الفنان الصغير والفنان الكبير

منذ كنت في الثانية من عمري وأنا مُولع بالألوان. هكذا أخبرتني أمّي التي حوّلت لي باحة المنزل إلى مرسم حرّ لي ولأخي، ولطالما شجّعتني كي أتمّ إحدى لوحاتي المتواضعة، أو تلك التي أرسمها حين كنت أشعر بالضيق، وكنت أفرح حين تُعجَب بها.  حبّي للرسم تعلّمتُه من أمّي، والتي أخبرتني أنّها أحبّت الرسم من «الفنان الصغير»، وكلّما سألتها عنه، تقول سأحكي لك حكايته يوما ما. وفي المدرسة، كان معلّم الفنيّة دائما يمنحني الفرص لكي أرسم وأتفنّن بالألوان، أصدقائي كانوا يندهشون بلوحاتي وكنت أفخر بها. ولكنّي دوما أسأل نفسي، لماذا أحبّ الألوان؟ سمعت معلّمي يقول: (إنّ الألوان هي نحن، وما بداخلنا). وحين سألته كيف؟ ومَن قال ذلك؟ قال: الفنّان الصغير، وقد أرشدني للألوان. كان هذا سبب آخر لأعرف من هو الفنّان الصغير. 
ذهبت إلى أمّي وألحَحْت عليها، فقالت لي: هو محمد الشيخ الفارسي، أحبّ الرسم فقرّر أن يعطي ما عنده ليسعد غيره، فذهب إلى تلفزيون دولة الكويت في سبعينيات القرن الماضي، وقدّم فيه برنامجاً بعنوان: (الفنّان الصغير) لتعليم الرسم وتقييم رسوم طلبة المدارس، وحمل الفارسي هذا اللقب إلى الآن. كان الطلبة يترقّبون البرنامج ليرَوا رسومهم على شاشة التلفاز.
وذات يوم، فاجأتني أمي بلقاء الفنّان الصغير في معرضه الفنّي، وهناك وقفت أمامه مبهوراً . كان معي أخي الحسن الذي تجرّأ بعفويته وخاطبه قائلاً: أنت الفنّان الصغير؟ أخي عبد الله يتمنّى لقاءك والحديث معك عن الألوان والرسم وأيضاً عن برنامجك الفنّان الصغير.

 

٭‭ ‬الفنان‭ ‬الصغير‭: ‬أهلاً‭ ‬وسهلاً‭ ‬بكما،‭ ‬أرحّب‭ ‬بكلّ‭ ‬الأطفال‭ ‬المحبّين‭ ‬للرسم‭ ‬والألوان‭.‬

عبد‭ ‬الله‭: ‬برنامجك‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭ ‬أثّر‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬والدتي‭ ‬ومعلّمي‭. ‬حدّثنا‭ ‬عنه،‭ ‬وماهي‭ ‬فكرته؟

٭‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭: ‬برنامج‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬الأطفال‭ ‬الرائدة‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وهو‭ ‬يخاطب‭ ‬الأطفال‭ ‬بلغتهم‭ ‬العربية‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬موهبتهم‭ ‬الفنيّة‭. ‬فكرته‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬رسومات‭ ‬الأطفال،‭ ‬بدأ‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬واستمرّ‭ ‬حتى‭ ‬1988،‭ ‬فكان‭ ‬له‭ ‬أصداء‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬طلبة‭ ‬المدارس‭. ‬

عبد‭ ‬الله‭: ‬انا‭ ‬أحبّ‭ ‬تعلّم‭ ‬الرسم،‭ ‬لكنّني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬نوعيّه‭ ‬الألوان‭ ‬المناسبة،‭ ‬فهل‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تدلّني‭ ‬عليها؟‭ ‬ولماذا؟

٭‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭: ‬أصبح‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الألوان‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬السهلة،‭ ‬لتنوّع‭ ‬المواد‭ ‬وتوافرها‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مكان‭. ‬أمّا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للنوعيّة‭ ‬المناسبة‭ ‬فهي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬تفضّله‭ ‬أنت‭. ‬فمثلاً‭ ‬الألوان‭ ‬الخشبية‭ ‬مناسبة‭ ‬لأغلبية‭ ‬الأطفال،‭ ‬لأنك‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تمسحها‭ ‬عند‭ ‬ارتكاب‭ ‬أي‭ ‬خطأ،‭ ‬ويمكن‭ ‬مزجها‭ ‬لإنتاج‭ ‬ألوان‭ ‬جديدة،‭ ‬وهي‭ ‬رخيصة‭ ‬الثمن‭. ‬ويمكنك‭ ‬أيضاً‭ ‬استخدام‭ ‬ألوان‭ ‬الباستيل‭ (‬الطباشير‭)‬،‭ ‬والألوان‭ ‬الشمعيّة‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬أوراق‭ ‬خاصه‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬جميلة‭. ‬وكذلك‭ ‬الألوان‭ ‬المائية‭ ‬والشينية‭ ‬أيضاً‭. ‬

عبدالله‭: ‬لقد‭ ‬ذكرت‭ ‬أن‭ ‬الألوان‭ ‬الشمعيّة‭ ‬لها‭ ‬أوراق‭ ‬خاصة‭ ‬للرسم،‭ ‬ما‭ ‬علاقة‭ ‬الألوان‭ ‬بورق‭ ‬الرسم؟

٭‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭: ‬من‭ ‬المهمّ‭ ‬جداً‭ ‬الانتباه‭ ‬لنوعيه‭ ‬الورق‭ ‬المناسبة،‭ ‬فمثلاً‭ ‬أوراق‭ ‬الرسم‭ ‬الخاص‭ ‬بالقلم‭ ‬الرصاص،‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬استخدامه‭ ‬للرسم‭ ‬بالألوان‭ ‬المائيّة،‭ ‬والتي‭ ‬نستخدم‭ ‬فيها‭ ‬الفرشاة‭ ‬والماء،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يمتصّ‭ ‬اللون،‭ ‬والماء‭ ‬قد‭ ‬يتلف‭ ‬الورق‭. ‬فلكلّ‭ ‬نوعيّة‭ ‬ألوان‭ ‬ورق‭ ‬رسم‭ ‬يلائمها‭. ‬

الحسن‭: ‬أنا‭ ‬أحبّ‭ ‬الرسم‭ ‬أيضاً،‭ ‬وأرغب‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬فنّاناً‭ ‬تشكيليّاً‭ ‬عندما‭ ‬أكبر،‭ ‬قل‭ ‬لي‭ ‬كيف‭ ‬أنمّي‭ ‬موهبتي؟

٭‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭: ‬أولاً‭ ‬أرسم‭ ‬كثيراً،‭ ‬لأنك‭ ‬ستطوّر‭ ‬نفسك‭ ‬حين‭ ‬تقارن‭ ‬رسومك‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى،‭ ‬وتمرّن‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬أشياء‭ ‬لم‭ ‬تعتدها،‭ ‬ثم‭ ‬اطّلع‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬التعليميّة،‭ ‬وتعرّف‭ ‬على‭ ‬المدارس‭ ‬الفنيّة‭ ‬والرسّامين‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬وطننا‭ ‬العربي‭ ‬والعالم،‭ ‬وشاهد‭ ‬الفيديوهات‭ ‬الخاصّة‭ ‬بتعليم‭ ‬الرسم‭ ‬المتوافرة‭ ‬بكثرة‭ ‬على‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتيّة‭. ‬ودائماً‭ ‬احرص‭ ‬على‭ ‬الالتحاق‭ ‬بدورات‭ ‬الرسم‭ ‬التدريبيّة‭ ‬في‭ ‬العطل‭ ‬المدرسيّة‭. ‬ولا‭ ‬تنسى‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬رسوماتك‭ ‬على‭ ‬معلّم‭ ‬الفنيّة‭.‬

الحسن‭: ‬وما‭ ‬أهميه‭ ‬عرض‭ ‬رسوماتي‭ ‬على‭ ‬معلّمي؟

٭‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭: ‬معلّم‭ ‬الفنيّة‭ ‬يوجّهك‭ ‬لما‭ ‬يمكنك‭ ‬عمله،‭ ‬وكيفيّة‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفك‭ ‬من‭ ‬موهبتك‭ ‬بالرسم،‭ ‬فمعلّمك‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الفنان‭ ‬والرسّام‭ ‬الكبير‭ ‬يرشدك‭ ‬في‭ ‬تقنيّات‭ ‬الرسم،‭ ‬ويقوّم‭ ‬أعمالك‭ ‬الفنيّة،‭ ‬وقد‭ ‬يقودك‭ ‬إلى‭ ‬الشهرة‭ ‬حين‭ ‬يختار‭ ‬رسومك‭ ‬ويعرضها‭ ‬في‭ ‬المعارض‭ ‬الفنيّة‭ ‬المدرسيّة‭ ‬أو‭ ‬الخارجيّة‭ ‬التي‭ ‬تنظَّم‭ ‬للمواهب‭ ‬الصاعدة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬وخارجها‭. ‬

