بذور صغيرة صنعت غابة كبيرة
سنذهب اليوم يا أصدقائي في رحلة جميلة إلى جزيرة (ماجولي) في الهند لِنتعرّف فيها على الصبي (جاداف مولاي باينغ)، والغابة التي زرعها. فهل أنتم مستعدون؟ إذًا هيّا بنا.
في شمال شرق الهند وعلى نهر (براهمابوترا) تقع جزيرة (ماجولي) التي تعدّ من أكبر الجزر النهرية في العالَم. أصابت هذه الجزيرة يا أصدقائي فيضانات كثيرة، وفي كلّ مرّة كانت الفيضانات تجرف معها المزيد والمزيد من الأشجار حتى تحوّلت الجزيرة إلى صحراء قاحلة، فلا زرع فيها ولا حياة. وبِسبب تلك الفيضانات أيضًا مات الكثير من الحيوانات، لقد شاهد صديقنا جاداف الكثير من الثعابين الميتة بِسبب حرارة الشمس العالية، فقد كانت تلك الثعابين تسكن في الأشجار، وتحتمي بها من درجات الحرارة العالية. حزن جاداف وراح يبحث عن طريقة يحافظ فيها على تلك الجزيرة.
فكّر جاداف وفكّر وقرّر أن يذهب لِحكماء القرية ويستشيرهم في الأمر، أخبره الحكماء أنّ الحلّ الوحيد هو زراعة جزيرة ماجولي مرّة أخرى، قدّم حكماء القرية لِجاداف عددًا من نباتات الخيزران التي يمكنها العيش في الظروف المناخية الصعبة، وأعطوه أيضًا بعضًا من البذور الصغيرة لِيزرعها هناك. تحمّس جاداف وذهب للجزيرة لِيزرع الخيزران والبذور، وراح يسقيها كلّ يوم حتى بدأت تنمو وتكبر أكثر وأكثر، شعر جاداف بالسعادة فراح يزرع في كلّ يوم نباتات جديدة. واستمرّ صديقنا بِزراعة الجزيرة منذ عام 1979، عندما كان في السادسة عشر من عمره، ومازال مستمرًا حتى يومنا هذا، فتحوّلت الجزيرة الجافّة والقاحلة إلى غابة كبيرة جدًا وأشجارها كثيفة، تمتد على مساحة 550 هكتارًا، أي ما يعادل مساحة خمسة عشر ملعبًا لِكرة القدم. وحين شاهدت الحيوانات الغابة الجميلة عادت إليها مرّة أخرى، فأتت الفِيَلة والنمور والطيور والقرود والغزلان والكثير من الحيوانات، بعد أن عادت بيوتها من جديد وعادت الأشجار والثمار اللذيذة مرّة أخرى.
ولكن، كيف اكتُشِفت غابة جاداف يا ترى؟
في عام 2008 علمت الحكومة الهندية بِوجود قطيع من الفِيَلة في جزيرة ماجولي، وعندما ذهبوا ليستطلعوا الأمر شاهدوا الغابة الكبيرة التي نبتت في الجزيرة، ولكنهم لم يتعرّفوا على قصّة جاداف بعد. وفي يوم من الأيام، وبينما كان جاداف يزور غابته كعادته لِزراعة المزيد من الأشجار شاهد رجلاً غريبًا يدخل إلى الغابة، فشعر بالقلق فقد يكون هذا الرجل صيّادًا يرغب بِقتل حيوانات الغابة، أو حطّابًا يرغب بِقطع الأشجار، وعندما اقترب منه تبيّن أن الرجل هو صُحفي مهتمّ بالطبيعة والحيوانات، اسمه جيتو كاليتا، وقد اندهش من الأشجارالجميلة التي نبتت في هذه الجزيرة الجافّة. اِستمع الرجل إلى قصّة جاداف، وأعجبته جدًا، وقرّر أن ينشرها للعالَم لِيعرف الناس قصّة الصبي الذي زرع الغابة.
كرّمت الحكومة الهندية صديقنا جاداف الذي يبلغ من العمر الآن أكثر من خمسين عامًا، وحصل على لقب رجل غابات الهند، كما أنّ الغابة التي قام بزراعتها سُمّيت بِاسمه: (غابة مولاي).
أعجبت قصّة بطلنا الكاتبة صوفيا غولز، وقرّرت أن تحوّلها إلى قصّة أطفال جميلة باللغة الإنجليزية، أسمتها (the boy who grew a forest). ومازال بطلنا جاداف مستمرًا في زراعة غابته حتى اليوم لِتصبح أكبر وأكبر، لأنّه يؤمن - يا أحبّائي - بِأنّ النباتات مهمّة جدًا للإنسان وللحيوان وللأرض بأكملها، فهي تمدّنا بالثمار والهواء النقيّ، وتَقينا حرارة الشمس، فعلينا أن نزرع المزيد والمزيد منها، ونحافظ عليها من القطع والدمار.
وإلى هنا يا أعزّائي تنتهي رحلتنا مع بطلنا جاداف الذي لم يستسلم، وقرّر أن يقوم بِنفسه بِزراعة الجزيرة التي جرفت الفيضانات أشجارها، وحوّلتها إلى صحراء لا نبات فيها ولا حيوان، لِتصبح اليوم غابة خضراء غنيّة بالنباتات، والكثير الكثير من الحيوانات.. إلى اللقاء.