سيّاراتٌ... تروي حكايات جولة في متحف السيّارات الملكي

على‭ ‬ربوة‭ ‬عمّانيّة‭ ‬جميلة،‭ ‬وفي‭ ‬حدائق‭ ‬الحسين،‭ ‬افتتح‭ ‬الملك‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الثاني‭ ‬ابن‭ ‬الحسين‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬متحف‭ ‬السيارات‭ ‬الملكي،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬أمر‭ ‬بإنشائه‭ ‬وفاءً‭ ‬لِوالده‭ ‬الرّاحل‭. ‬وضمّ‭ ‬السيّارات‭ ‬الملكيّة‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬إمارة‭ ‬شرق‭ ‬الأردنّ،‭ ‬ثمّ‭ ‬أضيفت‭ ‬إليه‭ ‬لاحقًا‭ ‬سيّارات‭ ‬ودرّاجات‭ ‬أخرى‭ ‬قديمةً‭ ‬ونادرة،‭ ‬وسيّارات‭ ‬أُهديت‭ ‬إلى‭ ‬العائلة‭ ‬الهاشميّة‭.‬

يستقبل‭ ‬المتحف‭ ‬125‭ ‬ألف‭ ‬زائر‭ ‬سنويًّا،‭ ‬ويعدّ‭ ‬ثالث‭ ‬أهمّ‭ ‬الأماكن‭ ‬التّاريخيّة‭ ‬والسّياحيّة‭ ‬بعد‭ ‬البتراء‭ ‬وجرش‭. ‬إذ‭ ‬تحكي‭ ‬السيّارات‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬التّاريخ‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الملك‭ ‬المؤسِّس‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الأوّل،‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بحكم‭ ‬الملك‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الثّاني،‭ ‬في‭ ‬مزج‭ ‬لطيف‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭.‬

عند‭ ‬مدخل‭ ‬المتحف‭ ‬مذياع‭ ‬خشبيّ‭ ‬قديم،‭ ‬يصدر‭ ‬منه‭ ‬صوت‭ ‬الملك‭ ‬المؤسِّس‭ ‬وهو‭ ‬يلقي‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬الأمّة‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬المملكة،‭ ‬أي‭ ‬سنة‭ ‬1947،‭ ‬ويليه‭ ‬صوت‭ ‬الملك‭ ‬الحسين‭ ‬في‭ ‬مقطع‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬خطاباته‭. ‬يقرأ‭ ‬الزّائر‭ ‬خلال‭ ‬تجواله‭ ‬صفحات‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الأردن،‭ ‬ويعيش‭ ‬أهمّ‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السيّارات‭ ‬الملكيّة،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬مواقع‭ ‬السيّارات‭ ‬المعروضة‭ ‬مزوّدةٌ‭ ‬بِمقاطع‭ ‬أفلام‭ ‬فيديو،‭ ‬وصور‭ ‬أرشيفيّة،‭ ‬ولوحة‭ ‬توضّح‭ ‬قصّة‭ ‬كلّ‭ ‬سيّارة،‭ ‬والمناسبة‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬فيها‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬التّوثيق‭ ‬للسيّارات‭ ‬الملكيّة‭ ‬باللّغتين‭: ‬العربيّة‭ ‬والإنجليزيّة،‭ ‬فإنّ‭ ‬الصّور‭ ‬التي‭ ‬اكتست‭ ‬جدران‭ ‬المتحف‭ ‬وواجهات‭ ‬العرض‭ ‬فيه،‭ ‬توثّق‭ ‬للعاصمة‭ ‬عمّان‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬بيوتًا‭ ‬قليلةً‭ ‬متناثرةً‭ ‬تربط‭ ‬بينها‭ ‬أزقّةٌ‭ ‬ضيّـقةٌ،‭ ‬تنقل‭ ‬الزّائر‭ ‬عبر‭ ‬الزّمن‭ ‬إلى‭ ‬جناح‭ ‬يحاكي‭ ‬شارعًا‭ ‬مشهورًا‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬العاصمة‭ ‬عمّان‭ ‬هو‭ ‬شارع‭ ‬السّلط،‭ ‬بِدكاكينه‭ ‬ومحلّاته‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬مازال‭ ‬بعضها‭ ‬قائمًا‭ ‬حتّى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬فيمرّ‭ ‬الزّائر‭ ‬بِمحلّ‭ ‬‮«‬ستوديو‭ ‬زهراب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬المصوّر‭ ‬الخاصّ‭ ‬للملك‭ ‬حسين،‭ ‬و‭(‬مقهى‭ ‬السّنترال‭) ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬قائمًا‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬عامرًا‭ ‬بِزوّاره،‭ ‬وكذلك‭ ‬فندق‭ ‬السّعادة،‭ ‬ومكتبة‭ ‬لِبيع‭ ‬الكتب،‭ ‬وغيرها،‭... ‬ويقطع‭ ‬خطّ‭ ‬المرور‭ ‬بهذه‭ ‬الدّكاكين‭ ‬مساحةٌ‭ ‬وضعت‭ ‬فيها‭ ‬السّيّارة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يُسمح‭ ‬للزوّار‭ ‬ركوبها‭ ‬لِالتقاط‭ ‬الصّور‭ ‬التّذكاريّة،‭ ‬حيث‭ ‬اصطادت‭ ‬الكاميرا‭ ‬لقطات‭ ‬لِمجموعة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬يطالعون‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الصّغير‭ ‬وهم‭ ‬يركبون‭ ‬السيّارة‭.‬

في‭ ‬وسط‭ ‬الجناح‭ ‬الذي‭ ‬يحاكي‭ ‬دكاكين‭ ‬وسط‭ ‬البلد،‭ ‬يشاهد‭ ‬الزّائر‭ ‬الموكب‭ ‬الملكيّ‭ ‬الأحمر،‭ ‬حيث‭ ‬جلست‭ ‬‮«‬تماثيل‮»‬‭ ‬تجسّد‭ ‬أفراد‭ ‬الحرس‭ ‬الملكيّ‭ ‬الخاصّ‭ ‬في‭ ‬سيّاراتهم‭ ‬المكشوفة‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬أمام‭ ‬السيّارة‭ ‬الملكيّة‭ ‬وخلفها‭ ‬لِحراسة‭ ‬الموكب‭ ‬الملكيّ‭ ‬وهو‭ ‬يخترق‭ ‬هذا‭ ‬الشّارع‭ - ‬شارع‭ ‬السّلط‭. ‬بعد‭ ‬معاينة‭ ‬الموكب‭ ‬الملكيّ‭ ‬الأحمر،‭ ‬نُصبت‭ ‬خيمةٌ‭ ‬كبيرةٌ‭ ‬يُسمّيها‭ ‬بدو‭ ‬الأردنّ‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الشّعر‮»‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّها‭ ‬مصنوعةٌ‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬الماعز،‭ ‬وفيها‭ ‬يُسمح‭ ‬بالجلوس‭ ‬على‭ ‬الفراش‭ ‬الأرضيّ‭ ‬التّراثيّ‭ ‬والسّجّاد‭ ‬والبُسط،‭ ‬دقائق‭ ‬لِلاستراحة‭. 

معروضات‭ ‬المتحف،‭ ‬تعكس‭ ‬اهتمام‭ ‬ملوك‭ ‬الأردنّ‭ ‬بالسيّارات‭ ‬متعدّدة‭ ‬الاستخدام،‭ ‬فمِن‭ ‬سيّارة‭ ‬استخدمها‭ ‬الملك‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الأوّل‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬أعماله‭ ‬اليوميّة،‭ ‬وزياراته‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬القدس،‭ ‬وزياراته‭ ‬لتفقّد‭ ‬البدو‭ ‬وسكّان‭ ‬المحافظات،‭ ‬إلى‭ ‬سيّارة‭ ‬استخدمها‭ ‬الملك‭ ‬حسين‭ ‬أثناء‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬إنجلترا،‭ ‬ثمّ‭ ‬استُخدمت‭ ‬في‭ ‬حفل‭ ‬تتويجه‭ ‬سنة‭ ‬1953،‭ ‬وهي‭ ‬سيارةٌ‭ ‬مكشوفةٌ‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬لينكون‭ ‬كابري‭ ‬موديل‭ ‬1952‭.‬

أصدقائي،‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬المتحف‭ ‬براعة‭ ‬وإتقان،‭ ‬حيث‭ ‬تمرّ‭ ‬بجناح‭ ‬ركنت‭ ‬فيه‭ ‬سيّارةٌ‭ ‬حمراء‭ (‬مكشوفة‭) ‬تناسب‭ ‬البيئة‭ ‬الشّاطئيّة‭ ‬والبحريّة،‭ ‬وفي‭ ‬خلفيّة‭ ‬الجناح‭ ‬جدارٌ‭ ‬أُلصقت‭ ‬عليه‭ ‬صورة‭ ‬شاطئ‭ ‬العقبة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬دلالةً‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬سيّارته‭ ‬هذه‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬العقبة،‭ ‬وتجاورها‭ ‬أخرى‭ ‬تناسب‭ ‬البيئة‭ ‬الصّحراويّة،‭ ‬وفي‭ ‬خلفيّة‭ ‬الجناح‭ ‬جدارٌ‭ ‬أُلصقت‭ ‬عليه‭ ‬صورة‭ ‬وادي‭ ‬رمّ،‭ ‬دلالةً‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬يستخدمها‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬الصّحراوية‭.‬

ولِعشّاق‭ ‬الدّرّاجات‭ ‬النّاريّة‭ ‬جناح‭ ‬آخر‭ ‬يشاهدون‭ ‬فيه‭ ‬درّاجات‭ ‬الملك‭ ‬الحسين،‭ ‬وملابسه‭ ‬الخاصّة‭ ‬بها،‭ ‬وخوذته،‭ ‬وأدواته‭. ‬

وتتنوّع‭ ‬سيّارات‭ ‬المتحف‭ ‬أصدقائي،‭ ‬من‭ ‬السيّارات‭ ‬الكلاسيكيّة‭ ‬ذات‭ ‬الماركات‭ ‬العالميّة،‭ ‬مثل‭ ‬كاديلاك،‭ ‬ونيسان،‭... ‬ومنها‭ ‬سيارة‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ ‬أمّا‭ ‬‮«‬المبروكة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أمّ‭ ‬الضّيوف‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬مكشوفة‭ ‬لونها‭ ‬البيج،‭ ‬ومن‭ ‬نوع‭ ‬لينكولين‭ ‬طراز‭ ‬1961،‭ ‬دخلت‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬صنعها،‭ ‬واستُخدمت‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬منها‭: ‬افتتاح‭ ‬البرلمان‭ ‬الأردنيّ،‭ ‬وفي‭ ‬حفل‭ ‬زفاف‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬الثّاني‭ ‬على‭ ‬الملكة‭ ‬رانيا‭ ‬العبد‭ ‬الله‭ ‬سنة‭ ‬1993،‭ ‬وفي‭ ‬حفل‭ ‬تتويجه‭ ‬على‭ ‬العرش‭ ‬سنة‭ ‬1999‭.‬

والذين‭ ‬اطّلعوا‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الملك‭ ‬الحسين‭ ‬يعرفون‭ ‬ولعه‭ ‬بالرّاليّات‭ ‬وسباق‭ ‬السيّارات،‭ ‬لذلك‭ ‬خُصص‭ ‬جناحٌ‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬جولة‭ ‬المتحف،‭ ‬ضمّ‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬السّيّارات‭ ‬الملكيّة‭ ‬الخاصّة‭ ‬بالسّباق،‭ ‬ومجموعةً‭ ‬كبيرةً‭ ‬من‭ ‬الكؤوس‭ ‬التي‭ ‬حازها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السّباقات‭.‬

وللأطفال‭ ‬نصيبهم‭ ‬في‭ ‬معروضات‭ ‬المتحف‭ ‬وفعاليّاته،‭ ‬إذ‭ ‬نجد‭ ‬ورشةً‭ ‬فيها‭ ‬نموذج‭ ‬سيّارة‭ ‬معطّلة،‭ ‬وفيها‭ ‬أدوات‭ ‬صيانة‭ ‬يستخدمها‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لِصيانة‭ ‬السّيّارة،‭ ‬وقاعة‭ ‬تُقام‭ ‬فيها‭ ‬ورشة‭ ‬عمل‭ ‬لِتصميم‭ ‬السّيّارات‭ ‬بِالورق‭.‬

ما‭ ‬مِن‭ ‬شكّ‭ ‬أصدقائي،‭ ‬أنّ‭ ‬زيارةً‭ ‬لِمتحف‭ ‬السّيّارات‭ ‬الملكيّ،‭ ‬تمنحكم‭ ‬جرعةً‭ ‬وفيرةً‭ ‬من‭ ‬الدّهشة‭ ‬والمتعة‭ ‬والمعلومات‭ ‬التّاريخيّة،‭ ‬وتفتح‭ ‬لكم‭ ‬صفحات‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الأردنّ‭ ‬قديمه‭ ‬وحديثه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬السّيّارات‭ ‬الملكيّة،‭ ‬وكما‭ ‬نقول‭ ‬دومًا‭: ‬‮«‬ليس‭ ‬مَن‭ ‬رأى‭ ‬كمَن‭ ‬سمع‮»‬،‭ ‬فإذا‭ ‬زرتم‭ ‬الأردنّ،‭ ‬فاحرصوا‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬متحف‭ ‬السّيّارات‭ ‬الملكي‭.‬