الحسن‭: ‬حدّثنا‭ ‬عن‭ ‬حبك‭ ‬للرسم،‭ ‬متى‭ ‬عرفت‭ ‬أنك‭ ‬موهوب،‭ ‬وكيف‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬عليه؟‭ ‬

٭‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭: ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائيّة‭ ‬بدأت‭ ‬أرسم،‭ ‬وأسرتي‭ ‬لاحظت‭ ‬موهبتي،‭ ‬وحين‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانويّة‭ ‬اتّجهت‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬القاهرة‭ ‬ودرست‭ ‬الفنّ‭ ‬هناك،‭ ‬ولم‭ ‬أتسرّع‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬لوحاتي‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخرّجت‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬حيث‭ ‬أقمت‭ ‬معرضي‭ ‬الفنّي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بعام،‭ ‬وشاركت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بمهرجانات‭ ‬عدّة‭ ‬خارج‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬مونت‭ ‬كارلو‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬عربيّة‭.‬

الحسن‭: ‬من‭ ‬هو‭ ‬رسّامك‭ ‬المفضّل؟‭ ‬ولماذا؟

٭‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭: ‬الفنّانون‭ ‬والمبدعون‭ ‬بالرسم‭ ‬كُثر،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬مدرّس‭ ‬التربية‭ ‬الفنيّة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬أثّر‭ ‬بي‭ ‬كثيراً،‭ ‬ومنه‭ ‬أحببت‭ ‬الرسم،‭ ‬وكان‭ ‬احتكاكي‭ ‬بمدرّسي‭ ‬الفنيّة‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬التعليميّة‭ ‬مفيد‭ ‬وثريّ‭ ‬لي،‭ ‬فخبراتهم‭ ‬المتنوِّعة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬ابتكاري‭ ‬لفنون‭ ‬جديدة‭. ‬المعلّم‭ ‬الجيّد‭ ‬قدوة‭ ‬جيدة‭. ‬

عبدالله‭: ‬الكثير‭ ‬مِن‭ ‬الأطفال‭ ‬ظهروا‭ ‬في‭ ‬برنامجك‭ ‬‮«‬الفنّان‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬هل‭ ‬منهم‭ ‬مَن‭ ‬أصبح‭ ‬فناناً‭ ‬مشهوراً؟

٭‭ ‬الفنان‭ ‬الصغير‭: ‬أطفال‭ ‬كثيرون‭ ‬أصبحوا‭ ‬فنّانين‭ ‬ومشهورين‭ ‬سواءً‭ ‬من‭ ‬الذكور‭ ‬أو‭ ‬الإناث،‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الكويت‭ ‬وخارجها،‭ ‬وأسعدُ‭ ‬كثيراً‭ ‬عندما‭ ‬أصادف‭ ‬أحدهم‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬معلّماً‭ ‬أو‭ ‬موجّهاً‭ ‬للتربية‭ ‬الفنيّة‭. ‬كما‭ ‬أفرح‭ ‬حين‭ ‬أكون‭ ‬في‭ ‬رحلاتي‭ ‬الخارجيّة‭ ‬وألتقي‭ ‬بأصدقاء‭ ‬قدماء‭ ‬ومتابعين‭ ‬لبرنامج‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير‭.‬

 

وأثناء‭ ‬حديثنا‭ ‬جاء‭ ‬رجل‭ ‬واحتضن‭ ‬الفنّان‭ ‬الصغير،‭ ‬وعرّفه‭ ‬بنفسه،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬كنت‭ ‬أحد‭ ‬تلامذتك‭ ‬ومُتابِعي‭ ‬برنامجك،‭ ‬واليوم‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬رسّام‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وقد‭ ‬جئت‭ ‬لأشكرك‭ ‬و‭...... ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬قرّرت‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬فنّاناً‭ ‬كبيراً‭.