مضيق هرمز... التهديدات القائمة والقادمة والبدائل الممكنة

مضيق هرمز... التهديدات القائمة والقادمة والبدائل الممكنة

  تعطل حركة الملاحة في قناة السويس نتيجة جنوح ناقلة الحاويات «إيفرجيفين» في 23 مارس 2021 وما ترتب على ذلك الحادث من نتائج وآثار وخيمة على حركة التجارة والاقتصاد العالمي، والتي قدرت خسائرها بملايين الدولارات الإسترلينية، أعاد إلى الأذهان أهمية هذه الممرات المائية الدولية من جهة، والمخاطر والتهديدات المختلفة التي يمكن أن تتعرض لها نتيجة أي إغلاق أو تعطيل لحركة الملاحة ولو لساعات قليلة من جهة أخرى، وهو ما يدفعنا لطرح الأسئلة التمهيدية الآتية: كيف سيكون الوضع الدولي عمومًا وحال الاقتصاد العالمي في حال وقع مثل هذا الحدث المأساوي أو أي كارثة أخرى على واحد من أهم المضائق المائية الدولية الطبيعية، أقصد مضيق هرمز؟!، وما هي أبرز المخاطر التي تهدد حركة الملاحة في هذا المضيق الحيوي؟ وما هي أهم النتائج والآثار التي يمكن أن تترتب على إغلاقه؟ وهل توجد بدائل قابلة للتنفيذ يمكن أن تقلل من الاعتماد عليه؟

 

أولًا: الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز
«هنا قلب العالم، هنا مستقبل العالم، من يسيطر على هذه المنطقة يسيطر على العالم ويحركه»، هكذا عرّف الإسكندر المقدوني المنطقة التي تضم مضيق هرمز. 
 التعرف على الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز مهمة للغاية، فهي التي تبين دوافع القوى الكبرى للهيمنة عليه منذ القدم، كما توضح مستقبل هذا المضيق على رقع الشطرنج الدولية؛ وللتعرف على تلك الأهمية الاستراتيجية فإنه من الضروري أولًا أن نعرج على الموقع الجغرافي لهذا المضيق، حيث تطل عليه الجمهورية الإيرانية من الشمال الشرقي، وسلطنة عمان من الجنوب، يفصل ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى؛ عرضه 26 ميلًا بحريًا أي 48 كم، نسبة المساحة الصالحة للملاحة فيه تصل إلى 8 أميال بحرية تقريبًا، أغلبها يقع ضمن المياه الإقليمية لسلطنة عمان، ويعتبر مضيق هرمز المنفذ الوحيد للخليج العربي المؤدي إلى البحار المفتوحة سابقة الذكر.
  أما من الناحية الاستراتيجية فيصنف مضيق هرمز كواحد من بين 11 مضيقًا في العالم ذات أهمية اقتصادية عالمية، ويلعب دورًا أساسيًا في استقرار الاقتصاد العالمي، حيث إن من يسيطر عليه يسيطر على 40 في المائة من صادرات النفط الدولية و65 في المائة من نفط أوربا الغربية و90 في المائة من النفط الياباني تقريبًا، لذا يعتبر بالنسبة لأغلب دول العالم، خصوصًا الدول الكبرى والصناعية منها صمام أمان لاستمرار وجودها وكيانها كدول متقدمة، كما أنه ومن جانب آخر يمكن أن يشكّل ورقة استراتيجية رابحة للاستقواء والهيمنة أو لإضعاف النفوذ عند بعض القوى الدولية.
  ويعرف خبراء الطاقة مضيق هرمز بأنه «العنق الرئيسي للعالم» وقد حظي هذا المضيق باهتمام المختصين، فأصبح يشار إليه بالمضيق الاستراتيجي وشريان الطاقة العالمي، ورغم وجود العديد من الأسباب التي تؤجج أزمة الملاحة في مضيق هرمز، إلا أن العامل الاقتصادي يعد الأهم والأخطر من بينها، حيث يكفي أن نعلم أن جزءًا كبيرًا للغاية من السلع الأساسية الدولية تمر عبره، هذا بالإضافة إلى عبور ناقلات النفط المحملة بما يزيد على ثلث النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم، حيث إن مضيق هرمز وباختصار يربط بين أكبر مستودع نفطي فى العالم وأكبر الأسواق العالمية المستوردة. 

