سماء وهلال وليلة عيد

في‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬من‭ ‬رمضان‭, ‬خرج‭ ‬الناس‭ ‬كعادتهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬الهلال‭, ‬هلال‭ ‬شوّال‭, ‬هلال‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭, ‬الذي‭ ‬ينتظره‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬صام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم‭. ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬كان‭ ‬الهلال‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭, ‬كان‭ ‬غاضبًا‭ ‬تارة‭ ‬ومنزعجًا‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭. ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬غيوم‭ ‬يختبئ‭ ‬خلفها‭, ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭. ‬

السماء‭ ‬الواسعة‭ ‬لاحظت‭ ‬تصرّفات‭ ‬هلال‭, ‬فسألته‭ ‬متعجّبة‭: 

هلال‭, ‬لماذا‭ ‬أنت‭ ‬مرتبك‭ ‬الليلة‭?! ‬ظننت‭ ‬أنك‭ ‬بأبهى‭ ‬حلّتك‭.‬‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ينتظرك‭. ‬

أجابها‭ ‬هلال‭ ‬بسؤال‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬أرجائها‭:‬

ماذا‭ ‬بي‭ ‬يا‭ ‬سماء‭?! ‬لا‭ ‬شيء‭. ‬أنا‭ ‬أحتاج‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬فقط‭. ‬

سماء‭ ‬ضاحكة‭: ‬

لا‭ ‬لا‭... ‬لا‭ ‬تتهوّر‭, ‬نحن‭ ‬نقوم‭ ‬بمهام‭ ‬دقيقة‭, ‬وأنت‭ ‬يا‭ ‬هلال‭ ‬أحد‭ ‬أوجه‭ ‬القمر‭, ‬تظهر‭ ‬بوقت‭ ‬محدّد‭ ‬ودقيق‭. ‬من‭ ‬فضلك‭ ‬عد‭ ‬إلى‭ ‬رشدك‭. 

هلال‭ ‬يثبت‭ ‬بمكانه‭ ‬ويقول‭ ‬لها‭: ‬

أنا‭ ‬الآن‭ ‬بقمّة‭ ‬رشدي‭, ‬إنني‭ ‬أشعر‭ ‬بالإهمال‭ ‬طوال‭ ‬السنة‭, ‬وأحظى‭ ‬بالاهتمام‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬فقط‭! ‬لماذا‭ ‬يا‭ ‬سماء‭? ‬إنني‭ ‬قرّرت‭ ‬أن‭ ‬أتعبهم‭, ‬ولن‭ ‬أظهر‭ ‬لهم‭ ‬حتى‭ ‬يقدّروا‭ ‬مكانتي‭ ‬الفلكية‭. ‬

سماء‭ ‬محتضنة‭ ‬الهلال‭ ‬النحيف‭ ‬برقّة‭: ‬

هلال‭ ‬إن‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬يترقّبون‭ ‬ليلة‭ ‬العيد‭, ‬يتطلّعون‭ ‬لِهلال‭ ‬شهر‭ ‬شوال‭, ‬إنهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عنك‭ ‬ليفطروا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أتمّوا‭ ‬الصيام‭, ‬وأحيوا‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان‭ ‬بالطاعات‭ ‬والعبادات‭, ‬وأنت‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬شكل‭ ‬الهلال‭ ‬الجميل‭, ‬هيا‭ ‬اظهر‭ ‬وأفرحهم‭, ‬تذكّر‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬صاموا‭ ‬لأوّل‭ ‬مرّة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭.‬

هلال‭ ‬بحزن‭ ‬ومكابرة‭: ‬

لا‭ ‬لا‭ ‬لن‭ ‬أظهر‭, ‬ولن‭ ‬أبين‭ ‬لهم‭, ‬فليصوموا‭ ‬حتى‭ ‬يسأموا‭ ‬ويتعبوا‭, ‬فليصوموا‭ ‬ليتذكّروا‭ ‬مهمّتي‭ ‬ويهتموا‭ ‬بولادتي‭ ‬كلّ‭ ‬شهر‭ ‬عربي‭. 

سماء‭ ‬تحنو‭ ‬على‭ ‬هلال‭ ‬وتقول‭ ‬له‭: ‬

عزيزي‭, ‬نحن‭ ‬جميعًا‭ ‬مخلوقات‭ ‬الله‭, ‬لنا‭ ‬مهامّ‭ ‬محدّدة‭, ‬ومرتبطون‭ ‬ببعضنا‭ ‬البعض‭. ‬لحركتنا‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬أثرها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وسكّانها‭. ‬وأنت‭ ‬منذ‭ ‬ساعات‭ ‬أصبحت‭ ‬هلالًا‭, ‬ومعك‭ ‬يبدأ‭ ‬الشهر‭ ‬العربي‭ ‬الجديد‭, ‬وفي‭ ‬منتصفه‭ ‬تكون‭ ‬بدرًا‭ ‬مكتملاً‭, ‬وتتضاءل‭ ‬لتصبح‭ ‬محاقًا‭ ‬في‭ ‬نهايته‭, ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬هلالاً‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬التخفّي‭ ‬طويلاً‭. ‬إنك‭ ‬أحد‭ ‬وجوه‭ ‬القمر‭ ‬التي‭ ‬تتشكّل‭ ‬بدورانه‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬خلال‭ ‬29‭.‬5‭ ‬يوم‭. ‬ولا‭ ‬أخفيك‭ ‬سرًّا‭, ‬للبشر‭ ‬حسابات‭ ‬فلكية‭ ‬لتقدير‭ ‬الأيّام‭ ‬والشهور‭ ‬تغنيهم‭ ‬عنك‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تعثّر‭ ‬ظهورك‭ ‬الواضح‭. ‬

