السيدة عالية والمكتبة العامرة
سنذهب اليوم يا أصدقائي في رحلة إلى المكتبة المركزية في مدينة البصرة في العراق, تلك المكتبة الجميلة التي يجتمع فيها القرّاء ومحبّو الكتب كلّ يوم لِيطّلعوا على كتبها الكثيرة والقيّمة والتي يصل عمر البعض منها الى مئات السنين.
أمينة هذه المكتبة تُدعى عالية محمد باقر, ولهذه السيّدة قصّة عجيبة, فقد استطاعت أن تحمي, بِحسن تصرّفها, إنتاجًا أدبيّاً نادرًا, كتبه أدباء عِظام بِلغتنا الجميلة, اللّغة العربية. فهل أنتم مستعدّون لِسماع قصّة هذه السيّدة الشجاعة? إذا فَلْننطلق.. هيّا بنا.
منذ أربعة عشر عامًا, والسيّدة عالية تعمل كَأمينة مكتبة في المكتبة المركزية, تشجّع الناس على القراءة والمطالعة, وتساعدهم في اختيار الكتاب المناسب. في عام 2003 اندلعت الحرب في العراق, وخشيت السيّدة عالية على كتب المكتبة من الدّمار والسرقة, فأخبرت المعنيّين في المدينة عن قلقها, وطلبت منهم نقل الكتب الى مكان آمن, ولكنهم رفضوا. شعرت السيّدة بالحزن والقلق, فقد اشتدّت الحرب أكثر, ففكّرت وقرّرت أن تنقل الكتب سرّاً في الليل إلى منزلها, وفي كلّ يوم كانت تنقل مجموعة صغيرة منها. استمرّت الحرب, وبدأت تقترب من المكتبة, فزاد خوفها على الكتب, وراحت تبحث عن طريقة لِنقل الكتب بِسرعة قبل أن تتدمّر وتتلف.
طلبت السيّدة عالية من صديق لها اسمه أنيس محمد, يملك مطعمًا بالقرب من المكتبة, المساعدة في نقل الكتب, فوافق وانضمّ إليهما الجيران والأصدقاء, وقاموا معًا بِنقل ثلاثين ألف كتاب من المكتبة الى المطعم. وبعد عدّة أيام من نقل الكتب دمّرت الحرب المكتبة, وخشيت السيّدة عالية على الكتب الموجودة في مطعم صديقها أنيس, فهو يقع بِالقرب من المكتبة, فقامت باستئجار شاحنة كبيرة لِتنقل فيها الكتب إلى منزلها ومنازل أصدقائها, وبذلك أصبحت الكتب في أمان.
وبعد انتهاء الحرب وعودة الهدوء والسلام إلى المدينة وإصلاح الدّمار, عادت أمينةُ المكتبةِ الوفيّةُ إلى عملها في المكتبة, وعادت الكتب معها إلى رفوفها مرّة اخرى.
ولكن كيف اكتُشِفت قصّة أمينةِ المكتبةِ الشجاعة يا ترى؟
بعد انتهاء الحرب كان هناك العديد من الصحفيين والمراسلين الذين يبحثون عن قصص حقيقية وأخبار لِيضعوها في صحفهم وفي قنواتهم التلفزيونية, في البصرة كانت هناك صحفيّة تعمل في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية, تُدعى (شايلاك ديوان), كانت تلك الصحفيّة تبحث عن أخبار وقصص لِترسلها لِصحيفتها فأخبرها المترجم الذي كان يرافقها أنّ السيّد أنيس محمد, صاحب مطعم (حمدان) الذي يقع بالقرب من المكتبة المركزية, هو أحد أبطال قصّة حقيقية رائعة مع أمينة المكتبة الوفيّة, السيّدة عالية. استمعت الصحفيّة إلى قصّتهم, ونشرتها في صحيفتها لِيقرأها الآلاف والآلاف من القرّاء.
أعجبت القصّةُ الكاتبةَ جانيت وينتر, فحوّلتها إلى قصّة أطفال جميلة جدّاً باللّغة الإنجليزية, وقام الأستاذ أدونيس سالم بِترجمتها إلى اللّغة العربية, وأطلق عليها اسم (المرأة التي أنقذت مكتبة البصرة). وأعجبت القصّةُ أيضًا الكاتبَ مارك ألان ستاماتي, الذي كتب قصّة أخرى للأطفال عن أمينةِ المكتبةِ الشجاعة, بالّلغة الإنجليزية.
نتعلّم من هذه القصّة يا أصدقائي أنّ هناك أبطالًا حقيقيّين لُطفاء يعيشون بيننا, ويقومون بأعمال شجاعة للحفاظ على كلّ شيء جميل في بلادنا.
وإلى هنا تنتهي رحلتنا مع بطلة اليوم. ولكن مهلًا يا أعزّائي, لم تنتهِ قصص أبطالنا الحقيقيّين بعد, فهناك الكثير والكثير منهم, ففي كلّ مدينة هناك بطل حقيقيّ, ومن المؤكّد يا أصدقائي أنكم تعرفون أحدًا منهم. شاركونا إذًا وشاركوا أصدقاءكم بتلك القصص. وإلى اللّقاء.