العائلة التي كانت تعيش بسلام عبدالله الصوفي

العائلة التي كانت تعيش بسلام

قصة للكاتب الأمريكي: أ. ب. هوايت

" كانت أسرة (برويت) تعيش في سكينة من صيد السمك في كوخها القائم فوق جزيرة صغيرة منعزلة في الطرف الجنوبي لخليج (بارنتاك)، وهي أسرة صيادين تتألف من سبعة أشخاص، يعيشون في هذا المكان بمفردهم، وكان غذاؤهم يتكون من معلبات الحبوب والطماطم ومعجون لحم الطيور المحفوظ أيضا، والخبز المحبحب الجسيم وسلاحف المياه العذبة والرز المحمص والسراطين والجبن والزيتون، هذا بالإضافة إلى نقيع فواكه. بيتيا من العنب البري. ثم إن رب الأسرة كان يوقد المرجل أحيانا لصنع الويسكي البيتي لاحتياجات الأسرة.

كانوا جميعا يحبون هذه الجزيرة ويحيون فيها بمحض إرادتهم وكان من عاداتهم في فصل الشتاء عندما لا يوجد أمامهم ما يصنعونه الخلود للرقاد ليل نهار تقريبا كما تفعل الدببة أما في الصيف فيعمدون إلى جمع القواقع والأصداف، كما كانوا يحتفلون بالعيد الوطني الأمريكي يوم الرابع من تموز كل عام، فينصبون أرجوحة أطفال يتناوبون عليها جميعا، ولم تقع في العائلة حالة واحدة من حالات التهاب الزائدة الدودية الحاد، وإذا ما شعر أحد أفرادها بألم ما فإنه لا يعبأ كثيرا بالأمر، بل ولا يلاحظ أين مصدر ذلك، أهو في الجانب الأيمن أو الأيسر، فقد كان يأمل بزوال الألم سريعا، وهذا بالفعل ما كان يحدث. وحل موسم شتاء قارس، أشد برودة من المعتاد فتجلدت مياه خليج (بارنتاك)، وأصبحت أسرة (برويت) معزولة تماما عن العالم، ولم يعد بإمكانها الوصول إلى اليابسة باستخدام القارب نظرا لوجود الغطاء الجليدي السميك. ولكن بما أنه ليس ثمة حاجة لذهاب أي فرد منها إلى الشاطىء، اللهم إلا من أجل البريد، وهو أمر يعتبر من الحاجات الثانوية، لم يعبأ أحد من الأسرة بوجود الحاجز الجليدي. وهكذا جلس الجميع في المنزل قرب الموقد، يتسلون بلعبة الكرات الخشبية عندما لا يكون هناك ما يصنعونه، فالشتاء سوف ينصرم عاجلا أم آجلا، وكان من الممكن أن ينصرم بكل هدوء لو لم يشعر أحدهم على اليابسة بأن أسرة (برويت) محصورة وسط جليد الخليج. وسرعان ما سرى خبر هذه الشائعة فوصل إلى المدينة، وإلى سمع مدير شرطة الولاية فأعلم بذلك فورا صحيفة "باتي نيوز" وجيش الولايات المتحدة وكان الجيش الأمريكي أول من هرع للنجدة فأقلعت ثلاث طائرات. قاذفة للقنابل من قاعدة "لا نغلي فيلد" وقد حلقت فوق الجزيرة على ارتفاع منخفض وأسقطت رزما من الخضار المجفف ومكعبات مرق الدجاج، وهي من الأصناف التي لا تحبها أسرة ( برويت) كثيرا، وبعد ذلك وصلت طائرة رجال السينما، وهي أقل حجما من قاذفة القنابل ولكنها مجهز بالزلاجات، وهكذا حطت في الجزء الشمالي من الجزيرة فوق حقل ثلجي. وفي هذه الأثناء أصدر الميجر ( باركس) قائد قوات الولاية، وكان قد أخطر بطريق شخصي أن أحد أفراد أسرة (برويت) مصاب بالتهاب الزائدة الحادة، أمره على وجه السرعة، بإرسال زلاجة مع كلاب تجرها، وذلك على متن طائرة أقلعت من (لاكونيا) وبلاية نيوهامبشير، كما بعث بفصيلة إنقاذ تحاول عبور الخليج فوق الجليد. وعند الغروب نزل الثلج ولقي من أفراد الإنقاذ مصرعهم على بعد حوالي نصف ميل من الشاطئ لدى محاولتهم القفز من قطعة جليد عائمة إلى أخرى.

أما بشأن الطائرة التي حملت الكلاب والزلاجة فقد اكتسى جناحها بطبقة سميكة من الجليد والثلج وعندما أصبحت فوق جنوبي نيوانجلند راح الطيار يحوم في الجو بحثا عن مكان يصلح للهبوط الاضطراري، بيد أن قطعة كبيرة من العظم كان أحد الكلاب قد صعد بها إلى الطائرة، انزلقت لدى انحدار الطائرة وانغرست في فجوة مقر المقود فاستعصى تحريكه وتابعت الطائرة انحدارها حتى اصطدمت بسور محطة كهربائية، فلقي جميع الركاب، أي: الطيار وكلابه، مصرعهم، أما (وولتر رينغستيد) الذي يقيم في غاردن فيو افنيو) رقم 3452 بولاية كانيكتيكت فأصيب بجراح خطيرة.

وقبيل منتصف الليل بقليل وصل خبر الزائدة الدودية إلى أسرة (برويت)، وذلك حينما تمكنت طائرة مروحية مستأجرة تابعة لوكالة الأنباء الدولية في (هارتس) من الهبوط وسط العاصفة، وفهم المستر (برويت) من المصورين أن ابنه البكر (تشارلز) مريض، وأن من الضروري نقله إلى بلتيمور من أجل إجراء عملية جراحية مستعجلة له. ورغم اعتراض المستر (برويت)، أكد (تشارلز) أنه يحس فعلا ببعض الألم في خاصرته، وقد حسم بذلك المسألة، وتم نقل (تشارلز) بالطائرة المروحية، وبعد أقل من عشرين دقيقة وصلت طائرة أخرى وعلى متنها طبيب جراح مع ممرضتين رفيعتي التأهيل، بالإضافة إلى مذيع تلفزيوني من محطة البث الوطنية، وأجرى الفريق الطبي عملية استئصال الزائدة لابن برويت الثاني ( تشيستر) ووصفت العملية بأنها في منتهى الخطورة وتم نقلها حية على الهواء عن طريق التلفزيون من مطبخ ( أسرة برويت) مباشرة، بيد أن الفتى مات بعد العملية لأنه التهم كمية كبيرة من الخضار المجفف بعد العملية بوقت وجيز، على أن الفتى الأول (تشارلز) تماثل للشفاء بعد فترة طويلة من النقاهة ورجع إلى الجزيرة في أيام الربيع الدافئة الأولى. ولقد اندهش كثير للتغيير الذي طرا على المكان، إذ لم يعد لمسكن الأسرة وجود، فقد قضى عليه حريق شب فيه خلال الليلة والأخيرة لعمليات الإنقاذ، ويرجع سبب الحريق إلى شرارة انبعثت من عادم إحدى الطائرات المقلعة، واصابت علبة القمامة على شرفة البيت. وعقب الحريق انتقل المستر، (برويت) بعائلته إلى براكة الطوارئ المؤقتة التي كانت قد أقيمت من أجل العاملين الإذاعيين والتلفزيونيين. وعاشت الأسرة في تلك البراكة حتى الليلة التي هلك فيها جميع افرادها من جراء تناولهم لمحلول الفينول بنسبة 10 بالمائة، وكان الجراح قد تركه وراءه، بيد أن رب العائلة اعتبره ضربا من المشروبات الكحولية التي يحتسيها أهل المدينة لبعث الحرارة في مفاصلهم وقت البرد.

لقد بدأ خليج (بارنتاك) موحشا وغريبا كل الغرابة ل (تشارلز)، وهكذا بارح جزيرته التي رأى النور فيها، ونزح إلى اليابسة، وذلك بعد أن وارى ذويه الثرى، حسب الأصول.

 

عبدالله الصوفي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات