سـامي وجعبول ومـرشّ المــاء

أكمل‭ ‬سامي‭ ‬أربعة‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬ولكنّ‭ ‬دخوله‭ ‬إلى‭ ‬الحمّام‭ ‬صعب‭! ‬يجادل‭ ‬أمّه‭ ‬دائمًا‭ ‬قُبيل‭ ‬الاستحمام،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يرفض‭ ‬ويدّعي‭ ‬البكاء‭ ‬أو‭ ‬المرض‭ ‬وهو‭ ‬قرب‭ ‬الباب‭. ‬صار‭ ‬الاستحمام‭ ‬معركة‭ ‬مزعجة‭ ‬ومتعبة‭ ‬لأمّــه‭ ‬والتي‭ ‬قالت‭ ‬له‭: ‬

‭-‬حبيبي‭ ‬سامي‭ ‬أتعبتني،‭ ‬هيّا‭ ‬استحم،‭ ‬انظر‭ ‬للعصافير‭ ‬كيف‭ ‬تستحمّ‭ ‬في‭ ‬نافورة‭ ‬الحديقة‭.‬

هزّ‭ ‬رأسه‭ ‬رافضًا‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬وقال‭: ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬يا‭ ‬ماما،‭ ‬الاستحمام‭ ‬مــملّ‭.‬

تركته‭ ‬أمه‭ ‬لحظات‭ ‬كي‭ ‬تردّ‭ ‬على‭ ‬هاتف‭ ‬البيت‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬باب‭ ‬الحمّام‭ ‬معترضـًا،‭ ‬وفجأة‭ ‬جاءه‭ ‬الصوت‭: ‬هيه‭ ‬أنتَ‭! ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬العناد‭ ‬يا‭ ‬مشاكس؟‭ ‬التفتْ‭ ‬لي،‭ ‬أنا‭ ‬أتحدّث‭ ‬معك‭ ‬من‭ ‬فوق‭!‬

فقال‭ ‬سامي‭ ‬وهو‭ ‬يتلفّت‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬الصوت‭: ‬أنتَ‭ ‬مَن؟‭!‬

‭-‬أنا‭ ‬مرشّ‭ ‬الحمام‭ ‬المعلّق‭ ‬على‭ ‬الحائط‭. ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬لماذا‭ ‬ترفض‭ ‬صداقتي؟‭ ‬كلّ‭ ‬الناس‭ ‬تحبّني‭ ‬طوال‭ ‬فصول‭ ‬السنة،‭ ‬ما‭ ‬عداك‭ ‬أنت‭ ‬طبعًا‭! ‬هل‭ ‬تراها؟‭ ‬رفيقتي‭ ‬الصابونة‭ ‬حزينة‭ ‬بسببك‭!‬

فردّ‭ ‬سامي‭ ‬مندهشًا‭ ‬وقال‭: ‬وما‭ ‬هو‭ ‬ذنبي‭ ‬أنا؟

‭-‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تحبّ‭ ‬الاستحمام‭ ‬والصابونة‭ ‬حزينة‭ ‬تنتظرك،‭ ‬فهي‭ ‬تفرح‭ ‬حينما‭ ‬ينتشر‭ ‬عبيرها‭ ‬في‭ ‬الحمّام،‭ ‬وتشعر‭ ‬بأهمّيتها‭ ‬عندما‭ ‬تقوم‭ ‬بِعملها‭ ‬مثلي‭.‬

‭- ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬الاستحمام‭ ‬ولا‭ ‬أحتاج‭ ‬إليه‭ ‬أصلا‭!‬

قهقــه‭ ‬مرشّ‭ ‬الحمّام‭ ‬ضاحكـًـا‭ ‬وقال‭: ‬الاستحمام‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬الصحّية،‭ ‬ما‭ ‬أجمل‭ ‬أن‭ ‬تفوح‭ ‬منّا‭ ‬الروائح‭ ‬الطيّبة‭ ‬أمام‭ ‬الناس،‭ ‬خلايا‭ ‬جسمك‭ ‬يا‭ ‬سامي‭ ‬تتجدّد‭ ‬كلّ‭ ‬يوم‭. ‬ألا‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬النظافة‭ ‬من‭ ‬الإيمان؟

فكّرسامي‭ ‬قليلًا‭ ‬ثم‭ ‬سأل‭ ‬المرشّ‭: ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬سوف‭ ‬تنزعج‭ ‬منّي‭ ‬لأنّي‭ ‬لا‭ ‬أستحم؟

فقال‭ ‬مرشّ‭ ‬الحمّام‭: ‬هذا‭ ‬أكيد،‭ ‬جسمك‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬يفرز‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العرق‭.‬

‭-‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الاستحمام،‭ ‬ابحثْ‭ ‬عن‭ ‬ولـــدٍ‭ ‬آخر‭ ‬غيري‭!‬

‭-‬أعرف‭ ‬ولدًا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬عمرك‭ ‬اسمه‭ (‬جعبول‭) ‬حكايته‭ ‬غريبة‭ ‬ولكن‭ ‬ربّما‭ ‬لا‭ ‬تحبّ‭ ‬سماعها،‭ ‬ربّما‭ ‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تحبّ‭ ‬سماع‭ ‬الحكايات‭!‬

فردّ‭ ‬سامي‭ ‬بِلهفـة‭ ‬وقال‭: ‬أرجوكَ‭ ‬سيّد‭ ‬مرشّ،‭ ‬احكِ‭ ‬لي‭ ‬قصّة‭ ‬هذا‭ ‬الولد‭.‬

فقال‭ ‬المرشّ‭: (‬جعبول‭) ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬والدَيه‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬بعيدة،‭ ‬وكان‭ ‬كلّما‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬والدته‭ ‬الاستحمام‭ ‬يخدعها‭ ‬ويقوم‭ ‬بِغسل‭ ‬رأسه‭ ‬بالماء،‭ ‬ويرشّ‭ ‬على‭ ‬جسمه‭ ‬بعض‭ ‬العطر‭ ‬ثم‭ ‬يلتحف‭ ‬بمنشفته‭ ‬فقط‭. ‬استمر‭ ‬الطفل‭ (‬جعبول‭) ‬يمارس‭ ‬كذبته‭ ‬لأيام‭ ‬وشهور‭ ‬طويلة‭ ‬وهو‭ ‬يضحك‭ ‬في‭ ‬سرّه‭ ‬معتقداً‭ ‬بأنّـه‭ ‬ذكي‭!‬

لكن‭ ‬حيلة‭ (‬جعبول‭) ‬بدأت‭ ‬تنقلب‭ ‬عليه،‭ ‬صار‭ ‬زملاؤه‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬يتحاشون‭ ‬اللعب‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬ثم‭ ‬رفض‭ ‬صديقه‭ ‬زيد‭ ‬أن‭ ‬يتقاسم‭ ‬معه‭ ‬وجبة‭ ‬طعام‭ ‬وقت‭ ‬الفسحة‭. ‬المشرف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬الحضور‭ ‬وسأله‭: ‬رفاقك‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬صاروا‭ ‬يتحاشون‭ ‬اللعب‭ ‬معك‭ ‬وأخبروني‭ ‬أن‭ ‬رائحتك‭.. ‬رائحتك‭ ‬كريهة‭! ‬فما‭ ‬قولك‭ ‬يا‭ ‬ولدي؟

هنا‭ ‬وقع‭ ‬الطفل‭ (‬جعبول‭) ‬في‭ ‬حرجٍ‭ ‬كبير‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يقول؟‭!  ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬رجع‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬وهو‭ ‬حزين،‭ ‬يتذكّر‭ ‬الموقف‭ ‬المزعج‭ ‬الذي‭ ‬حصل،‭ ‬وكيف‭ ‬طأطأ‭ ‬رأسه‭ ‬خجلًا‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬جوابًا‭!‬

فجأة‭ ‬بدأ‭ (‬جعبول‭) ‬يحكّ‭ ‬رقبته‭ ‬ثم‭ ‬يدَيه‭ ‬وبعدها‭ ‬رجلَيه،‭ ‬وصار‭ ‬يحكّ‭ ‬كلّ‭ ‬شبــرٍ‭ ‬من‭ ‬جسمه،‭ ‬خلع‭ ‬ملابس‭ ‬المدرسة‭ ‬وحدّق‭ ‬في‭ ‬المرآة‭ ‬فكانت‭ ‬المفاجأة‭!  ‬البقع‭ ‬الحمراء‭ ‬تملأ‭ ‬جسمه‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭. 

