبه لـــــو صـــــيدا
عَـــــوذْ فــــــؤادك من نبال لحـاظها 
أو مـتْ كمـــا شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهــــــم 
كنت امرءاً خشن الطباع بليدا

وللشاعر أحمد بن عبد الرحمن الآنسي أبيات بعنوان: «العيون الكحـــيلـــة بالحور»، منها: 
العيون الكحيلة بالحور
ليس لي من صوارمها تقى
صيرت قلبي المضني هدر
صح بالموت ساقيها سقى
تسلب الروح عنا بالبصر
كيف يصلح لراميها بقا
قد روى البابلي عنها خبر
ذكــر ألحانها لما ارتقى
ويصفها محمد الهلالي بالقول:
إن العيون السود يا أهل الهوى    
بيض أحدُّ من القضاء على المهج
جرحت فؤادي بالجفون تعمدا    
وهي المراض فهل عليها من حرج؟
وإلى يومنا هذا تنشد القصائد وتغنى في مدح العيون الكواحل 

صناعة المكحلة
في صناعة المكحلة برع حرفيون مهرة، وتوارثوا حرفة تتفنــــن في تنويع شكـــل المكحلة، أو قيمة مادة صنعهـــا، أو ملامح زخرفتها، فضلاً عن تزيين رأس المِكْحَل (المكحالُ/ المِرْوَد)، المُستعمل لوضع الكحل. وقديما وحديثاً، اعتمدت صناعة الحلي وأدوات الزينة ومنها المكاحل على معادن عدة، وأحجار كريمة، منها: الذهب، والفضة، والبلاتين، والنحاس، والألماس، واللؤلؤ، والزبرجد، والياقوت، والتوباز، والعقيق، والمرجان... إلخ. ويعد الذهب عمدة المعادن المستخدمة في صناعة وتطعيم أدوات الزينة. ويعبر عن نقائه بأجزاء من الألف (قد تُضاف إليه نسب ضئيلة من معادن أخرى كالفضة، والنحاس، والنيكل)، كذلك يعبِّر عن نقائه بالقراريط، فالذهب النقي 24 قيراطاً. ويستعمل في صناعة المصوغات وسك العملة، وهو من أكثر الفلزات قابلية للسحب ويقاوم المؤثرات الجوية، فهو لا يتأكسد عندما يتم تسخينه في الجو، كما لا تؤثر فيه الأحماض.
أما الفضة النقية فكالذهب النقي، شديدة الرخاوة. لكنها عادة ما يضاف إليها النحاس لتزداد صلابة، وهي لا تتأثر بالهــــواء والماء، ولا تصدا إذا تم تسخــــينها في الهواء أو في جو من الأوكسجيـــن، والعــــيار البريطاني للفضة في الحلي وأدوات الزينة: «925 جزء فضة+75 جزء نحاس». وغالباً ما كانت أغطــــية المكاحل القـــيمة، وقواعدها مشغولة من الفضة لسهولة تطويعها. بينما غالبا ما يُطعم جسم المكحلة النفيسة بالأحجار الكريمة كالعقيق. ولقد استخدم الصانع التقليـــدي في زخرفتها أساليب متعددة، منها: أسلوب الصب والحفر والطرق والحز، وأسلوب الزخرفة بالمينا المتعددة الألوان، والزخرفـــة بإضافــة قطع خارجية تزيد من قيمة المكحلة، كتحفة فنية. كما توجد مكاحل ومراود بسيطة الصنعة.
جملة القول: أدوات الزينة، ومنهـــا المكحـــلة، معلم بارز من معالم فنون وحرف الحضارة العربية الإسلامية. فالمكاحـــل، والمرايا، وقنينات العطر، والمناديل، والمباخر، وغيرها، تؤدي وظيفتـــها عــــلي أي وجــــه كانـــت صناعتها. لكن كثــيراً ما يُتــجــــاوز نطاق الصنعة ليتم إبداعـــها في صورة جمــــيلة باهرة، وهذا من تجليات الحضـــارة والتحضر. وهــــذه وتلك تلقي بظلالها في عالم «القيم»، ومنها قيمة الجـمال... جمال «العيون الكحيلة» .