المسلمون في دول المَهجر بين جدلية الإدماج والإقصاء

المسلمون في دول المَهجر بين جدلية الإدماج والإقصاء

بالرغم من الصيرورة المتقدمة للعولمة، والتي دفعت كل المجتمعات إلى الإحساس بالأبعاد الكونية للمصير الإنساني، والتضامن العالمي، وحقوق الإنسان، وقيَم العيش المشترك، وبكل القيم النبيلة التي ينشدها العالم المعاصر، من كرامة وحريّة ومساواة وعدالة وتسامح وتفاهم، وبغضّ النظر عن كل التراكم المعرفي والتقني والتكنولوجي والعلمي والفكري والحقوقي الذي حققته البشرية في مسيرتها التاريخية، فإنّ العالم اليوم يشهد حالة من التوتر لا مثيل لها، فالحروب لم تفتأ في الاشتعال، وبروز مؤشرات العنف والكراهية والحقد اتجاه بعض معتنقي الديانات التوحيدية، خصوصًا الديانة الإسلامية، ما تزال تبيّن حجم الهشاشة القيمية التي تنخر لحمة هذه التجمعات البشرية، مما يجعلنا ندّعي أننا بتنا أمام حالة من المفارقات الكثيرة والمتعددة.

 

  لعل أوضح مثال يمكن أن نذكره في هذا السياق، هو ارتفاع موجات الحقد والكراهية ضد المسلمين - خصوصًا بعد كل حدث إرهابي - كما حصل أخيرًا في نهاية السنة الماضية ببعض الدول الأوربية (أكتوبر 2020)، أو من خلال الحدث الأبرز «شارلي إيبدو» بفرنسا عام 2015، أو في غيرها من الدول الأوربية. وقد كان من انعكاسات هذه التوترات، بروز مفهوم الإسلاموفوبيا، لهذا نتساءل: ما الأسباب العميقة التي دفعت في اتجاه بروز هذه الظاهرة؟ وما هي مختلف الحيثيات التي لا تزال تغذي مثل هذه الظاهرة؟ وهل تعبّر ظاهرة الإسلاموفوبيا عن «إفلاس» للدولة في أوربا وأمريكا في التأسيس لمجتمع ديمقراطي متماسك، وفيه قيَم العيش المشترك؟ وكيف نفهم التصاعد القوي للأحزاب اليمينية المتطرفة؟ وإلى أي حدّ يمكن التماهي مع فرضية أن «تزايد» التيارات الإسلامية الراديكالية، له دور في تغذية مشاعر الكراهية والحقد؟ أم أنّ هذا الأمر لا يشكّل سوى شماعة يعلّق عليها بعض الأوربيين والأمريكيين حقدهم الدفين اتجاه الإسلام والمسلمين؟ وماذا عن الفرضية الثانية، وهي الصعود اللافت لتنظيم ما يُعرف بـ «داعش» في أرض المهجر؟ وهل يمكن اعتبار ذلك مؤشرًا عن إخفاق النموذج الدولي في الإدماج الحقيقي للمسلمين؟ أم أن ذلك يعدّ كنتيجة طبيعية لغياب الحوار وفهم الآخر، بل التنكّر لمبادئ التعددية الثقافية؟ 

ليس مفهومًا جديدًا
 بداية، وقبل أن ندخل في صُلب الموضوع، تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الإسلاموفوبيا المعادي للمهاجرين الوافدين، ليس مفهومًا جديدًا، بل إنه متجذّر في الوعي واللاوعي الأوربيين، والذي تشكّل عبر مسارات سوسيوتاريخية جدّ معقّدة، قد تصل إلى عهد الحروب الصليبية في القرون الوسطى، وبعده في المرحلة الاستعمارية، وغيرها من الأحداث التاريخية التي تميزت بالعنف والحرب بين العالم الأوربي/ المسيحي، والعالم الإسلامي. بيد أن المعطيات الجديدة، المتمثلة أساسًا في التدفق الهجروي للمسلمين في أوربا وأمريكا، سرّع بعودة جديدة لظاهرة الإسلاموفوبيا.
ومن خلال الوقوف عند المعطيات الإحصائية، يتبيّن أن موجات الهجرة نحو أوربا وأمريكا من طرف الأجيال المتعاقبة من المسلمين، ساهمت بشكل أو بآخر في تغيير العديد من الأمور في هذه البلاد، إذ إن الإحصاءات الأخيرة، تتحدث عن أن أوربا تشهد ارتفاعًا في عدد المسلمين بها «حيث يوجد ما بين 18 و19 مليون مهاجر ومواطن مسلم وافد إلى أوربا الغربية والشمالية والجنوبية، يشكّلون فسيفساء غير متجانسة، إنهم ثمرة العشرات من الجنسيات المختلفة، واللغات واللهجات المتنوعة، والتقاليد الثقافية والثقافات المحلية المختلفة، والتوجهات السياسية والانتماءات الدينية المختلفة، لدرجة أنه ليس من المبالغة القول إنه لم يتم قط مشاهدة - ربما - شعب مركّب ومتنوع بهذه الكيفية في أوربا من ناحية الجنسية واللغة والمعتقد الديني (سنّة/ شيعة) والانتماء إلى تيارات دينية معيّنة داخل الطائفتين الدينيتين الرئيستين والتقاليد الثقافية المحلية» (هوغ لا غرانج، 2016، ص 155). ولعلّ هذا المؤشر كافٍ وحده لكي يٌظهر لنا مآلات الوضع في الأفقين المتوسط والبعيد لعلاقة الأوربيين والأمريكيين مع المسلمين.

أجواء متوترة
من جهة أخرى، ومع الانتشار اللافت لصعود تنظيم الدولة في بلاد العراق والشام، عبر استقطابه المزيد من الشباب ذوي الأصول الأوربية أو الأمريكية، وقيامهم بعمليات انتحارية خطيرة، لعل من بينها حادثة «شارلي إيبدو» في فرنسا. كل تلك الأحداث وغيرها، خلق أجواء من التوتر والحقد والكراهية للأجانب، وبشكل كبير اتجاه المسلمين.
 وتزامن كل ذلك مع التدفق الكبير لأعداد المهاجرين الفارّين من ويلات الحروب في سورية وأفغانستان وغيرها من البلاد المشتعلة وغير المستقرة، نحو أوربا، مما أدى إلى تزايد موجة الحقد والكراهية على هؤلاء المهاجرين. علاوة على ذلك، نجد أنّ البروز القوي للأحزاب اليمينية المتطرفة، كان من بين التداعيات الخطيرة عن ظاهرة هجرة المسلمين، حيث إن هذه الأحزاب ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والأكاديميين والإعلاميين، يسعون بكل ما أوتوا من قوة، لكي يشكلوا رأيًا عامًا أوربيًا، يحمّل المسؤولية للمسلمين عن هذه الأحداث، وكل ذلك يغذّي في النهاية، ظاهرة الإسلاموفوبيا. 
بل إن أخطر ما في الأمر هو التحول إلى مأسسة العنصرية، عبر إخراج مجموعة من القوانين المجحفة في حق المسلمين، وهو ما سنتعرض له في هذه المساهمة.
وبناء على هذا التأطير الإشكالي، نتساءل: ما هي العوامل التي سرعت ببروز ظاهرة الإسلاموفوبيا في ثوبها الجديد؟ 
أولًا: البعد السوسيوتاريخي، المتجلي أساسًا في الإرث التاريخي الذي يحمله جزء من الأوربيين والأمريكيين عن الإسلام والمسلمين. لأنه كما يعلم الجميع، أن البعد الرمزي الثقافي، المترسّب في تمثُّلات المخيال الجماعي، يعد مناسبًا لسبر أغوار هذه الإشكالية. وذلك بالبحث عن الروابط المنطقية والتفسيرات المعقولة لتصاعد حدة الكُره والحقد ضد المسلمين.