صار‭ ‬يبكي‭ ‬ويبكي‭ ‬غير‭ ‬مصدقٍ‭ ‬ما‭ ‬حلّ‭ ‬بِجسمـه‭!‬

هنا‭ .. ‬أطلق‭ ‬المرشّ‭ ‬دفعة‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬أصابت‭ ‬المرآة‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬فجأة‭ ‬صورة‭ ‬الطفل‭ ‬جعبول‭ ‬وهو‭ ‬حزين‭ ‬لِمنظر‭ ‬جسمه‭ ‬المبقّع‭. ‬سامي‭ ‬كان‭ ‬مندهشـًا‭ ‬يحدّق‭ ‬في‭ ‬المرآة،‭ ‬فقال‭ ‬المرشّ‭ ‬وهو‭ ‬يهزّ‭ ‬رأسه‭ ‬بِأسف‭:‬

‭(‬جعبول‭) ‬الذي‭ ‬يكره‭ ‬الاستحمام‭ ‬ويكذب‭ ‬على‭ ‬أمّه،‭ ‬ها‭ ‬أنت‭ ‬تراه‭ ‬الآن‭! ‬أُصيب‭ ‬بِمرضٍ‭ ‬جلدي‭ ‬مُعدٍ،‭ ‬نعم‭ ‬أصيب‭ ‬بمرض‭ ‬الجرب‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الطبيب‭ ‬يقرّر‭ ‬مدّة‭ ‬طويلة‭ ‬للعلاج،‭ ‬حيث‭ ‬مُــنع‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬المدرسة‭ ‬ريثما‭ ‬يستعيد‭ ‬صحّته‭ ‬لكنه‭ ‬طبعا‭ ‬تعلّم‭ ‬هذا‭ ‬الدرس‭ ‬القاسي‭. ‬والآن‭.. ‬أيّهما‭ ‬أحسن‭ ‬يا‭ ‬سامي،‭ ‬تنتعش‭ ‬بِرغوة‭ ‬الصابون‭ ‬والمـاء‭ ‬البارد‭ ‬أم‭ ‬تنتـظر‭ ‬أن‭ ‬تمرض‭ ‬مثل‭ ‬جعبول؟‭!‬

هنا‭ ‬بدأ‭ ‬سامي‭ ‬يفكّر‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬المرشّ‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬عليه‭ ‬الخجل،‭ ‬وهتف‭ ‬قائلًا‭: ‬شكرًا‭ ‬على‭ ‬النصيحة‭ ‬سيّد‭ ‬مرشّ،‭ ‬سوف‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬نظافتي‭ ‬الشخصية‭ ‬كلّ‭ ‬يوم‭.‬

هتف‭ ‬المرشّ‭ ‬بِمرح‭ ‬وقال‭: ‬نعم‭ ‬يا‭ ‬سامي‭ ‬لأنّ‭ ‬النظافــة‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭.. ‬هل‭ ‬قبلت‭ ‬صداقتي‭ ‬الآن؟‭!‬

فردّ‭ ‬سامي‭ ‬بِسعادة‭: ‬طبـــعا‭ ‬نحن‭ ‬أصدقاء‭ ‬على‭ ‬الدوام‭.‬

وهكذا‭ ‬دخل‭ ‬سامي‭ ‬إلى‭ ‬الحمّام‭ ‬طواعية‭ ‬وأغلق‭ ‬خلفه‭ ‬الباب‭. ‬شرع‭ ‬يستحمّ‭ ‬وهو‭ ‬يغنّي‭ ‬مسرورًا،‭ ‬بينما‭ ‬والدته‭ ‬متعجّبة‭ ‬من‭ ‬أمــره،‭ ‬وفرحة‭ ‬وهي‭ ‬تستمـع‭ ‬لِصوت‭ ‬غنائه‭ ‬وهو‭ ‬مستمتع‭ ‬في‭ ‬استحمامه‭.‬

رسوم‭: ‬نهى‭ ‬الدخان