الحلزون الصغير
بعدَ يوم ٍ ُممطرٍ طويل, أشرقتِ الشمسُ فخرج الحلزونُ الصغير لِلقيام بِجولةٍ سريعة مِن حوله. أطلَّ بِبُطء مِن خلف قطعةِ الحجر الكبيرة, ومدَّ قرنَيْه الرَّخَوَين مُستطلِعًا الطريقَ أمامه: لم يكُن هناك حاجزٌ يعيقُ تقدّمَه, فزحفَ بِبطء وهو يُجيلُ نظراتِه مِن حوله, مُتأمّلاً النباتاتِ النديَّةَ التي تلمعُ فوقها قطراتُ الماء كأنَّها قِطعُ البِلَّور.
فجأةً توقّفَ الحلزونُ الصغير وسط الأعشاب ونظر بِتمعُّن إلى نفسه, ثم قال بِغضبٍ وامتعاضٍ شديدَين: أفّ... أفّ... أفّ!... هل عليَّ أنْ أبقى حبيسَ هذه القوقعة? إنها تُبطئ حركتي, وتجعلُني أبدو بشعَ المظهر. لَيْتني أتخلَّص منها, وعندها سأزحفُ بِشكل أسرعَ, وسأبدو أكثرَ رشاقةً وجمالاً, وسأستمتعُ بالتنزُّه واللعب.
قال الحلزونُ الصغيرُ ذلك وأخذ ينتفضُ داخلَ القوقعة, ويحرّكُ جسدَه الرّخوَ يمينًا ويسارًا مُحاوِلاً التخلُّصَ منها إلى أن انزلقَ خارجَها أخيرًا.
ترك الحلزونُ الصغيرُ القوقَعةَ الفارغةَ على جانب الطريق, وواصَلَ زحفَه فرِحًا, لكنَّه سرعان ما ندم على ما فَعل; علقتْ ذرّاتُ التراب وأعوادُ القشِّ بِجسده الَلزج الرّخو, وأعاقَته كثيرًا الأعوادُ والنباتاتُ الخشنة التي كانت تخزُّه وتخدشُ جسدَه.
وعلى العكس ممَّا توقَّعه الحلزونُ الصغير صارتْ حركتُه الآنَ أبطأ, وكانَ يبذُل جُهدًا مُضاعفًا كي يزحفَ, لكنَّه لا يكاد يتقدَّم.
هبَّت زوبعةٌ صغيرةٌ من الرياح المحمّلة بالغبار نحوَه, فقلَّص الحلزونُ الصغيرُ جسدَه وانكمش يُريد الاختباء, كما اعتاد أن يفعلَ في مثل هذه المواقفِ, لكنّه كانَ عاريًا تمامًا بِدون قوقعتِه الصلبة, فعلقَ به المزيدُ من الترابِ والقشّ, وغطَّته زوبعةُ الغبار بالكامل, ولم يعُد يرى أمامَه إلاَّ بِصعوبة.
خارت قُوى الحلزونِ الصغير, وشعر بالعجزِ واليأس, وتمنّى لو كانَ في هذه اللَّحظةِ مُحتميًا بجِدار قوقعتِه الصّلبة. مدَّ عنقَه الصغيرَ ومالَ به جهة اليسار, فرأى القوقعةَ هناك حيثُ تركها بالقربِ من شُجيرة (دفلى), حينذاك لوى عُنقَه واستدار عائدًا نحوَها.
كانت القوقعةُ قريبةً من الحلزون الصغير, لكنَّه شَعر أنَّ الطريقَ إليها طويلةٌ شاقة, ولم يَصِل إليها إلا بعد جُهد جَهيد.
توقّف الحلزونُ الصغير قربَ قوقعته إلى أن استعاد أنفاسَه, نفضَ عنه ما علق به من قَشٍّ, وعرَّض جسدَه لِقطراتِ الماء التي كانت تسقطُ من فوق نبتةٍ كبيرة بِجانبه إلى أنْ اغتسلَ تمامًا من الوَحل... وبعد ذلك اندسَّ مِن جديدٍ داخل قوقعتِه, فشعرَ بالدِّفء والأمان, وبالحُبِّ الشديد لِقوقعتِه التي لن يستطيعَ الاستغناءَ عنها أبدًا.
رسوم: مشاعل بلال