ثانيًا: النظام القانوني المنظم للمرور في مضيق هرمز
  الموقع الجغرافي لمضيق هرمز ساهم في تأطير موقعه القانوني باعتباره من المضائق المستخدمة للملاحة الدولية، ويخضع هذا الممر من الناحية القانونية لاتفاقية قانون أعالي البحار للعام 1982م، وتعد سلطنة عمان من أهم الدول التي تتداخل مصالحها القومية الاستراتيجية مع هذا المضيق من نواح عديدة ومختلفة، أبرزها على الإطلاق أن هذا المضيق يخضع كليًا لما تخضع له باقي المجالات البحرية العمانية نظرًا لوقوع تلك الممرات البحرية في مياهها الإقليمية، غير أن هذه السيادة يجب ألا تمس بحقوق بقية دول العالم فيما يطلق عليه بحق المرور العابر.
 وحتى نكون أكثر دقة وتحديدًا «فقد «عقدت سلطنة عمان وإيران في 25 /7 / 1974 اتفاقًا يحدد الجرف القاري بينهما في مضيق هرمز، وعلى تقسيم المياه الإقليمية للدولتين، وبموجب هذه الاتفاقية فإن رسم الحدود يمتد بين الدولتين على مسافة 124،85 ميلًا، وتبتدئ من المنطقة الشرقية من الخليج العربي لتنتهي عند بحر عمان مارًا بمضيق هرمز مكونًا 12 نقطة».

ثالثًا: تاريخ من التهديدات ومحاولات الهيمنة القديمة المتجددة
  التهديدات التي يتعرض لها مضيق هرمز ليست بالتهديدات أو المخاطر الجديدة، وصراع القوى الكبرى للسيطرة عليه يعود إلى النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد تقريبًا، ولعل مساعي الإسكندر المقدوني أثناء حملته على بلاد فارس للسيطرة على هذا المضيق تعد من أوائل تلك التهديدات التي تعرض لها، بعدها عادت السيطرة الفارسية عليه من جديد في عهد الساسانيين ومن ثم انتقلت إلى سلطنة هرمز، والتي استمرت حتى الغزو البرتغالي في بداية القرن السادس عشر الميلادي.
 في العام 1622 تحالف الفرس والبريطانيون لطرد البرتغاليين المسيطرين على المنطقة والمضيق... وبعد طردهم ظهرت منافسات شديدة بين الإمبراطوريات والقوى الكبرى القائمة حينها إنجلترا وهولندا وفرنسا حول المطامح والمصالح في الخليج، وباستتباب الوضع لبريطانيا بعد العام 1820 استمرت السيادة البريطانية على المنطقة والمضيق حتى نهاية العام 1970.
  ويعتبر النزاع التاريخي بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية والذي بدأ مع الإطاحة بحكومة محمد مصدق عام 1953 من العوامل الواضحة في تأجيج الفوضى والاضطراب والتوتر في منطقة الشرق الأوسط عمومًا ومضيق هرمز على وجه الخصوص، ويأتي في المرتبة الثانية كأهمية في التأجيج بعد الأهمية الاقتصادية والتجارية والمحفز الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط عمومًا والخليج على وجه الخصوص، وصل أوجه في ثمانينيات القرن الماضي، تحديدًا في يوليو من العام 1988م عندما أسقطت سفينة حربية أمريكية طائرة ركاب إيرانية بصاروخي أرض - جو، وهو ما أودى بحياة 290 شخصًا، هم كلُّ مَن كانوا على متن الطائرة، بينهم 66 طفلًا. تلاها أكثر من مواجهة شبيهة تراوحت ما بين التهديد بالاختطاف والاستيلاء على الناقلات والسفن، كما هي الحال في أحداث الفترة بين العام 2007-2008، وفي شهر يوليو من العام  2010 تعرضت ناقلة النفط اليابانية «إم ستار» لهجوم في مضيق هرمز، أعلنت جماعة متشددة تعرف باسم كتائب عبدالله عزام في وقتها مسؤوليتها عنه، لتكون تلك الحادثة هي الأولى التي تدخل فيها بعض الأفرع التابعة لتنظيم القاعدة على خط الصراع وتداخل المصالح في مضيق هرمز.
وفي يناير من العام 2012 هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز ردًا على عقوبات أمريكية وأوربية استهدفت إيراداتها النفطية، تلاه وفي مايو 2015 إطلاق سفن إيرانية لطلقات صوب ناقلة ترفع علم سنغافورة قالت طهران إنها دمرت منصة نفطية إيرانية، مما دفع الناقلة للفرار. كما تمت مصادرة سفينة حاويات في المضيق. وفي شهر مايو من العام 2019 اشتعلت الأحداث من جديد في منطقة مضيق هرمز وبشكل أوسع وأكثر شمولية وخطورة نتيجة تعرض أربع سفن لهجوم في الخليج. الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ومن جديد ما أطلق عليه بحرب الناقلات الأولى أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، ولا زالت التهديدات بإغلاق مضيق هرمز أو احتمال قيام حرب في مياهه قائمين في ظل تصاعد النزاع الدولي عليه حتى يومنا هذا.

رابعًا: سيناريوهات التهديد المحتملة للمضيق
  من أبرز المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها مضيق هرمز خلال المرحلة الزمنية القادمة استمرار استهداف الناقلات والسفن بمختلف أشكالها، يضاف إلى ذلك تعريضه لحملة واسعة من التفتيش أو عسكرة المضيق من خلال زيادة الوجود العسكري والحربي من سفن عسكرية وغواصات ومدمرات في مضيق هرمز والمناطق المجاورة له، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تعطيل لحركة الملاحة والتضييق عليها، وبمعنى آخر تدويل الملاحة في مضيق هرمز، ويقصد بالتدويل «نقل سلطة معينة من الدولة إلى المنظمات الدولية» أو إلى مجموعة دول تحت غطاء دولي.
  كذلك ومن السيناريوهات المحتملة والتي يمكن أن تتسبب في إغلاق مضيق هرمز بشكل كامل أو مؤقت أو تهدد حركة الملاحة فيه زراعته بالألغام البحرية، وبالفعل اصطدمت سادس أكبر سفينة في العالم، الناقلة الأمريكية «إس إس بريدجستون»، في 24 يوليو 1987، بلغم إيراني وغرقت. وخاضت بعدها القوات البحرية الأمريكية أكبر معركة منذ الحرب العالمية الثانية ضد الزوارق الإيرانية.
 لم يقتصر موضوع التلغيم على أعماق المياه أو مضيق هرمز فقط أثناء حرب الناقلات الأولى والتي حدثت أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، بل امتد إلى السواحل والشواطئ الخليجية المجاورة لمضيق هرمز، مثل السواحل الكويتية، وسواحل إمارة الفجيرة الإماراتية، ومن أبرز السفن التي تضررت جراء الألغام حينها السفينة الأمريكية «تكساسكو كاربيان» وناقلة النفط الكويتية «الرقة».
  أخيرًا الاحتمال، وإن كان ضعيفًا، حول وقوع حرب شاملة بسبب استمرار التوترات والكم الهائل من الاستفزازات بين أطراف النزاع، ولعل أخطر تلك الأشكال من الصراعات التي تؤجج المنطقة الصراع العربي - الإسرائيلي، وكذلك الملف النووي الإيراني والإشكاليات المترتبة عليه مع الولايات المتحدة الأمريكية.

