حلقة فناني الشارع العام بمدينة الرباط

حلقة فناني الشارع العام بمدينة الرباط

أضحت مدينة الرباط، عاصمة المملكة المغربية، تُعرف اليوم بأنها «مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية»، ضمن برنامج مندمج للتنمية الحضرية لمدينة الرباط، أطلق عام 2014، مما جعل المدينة تعرف تحولًا كبيرًا وملحوظًا ومتواصلًا، غيّر وجه المدينة، كما هي الحال بالنسبة إلى مدن مغربية أخرى. فقد شهدت مدينة الرباط في العقد الأخير تحولًا كبيرًا في مشروعها التنموي الطموح، بمثل ما شهدت تحولًا ملحوظًا في بُناها التحتية، وفي معالمها ومرافقها العامة، مما جعلها تبدو ورشًا مفتوحة باستمرار ومدينة مختلفة، وقد بدت اليوم في حُلّة بديعة تليق بواحدة من أجمل العواصم العربية والإفريقية.

 إذا كان هذا التحول الذي طال مدينة الرباط قد مَسّ تشييد عديد المرافق الحيوية بالمدينة، من معالم وأبراج ومساحات خضراء ومحطات النقل وجسور وشوارع وأزقة وطرق وإضاءة وأسواق، فإن الثقافة قد أخذت بدورها نصيبًا مهمًا ولافتًا من الاهتمام الوطني بها، في هذه المدينة الساعية إلى المحافظة على صورتها الحضارية واستعادة هويتها الثقافية، وخصوصًا على مستوى ما شهدته من تشييد مجموعة من البنيات الثقافية والفنية الكبرى الجديدة، التي تؤسس لعلاقة المدينة بالثقافة، وأخرى في طور إنهاء تشييدها، وهي من قبيل: «متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر»، و«المكتبة الوطنية للمملكة المغربية»، و«دار الفنون والثقافة»، و«فيلا الفنون»، و«المعهد العالي للموسيقى والفن الكاليجرافي»، و«مكتبة الأرشيف الوطني»، و«متحف بنك المغرب»، و«مسرح محمد السادس» بالرباط، الذي تم الشروع في بنائه سنة 2014، في قلب ضفة نهر أبي رقراق، بتصميم هندسي بديع للمهندسة العراقية الراحلة «زها حديد»، والمركب الثقافي الجديد لاتحاد كتّاب المغرب «دار الفكر»، وغيرها من المعالم الثقافية والفنية الكبيرة والبديعة.

الفن التشكيلي يخرج إلى الشارع العام
من بين ما يميز جانبًا من الحضور الثقافي والفني لمدينة الرباط، فضلًا عن عدد المتاحف وقاعات العروض الفنية، أن المدينة بقيت ورشًا فنية مفتوحة على جمهورها وزوّارها، سواء عبر مهرجانها الموسيقي الدولي المفتوح، أو عبر غيرها من الأنشطة الفنية المفتوحة، ولعلّ من بين أبرز تلك الفضاءات الفنية المفتوحة على الشارع العام، نذكر «فضاء محمد بن علي الرباطي»، المسمّى بهذه التسمية تكريمًا لحاملها الفنان التشكيلي المغربي محمد بن علي الرباطي (1861 - 1916)، الذي يعد الأب الروحي للفن التشكيلي المغربي، كما يعتبر من أوائل المغاربة الذين تناولوا الرسم التصويري على الطريقة الأوربية. والفنان الرباطي، كما تم التأريخ له، من مواليد مدينة الرباط، واستقر بمدينة طنجة، حيث كانت مواد الألوان المائية متاحة هناك، وحيث تلقّى دعمًا من الفنانين الأوربيين المقيمين هناك، على الرغم من أنه لم يدرس الفن نظاميًا، مما جعل رسوماته تحضر فيها مدينة طنجة وقصبتها وساكنوها بشكل مهيمن، وهو ما جعل بعض النقاد، وفق الكاتب محمد أديب السلاوي، يصفونه بأنه رائد الفطرية، وأطلقت عليه أقلام أخرى رائد الواقعية التشخيصية، حيث تعتمد أعماله التشكيلية الدقّة في الخط والرسم، ويجعلها ذلك قريبة من التصوير الاستشراقي.
وفاء لهذا الرسام الرباطي الرائد، تم إحداث فضاء فني عمومي مفتوح على الشارع العام، يحتل موقعًا جميلًا ومناسبًا بوسط مدينة الرباط، بما يشهده من حركة دائبة طوال اليوم؛ حيث يوجد خلف بنايتي «مسرح محمد الخامس» (أُسّس عام 1962) و«المعهد العالي للموسيقى والفن الكاليجرافي» (في طور الانتهاء من تشييده)، وأمام أشهر وأقدم حديقة بمدينة الرباط، هي حديقة نزهة حسان (أُسست عام 1924). ويضم هذا الفضاء الفني 15 كشكًا خشبيًا؛ تبدو، في مظهرها العام، أكشاكًا متراصة وممتدة على أحد أرصفة شارع المنصور الذهبي، حيث تسهر لجنة من مكتب الجمعية على دراسة طلبات الراغبين في الاستفادة من الكشك، وفق مدة محـــددة، وكثيرًا ما يدفعها ارتفاع عدد الطلبات إلى تعيين فنانين اثنين داخل الكشك الواحد، ليصل العدد إلى ثلاثين فنانًا.
وكان قد تم تخصيص هذه الأكشاك، في المرة الأولى، لباعة الورد، بعد أن تم نقلهم إليها من مكانهم الأصلي الذي يوجد بساحة بييتري، وهي إحدى ساحات الرباط الشهيرة، حتى يتسنى لسلطات المدينة تحديث مكانهم الأصلي وإعادة تأهيله، عبر بناء مرافق أخرى جديدة مجاورة له. لمّا عاد بائعو الورد إلى فضائهم الأول، بعد انتهاء الأشغال بـ «ساحة بييتري»، بقيت تلك الأكشاك الخشبية شاغرة، مما جعل جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة تبادر إلى تقديم طلب تحويل ذلك المكان إلى فضاء للعرض الفني، بإيعاز من عمدة المدينة آنذاك، د. فتح الله ولعلو، بالنظر إلى تجربة الجمعية الرائدة في مجال تكوين الأطفال والشباب في ورشات الفنون التشكيلية على مدى سنين طويلة، وذلك حتى تبقى تلك الأكشاك محتفظة برسالتها الجمالية، على حد تعبير رئيس جمعية رباط الفتح عبدالكريم بناني.
