غانم الذي أحبّ النقاط
كان غانم طفلاً صغيرًا, مقبلاً على العلم ومحبّاً للتعلم, حين أكمل عامه السادس أدخله والده إلى المدرسة الابتدائية. وهناك لقي صعوبة في القراءة من السبورة, ومتابعة الدرس مع أستاذة, كما استبعده أصدقاؤه من لعب الكرة التي كان يحبها كثيرًا, فهو يعيقهم بالركض وتسجيل الأهداف. لم يوفّق في سنته الأولى, فرسب, وظن والداه بأن لديه مشكلة في عملية التعلم. أعاد غانم السنة, ونجح, فانتقل إلى الصف الثاني, إلا أن معلمه لاحظ عجزه عن قراءة الأحرف وكتابتها وتأخره الدائم في الانتهاء من الواجب الصفّي. وفي أحد الأيام استشاط المعلم غضبًا وضربه, واستدعى وليّ أمره.
حادثة ضرب
ظن الجميع أن غانماً الصغير محدود الذكاء, ومتأخر عقليًا عمّن هم في سنّه, فطلب من والديه التحقّق من سلامة ابنهما العقلية والجسدية, والبحث عن مدرسة مناسبة له. وحادثة ضرب المعلم له, لم يذكرها إلا لأخته التي سألته عن السبب, فقال لها: ضربني المعلم لِعدم قدرتي على قراءة الأحرف.
فسألته: كيف؟ إنك تحفظها عن ظهر غيب.
أجابها: لأنه طلب مني قراءة الأحرف المكتوبة على السبورة فقط, وأنا لم أكن أرى ما كان عليها.
هنا, عرفت أخته بأن غانماً لديه مشكلة في بصره, وبالفعل, كان يعاني من مشكلة في الشبكية منذ ولادته, جعلته غير قادر على رؤية الأشياء بوضوح, وصنّف على أنه كفيف جزئياً. وتمّ تحويله إلى مدرسة النور الخاصة بالمكفوفين.
في مدرسة النور
بدأ غانم الصغير الدراسة من الصف الأول الابتدائي, وأغضبه ذلك كثيرًا, لأنه رأى بأحقّيته في استكمال سنته الثانية بمدرسته وليس بمدرسة للمكفوفين. بينما قصدت إدارة المدرسة تعليمه الأحرف والأرقام مرة ثانية ولكن بلغة برايل*. وقد تعلّمها على مضض, مرهقًا لمعلمه, لاستخدامه لعينيه لا إصبعه في القراءة, بحجّة أنه يرى ولا يحتاج لإصبعه. إن المصاب بالعمى الجزئي صعب عليه التعلم بلغة برايل, كما أن جهل أسرته بتلك اللغة زاد الأمر سوءًا, فجعلته يشعر بأنه مختلف عن أخوته.
غانم ولغة برايل
حين استمر التلميذ غانم بالتعلم في مدرسة النور, وجد الكثير من الأصدقاء مثله, فدرس وتعلم ولعب واستمتع, بجميع المراحل الدراسية, بل وتفوّق خاصة باللغة العربية, وأحب الموسيقى, وكان عازف أكسيلفون ماهرًا, وشارك في الكثير من الحفلات المدرسية. أجاد غانم لغة برايل, وتلاشى غضبه مع سنوات الدراسة, وبلغ سنته النهائية في الثانوية العامة, ولأنه أراد معدّلاً مرتفعاً, قضى عطلته الصيفية في تحويل كل كتب المرحلة الأخيرة للغة برايل, لوحده, وبواسطة آلة تسمى «الطابعة الإنجليزية» كانت توزعها المدرسة على طلابها, إلا أنه تفاجأ في بداية العام بتغيير كل المناهج الدراسية. تلك الحادثة لم تنل من همته, فتخرّج من الثانوية العامة بنسبة 77 في المائة, والتحق بجامعة الكويت ودرس علم الاجتماع, وتخرج منها بعد 3 سنوات ونصف بتقدير جيد جدًا, ثم عمل أخصائياً اجتماعياً لسنوات عدّة.
في مطبعة جمعية المكفوفين
هو الأستاذ غانم عودة, الذي يعكف على العمل الدؤوب في مطبعة جمعية المكفوفين الكويتية, كمحرّر ومشرف على عملية تحويل الكتب إلى لغة برايل. ويفخر بعمل المطبعة, ففيها يطبع القرآن الكريم, ومجلة العربي والعربي الصغير, والكثير من الإصدارات للصغار والكبار. وهو يفرح بإقبال المكفوفين على الجمعية وإصدارات المطبعة, ويفرح أكثر بمشاركة المبصرين لاهتماماتهم وإنجازاتهم.
من غانم لذوي الهمم الصغار
-كونوا أقوياء, أصحاب إرادة قوية وعزيمة, وسيطروا على انفعالاتكم, ولا تضعفوا أمام المحن.
-استمتعوا بالحياة من حولكم, وتعلّم لغة برايل متعة تفتح لكم أبواب المعرفة والتسلية.
-آمنوا بقدراتكم, وألغوا كلمة مستحيل من حياتكم, مهما قيل لكم عن الصعوبات التي ستواجهكم.
-افخروا بأنفسكم وإنجازاتكم, ولا تُحبطوا بآراء الآخرين, فأنتم أهل البصيرة لا البصر.
-لا تنسوا أن يكون لكم قدوة تحتذون بها, مثل هيلين كيلر, وطه حسين.
* لغة برايل: لغة القراءة للمكفوفين, تعتمد على النقاط البارزة ويمكن للمكفوفين تحسّسها بالأصابع, اخترعها لويس برايل.
* مطبعة جمعية المكفوفين الكويتية, تسمى بمطبعة المرحوم محمد عبدالمحسن الخرافي, تأسّست عام 1995م.