دور مكتبة البيت في تعزيز سلوك القراءة لدى الأطفال

دور مكتبة البيت في تعزيز سلوك القراءة لدى الأطفال
        

          نقول من دون أي تردد إن البيت الذي يفتقر إلى مكتبة ولو متواضعة وبأي لون من ألوان المعرفة، فإنه بيت دون لبنات أساسية، ويمكن أن تذروه الرياح كبيوت العنكبوت التي هي أوهن البيوت. لأن أي بيت يبقى مستمرا بسكانه، وتذروه الرياح أيضا بسكانه.

          المكتبة في المدلول الأوسع غالبًا ما تتجاوز الكتب المطبوعة بمعناها الضيق، فتضم الآن معها عددا كبيرا أو قليلاً من المواد الورقية الأخرى كالجرائد والنشرات وبقية الدوريات على اختلاف أنواعها، وكذلك الخرائط والأطالس والرسمات الهندسية، كما أنها قد تضم أيضاً المخطوطات التراثية القديمة والمراسلات والمذكرات الحديثة وغيرها من المواد الورقية غير المطبوعة. المكتبة هي تجميع لمصادر وخدمات المعلومات, منظمة للاستعمال وتتم رعايتها من قبل هيئة سياسية، مؤسسة أو أشخاص.

          بالمعنى التقليدي المكتبة تعني مجموعة من الكتب، هذه المجموعة والخدمات يستخدمها أناس لا يريدون أو لا يستطيعون شراء مجموعة موسعة لأنفسهم، الذين يحتاجون إلى مواد غير متوافرة لديهم, أو الذين يحتاجون إلى معاونة محترفة في بحثهم.

          مع استخدام مواد غير الكتب للتخزين, أصبحت المكتبات منطقة للوصول للخرائط، المطبوعات أو الوثائق الأخرى والأعمال الفنية على مواد التخزين المختلفة كالميكروفيلم,الكاسيت، الأقراص المضغوطة، وشرائط الفيديو. وتوفر تسهيلات عامة للوصول لأجهزة الحاسب والدخول إلى الإنترنت.

          أي أن المكتبات الحديثة يتم تعريفها كأماكن مفتوحة للوصول إلى المعلومة بأشكالها المختلفة ومصادرها المتعددة. بالإضافة لتقديم المواد، إنها تقدم خدمة للمختصين في مجال التنظيم والبحث عن المعلومات.

تربية الوعي القرائي لدى الطفل

          الطفل هو ابن بيته، كما أنه ابن أبويه، وإنه يتربى على ما يعايشه في البيت يوما بيوم، وكذلك فهو يتأثر بسلوك أبويه.

          من هنا نرى أن وجود مكتبة في البيت هو من الأولويات المهمة من أجل ترسيخ قيمة القراءة لدى الطفل.

          لعل العمود الأساسي لأي بيت من بيوتنا هو وجود الزاد المعرفي فيه، فهذا الزاد يحمي الأبناء وجميع سكان البيت من الأوبئة التي تأتي نتيجة الجهل.

          مكتبة البيت هي الصيدلية الدائمة التي فيها علاج النفس، ويمكن لنا أن نمد أناملنا إلى أي كتاب ليحقق لنا السكينة وينير قلوبنا بنور المعرفة.

          إننا نعيش في عالم معرفي منفتح على بعضه البعض، وتعد المنظومة المعرفية من أهم المنظومات في مقومات نجاح وحضارة المجتمعات , ولا شك في أن الإنسان لا يميل إلى فكرة إلا إذا تعزز حبها في نفسه، حتى تتحول بالنسبة إليه إلى سلوك، وإلى تقليد، ثم إلى منهاج حياة.

          نحن أبناء بيوتنا, أبناء ما نتلقاه في هذه البيوت يوما بيوم وسنة بسنة، ونحن سواء شئنا أم أبينا نتأثر بكل ما هو موجود في هذه البيوت سواء كان معنويا أو ماديًا.

          لذلك ينصح علماء التربية في العالم ضرورة وجود أساسيات النجاح والتفوق والاستنارة في هذه البيوت حتى يتأثر بها الأطفال وتتحول المعرفة إلى سلوك يومي وقيمي وتربوي في نفوسهم، ذلك أن الإنسان لا يرث المعرفة كما يرث لون عينيه أو طوله، بل هي سمة مكتسبة يكتسبها المرء من المحيط الذي ينمو ويترعرع فيه. والبيت هو القاعدة الأولى للانفتاح على هذا المحيط الكبير، فمن البيت يتعلم الطفل اللغة، ويكتسب مهارات الحياة، بل حتى أن علماء التربية يرون أن الذكاء «الإيجابي» هو أيضا مكتسب لأن الإنسان وإن ورث الذكاء فيمكن لهذا الذكاء أن يوظّف في جهة سلبية تحتاج إلى الذكاء، مثل تزوير العملات، وصناعة الأسلحة المدمرة، وصناعة الفيروسات على شبكة الإنترنت وغير ذلك.

          أريد أن أخلص إلى القول بأن حاجة بيوتنا إلى وجود مكتبات هي حاجة ملحة وماسة، فالبيوت عامرة على قدر ما تحتوي من كتب، ومظلمة على قدر ما هي خاوية من الكتب.

          وحقيقة الأمر أن مكتبة البيت هي ضوء للروح مثلما الإنارة هي ضوء للجسد، والروح تحتاج إلى الضوء بدرجة أعلى مما يحتاج إليه الجسد، ولذلك نرى العناية البالغة في تراثنا العربي بالكتب بالرغم من المعاناة الكبيرة في صناعة الكتاب.

أهمية الحفاظ على عمارة البيوت والنفوس

          الحفاظ على هذه العمارة المعرفية التي هي في واقع الأمر عمارة للبيوت وللنفوس معا يعد من أهم أشكال الحرص على قنوات الاستنارة في بيوتنا، وضروري أن يرى الأبناء مدى العناية من قبل الآباء بهذه العمارة المعرفية التي هي بمنزلة العمود الفقري للمنزل.

          كما أننا نقوم ببناء هيكل البيوت لبنة لبنة، فإننا نقوم ببناء مكتبة البيت كتابًا كتابًا، فلو اقتنينا في كل شهر كتابًا واحدًا سوف نرى أن مكتبتنا المنزلية تعمر بالكتب شيئًا فشيئًا، وسنة بعد سنة.

          وبالطبع لا أعني وجود هذه المكتبة وعمارتها كديكور للمنزل كما يحدث لدى بعض الأثرياء الذين يتخذون ركنًا من بيوتهم للمكتبة كديكور، ولا تمتد أناملهم إلى كتاب لقراءته مرة في السنة، بل أعني أن جميع الكتب في هذه المكتبة تكون مقروءة مرة أو أكثر من مرة لأن بعض الكتب تحتاج قراءتها إلى قراءات متعددة بحسب المراحل العمرية التي ندخلها، وهنا ستكون كل قراءة مختلفة عن الأخرى وتغتني كل قراءة بالقراءة التي سبقتها، كما تغتني القراءة السابقة بالقراءة اللاحقة.

          فالمكتبة التي لا تقرأ هي كالمصباح الذي لا يوقد، ودومًا يمكن أن نرى الذين يترددون إلى المكاتب العامة هم أولئك الذين تعزز في نفوسهم حب الكتاب في البيوت , إنهم يرون في الكتاب قبسات الاستنارة، ولذلك يلاحقون الكتاب من أجل أن يزدادوا استنارة من خلال هذه القبسات .

          مكتبة البيت هي المشكاة التي تلبث تبعث القبسات المعرفية إلى كل فرد من أفراد المنزل من مختلف الأعمار.

          تبقى لمكتبة البيت أهميتها على الأخص بالنسبة للطفل الذي سوف يعتاد على قراءة الكتب، والتزود بزاد المعرفة، فتصبح القراءة لديه حاجة، وقيمة، وسلوكا.

كلمة ختام

          السلوك القرائي يبدأ تعزيزه بالدرجة الأولى في السنوات الأولى عندما يبدأ الطفل فيها بالتقاط كل الأفعال والممارسات التي تتجسد على مرآة منه، لأنه عندئذ يسعى إلى تجسيدها تقليدًا للكبار، وعلى هذا النحو فإن هذا السلوك القرائي يتحول إلى ممارسة يومية وتقليدية لديه كلما رآها تتجسد أمام ناظريه، وخاصة من الأبوين.
---------------------------------
* كاتبة من سورية.

 

 

بريهان فارس عيسى*