الشيف الصغير يقاوم السرطان ويرسم الأحلام
الطفل الفلسطيني محمود أبو ندى 12عامًا , يملأ الإصرار والعزيمة قلبه وعقله, ومع صغر سنه وإصابته بمرض سرطان الدم «التلاسيميا», فقد سعى لتحقيق حلمه بأن يكون أصغر «شيف» في فلسطين. ففي مطعم «أوريجانو», تجد محمودًا مرتديًا قبّعته الحمراء الجميلة ورداءً أبيض يعجّ بألوان التوابل التي يبدع في وضعها على أطباقه, يقف خلف منضدته, يتحكَّم بأدوات الطهي وكأنَّها صُنعت لأجله, يمسك السكين, ومقتنيات المطبخ بحرفية وإتقان.
سندويشات وأندومي وأشياء أخرى
اكتشفت عائلة محمود موهبته وهو في عمر التاسعة, بتدخّله في شؤون الطبخ داخل المنزل ومساعدته لوالدته دائمًا, إلا أن الأمر تطور بعدما كان يطلب أن يعد للأسرة وجبات خفيفة كانت تنال إعجابهم, بعدها لاحظت والدته أنه مهتم بهذا الفن ودائم المتابعة لها أثناء الطبخ وسؤالها عن كلّ التفاصيل والمقادير. يقول محمود: «شغفي بإعداد السندويشات في البيت, وحبي لوجبة الفطور التي أعدّها بنفسي, كانت البداية, كان إخوتي يطلبون مني إعداد الإندومي, وكنت أطهو الشكشوكة والوجبات البيتية الخفيفة».
الداعم الأول للشّيف الصغير
كانت أسرة محمود تخشى عليه من مخاطر المطبخ, حتى أن والده راودته فكرة وضع قفل على باب المطبخ. ولكن بعد التأكّد من موهبته, أصبح والده الداعم الأول له, ويقول عنه: «هو من يساندني, ويتبنّى أفكاري, ويؤمن بقدراتي, يشجّعني ولا يتركني أستسلم أبدًا».
كان المنزل مكان تدريب محمود على كافّة الأطباق الجديدة التي يتعلّمها, وحين يتقنها ينقلها إلى مطبخه بالمطعم. وفي المنزل أيضًا كان يتابع البرامج المتخصّصة في الطبخ, العربية منها والعالمية, ليحاول من خلالها التعرّف على المطابخ المختلفة والمتنوعة حول العالم.
من البيت إلى المطعم
لم يُسمح لمحمود الانضمام للمطعم كعامل بسبب صغر عمره الذي لا يتناسب مع قوانين العمل, لكن سُمح له بالتواجد كمتدرب بعد أن اجتاز بمهارة الاختبارات التي اعتمدت على حاسة التذوق, حول طبيعة التوابل وأسمائها, كما اختبرت قدرته على الاستخدام السليم للسكين وآليّة تقطيع الخضراوات والفواكه.
الشيف الصغير اليوم, قادر على ابتكار أطباق ووصفات جديدة, فقد اكتشف طبقًا جديدًا أطلق عليه اسم «شاورما البيض», ابتكر نوعًا جديدًا من تصنيفات البيتزا التي سُجّلت في قائمة الطلبات الخاصّة بالمطعم, كما صنع بهارًا للدجاج سيطلق عليه اسم «بهار محمود».
وهناك زبائن للشيف الصغير, وهم يأتون خصّيصًا لتناول أطباقه الشهيّة, ويحرصون على إلقاء السلام على شيفهم المفضل, شاكرين له جهوده في إعداد طعامهم اللذيذ. ويقول عن طريقته في إعداد أطباقه «أبدأ بتحضير الأدوات الخاصّة بالطبق الذي سيكون على رأس قائمتي, وأحاول أن أضفي عليه لمسة فنية, فأنا مؤمن جدًا بمقولة «العين تأكل قبل الفم» ليخرج الطبق شهيّاً بكل مهنية واحترافيه, وأقدّمه متّخذًا أساليب إتيكيت فنون المطبخ».
العزيمة في مواجهة المرض
في بداية إصابة محمود بسرطان الدم, رفض التواصل مع المؤسّسات التي ترعى المصابين به, ولكنه أحبها كثيرًا بعد أن سمحت له إدارة مؤسّسة بسمة أمل لمرضى السرطان أن يحضّر وجبة للأطفال هناك, ويقول: شعرت وقتها بسعادة بالغة جعلتني أتعلّق بالمكان وكل العاملين فيه.
في مراحل التشافي, يتعب المريض قليلاً, وذلك ما جعل محمودًا يتابع دراسته بالمنزل, ويتقدّم للامتحانات في نهاية العام. كما أنه يواصل ممارسة هوايته في المنزل والمطعم.
الشيف الصغير, يثبت لنا أن كل المُعيقات التي تعترض الإنسان, يمكن مواجهتها إمّا بالتغلّب عليها أو التكيّف معها, وذلك يبدأ من النفس والإيمان بقدرة الله ومن ثم قدراته الخاصة. فهو لا يزال يصنع أشهى أطباق المأكولات والحلويات بأنواعها. كما أنّ له حلمًا كبيرًا يتطلّع له ويسعى لِتحقيقه, وهو أن يصبح أول معلّم لِفنّ الطهي في غزّة, وأن يفتتح مطعمه الخاصّ, ويطلق عليه اسم «الشيف الصغير», يقدّم من خلاله دروسه للموهبين الصغار.