ماذا لو تجمعت مياهُ المطر في قطرةٍ واحدة عملاقـة

ماذا‭ ‬لو‭ ‬أنَّ‭ ‬عاصفةً‭ ‬مُمطرةً‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تجميع‭ ‬غيومٍ‭ ‬ضخمةٍ،‭ ‬أطلقتْ‭ ‬ما‭ ‬تكثَّفَ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬مياهٍ،‭ ‬وأسقطته‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬قطرةٍ‭ ‬واحدةٍ‭ ‬عملاقة؟‭!‬

نعرفُ‭ ‬جميعًا‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الهواء‭ ‬والماء‭. ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يوجد‭ ‬هواء‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬صحبة‭ ‬مياه‭. ‬وإن‭ ‬تيسَّرَ‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تتفحّص‭ ‬عمودًا‭ ‬من‭ ‬الهواء،‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬وينتهي‭ ‬بنهاية‭ ‬غلافها‭ ‬الجوِّي،‭ ‬وتمكّنتَ‭ ‬من‭ ‬تبريده،‭ ‬تكثَّفَ‭ ‬محتواه‭ ‬من‭ (‬الرطوبة‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬بخار‭ ‬الماء،‭ ‬ووجدتَه‭ ‬يتساقط‭ ‬بِهيئة‭ ‬أمطار،‭ ‬إن‭ ‬تمكّنت‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬واحتباسها‭ ‬عند‭ ‬قاعدة‭ ‬هذا‭ ‬العمود‭ ‬الافتراضي،‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬طبيعته‭ ‬ألّا‭ ‬يخلو‭ ‬أبدًا‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬فلا‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬يتحرّك‭ ‬مجتذبًا‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬أبخرة‭ ‬المياه‭ ‬المتصاعدة‭ ‬من‭ ‬المسطّحات‭ ‬المائية‭ ‬الأرضية‭.‬

ويتّخذ‭ ‬علماءُ‭ ‬الأرصاد‭ ‬الجوّية‭ ‬كمّية‭ ‬المياه‭ ‬المتكثّفة‭ ‬عند‭ ‬قاعدة‭ ‬هذا‭ ‬العمود‭ ‬مقياسًا‭ ‬لِما‭ ‬يُسمُّونه‭ (‬إجمالي‭ ‬احتمالات‭ ‬الهطول‭)‬،‭ ‬ويعبّرون‭ ‬عنه‭ ‬بالسنتيمتر،‭ ‬وتتراوح‭ ‬قيمته‭ ‬بين‭ ‬صفرٍ‭ (‬في‭ ‬غير‭ ‬المواسم‭ ‬المُمطرة‭)‬،‭ ‬وعشرة‭ ‬إلى‭ ‬عشرين‭ ‬من‭ ‬السنتيمترات،‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المَطيرة‭. ‬لكنّ‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعًا‭ ‬أن‭ ‬يساوي‭ ‬إجمالي‭ ‬احتمالات‭ ‬الهطول‭ ‬سنتيمترًا‭ ‬واحدًا‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭.‬

ودعنا‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬تخيُّل‭ ‬تكوُّنِ‭ ‬قطرة‭ ‬مطر‭ ‬عملاقة،‭ ‬ونفترضُ‭ ‬أوّلًا‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬العاصفة‭ ‬المُمطرة‭ ‬التي‭ ‬ستلدُ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القطرة‭ ‬هي‭ ‬مساحةٌ‭ ‬مُربَّعَة،‭ ‬طول‭ ‬ضلعها‭ ‬100‭ ‬كم،‭ ‬فتكون‭ ‬مساحتها‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربَّع‭. ‬ولنفترض،‭ ‬ثانيًا،‭ ‬أنّ‭ ‬قيمة‭ ‬إجمالي‭ ‬احتمالات‭ ‬الهطول‭ ‬فيها‭ ‬ستّة‭ ‬سنتيمترات،‭ ‬فقط‭. ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنّه‭ ‬قد‭ ‬تكوَّن‭ ‬لدينا‭ ‬حجمٌ‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬يساوي‭ ‬ناتج‭ ‬ضرب‭ ‬مساحة‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬كيلو‭ ‬متر‭ ‬مربّع‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬قدره‭ ‬6‭ ‬سنتيمترات‭ (‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬أمتار‭ ‬بِقسمة‭ ‬6‭ ‬على‭ ‬100،‭ ‬ثم‭ ‬نقسّمُ‭ ‬الناتج‭ ‬مرّة‭ ‬ثانية،‭ ‬على‭ ‬ألف،‭ ‬لِتتحوّل‭ ‬السنتيمترات‭ ‬الستّة‭ ‬إلى‭ ‬كسر‭ ‬من‭ ‬الكيلومتر،‭ ‬قدره‭ ‬6‭ ‬على‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬كم‭).‬

هنا،‭ ‬تصحّ‭ ‬عملية‭ ‬حساب‭ ‬حجم‭ ‬الأمطار‭ ‬الهاطلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساحة،‭ ‬بِضرب‭ ‬قيمة‭ ‬مساحتها‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربَّع‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬المياه‭ ‬الذي‭ ‬قمنا‭ ‬حالًا‭ ‬بِتقديره‭ ‬بالكيلومتر،‭ ‬لِنجد‭ ‬أنّ‭ ‬الحجم‭ ‬يساوي‭ ‬ستّة‭ ‬أعشارٍ‭ ‬من‭ ‬الكيلومتر‭ ‬المكعّب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزنُ‭ ‬600‭ ‬مليون‭ ‬طن،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬كلّ‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭. ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬لو‭ ‬أنّنا‭ ‬افترضنا‭ ‬قيمةً‭ ‬لإجمالي‭ ‬احتمالات‭ ‬الهطول‭ ‬تبلغ‭ ‬20‭ ‬سم،‭ ‬مثلًا؟‭!‬

وبِمقدور‭ ‬مُخيّلاتنا‭ ‬أن‭ ‬تسعفنا‭ ‬في‭ ‬تصوّر‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬أثناء‭ ‬العاصفة‭ ‬المُمطرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬حدّدنا‭ ‬مساحتها،‭ ‬لنرى‭ ‬كرة‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬يتجاوز‭ ‬نصفُ‭ ‬قطرها‭ ‬الكيلومتر‭ ‬الواحد،‭ ‬قد‭ ‬راحت‭ ‬تتكوّن‭ ‬على‭ ‬الارتفاع‭ ‬الذي‭ ‬اعتادت‭ ‬الأمطار‭ ‬أن‭ ‬تتكثّف‭ ‬عنده‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي،‭ ‬وهو‭ ‬كيلومتران‭ ‬تقريبًا،‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭.‬

ولنبدأ‭ ‬في‭ ‬تخيّل‭ ‬حركة‭ ‬هذه‭ ‬الكرة‭. ‬

إننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬تبيُّنَ‭ ‬أيّ‭ ‬تغيّر‭ ‬محسوس‭ ‬في‭ ‬الثواني‭ ‬الخمس‭ ‬أو‭ ‬الستّ‭ ‬الأولى‭. ‬بعدها،‭ ‬تبدأ‭ ‬قاعدة‭ ‬هذه‭ ‬الغيمة‭ ‬الكروية‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬البروز‭ ‬لِأسفل‭ ‬بِهيئة‭ ‬انبعاجٍ‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬التمدّد،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬الكرة‭ ‬الأم،‭ ‬ويندفع‭ ‬ساقطًا‭ ‬باتّجاه‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬بِسرعة‭ ‬90‭ ‬مترًا‭ ‬في‭ ‬الثانية،‭ ‬أو‭ ‬200‭ ‬ميل‭ ‬في‭ ‬الساعة‭. ‬وتتزايد‭ ‬سرعته،‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬متر‭ ‬بِالثانية‭ (‬450‭ ‬ميلًا‭ / ‬ساعة‭) ‬عند‭ ‬الارتطام‭ ‬بالأرض‭. ‬وتتسبّب‭ ‬سرعة‭ ‬الارتطام‭ ‬الفائقة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الهواء‭ ‬على‭ ‬الإسراع‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬الارتطام،‭ ‬فينضغطُ‭ ‬وتتولَّد‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬حرارة‭ ‬لا‭ ‬يطول‭ ‬عمرها‭ ‬عن‭ ‬كسر‭ ‬من‭ ‬الثانية،‭ ‬وإلّا‭ ‬كانت‭ ‬أحرقت‭ ‬الأعشاب‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الارتطام،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬يستقبل‭ ‬كمّيات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬الباردة‭.‬