100 عام بين النجوم والغيوم

٭‭ ‬بوّابات‭ ‬عِلم‭ ‬الفلك‭ ‬الأربعة‭:  ‬دخل‭ ‬الفلكي‭ ‬صالح‭ ‬العجيري‭ ‬إلى‭ ‬عالَم‭ ‬الفلك‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أربع‭ ‬بوّابات،‭ ‬ولكل‭ ‬بوّابة‭ ‬قصّة‭ ‬عجيبة‭.‬

٭‭ ‬البوّابة‭ ‬الأولى‭: ‬كانت‭ ‬الظواهر‭ ‬الطبيعية‭ ‬،مثل‭ ‬المطر‭ ‬والرعد‭ ‬والبرق‭ ‬والرياح‭ ‬والظلام‭ ‬تخيف‭ ‬‮«‬صالح‮»‬‭ ‬الصغير‭ ‬جدًا،‭ ‬لذا‭ ‬قرّر‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬تحدث‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬المُخيفة؟‭ ‬وكيف‭ ‬تحدث؟‭.‬

٭‭ ‬البوّابة‭ ‬الثانية‭: ‬كبُر‭ ‬صالح‭ ‬الصغير،‭ ‬وأصبح‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬وقرّر‭ ‬والده‭ ‬إرساله‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الربيع‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬الكويت‭ ‬تُسمّى‭ (‬رحية‭)‬،‭ ‬لِيسكن‭ ‬عند‭ ‬قبيلة‭ ‬الرشايدة،‭ ‬ويتعلّم‭ ‬منهم‭ ‬الصيد‭ ‬والفروسية،‭ ‬وهناك‭ ‬تعلّم‭ ‬أوّل‭ ‬دروس‭ ‬عِلم‭ ‬الفلَك،‭ ‬فتعلّم‭ ‬كيف‭ ‬يقرأ‭ ‬الجهات‭ ‬الأربعة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النجوم‭ ‬والكثبان‭ ‬الرملية‭. ‬

وبعد‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬أحبَّ‭ ‬صالح‭ ‬عِلم‭ ‬الفَلك‭ ‬جدًا،‭ ‬ورغب‭ ‬بِمعرفة‭ ‬المزيد‭ ‬والمزيد‭ ‬عنه‭.‬

٭‭ ‬البوّابة‭ ‬الثالثة‭: ‬كبُر‭ ‬صالح‭ ‬الصغير،‭ ‬وكبُر‭ ‬معه‭ ‬حبّه‭ ‬لِهذا‭ ‬العِلم،‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬سمع‭ ‬الأستاذ‭ ‬صالح‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬اسمه‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الحجّي،‭ ‬درس‭ ‬عِلم‭ ‬الفَلك‭ ‬وعِلم‭ ‬الربع‭ ‬المجيب‭ ‬في‭ ‬الحجاز،‭ ‬والربع‭ ‬المجيب‭ ‬يا‭ ‬أحبّائي‭ ‬آلة‭ ‬إسلامية‭ ‬قديمة‭ ‬نستطيع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬عمق‭ ‬البئر‭ ‬وارتفاع‭ ‬الجبل‭ ‬ومواقيت‭ ‬الصلاة،‭ ‬فذهب‭ ‬الأستاذ‭ ‬صالح‭ ‬إليه‭ ‬لِيتعلّم‭ ‬من‭ ‬عِلمه‭. ‬

٭‭ ‬البوّابة‭ ‬الرابعة‭: ‬زادت‭ ‬رغبة‭ ‬الأستاذ‭ ‬صالح‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬المزيد‭ ‬والمزيد‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العِلم‭ ‬الواسع،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬وجد‭ ‬كتابًا‭ ‬اسمه‭ (‬المناهج‭ ‬الحميدية‭)‬،‭ ‬لِفلَكيّ‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬اسمه‭ ‬عبدالحميد‭ ‬مرسي‭ ‬غيث‭. ‬قرأ‭ ‬الكتاب‭ ‬باهتمام‭ ‬شديد،‭ ‬ولكنّه‭ ‬وجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬بعض‭ ‬الموضوعات،‭ ‬فقرّر‭ ‬أن‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لِيقابل‭ ‬الكاتب،‭ ‬ويشرح‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬صعب‭ ‬عليه‭ ‬فهمه‭. ‬كانت‭ ‬الرحلة‭ ‬طويلة‭ ‬وصعبة،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬السفر‭ ‬سهلاً‭ ‬مثل‭ ‬اليوم،‭ ‬فركب‭ ‬السيّارة‭ ‬والقطار‭ ‬والسفينة‭ ‬والباص‭ ‬وعلى‭ ‬ظهر‭ ‬الحمار‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬أخيرًا‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬وقابل‭ ‬مُؤلِّف‭ ‬الكتاب‭.‬

٭‭ ‬شهادة‭ ‬فلكية‭:  ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬رحلة‭ ‬الأستاذ‭ ‬صالح‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬طويلة‭ ‬ومُتعبة‭ ‬ولكنها‭ ‬مُثمرة‭ ‬أيضًا،‭ ‬فقد‭ ‬درس‭ ‬هناك‭ ‬عِلم‭ ‬الفَلك،‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬شهادته‭ ‬العلمية‭ ‬من‭ ‬مدرسة‭ ‬الآداب‭ ‬والعلوم‭ ‬التابعة‭ ‬لجامعة‭ ‬الملك‭ ‬فاروق‭ ‬الأوّل،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1946م‭. ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1952م‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬علمية‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الاتّحاد‭ ‬الفلَكي‭ ‬المصري‭ ‬تقديرًا‭ ‬لِأبحاثه‭ ‬العلمية‭ ‬القيّمة‭.‬

٭‭ ‬الرُّزنامة‭: ‬أوّل‭ ‬تقويم‭ ‬سنوي‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬كان‭ ‬تقويم‭ ‬العجيري،‭ ‬وأوّل‭ ‬تقويم‭ ‬كتبة‭ ‬الأستاذ‭ ‬صالح‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1937م،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬طالبًا‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬والده‭ ‬ولاحظ‭ ‬وجود‭ ‬تقويم‭ ‬على‭ ‬الحائط‭ ‬فقرّر‭ ‬أن‭ ‬يقلّده،‭ ‬مرّ‭ ‬تقويم‭ ‬العجيري‭ ‬بِمراحل‭ ‬وصعوبات‭ ‬كثيرة‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬اليوم،‭ ‬تقويمًا‭ ‬مميّزًا‭ ‬فيه‭ ‬التاريخ‭ ‬الميلادي‭ ‬والهجري‭ ‬وأوقات‭ ‬الصلاة‭ ‬وأوقات‭ ‬المدّ‭ ‬والجزر،‭ ‬وبه‭ ‬أيضًا‭ ‬بعض‭ ‬الطرائف‭ ‬والمعلومات‭ ‬العامّة‭ ‬وبعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬سألها‭ ‬الناس‭ ‬للأستاذ‭ ‬صالح‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2006م،‭ ‬أصبح‭ ‬تقويم‭ ‬العجيري‭ ‬التقويم‭ ‬الرسمي‭ ‬للدولة‭.‬

٭‭ ‬تكريم‭ ‬فريد‭ ‬ومميّز‭: ‬وبعد‭ ‬تفوّق‭ ‬ونبوغ‭ ‬الأستاذ‭ ‬صالح‭ ‬في‭ ‬عِلم‭ ‬الفَلك،‭ ‬قرّرت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دُوَل‭ ‬العالَم‭ ‬تكريمه،‭ ‬فقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬قلادة‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬وحصل‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬الفخرية‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1981م،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الشهادة‭ ‬يا‭ ‬أحبّائي‭ ‬هي‭ ‬أوّل‭ ‬شهادة‭ ‬دكتوراه‭ ‬فخرية‭ ‬تُصدرها‭ ‬جامعة‭ ‬الكويت‭. ‬وفي‭ ‬14‭ ‬أبريل‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1986م‭ ‬افتُتح‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬أوّل‭ ‬مرصد‭ ‬فلَكيّ‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وسُمّي‭ ‬بِمرصد‭ ‬العجيري‭ ‬تكريمًا‭ ‬له،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2013م‭ ‬تمّ‭ ‬اِفتتاح‭ ‬متحف‭ ‬العجيري‭ ‬في‭ ‬النادي‭ ‬العلمي‭ ‬الكويتي‭.‬

٭‭ ‬لم‭ ‬ننتهِ‭ ‬بعد‭: ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الدكتور‭ ‬صالح‭ ‬فلكيًا‭ ‬نابغًا‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬كاتبًا‭ ‬أيضًا،‭ ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬عشرات‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬عِلم‭ ‬الفَلك،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬يا‭ ‬أحبّائي‭ ‬سنحتفل‭ ‬بميلاد‭ ‬عالِمنا‭ ‬المميّز،‭ ‬حيث‭ ‬سيبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬عِلم‭ ‬الكواكب‭ ‬والنجوم‭ ‬والظواهر‭ ‬الطبيعية‭. ‬وإلى‭ ‬اللقاء‭. ‬