ألعاب في صحبة الأجداد

‮«‬الزائرون‭ ‬الأعزاء‭, ‬ضعوا‭ ‬أجهزتكم‭ ‬الذكية‭ ‬في‭ ‬السلة‭, ‬وتفضلوا‭ ‬بالدخول‮»‬‭.‬

استقبلتنا‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬عند‭ ‬مدخل‭ ‬غرفة‭ ‬المعيشة‭, ‬حيث‭ ‬علقتها‭ ‬جدتي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قررت‭ ‬هي‭ ‬وجدي‭ ‬أن‭ ‬يجعلا‭ ‬يوم‭ ‬الزيارة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬لأحفادهما‭ ‬يوما‭ ‬للحديث‭ ‬والحركة‭, ‬فقد‭ ‬قالت‭ ‬لنا‭: ‬

‮«‬لن‭ ‬أسمح‭ ‬لكم‭ ‬أن‭ ‬تمضوا‭ ‬وقت‭ ‬زيارتنا‭ ‬وأنتم‭ ‬تمعنون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬أجهزتكم‭ ‬ساعات‭ ‬متواصلة‭, ‬من‭ ‬دون‭ ‬حديث‭ ‬معنا‭ ‬أو‭ ‬حركة‭ ‬حولنا‭, ‬لذا‭ ‬سنصنع‭ ‬معكم‭ ‬يوماً‭ ‬مميزاً‮»‬‭.‬

قلنا‭ ‬سرا‭ ‬فيما‭ ‬بيننا‭: ‬سيكون‭ ‬يوما‭ ‬ثقيلا‭ ‬ومملا‭, ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬ينقضي‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬بسرعة‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬تناولنا‭ ‬الغداء‭, ‬جمعنا‭ ‬جدي‭ ‬حوله‭, ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬أشياء‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬ويبدو‭ ‬سعيدا‭ ‬جدا‭, ‬وقال‭: ‬

صنعت‭ ‬لكم‭ ‬‮«‬نبله‮»‬‭, ‬ونسميها‭ ‬قديما‭ (‬نباطة‭) ‬وهي‭ ‬أداة‭ ‬لصيد‭ ‬الطيور‭, ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬مني‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا‭, ‬فهي‭ ‬خشبة‭ ‬مستطيلة‭ ‬أفرغت‭ ‬وسطها‭, ‬وحددت‭ ‬طرفيها‭ ‬ثم‭ ‬علقت‭ ‬قصائص‭ ‬رفيعة‭ ‬من‭ ‬المطاط‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منهما‭, ‬وجمعتهما‭ ‬بقطعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الجلد‭, ‬وأصبحت‭ ‬جاهزة‭ ‬لاصطياد‭ ‬الطيور‭, ‬وهي‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬حمد‭.‬

رد‭ ‬عليه‭ ‬حمد‭: ‬النبال‭ ‬الجاهزة‭ ‬أفضل‭ ‬وأجمل‭ ‬منها

تجاهله‭ ‬جدي‭, ‬وأكمل‭ ‬حديثه‭: ‬أما‭ ‬هذه‭ ‬الكرة‭, ‬فقد‭ ‬صنعتها‭ ‬جدتكم‭.. ‬ضحكت‭ ‬جدتي‭ ‬وقالت‭: ‬

كان‭ ‬لدي‭ ‬جلباب‭ ‬قديم‭ ‬رث‭, ‬قصصته‭, ‬ثم‭ ‬لففت‭ ‬قطعه‭ ‬بشكل‭ ‬كروي‭ ‬محكم‭, ‬وخيطتها‭ ‬بالإبرة‭, ‬ليلعب‭ ‬بها‭ ‬عمر‭ ‬الصغير‭. ‬

علقت‭ ‬غنيمة‭ ‬أخت‭ ‬عمر‭ ‬الصغير‭ ‬قائلة‭: ‬شكرا‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬جدتي‭, ‬إنها‭ ‬مناسبة‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬تؤذي‭ ‬أصابع‭ ‬قدميه‭ ‬الرقيقة‭. ‬

وإذ‭ ‬بجدي‭ ‬يرفع‭ ‬ناياً‭ ‬خشبياً‭ ‬بيده‭, ‬وقال‭: ‬إنه‭ ‬لبدر‭, ‬أعلم‭ ‬أنه‭ ‬يهوى‭ ‬العزف‭. ‬التقطه‭ ‬بدر‭ ‬فرحا‭, ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬جربه‭, ‬قال‭: ‬إنه‭ ‬متقن‭, ‬كيف‭ ‬صنعته‭ ‬يا‭ ‬جدي‭? 