فضاء يتناوب عليه فنانون تشكيليون، من مدينة الرباط ومن خارجها، ممن يشترط فيهم أن يكونوا منخرطين فـي الجمعية المذكورة، جلّهم من الفنانين الشباب المبتدئين، ومن غيرهم؛ إذ تحرص الجمعية على أن يكون من بينهم فنانون لهم تجربة في ممارسة التشكيل، بما سيؤدونه من أدوار توجيهية وتأطيرية للفنانين المبتدئين ولورشات الأطفال.
تتم الاستفادة من هذا الفضاء عبر دورات، حددت مدتها في البداية بثلاثة أشهر، ثم جرى تمديدها إلى ستة أشهر، وفق عقود التزام محددة، بعدما تبيّن للمشرفين على هذا المشروع أن الفترة الأولى غير كافية للتعريف بالفنان وبأعماله للجمهور وللزوّار، ولتسويق أعماله للزبائن.
كان الهدف الأساس، إذن، من وراء إحداث فضاء محمد بن علي الرباطي للفن التشكيلي هو خلق تنمية ثقافية داخل العاصمة، وكذا البحث عن بديل سياحي للمدينة، تشكّل فيه الفنون التشكيلية إحدى دعائمه الأساسية، رغم ما واجه الفكرة، في البداية، من معارضة ومواجهة من بعض المسؤولين الترابيين بالعاصمة، في مراهنتهم على الطابع التجاري لذلك الفضاء بدل الثقافي.
وفضلًا عن ذلك، كانت الغاية الأسمى من وراء إحداث هذا الفضاء، تكمن في العمل على إخراج الفن التشكيلي من أجواء الصالونات والأروقة والقاعات المغلقة إلى الشارع العام والجمهور العريض، عبر الانفتاح على أذواق شرائح اجتماعية وفئات عمرية أخرى، بما يخلقه ذلك كلّه من فرص الحوار والدردشة بين زوّار الفضاء وفنانيه، بما يبدونه من ملاحظات فنية موازية، لم تُتح لهم في السابق فرص إبدائها والتعبير عنها.
شخصيًا، كنت كلّما عبرتُ شارع المنصور الذهبي، تستوقفني اللوحات والرسومات المعروضة داخل تلك الأكشاك وأمامها، وكان منظرها الجمالي العام يذكّرني بما يشبهها من فضاءات فنية عامة في بعض المدن الأوربية، وهو مـــا يؤكده رئيس الجمعية نفسه، من حيث استفادتهم في ترسيخ هذه التجربة من تجارب دول أوربية مثل باريس، التي جعلت من «مونمارت» حيًا حاضنًا للفن التشكيلي بامتياز.
ومما جعلني منجذبًا أكثر نحو هذا الفضاء مقتربًا من بعض فنانيه، أتجاذب معهم أطراف الحديث، هو أنني اكتشفت - مصادفة - أن أحد هؤلاء الفنانين العارضين هو صديق لي، يسمّى محمد بنعبدالله؛ إذ حدث مرّة أن دعاني، مشكورًا، إلى زيارته في كشكه الفني، وقد سرّتني الدعوة فلبّيتها على الفور، وكان اللقاء مباشرة في ورشته الفنية، وكان الترحيب بي على الطريقة المغربية الأصيلة، بتقديم التمر والحليب.
 تحدثنا طويلًا عن تجربة صديقي الفنية، وطلب مني أن أدوّن انطباعاتي عن الزيارة وعن معرضه، فلبّيت الطلب، ثم انتقلنا إلى توثيق الزيارة عبر التقاط صور تجمعنا معًا داخل الكشك وخارجه، وأمام بعض لوحاته الجميلة المعروضة للمشاهدة وللبيع، وخصوصًا تلك اللوحات/ البورتريهات البديعة، والتي تفنن صديقي الفنان في إبداعها، وهي لمشاهير الشخصيات السياسية والثقافية، المغربية والعربية، التي كانت معروضة وقتئذ (الملك محمد الخامس، والملك الحسن الثاني، والملك محمد السادس، والشيخ زايد، سمو أمير الكويت الحالي الشيخ نواف الأحمد، والملك حسين، ياسر عرفات، والملك عبدالله، والمفكر المغربي المهدي المنجرة...)، فضلًا عن بورتريهات أخرى معروضة لبعض رجالات الدولة والفكر والأدب والفن، وأخرى تم إنجازها بناء على طلب أصحابها.