خامسًا: النتائج المترتبة على إغلاق المضيق والبدائل المطروحة لحل تلك الإشكاليات
  لا شك في أن التصعيد الحاصل في منطقة مضيق هرمز سيؤدي إلى تداعيات ونتائج خطيرة للغاية على عموم العالم ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ولن يقتصر ذلك بكل تأكيد على الجوانب الأمنية والعسكرية والسياسية البحتة، بل سيشمل ذلك مختلف جوانب الأمن الإنساني وكذلك النواحي الاقتصادية والتجارة الدولية وغير ذلك. على أن هناك جوانب مباشرة يمكن أن تتأثر جراء تداعيات وآثار الصراع وعسكرة المنطقة ومحاولات التحكم والسيطرة وإغلاق مضيق هرمز، من أبرزها:
1 - التأثير على أسعار النفط العالمية.
2 - ارتفاع أسعار وتكاليف التأمين على السفن والناقلات. 
3 - تأخر وصول البضائع والسلع بمختلف أشكالها، مما سيتسبب بتوقف العديد من أشكال الحياة الصناعية أو حتى تلك المرتبطة بحياة الأفراد، مع ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ ومضاعف.
  على ضوء ذلك طرحت العديد من البدائل التي من شأنها أن تقلل من الاعتماد على مضيق هرمز، وتقلل من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها، منها ما تم التراجع عنه لأسباب مادية أو صعوبات فنية أو سياسية، مثل المشروع الذي تقدمت به سلطنة عمان لمد أنبوب استراتيجي يربط حقول النفط في شمال الخليج، ابتداء من حقول نفط الكويت وصولاً إلى خليج عمان عبر الأراضي العمانية، ومشروع آخر لمد أنبوب تحت البحر عبر بحر العرب إلى القارة الهندية.
  بدائل أخرى كأنبوب النفط الذي يربط النفط العراقي بالبحر المتوسط عبر تركيا، والأنبوب الذي يربط حقول النفط السعودية على الخليج إلى ميناء ينبع على البحر المتوسط، وخط الأنابيب الذي يصل طوله إلى 406 كيلومترات من أبوظبي إلى الفجيرة المطلّة على خليج عمان وبحر العرب.
  أما البعض الآخر فلازال يدور في فلك الأفكار المستقبلية ومن ضمنها المقترح السعودي بإنشاء «قناة سلمان»، التي اقترحها مركز القرن العربي للدراسات السعودي بالرياض، ومشروع شق قناة تمر من دبي إلى الساحل الشرقي لدولة الإمارات عبر جبال حجار جنوب ميناء الفجيرة، عبر البحر الأحمر وحتى الأبيض المتوسط.

خاتمة
  تؤكد الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز استمرار الصراع ومحاولات الهيمنة عليه من قبل مختلف القوى الدولية بلا استثناء، وأن سقف المخاطر والتهديد بإغلاقه أو حتى تعطيل الملاحة فيه سيرتفع خلال السنوات القادمة في ظل وجود العديد من أسباب ومحفزات الصراع في المنطقة.
  فإذا ما أضفنا إلى ذلك التجربة القديمة التي خاضتها دول العالم عمومًا ودول المنطقة خصوصًا أثناء الحرب العراقية - الإيرانية والحادث المأساوي الذي تسبب في تعطل حركة الملاحة في قناة السويس نتيجة جنوح ناقلة الحاويات «إيفرجيفين»، فإن كل ذلك يدق ناقوس خطر يجب أن يدفع دول المنطقة خصوصًا إلى ضرورة الإسراع إلى إيجاد بدائل استراتيجية تساهم في تقليل الاعتماد على هذا المضيق، الأمر الذي سيساهم في التقليل من الآثار الناتجة عن إغلاقه في يوم من الأيام، لا قدر الله ■