هلال‭ ‬ينظر‭ ‬للأرض‭, ‬ويقاطع‭ ‬سماء‭ ‬فجأة‭ ‬ويقول‭:‬

انظري‭ ‬كيف‭ ‬ينتشر‭ ‬الناس‭ ‬ليبحثوا‭ ‬عنّي‭... ‬ألا‭ ‬ترين‭ ‬هؤلاء‭?!! ‬منهم‭ ‬من‭ ‬اعتلى‭ ‬المرتفعات‭, ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬اختلى‭ ‬بالصحراء‭, ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬قضى‭ ‬يومه‭ ‬في‭ ‬المراصد‭, ‬حاملين‭ ‬التلسكوبات‭ ‬المتطوّرة‭ ‬والعدسات‭ ‬المقرّبة‭ ‬آملين‭ ‬رؤيتي‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬فقط‭, ‬ولم‭ ‬يعتمدوا‭ ‬على‭ ‬حساباتهم‭ ‬الفلكية‭ ‬كما‭ ‬تقولين‭. ‬

سماء‭ ‬توضّح‭ ‬الأمر‭ ‬لهلال‭: ‬

‭ ‬البحث‭ ‬عنك‭ ‬وتحرّي‭ ‬رؤيتك‭ ‬أصبح‭ ‬طقسًا‭ ‬جميلًا‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬أينما‭ ‬كانوا‭, ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬الكبار‭ ‬والصغار‭ ‬يترقّبون‭ ‬إعلان‭ ‬ليلة‭ ‬العيد‭ ‬بالمذياع‭ ‬والتلفاز‭, ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬الليلة‭ ‬أو‭ ‬ليلة‭ ‬الغد‭. ‬فما‭ ‬عليك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬وتسعدهم‭, ‬وتفرح‭ ‬أنت‭ ‬أيضًا‭. ‬

هلال‭:‬

‭ ‬ولماذا‭ ‬أفرح‭? ‬

سماء‭ ‬تندفع‭ ‬لتقنعه‭:‬

‭ ‬لأنك‭ ‬عندهم‭ ‬رمز‭ ‬للعيد‭ ‬ورمضان‭, ‬إنهم‭ ‬يتّخذون‭ ‬من‭ ‬شكلك‭ ‬الهلالي‭ ‬زينة‭, ‬ويستبشرون‭ ‬برؤيتك‭ ‬الآن‭ ‬ليعلنوا‭ ‬انقضاء‭ ‬مدّة‭ ‬الصيام‭ ‬وحلول‭ ‬أول‭ ‬أيام‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭... ‬ألا‭ ‬تفرحك‭ ‬استعدادات‭ ‬الأطفال‭ ‬الصائمين‭ ‬بليلة‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭, ‬ألا‭ ‬تسعد‭ ‬بسعادة‭ ‬المحتاجين‭ ‬بزكاة‭ ‬الفطر‭ ‬والصدقات‭ ‬والعيادي‭, ‬ألا‭ ‬تهنأ‭ ‬بإطلالتك‭ ‬على‭ ‬جمعة‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء‭ ‬في‭ ‬الحدائق‭ ‬والمتنزهات‭?! ‬

هلال‭ ‬بندم‭ ‬ورغبة‭ ‬بالظهور‭: ‬

وكم‭ ‬من‭ ‬ليلة‭ ‬عيد‭ ‬جميلة‭ ‬قضيتها‭ ‬معهم‭ ‬وأنا‭ ‬أطالع‭ ‬تجهيزاتهم‭ ‬للملابس‭ ‬الجديدة‭ ‬والكعك‭ ‬الشهيّ‭, ‬ولعب‭ ‬الصغار‭ ‬أمام‭ ‬منازلهم‭ ‬ليلة‭ ‬العيد‭. ‬

سماء‭ ‬بحماس‭: ‬

‭ ‬يا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أجواء‭... ‬لا‭ ‬تفوّتها‭ ‬يا‭ ‬هلال‭, ‬هيا‭ ‬اظهر‭ ‬إنهم‭ ‬بانتظارك‭. 

يطلّ‭ ‬هلال‭ ‬بنوره‭ ‬المنحني‭ ‬وسط‭ ‬سماء‭ ‬صافية‭ ‬انتثرت‭ ‬النجوم‭ ‬اللامعة‭ ‬في‭ ‬أرجائها‭ ‬وكأنها‭ ‬زينة‭ ‬ضوئية‭ ‬متلألئة‭, ‬وما‭ ‬إن‭ ‬لمحه‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬حتى‭ ‬انطلقت‭ ‬أغنيات‭ ‬العيد‭, ‬وفرقعت‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية‭, ‬واعتلت‭ ‬تبريكات‭ ‬الصائمين‭ ‬الصغار‭ ‬وذويهم‭ (‬عيد‭ ‬سعيد‭... ‬كلّ‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭... ‬عساكم‭ ‬من‭ ‬العائدين‭ ‬الفائزين‭).‬

 

رسوم‭: ‬دلال‭ ‬راشد