بين فعل الحرب وقولها مساحة الرّواية اللبنانية

بين فعل الحرب وقولها  مساحة الرّواية اللبنانية

ذات يوم طلبت سهام، إحدى شخصيات «رسالة بعد الوفاة» لدومينيك إدّه، من تلاميذها، أن يرسموا لها «مشهد هدنة بين معركتين»، فأتت النتائج كالآتي: «أغطية ذات مربّعات فُرشت بعجلة على رصيف»؛ «رجلان منحنيان على حجارة سوداء وبيضاء يلعبان النرد تحت سماء داكنة في مشهد جامد لا حياة فيه»؛ «أولاد يطاردون طابة بين الأنقاض»، وأخيرًا، من بين رسوم أخرى، «مخطّط لثلاثة رجال نائمين مع أسلحتلهم» خلف أكياس من الرمل، وقد كُتبت في كعب الصفحة عبارة «هذا أفضل من لا شيء». أمّا كاتب الرســالة نفسه، فيقول ردًّا على سؤال يُفترض أنّ شخصًا ما قد طرحه عليه: «لا تطلبوا مني أن أحكي لكم الحرب (...) فأنا ما عدت أذكر أبدًا التسلسل الذي انتظم فيه تعطّل الأمور» ، ويستطرد «إن الحرب، كما صار معلومًا، لم تعد موضوع تفكير، وهي ليست على الإطلاق مرآة لشيء».

 

تظهر في الحالين استحالة قول الحرب، إذ لا تطابق بين منطق فعل الحرب وأدواتها، ومنطق قولها أدبًا وأدواته، إلاّ إذا سقط فعل القول هذا وصار بيانًا أو تقريرًا، وتحوّلت الورقة إلى «كفن لجثث غير ذي أهمية». ليست الرّواية، كما هي السياسة عادة، استمرارًا للحرب ولكن بوسائل أخرى، وهي ليست على غرار البيانات والتقارير السياسية خادمة للحرب تحاكي علاقة خضوع الوصف للسّرد، على حدّ قول جيرار جينيت (ancilla narrationis). 
لنعد إلى رسوم تلاميذ سهام في «رسالة بعد الوفاة»، بالإضافة إلى كون هذه الرسوم أدخلت حالات الهدنة البريئة وغير الهادفة، حيث الأفعال تشابه التسلية (لعبة الطابة، ولعبة النرد، والنزهة في الهواء الطلق، واستراحة المقاتلين، إلخ)، في إطار مشاهد خلّفتها الحرب (السماء الداكنة، الأنقاض، أكياس الرمل)، غير أن الرسوم لم تلحظ مثلًا في زاوية من زوايا هذه اللوحات ملمح رجلٍ يضع نظارتين ويحمل قلمًا وبضع أوراق ويكتب رواية. أما العبارة التي جعلوها في أسفل الصفحة، «هذا أفضل من لا شيء»، فتعود أغلب الظن إلى روائي غاب عن اللوحة بعد أن قالها. وهي عبارة تحمل من الالتباس ما حملته عبارة «هذا ليس غليونًا» في كعب لوحة ماغريت الشهيرة والتي استفذّت فضولية ميشال فوكو الذي راح يقتحم فضاء اللوحة الدلالي الناتج عن التقاء الشيء ونقيضه. 
ما هو إذًا هذا الشيء الذي هو «أفضل من لا شيء»؟ نوم المقاتلين أم الفعل الذي يقف خلف رسم الصورة؟ فالرّواية اللبنانية التي نشأت وازدهرت في كنف الحرب الأهلية، شبيهة بتلك الرسوم التي تمّ فيها إنزال الحياة في إطار من الموت، استراحة السّلام في إطار من الحرب، فنتجت من تصادم المشهدين المتناقضين معانٍ هي في صلب الأزمة التكوينية للبنان اليوم، إلاّ أنّ الصورة ليست صادقة تمامًا، فالذي حصل فعلًا هو دخول الحرب في الرّواية وفرض نفسها عليها قبل أن تقرّر الرّواية بذاتها ولوج عالم الحرب. فمن هذا المنظار، كانت العلاقة بين الرّواية والحرب غير متكافئة في الأساس.
تطرح هذه العلاقة بالذات إشكالية الحرب اللبنانية كموضوع روائي، وبعبارة أعمّ إشكالية الرّواية في زمن الحرب. ما عساها تقول الرّواية؟ ومن وجهة نظر مَن؟ ومن أي موقع؟ على أي حال، لا مهرب للرّواية من قول الحرب طالما دخلت هذه الأخيرة في تفاصيل المشهد الحياتي، في ثنايا دواخلنا المظلمة، في خيالنا ونظرتنا إلى الوجود. ولكن الرّواية لم تدخل الحرب مؤيّدةً أو معارضةً، لم تدخلها جلادًا أو ضحية، أي لم تكن جزءًا من المشهد (هكذا نفهم غياب الرّوائي في رسوم التلاميذ)، بل نظرت إلى المشهد من موقع خارجي، وراحت تتفحّص مدلولاته ومعانيه. 
نتج عن هذا الواقع نوعان من الرّواية. نوعٌ تدور حبكته في فضاء الحرب ووسطها وآخر بقيت حبكته في أطراف الحرب (أو الحرب في أطراف الحبكة)، من دون إلغاء لتأثيراتها. تلازمًا لهذا التقسيم، يمكننا مقاربة موضوعات تطرح بحدّ ذاتها وبشكل مجازي إشكالية الحرب الأهلية من وجهة نظر الخطاب الأدبي الروائي. لم يلتزم الخطاب الرّوائي منطق الحروب الأهلية وتصنيفاتها (صراع أهلي، حروب الآخرين، مقاومة، إلخ)، ولا أحترم تسلسل أحداثها وتعاقبها، ولا تبنّى تبريراتها وتصوّرها للمجتمع أو قيَمها أو أهدافها، بل شرع يبني من ركام ما خلّفته الحروب عالمًا ربما أكثر حقيقة وأكثر صدقًا، وبالتالي في كثير من الحالات، أكثر قدرة على كشف أسرار الحرب واستشراف المستقبل. فالصور التي استقرّت عليها الرّواية اللبنانية خلال العقود الماضية كثيرة، إلاّ أنّ بعضها أكثر كشفًا لواقع الحال: صورة المكان من خلال البيت أو المنزل أو البناية؛ صورة الذّاكرة والبحث عن الأصول؛ وصورة الاسم والبحث عن الهويّة.

 الأدب والحروب «الصغيرة» و«الكبيرة»
أكان شعرًا أم رواية أم مسرحًا أم فنًا من الفنون الأخرى التعبيرية غير الكتابية، فالأدب لم يكن يومًا لباسًا جاهزًا أو غبّ الطلب، يرتديه أي مضمون اجتماعي أو أخلاقي أو وجداني، مهما كان له من أهمية وسطوة في لحظة معيّنة. لا يُفرض على الأديب أو الفنّان ما يعتبره بعض أصحاب الرأي والسلطة، من خارج عالم الأدب والفن، موضوعًا ذا شأن وأهمية. الأديب أو الفنّان حرٌّ في اختيار موضوع عمله، وحساسيته الفنية لا تخضع لأي أمرٍ يأتيه من الخارج، فهو ينتقي باستقلالية تامة الموضوع الذي يعدّه مهمًا. 
في هذا السّياق، تشكّل مسألتا الصراع الأهلي والمقاومة موضوعًا أدبيًا وفنيًّا إشكاليًا. فالرّوائيون اللبنانيون أبعدوا الحرب من فضاءاتهم، وابتعدوا عنها مثلما ابتعد الناس من ساحاتها وهربوا. لقد رفضوا بشجاعة أن يتحوّل قلمهم وريشتهم سلاحًا لمواصلة معارك الحروب الأهلية المسلّحة والعبثية. لم يُنتَج في لبنان «أدب حرب» أو «أدب مقاومة»، لأن الرّوائيين والفنانين والمثقّفين استدركوا باكرًا أنّ خلفيات هذه الحروب، من أي جهة خيضت، لم تكن «وطنية» على الرّغم من الشعارات التي رُفعت وادّعت أهدافًا سامية تقف وراء حمل السلاح وخوض المعارك بين الأزقّة والمناطق والطوائف والمذاهب. 
على الرّغم من وجود إعلام وأقلام كثيرة مؤيّدة لفريق ادّعى المقاومة (الفلسطينية أو الإسلامية)، وقام بالدور المطلوب منه، إلاّ أنّ قيادة فريق المقاومة شعر  أنّ ما تم تقديمه لم يكن كافيًا ولا موضوعيًا ولا من المستوى الفنّي الرّاقي، فوجّهت سهامها نحو المثقّفين المحايدين، أي الحقيقيين الذين يعبّرون بصدق عن ضمير الناس والشعب. فعلى الرّغم من نضال استمرّ لسنوات، وعلى الرّغم من تحقيق جلاء إسرائيلي عن الجنوب، وعلى الرّغم من تضحيات جسام في الحروب السورية، لم تتمكّن هذه المقاومة من ولوج ضمائر المثقّفين وتحريك مشاعرهم. فالمشكلة ليست في مثقّفين تخلّفوا عن إنتاج أعمال تتكلّم على إنجازات وبطولات مقاتلي المقاومة، بل المشكلة في «مقاومة» لم تتمكّن من التحوّل إلى حالة وطنية عامة، إلى حالة وجدانية شاملة، إلى حالة وجع يلازم جسم المجتمع بأكمله، وتدفع بالمثقّفين للتعبير عنها بمختلف الوسائل الفنّية. هؤلاء المثقّفون ليسوا «شركة إعلانات» لنشر الدعاية والبروباغندا لصالح سلعة سياسية اسمها «مقاومة» مقابل ثمن يقبضونه. ولكن، عندما ترتقي أيّ حركة سياسية إلى مستوى التعبير عن ضمير وألم شعب بأكمله، يحضر المثقّفون جاعلين من نضال هذه الحركة موضوعًا لإبداعهم. فالعديد من الشعراء والرّوائيين والسينمائيين والفنانين التشكيليين الفلسطينيين لم يتخلّفوا عن دورهم، فالتحقوا بالمقاومة وأنتجوا أعمالاً رائدة دعمًا للقضية التي رفعتها المقاومة الفلسطينية.
ليست كلّ حرب «حرب إسبانيا» وليست كلّ مقاومة «مقاومة فلسطينية» أو «مقاومة فرنسية»، فليُبحث عن الخلل حيث هو موجود، أي في الشكل والمضمون اللذين ارتأتهما «مقاومات» لبنان لنفسها. ليس المثقّفون خدّامًا، ولن يكونوا كتّاب سلطان مهما عظمت قوّته. 

المكان الروائي: البيت، المنزل، البناية
بين انفجار «بناية ماتيلد» في نهاية رواية حسن داوود التي تحمل الاسم نفسه - انفجار أتى على البقية الباقية من مبنى تصدّعت فيه علاقات بشر أتوا من نواحٍ وأصول مختلفة، وهي أصلاً علاقات لم تتخطّ مبدأ حسن الجوار - وتحوّل بناية «لوريس وسلام» إلى مقبرة ومأوى لمجانين في رواية نجوى بركات «يا سلام»، تنتصب البناية، بمنازلها وبيوتها، ساحةً مجازية ترمز إلى الوطن والمجتمع. 
في البيت يَسجن بطل «غناء البطريق» نفسه ليشاهد من بعيد التحوّلات التي طرأت على مدينة لم ينجح من التأقلم في نسيجها المعقّد، وكذلك تحاول بطلة «ريا النهر» من دون جدوى الخروج من البيت إلى فضاء أوسع ينسيها ماضيًا لاتزال آثاره واضحة على ملامح منزل بُني على ضفاف نهر، فيما ينجح بطل «حارث المياه»، الذي طُرد من بيته أن يحوّل الطبقة السفلى من محلّه في الأسواق التي هجرها الناس إلى شبه منزل يقيه عواقب الحرب ويجعله يعيش حياة بدائية بين أنقاض مدينة لم يعد يتردّد إليها سوى الكلاب. في الحالات هذه وفي غيرها، يظهر البيت وكأنه المكان الوحيد الذي تلجأ إليه غالبية أبطال الروايات اللبنانية هربًا من شرّ الخارج والخطر الذي يشكّله.
إلاّ أن البيت ليس دائمًا المكان الآمن، فهو إمّا ينفجر وإما يقتحمه غرباء يلاحقون البطل حتى في معقله الأخير، كما يحصل في «ناحية البراءة». يصبح البيت مكانًا غريبًا يحتلّه الآخرون ويمنعون على صاحبه فتح غرفة من غرفه كما في الروايات الخرافية. لم يعد أبطال الروايات مرتاحين في بيوتهم التي تزداد ضيقًا لتُطْبق عليهم وتسجنهم في عزلتهم الأخيرة. من جانبها تلاحظ ليليان إحدى شخصيات «باء مثل بيت... مثل بيروت» أن «المباني فرغت من ضجيجها»، وأن المنازل صارت «تشي بوحدة ساكنيها»، فبين بيت زوجها وبيت أهلها، تفضّل ليليان «الطريق التي تصل بين المكانين»، أما وردة التي «حفظت أماكن شقّتها وزواياها غيبًا»، صارت تخاف «الخروج من غرفتها إلى الشرفة».
تصدّعت البيوت، وتفكّكت العائلات الحديثة التي احتضنتها والتي انبنت على التنوّع وأخذت الحرب تعيد «شمل» النواة المتماسكة القديمة الأحادية اللون والأصول. فما كانت من العائلة الجديدة والمتنوّعة المشارب إلاّ أن تنفصم، فيذهب كل فرد منها نحو أصوله أو باتجاه أمصار أخرى. يكتشف بطل «ناحية البراءة» أن «أكبر ورطة في الكون أن تكون زوجتك ضدّك»، وبعد أن يعي هذه الحقيقة، يأخذ الهذيان بالسيطرة عليه فيتقهقر متراجعًا حتى الطفولة الأولى مستنجدًا بأمّه.

الذاكرة والبحث عن الأصول
عندما لا يعود الخارج والآخر امتدادًا للأنا، لا يبقى للفرد سوى الانزواء في وحدة الذات وفي متاهات الذاكرة، أو في هلوسات الخيال سعيًا ربما وراء تماسك شخصية حطّمتها الحرب. فالجدّ في «أيام زائدة» الذي ضرب فيه الخرف، يمضي أيامه الأخيرة في إعادة ترتيب ما تبقّى في ذاكرته من نتف تساعده على استرجاع حياة أمضى قسطًا منها بين الأفران التي ملكها وقسطًا آخر بين المصطبة وغرف منزله القروي. وكذلك يفعل الأب في «غناء البطريق»، وهو يغذّي حياته الراهنة في العزلة من بقايا ذكريات مروره في المدينة، ومن بعض ما جناه من مال الذي أخذ يتناقص تدريجيًا يومًا بعد يوم إلى أن انطفأ الرجل ومعه المال والعائلة. فعندما تصطدم بواقع الحرب، تروح الشخصيات تختبئ في الذكريات أو تسبح في الخيال. إلاّ أن الذاكرة ليست أقلّ إقلاقًا من الحرب. يفكّك أبطال الروايات اللبنانية عناصر ذاكرتهم مثلما فكّكت الحرب واقع مُعاشهم الاجتماعي، وأحيت في غور مشاعرهم أحاسيس الشك والخوف. فرشيد (ليرنينغ انغلش) لا يقلقه واقعه مثلما تقلقه غوامض أصوله والتباساتها. غير أن في الغوص في متاهات الذاكرة لذّةٌ لا يقاومها أبطال الروايات حتى لو أقرّوا في النهاية خضوعهم للواقع وتقبّلهم له، كما تفعل ريّا بعدما تفشل من تحقيق حلم التفلّت من المكان ومن الذاكرة. في بحثهم المعكوس عن معنىً، يصطدم أبطال الروايات بواقع انفصامي ليس أقلّ خطورة من الانفصام الذي أحرزته الحرب في الجسم الاجتماعي. أدى انغلاق الآماد الخارجية أمام الخيال الروائي إلى انبثاق الأنا كمدى داخلي لكتابة لم تعد أمامها سوى مخزون الذاكرة والتجارب الفردية والخيال وكمساحة تبنى عليها ومنها كتابة روائية تسقط العالم في الفرد.  

الاسم والبحث عن الهويّة
يبحث أكثر أبطال الرّوايات اللبنانية عن أسماء جديدة لهم. غاندي الصغير يملك أسماء عديدة: رالف وحصن وغسّان. لقمان، بطل «يا سلام»، يحلم في تغيير اسمه إلى باتريك أو فرانسوا. وسلام «تحتاج إلى لقب وصفة واسم» نجيب (158)، أمّا إلياس فلقد غيّر اسمه أصلاً وصار يدعى «الأبرص». يرافق تغيير الاسم في حالات عديدة تغيير المهنة، وهذا ما حصل لبعض شخصيات «مجمع الأسرار» (إلياس خوري)، حيث أدّت الحرب إلى تغيير مهن العديد من الناس، وبالتّالي تغيير أسمائهم (137). أمّا بطل «اعتدال الخريف»، فيسعى لتغيير شكله، مثلما سعت ريّا جاهدة إلى تغيير مهنتها والانتقال إلى المدينة بحثًا عن هوية أخرى ومعنىً آخر غير ذلك الذي ورثته من أهلها. في حالات أخرى، لا تملك الشخصيات أسماء بل تملك ألقابًا، وهذا ما يجعل منها كائنات تبحث عن معناها ووظيفتها واسمها. أمّا بطلة «لماذا كلّ هذه الظلمة؟» (دومينيك إدّه)، فيصل لديها الانفصام إلى حدّ الشك بنفسها لتقول «لماذا أنا هو أنا» (45)، فيما يصيب التفكّك والانهيار شخصيات أخرى.
صار البحث عن المعنى مشروعًا شبه مستحيل، إذ انفصمت الأسماء عن مدلولاتها كما في «خان أنطون بك» (نزهة الملاك - حسن داوود)، وانفصلت الصورة عن مَرجعِها لتحمل معاني يُسقِط البطل عليها هواجسه (ريّا النهر - ليرننغ إنغلش)، وخسرت المرآة شفافيتها ولم تعد تعكس الواقع المرير (غناء البطريق).

خلاصة
لم تقرأ الرّواية اللبنانية الحرب في ساحاتها، ولا في بنية المجتمع المتصدّع، ولا في الجغرافيا، حيث تناثرت فئات البشر وابتعدت عن بعضها، بل قرأتها في وجوه وذاكرة وأحلام الأفراد، وبنت عَمارتها على الآثار التي تركتها في النفوس. فأتت الرّوايات موحّدة، رغم اختلافاتها، في نظرتها إلى الفرد وعلاقته بالواقع والذاكرة. قد لا تملك الرّواية السرعة التي تتمتّع بها الحرب في إحراز الدمار والشرذمة، الاّ أنّها تملك وحدة القول في وحدة المأساة. لم تواجه الرّواية الحرب بمنطقها، إذ لم تملك بموازاتها الوسائل نفسها، بل بنت منطقًا متوازيًا هو أقوى من الحرب لأنه احتضنها، فيما لم تتمكّن الحرب يومًا من احتضان الرّواية نفسها.
كان التكافؤ المنقوص لصالح الرّواية، فحيث لم تفلح الحرب تمكّنت الرواية من بناء عالمها ■