مسألة غير عفوية
لم تعد المسألة عفوية (أقصد صناعة الإسلاموفوبيا)، بل أصبحت مُمأسسة ومؤصلة في سلوكيات الفاعلين، وذلك ما يسمح بالحديث عن مرتكزات لهذا الخطاب يقوم على 3 عناصر أساسية: أولًا، يقوم هذا الخطاب على تشويه صورة المسلمين، إذ يعتبر أنهم همجيون وعنيفون ومتعطشون للدماء، وبالتالي سيهددون وجود الأوربيين وأمنهم، ولهذا فإنه مع وقوع كل حدث إرهابي معيّن في أيّ بقعة من أوربا أو أمريكا، إلّا ويُقرأ انطلاقًا من هذه الخلفية، متناسين أنه لا يمثّل إلّا استثناء، ولا يكمن تعميمه على القاعدة الواسعة من المسلمين المسالمين المعتدلين الذين يريدون العيش في سلام وأمن.
 ثانيًا، تشكّل في المخيال والوجدان الأوربي والأمريكي نظرة للمسلمين تعتقد أنهم متخلفون ويعيشون في عصر غير عصرهم، وأنهم لا يتغيرون ويتميزون بالسكونية والجمود، ولعل هذه المقولات ليست سوى صدى لما عبّر عنه العديد من الباحثين، أمثال برنار لويس أو صمويل هنتنغتون، وبالتالي، فإن هؤلاء المسلمين الأرثدوكسيين (المتحجّرين)، لا يفهمون سوى لغة الحرب والعنف، وعليه، فإنه طال الزمن أو قَصُر، سيدخلون في صراع مع الحضارة الغربية، مما سيهدد وجودنا (أي الغرب)، وهو ما جعل هانتنغتون يُصدر كتابه المشهور حول «صراع الحضارات»، لكي يبرّر من الناحية الفكرية الحروب التي خاضتها الإدارة الأمريكية بالوكالة ضد العديد من الدول الإسلامية، كأفغانستان والصومال وغيرهما. أما ثالث الدعاوى التي يروّجها تيار الإسلاموفوبيا على المسلمين لكي يجد الدليل والحجّة على كرههم ونبذهم في المجتمع الأوربي، فهي المتمثلة في أن الجاليات المسلمة عندما تلتحق بدول المهجر لا تندمج مع القيم الأوربية، مما يعيق عملية الدمج والاندماج.

نتائج مهمة
 لكنّ هذه الدعوى لا تقوم على أدلة علمية ودراسات وأبحاث محايدة، مما يدفع إلى التساؤل: هل كل المسلمين الموجودين بديار المهجر، يتّسمون بهذه السمة (أي الانغلاق والتقوقع)؟ لا أعتقد ذلك، بدليل أن الباحثَين المشهورَين في دراسات المسوح العالمية حول القيم، رونالد إنكليهارت وببيا نوريس، توصلا من خلال دراسة علمية إلى نتائج جدّ مهمة، حيث إن «الدراسة تبيّن أن القيم الجوهرية للمسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية تتموقع بين القيم السائدة في مجتمعاتهم الأصلية وتلك السائدة في مجتمعات البلدان المستقبلة، وتبيّن أن العيش داخل مجتمع مسلم أو أوربي - على حسب القيم التي يمتصها الأفراد - له وزن أكبر بكثير من الهوية الدينية الفردية، أو حتى من تأثيرات التربية، والسنّ، والجنس أو داخل الأفراد» (بيترو باسو- فابيو بيروكو، 2020، ص 61). ويتبين من خلال نتائج هذه الدراسة السوسيولوجية، أنه على عكس ما يدّعيه تيار الإسلاموفوبيا، فإنّ المسلمين لا يجدون أية صعوبة في الاندماج والانفتاح على الآخر. لكنّ عندما نتأمل هذه الإشكالية جيدًا، نجد لها جوابًا آخر مرتبطًا بسياسة بعض الدول الأوربية (فرنسا تحديدًا)، التي عملت على خلق أقلية دينية منعزلة عن بقية المجتمع، أي من خلال وضعها في «كيتوهات» مغلقة، هي التي سببت هذا النوع من السلوك، أي التقوقع. وهذا الأسلوب ليس في النهاية سوى حصد لسياسات عمومية بائسة.
نخلص مما سبق، وبالاعتماد على مرتكزات الخطاب العنصري المتمثل في الإسلاموفوبيا، أن مسألة تشويه المسلمين أو النظرة إليهم باعتبارهم متخلّفين، أو من خلال الحديث عن كونهم منغلقين، لا تصمد أمام معطيات الواقع، ولا حتى من خلال بعض نتائج البحث العلمي المحايد.