فن فطري وفنانون عصاميون
تلا ذلك زيارة بعض الأكشاك الأخرى، والالتقاء ببعض فنانيها العارضين، فازددت إعجابًا بهذا الفضاء الفني الاستثنائي والنادر في فكرته، بمثل إعجابي بفنانيه المتحمسين لفنّهم والمعتزين بإبداعاتهم، علمًا بأن هذا الفضاء يتناوب على أكشاكه عدد كبير من الفنانين التشكيليين والفنانات التشكيليات، وأسماء بعضهم اليوم أضحت بارزة في الساحة الفنية التشكيلية المغربية، بمثل ما يواصل عدد من الفنانين، بشكل يومي، ممارسة أعمالهم الفنية ورسوماتهم داخل هذا الفضاء الفني، وجلّهم من الفنانين العصاميين، ممن جاءوا إلى مجال التشكيل من باب الهواية، بهدف اكتساب موهبة تؤهلهم للانخراط فنيًا في هذا المجال، مثل غيرهم من الفنانين التشكيليين العصامين المغاربة الذين أصبحوا فنانين عالميين مشهورين، وعلى رأسهم الفنانة التشكيلية الكبيرة، الراحلة «الشعيبية طلال» (1929 - 2004)، التي عُرفت بفنها الفطري، فعرضت لوحاتها بأشهر المتاحف والمعارض في العالم، في باريس ونيويورك وفرانكفورت وجنيف وغيرها.
كما أشير في السياق نفسه، إلى أحد فنانــي وروّاد فضـــاء محمد بــن علــي الرباطــي للفن التشكيلي، الفنان الفطري محمد فتح الله عاشور، الذي يعد اليوم أول فنان تشكيلي مغربي يدخل موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية، مع استثناءات نادرة، شملت بعض مَن جاءوا إلى التشكيل والرسم من معاهد وطنية وأجنبية، من قبيل الفنان محمد بنعبدالله، وهو خريج المعهد الوطني للفنون الجميلة وخريج معاهد بالخارج.
وهذا الواقع، فرضه ربّما غياب مدرسة للفنون الجميلة بمدينة الرباط، خلافًا لمدينتي تطوان والدار البيضاء على سبيل المثال، الشهيرتين بمعاهدهما ومدارسهما الفنية الرائدة، مما جعل بعض فناني هذا الفضاء الفني القادمين من مدرسة الحياة، يطالبون بالاستفادة من دورات تكوينية وتوجيهية، وهو ما تحاول الجمعية المحتضنة تلبيته وتحقيقه لفائدة هؤلاء الفنانين.
صحيح أنّ جلّ هؤلاء الفنانين عصاميون، ليست لهم تكوينات معيّنة، لكنّهم يُعرفون مع ذلك ببحثهم المتواصل عن أساليبهم الفنية الخاصة، وبإصرارهم واجتهادهم في مجال الفنون الجميلة، مما جعلهم يتبوأون اليوم مكانة اعتبارية في الساحة الفنية التشكيلية بالمغرب، سواء من خلال معارضهم الفنية داخل المغرب وخارجه، أو عبر ما رسّخوه من أوضاع اعتبارية لهم، وما يؤكد جانبًا من ذلك هو حصول بعضهم على «بطاقة الفنان» التي تمنحها وزارة الثقافة المغربية، وفق ضوابط وشروط خاصة.

جمهور فن الشارع وأصداؤه
يتكون جمهور فضاء محمد الرباطي للفن التشكيلي من المارة الذين يعرجون عليه يوميًا وهم يعبرون شارع المنصور الذهبي، ومن الزوار الذين يأتون خصيصًا لزيارة الفضاء والاطلاع على محتوياته الفنية واللقاء بفنانيه، أو ممن يدفعهم الفضول وتجلبهم اللوحات الفنية المعروضة عن بُعد وعن قرب، وهناك من الزوار والسياح ممن يترددون على هذا الفضاء لاقتناء لوحات فنية، لفائدة بعض المؤسسات والقطاعات الوزارية وغيرها، ومن بينهم أيضًا تجار اللوحات ممن يقتنون بعض اللوحات من مبدعيها بأثمان زهيدة ليعيدوا بيعها بأثمان مربحة.
أمام هذا الحضور النوعي لهذا الفضاء الفني ولفنانيه داخل المدينة، نجد أنه سرعان ما تزايد الاهتمام بهذا الفضاء، فكان محلّ اهتمام بعض المحطات التلفزية الفضائية، المحلية والعربية، نذكر من بينها قنوات الحرة، والعربية، والجزيرة، والأناضول التركية، والقناة الأولى المغربية، والقناة المغربية الثانية، والقناة الأمازيغية...)، فضلًا عن عدد من المنابر الإعلامية الوطنية، وكلها قنوات ومنابر حاولت من جهتها تسليط الأضواء على هذا الفضاء والتعريف به وبفنانيه.
ورغم كل هذا الاهتمام الإعلامي الموازي، فإنه، وفق الفنان بنعبدالله، لم يصل ذلك إلى ما كان مرتجى منه، في غياب الترويج المناسب لهذا الفضاء الفني والتعريف به بشكل واسع، وتشجيع فنانيه بما يليق بمقامهم وبمسارهم الفني العصامي؛ وخصوصًا أن ثمة عددًا كبيرًا من سكان المدينة لم يسمعوا من قبل بهذا الفضاء الفني، مع العلم بأنه، في نظر هذا الفنان نفسه، يعتبر الفضاء الفني الوحيد في المغرب، المفتوح أمام الجمهور والزوّار والمارّة، إن لم يكن هو الفضاء الفني الوحيد في القارة الإفريقية المفتوح أمام الجمهور.
  ولعل هذه المبادرة الطيبة والنبيلة والمشكورة من أعرق مجلة ثقافية في العالم العربي والإسلامي، وهي مجلة العربي الكويتية العريقة، تجاه هذا الفضاء الفني العمومي، من شأنها أن تُعرّف به عربيًا وعالميًا، بالنظر لوزن مجلة العربي واتّساع رقعة مقروئيتها عالميًا، وقد دأبت، منذ تأسيسها، على النهوض برسالتها الثقافية التنويرية، عبر التعريف بالأمم وحضاراتها وتاريخها وجغرافياتها، وبعطائها الثقافي والفكري والفني.

فن الشارع العام... الإكراه والطموح
يدعو عدد من الفنانين إلى ضرورة تطوير هذا الفضاء الفني، عبر إعادة هيكلته، وإعداد برامج تعريفية به وبفنانيه، ونقل تجاربهم والتأريخ لمسارهم الفني، وتخصيص دعم مادي ولوجيستي ومعنوي لهم، وخصوصًا أنهم عانوا كثيرًا في زمن جائحة كورونا من ضيق ذات اليد وهشاشة أوضاعهم المادية، وهو ما يؤكده فنانو هذا الفضاء الفني أنفسهم، من حيث إقرارهم بأنهم لم يستفيدوا في زمن الجائحة من أية مساعدة مالية من الدولة، أما الجمعية، حسب رئيسها، فتعتمد على مواردها الخاصة، على قلّتها، لإقامة المشاريع الفنية.
وقد ساهمت جائحة كورونا، بشكل كبير، في أن يصاب هذا الفضاء بالشلل، نظرًا إلى قلّة الزوار ولانعدامهم في فترات أخرى طويلة، وأيضًا لتوقف المبيعات، وهو ما يجعلهم يواجهون تحدي الاستمرارية في غياب الدعم، مما قد يحد، في نظرهم، من رغبتهم في مزيد من الإبداع والابتكار الفني.
ومن شأن المتأمل في الأساليب الفنية المشاعة لدى فناني هذا الفضاء الفني، نجد أن أسلوب كل فنان يختلف عن الفنان الآخر، فهناك مَن يهتم بالأسلوب الواقعي، ومنهم من يتفاعل مع السريالية، ومنهم الفطريون والانطباعيون والتجريديون، فضلًا عن حضور فن البورتريه وفن النحت، وهو ما تكشف عنه لوحاتهم المعروضة للبيع، من حيث تنوّع أساليبها ومضامينها الفنية، من استلهام القضية الفلسطينية إلى تجسيد مآثر مدينة الرباط التاريخية ومعالمها وأحيائها وحدائقها في بطاقات فنية بديعة.
ولا ينحصر حضور فناني فضاء محمد بن علي الرباطي للفن التشكيلي عند حدود فضائهم المفتوح هذا، بل يتعدونه أحيانًا، عبر دعوة بعضهم إلى المشاركة، بشكل رسمي، في «ليالي الأروقة»، التي تنظمها وزارة الثقافة سنويًا، حيث اعتادت ليالي الأروقة تخصيص حيّز في كتالوجاتها لفناني فضاء محمد الرباطي، فضلًا عن مشاركة بعضهم في معارض داخل أروقة فنية مغلقة، ومشاركة آخرين في المعرض الدولي للفرس الذي يقام بمدينة الجديدة، كما أنّ هناك من الفنانين مَن شارك في معارض خارج المغرب.
وتتزامن النشطة الفنية اليومية لفناني الفضاء الرباطي للفن التشكيلي، مع انفتاح الفضاء على أنشطة فنية، وبإيعاز من جمعية رباط الفتح المحتضنة، شملت، على سبيل المثال، احتضان أطفال المدينة الراغبين في ممارسة الرسم وتربيتهم على هذا الفن منذ صغرهم، وتنظيم ورشات فنية لفائدتهم، وتخصيص جوائز رمزية للمشاركات والمشاركين فيها، وهي ورشات من تأطير فناني هذا الفضاء الفني أنفسهم. وتدخل هذه الأنشطة في إطار ترسيخ هذه الجمعية لثقافة تعزيز التقارب، من خلال الممارسة المباشرة للفن التشكيلي في الشارع العام، وفي بعض الساحات التي تحظى بشهرة كبيرة في مدينة الرباط، من قبيل ساحة جدة وساحة بدر وشارع محمد الخامس وساحة الأوداية وساحة حسان، وغيرها.
ورغم ما قد يكون أصاب الأكشاك من أعطاب صغيرة وعلامات وهن، فإن الجمعية حريصة كل الحرص على الحفاظ عليها بكل الوسائل المتاحة، بالنظر إلى النجاح الذي حققته هذه التجربة الفنية الفريدة، وأيضًا لأن هذا الفضاء أضحى مكونًا من مكونات المؤسسات الثقافية والفنية بمدينة الأنوار، وهو ما دفع المسؤولين عنه إلى السعي لتعميم التجربة على أحياء أخرى داخل مدينة الرباط؛ إذ وفق رئيس الجمعية، عبدالكريم بناني، تم تجهيز ثلاثة مشاريع لإقامة فضاءات للفن التشكيلي في بعض الأحياء الشعبية بالمدينة، وخصوصا تلك التي تعرف حركة بشرية ورواجًا تجاريًا، بكل من حي التقدم /النهضة وحي العكاري وحي يعقوب المنصور، ومن شأن هذه الفضاءات جميعها - يضيف رئيس الجمعية - أن تشكّل إضافــــة ثقافيــة وفنية لمدينـــة الأنوار، عاصمة الثقــــافة المغربية، الرباط، كما أن من شأن هذا المشــروع أن يعوّض النقص الحاصل في تكوين أطفالـــنا وشبابنا في ميادين الفنــــون، بعد أن تم إغلاق «مدرسة الفــنون الجميلـــة بالربــــاط مع الأسف الشديد».
إذا كان المشهد الفني التشكيلي في المغرب يشهد له بأنه مشهد فني متطور وذا صيت عالمي، فإنّ فضاء محمد بن علي الرباطي للفن التشكيلي، يعد بدوره إضافة نوعية ومكتسبًا فنيًا يثري المشهد التشكيلي المغربي، باعتبار دوره التأطيري والتوجيهي والتربوي، ودوره الترويجي السياحي، فضلًا عن دوره الجمالي، وهو الأساس، وخصوصًا على مستوى استقبال هذا الفضاء، وبالتوالي، لشريحة واسعة من الفنانين التشكيليين العصاميين والمبتدئين والشباب، وفتح المجال أمامهم، لصقل مواهبهم وملكاتهم الفنية وتطويرها، ولإنجاز إبداعاتهم وعرضها أمام جمهور واسع من طينة أخرى، هو جمهور الشارع العام، بعيدًا عن جمهور القاعات والأروقة النخبوية المغلقة ■

 

معروضات اللوحات الفنية التي تعبر عن البيئة المغربية في فضاء محمد بن علي الرباطي

 

رواق الفنان التشكيلي يوسف طنان

 

يمارس الفنان التشكيلي أعماله الفنية بشكل يومي داخل الفضاء

 

الفنان التشكيلي المغربي محمد فتح الله عاشور يقف أمام إحدى لوحاته الفنية