إلى أينَ نحنُ ذاهبون؟!

إلى أينَ نحنُ ذاهبون؟!

 باتت منصاتُ التواصل الاجتماعيّ تؤثرُ في العلاقاتِ الاجتماعيةِ بشكلٍ أكبرَ وأعمق مما نتخيل؛ فهي تشاركُ في رسم طبيعةِ العلاقاتِ بين الأقارب والأباعد على حدٍ سواء، وتتحكم أحيانًا في أسلوب الحياة لدى بعض الناشطين فيها، وتُشعرنا بأنّا نسكنُ عالمًا شفّافًا لا شيءَ فيه يمكن أن يحظى بخصوصية؛ ففي أيِّة لحظةٍ قد تتسلل عدسةُ التصوير لتمسحَ المكان الذي تجلس فيه، لتلتقطَ منك إغفاءةً او ابتسامةً أو حتى تثاؤبًا، أيُّة حادثةٍ أو حادثٍ - لا قدّر الله - تتحلّق العدساتُ من حولك وقد يُبَثّ الذي يحدُث مباشرة وأنت ساهٍ بما فيك ليشارككَ اللحظةَ مَن تعرف ومَن تجهل، فهل بات التصويرُ في عصر التكنولوجيا الفائقةِ التطور يحتاجُ إلى سنّ قوانين أو تحديث ما هو قائم منها؟ هل يجوز أخلاقيًا وإنسانيًا تصوير الناس دون علمهم؟ هل يجوز إحراجهم أو تخجيلهم بالتصوير؟ وإن كان ذلك واردًا، هل يجوز نشر الصور دونما استئذان؟ هل تحبّذ أن تكون في عزومة ويتمُّ تصويرك وأنت تأكلُ مثلًا؟
 بات التواصل مُتخمًا بتفاصيل فائضة من حياة الآخرين، كما أنَّ العلاقات محكومة غالبًا بالمصلحة، وثمّة موجةٌ إعلاميةٌ تشكّل ظاهرةً لافتةً تتمثلُ في نشر وانتشار المقاطع المصوّرة والأقوال التي تدعو إلى التخلّي عن الطيبة والتسامح، وهي تمثّل اتجاهًا سلوكيًا وقيميًا عامًا في الضيق من طبيعةِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ المعاصرة بصورةٍ مُبالغ فيها، تدعونا إلى التساؤل المشروع: هل هذا فعلًا ما يحتاج إليه الفردُ المعاصر؛ التحريض على مزيدٍ من الوحدةِ وتقنينِ العلاقاتِ الاجتماعية الدافئة إلى الحدود الدُّنيا، والتعامل مع الآخرين بمبدأ «العينُ بالعين»، واستسهال تقمّص دور الضحية، وتبنّي مضمون رسائل الجفاء والرد بالمثل؟
 ربما تتغيّر تلك النظرةُ الضيقةُ لو أنّا رجعنا إلى القصيدة البديعة التي نسجها الشاعر بشار بن بُرد في مفهوم الصداقة، وأهمية التسامح باعتباره قيمة أخلاقية جوهرية في ديمومة العلاقات الاجتماعية، وتأمّلنا قوله:
إذا كُنتَ في كُلِّ الأمورِ مُعاتِبًا
صَديقَكَ، لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَعِش واحِدًا أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ
مُقارِفُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه

 العلاقاتُ الاجتماعيةُ تزداد ترابطًا في العالم الافتراضي عبر المشاركة في الأفراح والأتراح، لكنّها تتراجع على أرض الواقع وتركّز على تصيُّد الهفوات والأخطاء التي لا يمكن تجاوزها، والميل إلى تقمّص دور الضحية، وسط سيلٍ إعلامي نشط يعزّزُ هذا التوجّه ويقوّيه... فإلى أينَ نحنُ ذاهبون؟ ■