حيثيات معقّدة
قد يقع أن بعض الاستثناءات التي تبرز في الساحة، تظهر أن هذه الدعوى صحيحة، لكن وجب الانتباه إلى أنها قد تقع في أي مجتمع وفي أي سياق تاريخي، فهي (أي مجموع السلوكيات والمواقف والاتجاهات العنفية) قد تتمظهر بشكل أو بآخر نظرًا لحيثيات جد معقّدة، وليست دائمًا مرتبطة بالانتماء الديني للأفراد والجماعات.
ثانيًا: البعد السوسيواقتصادي: وهو ما تفرزه قضية الهجرة من تداعيات ونتائج على الاقتصادات الوطنية ومدى استيعاب أو عدم استيعاب اليد العاملة من هؤلاء المهاجرين، في ظل ظروف اقتصادية جدّ صعبة بأغلب دول الاتحاد الأوربي (خصوصًا ارتفاع البطالة وسط فئة الشباب).
 ولهذا، فإن ظاهرة الإسلاموفوبيا لا يمكن فهمها إلّا في سياق التعقيدات السوسيواقتصادية التي لا تفتأ تتزايد وتتعقد أكثر فأكثر في هذه الدول. ومن المهم إبراز جوانب من التحديات التي لا تزال تشرط الوضع الأوربي كما الأمريكي في علاقة ذلك بحقوق المهاجرين، خصوصًا الذين ينتمون للديانة الإسلامية. بيد أن التأمل في هذه الإشكالية، يدفعنا للحديث عن وجود فرضيتين؛ الأولى تقول إن العوائد المالية والمادية واللامادية التي تحققها الهجرات للدول المستقبلة، تعدّ بالملايين من الدولارات، وهناك العديد من الدراسات التي تتحدث عن ذلك، ولعل أوضح نماذجها دولة كندا، التي حققت طفرة تنموية كبيرة بفضل القيمة المضافة التي حملها المهاجرون من كل الدول إلى هذا البلد (أكثر من 178 إثنية وعرق توجد بكندا). 

لا دراسات معمّقة
في المقابل، هناك فرضية أن المهاجرين يشكّلون عبئًا ماديًا وماليًا واقتصاديًا على الدول المستقبلة لهم، وهي الفرضية التي يتمسك بها تيار الإسلاموفوبيا للدعوة إلى طرد كل المهاجرين، خصوصًا الذين ينتسبون للدين الإسلامي، ويمكن في هذا الصدد تتبّع خطابات الأحزاب اليمينية المتطرفة في كل أوربا. والواقع أن تفكيك كلا الفرضيتين يقتضي توقفًا عند بعض العناصر التحليلية: أولًا، لا توجد حتى الآن دراسات معمّقة محايدة تقول إن المهاجرين يكلفون البلد المستقبل تكاليف اقتصادية ومالية باهظة، بل بالعكس، وكما بيّنا سابقًا، فإنّ ما يعتد به هو الأرقام والمعطيات التي تتحدث عن أن الهجرة والمهاجرين يعدّون إضافة تنموية للبلد المستضيف، حيث نجد في آخر تقرير لمنظمة الهجرة الدولية، أن التحويلات الدولية انتقلت من 126 مليارًا عام 2000 إلى 689 مليارًا عام 2020، مما يؤكد أهمية الهجرة الدولية، باعتبارها محركًا للتنمية. 
أمّا الرد على الفرضية الثانية، فيكمن في نوعية السياسات العمومية التي انتهجها العديد من الدول الأوربية اتجاه المهاجرين، والتي تتمثّل في تشكيل فئات بروليتارية من الدرجتين الثالثة والرابعة، وعدم تمكينهم من حقوق اقتصادية عادلة وفيها مساواة مع السكان الأصليين، مما يؤدي إلى بروز ظواهر عدة: كالهشاشة الاجتماعية والفقر والتوسل وبيع المخدرات والكحول، أو الارتماء في أحضان الحركات الإرهابية. 

وضعية اجتماعية دونية
في هذا الصدد يتحدث الباحثان الإيطاليان باسو وبيروكو عن أنه «يبدو أن الساكنة المسلّمة تشكّل جزءًا خاصًا من البروليتاريا الأوربية ذات الأصول الأجنبية، التي تعتبر نتاج تركيبة من السياسات الإقصائية والممارسات التمييزية التي لحقتها بكونها مهاجرة وافدة وبصفتها مسلمة.
 فقد أصبحت هذه الساكنة ذات الأصول الأجنبية، تشكّل أقلية دينية محرومة اجتماعيًا، من إسبانيا إلى المملكة المتحدة، ومن السويد إلى إيطاليا، ويتقاسم أفرادها وضعية اجتماعية دونية تعتبر نتاج آليات انتقاء وتركيز وتخصص سوق الشغل والسياسات العامة وسياسات هجرة ذات طابع الفصل العنصري (Apartheird)  والممارسات الإقصائية والتمييزية الممارسة على وضعية المهاجر باعتباره وافدًا، وباعتباره منتميًا إلى بلدان مُهَيمَن (بفتح الميم) عليها (جزائري، وباكستاني، وسنغالي)، وانتمائه الديني كمسلم.
 ففي عملية تكوين وتراكم الفوارق، وفي ديناميكية إدماج هذه الشريحة الاجتماعية المحرومة المحددة إثنيًا، يتفاعل كل من رهاب الأجانب، ورهاب العرب، والإسلاموفوبيا، بطريقة متناغمة من خلل تعامل تمييزي مضاعف» (باسو وبيروكو، 2020، ص 163). يظهر من خلال هذا الاستشهاد أن المسألة تعود في جزء منها لما حصدته السياسات العمومية، لأنّها لم تستطع أن تطور اقتصادًا عادلًا ومنصفًا للجميع.
ثالثًا: البعد السوسيو- ثقافي، والمرتبط أساسًا بالتراجع عن قيم التعددية الثقافية، ولعله الأبرز في هذه العوامل المغذية لبروز الإسلاموفوبيا، حيث إنه بالرغم من التراكمات الحاصلة على مستوى العالم ككل في تطوير ترسانة أخلاقية وقيمية وقانونية وحقوقية، ترسّخ قيم العيش المشترك، بين جميع الديانات والأعراق والجنسيات والإثنيات والأقليات، فإنّ التراجعات التي حصلت في بعض الدول الأوربية، خصوصًا في العقدين الماضيين، أحدثت انتكاسة حقيقية. 
في هذا السياق، نتوقف عندما توصل إليه الباحث ويل كيمليكا، قائلًا: «حيث يعتقد على نطاق واسع أن سياسات التعددية الثقافية قد فشلت، ومنعت اندماج المهاجرين أو تكاملهم. ولا بدّ لنا أن ننظر بحرص في السبب الذي جعل سياسات التعددية الثقافية تبدو وقد أخفقت في أوربا على نحو مختلف إذا ما قورنت بالعالم الجديد. 

خصائص المهاجرين
ربما يكمن جانب من الفرق في خصائص المهاجرين (مثلًا التوازن النسبي بين المهاجرين المهَرة وغير المهرة، والهجرة الشرعية في مقابل الهجرة غير الشرعية)، غير أن كثيرًا من الاختلافات يرجع إلى طبيعة التعددية الثقافية التي تم تبنيها. فإنّ معظم المهاجرين في أوربا نظر إليهم في البداية كمقيمين مؤقتين (مثل عمال ضيوف، لاجئين مؤقتين)، ومن هنا فإنّ سياسات التعددية الثقافية المتبنّاة لهم، كانت في البداية مصممة على أساس أنهم وأطفالهم سيعودون إلى وطنهم الأصلي» (ويل كيمليكا، 2011، ص 196).
 إن سياسة الانتقاء والنظرة إلى الأجانب على أنهم مقيمون مؤقتون هي التي أثرت في علاقة الدول الأوربية للمهاجرين، خصوصًا الذين ينتمون للديانة الإسلامية. ولعل ذلك ما يؤكد العديد من الإجراءات القانونية التي تلجأ إليها هذه الدول، لإقامة فصل عنصري بينها وبين المهاجرين المسلمين، لعل آخرها ما تقدّمت به فرنسا في شهر فبراير 2021، بقانون سمّي «ضد الانعزالية» وهو في صلبه يحدّ من حرية المسلمين في اللباس (إشكالية الحجاب) والتنقل والعبادة وميزانية الجمعيات وما إلى ذلك. وقد جاء هذا القانون، باعتقاد الفرنسيين كجواب عن الدفاع على قيم العلمانية في الجمهورية. ولا يمكن التعقيب على هذا القانون إلّا بالقول إنه يضفي على قيم العلمانية صبغة الديانة الجديدة التي يجب ألّا تُمسّ أو تناقش. هذا على الرغم من أن قيم الجمهورية تؤكد الحرية والعدالة والمساواة، لكنّ هذا القانون يعدّ في نظرنا تراجعًا عن قيم العلمانية التي صدرت عام 1905.
ختامًا، يمكن القول إن بروز الإسلاموفوبيا، ليس سوى مظهر من مظاهر التصدع القيمي والأخلاقي والمؤسساتي والحقوقي والقانوني للدول الأوربية، وبالموازاة معها الولايات المتحدة الأمريكية، وبداية عهد جديد في علاقة الأوربيين بالمهاجرين المسلمين، وعنوانه العريض: لا نريدكم بين أظهرنا؟ وهذا ما يعزز ويقوّي - أكثر من أي وقت مضى - الحاجة إلى تحالفات وطنية عبر فعاليات المجتمع المدني والعلمي والأكاديمي والإعلامي، لكي تقوم بما يلزم للتصدي لهذه المهزلة الحضارية الكبرى التي اسمها الإسلاموفوبيا ■