أجابه‭ ‬جدي‭ ‬وهو‭ ‬مسرور‭ ‬لفرحه‭: ‬نسميه‭ ‬بلهجتنا‭ ‬الكويتية‭ (‬ماصول‭), ‬فقد‭ ‬أخذت‭ ‬قصباً‭ ‬من‭ ‬صديق‭ ‬لي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يصنع‭ ‬الحظور‭ (‬شبكة‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الخشب‭, ‬وتعد‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك‭ ‬قديما‭), ‬وثقبتها‭ ‬بستة‭ ‬ثقوب‭, ‬ثم‭ ‬شرخت‭ ‬الطرف‭ ‬الأعلى‭ ‬لقصبة‭ ‬أخرى‭ ‬رفيعة‭ ‬وصغيرة‭, ‬وأدخلت‭ ‬طرفها‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬القصبة‭ ‬الأولى‭, ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬فراغ‭ ‬بينهما‭. 

وفجأة‭, ‬قالت‭ ‬جدتي‭: ‬أنا‭ ‬أيضا‭ ‬جهزت‭ ‬لحفيداتي‭ ‬لعبة‭ ‬‮«‬صبت‮»‬‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬الورقة‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬الأحجار‭. ‬

قلت‭ ‬لها‭: ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬مسلية‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تفكير‭ ‬وذكاء‭, ‬فسريها‭ ‬أكثر‭ ‬لنا‭. ‬

سعدت‭ ‬جدتي‭ ‬باهتمامي‭ ‬بتجهيزاتها‭ ‬للعبة‭, ‬وقالت‭: ‬قديما‭ ‬كنا‭ ‬نرسم‭ ‬مربعاً‭ ‬ونقسمه‭ ‬الى‭ ‬أربعة‭ ‬مربعات‭ ‬متساوية‭ ‬على‭ ‬التراب‭, ‬ثم‭ ‬يجهز‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬اللاعبين‭ ‬3‭ ‬قطع‭ ‬متشابهة‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬نوى‭ ‬التمر‭ ‬أو‭ ‬قطع‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬الأطعمة‭, ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فرسمت‭ ‬المربعات‭ ‬على‭ ‬ورقة‭, ‬وجهزت‭ ‬ثلاثة‭ ‬أزرار‭ ‬متشابهة‭ ‬الشكل‭ ‬واللون‭ ‬لكل‭ ‬لاعب‭. ‬

أما‭ ‬طريقة‭ ‬اللعب‭ ‬فهي‭ ‬محاولات‭ ‬كل‭ ‬لاعب‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬قطعه‭ ‬الثلاث‭ ‬على‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬المربعات‭ ‬الأربعة‭, ‬ويتم‭ ‬تحريك‭ ‬القطع‭ ‬حتى‭ ‬ينجح‭ ‬أحد‭ ‬اللاعبين‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬قطعه‭ ‬الثلاث‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬مستقيم‭, ‬ويقول‭ ‬حينذاك‭ ‬‮«‬صبت‮»‬‭ ‬أي‭ ‬انتظمت‭ ‬ويكون‭ ‬الفائز‭. ‬

جدي‭, ‬جدي‭, ‬أعطني‭ ‬‮«‬النباطة‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬لمحت‭ ‬طائرا‭ ‬على‭ ‬الشجرة‭, ‬أريد‭ ‬اصطياده‭ ‬بسرعة‭, ‬هيا‭ ‬يا‭ ‬جدي‭, ‬هكذا‭ ‬قال‭ ‬حمد‭, ‬وأعطاه‭ ‬جدي‭ ‬إياها‭ ‬وهو‭ ‬يبتسم‭, ‬ويذكره‭: ‬احتفظ‭ ‬بها‭ ‬إنها‭ ‬صنعت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬جدك‭.‬

انقضى‭ ‬يوم‭ ‬زيارة‭ ‬الجد‭ ‬والجدة‭ ‬بسرعة‭ ‬ومتعة‭, ‬ومرت‭ ‬ساعاته‭ ‬بين‭ ‬عزف‭ ‬بدر‭ ‬للناي‭, ‬ورمي‭ ‬عمر‭ ‬الصغير‭ ‬للكرة‭ ‬القماشية‭, ‬وغنائم‭ ‬حمد‭ ‬من‭ ‬الطيور‭ ‬والعصافير‭. ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬منازلنا‭, ‬تذكرنا‭ ‬أننا‭ ‬نسينا‭ ‬أجهزتنا‭ ‬الذكية‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬جدتي‭.