متحف قطر الوطني.. وردة صحراوية تروي تاريخ قطر
نسير اليوم في الشارع الأشهر المحاذي للخليج العربي بدولة قطر. نعم إنه الكورنيش البديع الذي تتناثر على جانبيه معالم قطر الشهيرة, فعلى الجانب الأيمن من الشارع, صوب البحر, يتربع متحف الفن الإسلامي البديع بمعماره الفاتن.
أما على الجانب الآخر, فسوق “واقف” الذي يعيد زائره إلى أجواء الأسواق التراثية القديمة ببضائعها الجميلة وأزقّتها المنفتحة على الساحات الواسعة. وإذا واصلتم السير في هذا الشارع فسوف تصادفون بناءً غريبًا, لكن رونقه مُعْجِب, لونه أصفر ترابي, وهو عبارة عن أقراص متراكبة ومتداخلة بعشوائية دقيقة ومتقنة تفرز زوايا حادة وناتئة تشغل فراغاتها الواجهات الزجاجية, وتتصل هذه الأقراص على طول الشارع الذي تفصله عن البناء بركة ماء تتخللها نوافير مميزة, حيث عواميدها معقوفة ومستوية ومنّقطة, إذ تجسم هذه النوافير حروف اللغة العربية البديعة.
نحدثكم أصدقاءنا عن متحف قطر الوطني الذي افتتح في نهاية مارس 9102ويشغل مساحة 04ألف متر مربع, وتروي معروضاته الساكنة وقاعاته المتصلة تاريخ دولة قطر.
تصميم المتحف مستوحى من نبتة صحراوية اسمها وردة الصحراء أو وردة الرمال, وهي عبارة عن مجموعة من البلورات المسطّحة من الرمال تتشكّل في الصحراء نتيجة ظروف مناخية معيّنة, وتحديدًا بفعل اجتماع الرياح مع الماء المالح والرمال.
ولقد قصد المعماري الفرنسي الشهير جان نوفيل من ذلك التصميم أن يبيّن علاقة قطر القديمة بالصحراء, لاسيما أن في المتحف أقسامًا مخصصة للتاريخ الطبيعي لموقع البلاد الجغرافي. وقد حصد التصميم جائزة أفضل إطلالة من الأسطح في العالم لعام 9102.
ويعد هذا البناء الجميل النسخة الجديدة للمتحف القديم, وقد استغرق العمل على بناء المتحف الجديد 10 سنوات في سعي حثيث لإخراج البناء في أبهى صورة سواء من جهة الشكل أو من جهة المحتوى. نقترب من البناء فنجد المدخل في ثقب أحد الأقراص. نسرع بالدخول بعد قطع التذاكر فنكون أمام سلّم كهربائي يؤدي إلى ردهة المتحف الواسعة, وفيها متجران لبيع القطع التذكارية. إلى اليمين, مركز الاستديو, وفيه يستطيع الأطفال المشاركة في الأنشطة المدرجة ضمن البرنامج الشهري المتحف.
ولما واصلنا المشي في الردهة كان في اليسار منحوتة مرآتية جميلة تمثّل البطّولة أو البرقع التقليدي. وكانت هناك صالة للمعارض المؤقتة, تجاوزناها فوصلنا إلى مدخل الصالات الرئيسة للمتحف, وهي تأخذ الزائر في رحلة عبر التاريخ منذ عصور ما قبل التاريخ مرورًا بالعصر الإسلامي, ووصولاً إلى قطر الحديثة. ويزخر المتحف بمعروضات قيّمة تعبّر عن الحياة التقليدية في تراث البر والبحر, بل وتكشف عن قصة اكتشاف النفط في البلاد.
تتوسط حجرات المتحف المفتوحة ساحة فسيحة تسمى البراحة وبها ينتصب عمل «راية العز» للفنان أحمد البحراني, إلى جانب أعمال أخرى منها «في طريقهم» للفنان روش فاندروم, و«حكمة وطن» للفنان علي حسن, و«كان يا ما كان» للفنانة بثينة المفتاح, و«الزمن المكتشف» للفنانة أوغاوا ماتشيكو.
وقبل أن يُنهي الزائر جولته, سيجد نفسه يدخل قصر الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني الذي يحافظ على بنائه القديم. وهذا القصر شيّد عام 0191, وكان مبنى المتحف السابق البسيط إلى جوار القصر. غير أن المتحف الآن يبدو كما لو أنه يحتضن القصر, إذ يدخل الزائر إليه في طريق وصوله إلى المخرج, فيكون خير ما يختتم به أن يعيش ما كان شاهده قبل قليل في معروضات شديدة التنوع وأفلام وثائقية متقنة, لكن على أرض الواقع هذه المرة.
حقًّا إنها تجربة مستحقة ومتحف يستأهل الزيارة.