كيف تشتري دراجة؟

دقّ‭ ‬جرس‭ ‬انتهاء‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭, ‬في‭ ‬مدرستي‭, ‬فصار‭ ‬طلاب‭ ‬صفي‭ ‬التاسع‭, ‬يتسابقون‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬كعادتي‭ ‬أخيراً‭, ‬تمهلت‭ ‬في‭ ‬الخروج‭. ‬فلم‭ ‬أعد‭ ‬مضطراً‭ ‬للمشي‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭, ‬الذي‭ ‬يبعد‭ ‬عن‭ ‬المدرسة‭, ‬حوالي‭ ‬الألف‭ ‬متر‭.‬

وفي‭ ‬الشارع‭, ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أركب‭ ‬دراجتي‭. ‬رأيت‭ ‬صديقي‭ ‬مروان‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬قدميه‭. ‬فبيته‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬يبعد‭ ‬عن‭ ‬المدرسة‭ ‬كثيراً‭. ‬سلّمت‭ ‬عليه‭ ‬أثناء‭ ‬ركوبي‭ ‬للدراجة‭. ‬ولكن‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬لوجهه‭ ‬الحزين‭, ‬أخبرتني‭ ‬أنه‭ ‬يعاني‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭, ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭.‬

نزلت‭ ‬عن‭ ‬الدراجة‭, ‬ثم‭ ‬أخذت‭ ‬أسير‭ ‬بجواره‭, ‬لعلي‭ ‬أعرف‭ ‬سبب‭ ‬حزنه‭. ‬فأخبرني‭ ‬أن‭ ‬والده‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬له‭ ‬دراجة‭. ‬لم‭ ‬أسأله‭ ‬عن‭ ‬السبب‭, ‬عندما‭ ‬أكمل‭ ‬قائلاً‭: ‬إن‭ ‬والده‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭, ‬خيّره‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬له‭ ‬حاسوباً‭ ‬شخصياً‭ ‬أو‭ ‬دراجة‭, ‬فاختار‭ ‬الحاسوب‭. ‬والآن‭ ‬هو‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬الدراجة‭.‬

واسيت‭ ‬صديقي‭ ‬مروان‭, ‬بعدها‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬حكاية‭ ‬مشابهة‭, ‬حدثت‭ ‬معي‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭. ‬

طلبت‭ ‬من‭ ‬أبي‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬لي‭ ‬دراجة‭ ‬جديدة‭. ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬المسافة‭ ‬القصيرة‭ ‬بين‭ ‬البيت‭ ‬والمدرسة‭, ‬فإنني‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭ ‬المتعب‭, ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬مشقة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬قطعها‭. ‬وبالأخص‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬البرد‭ ‬والشتاء‭ ‬الممتدة‭.‬

رفض‭ ‬أبي‭, ‬فحزنت‭ ‬كثيراً‭, ‬ولم‭ ‬ينفع‭ ‬كذلك‭ ‬إلحاحي‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬أمي‭, ‬بأن‭ ‬تجعل‭ ‬أبي‭ ‬يوافق‭ ‬على‭ ‬شرائها‭. ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬تخبرني‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الالتزامات‭, ‬الواجب‭ ‬دفعها‭ ‬في‭ ‬مواعيد‭ ‬محددة‭, ‬فعلمت‭ ‬أنني‭ ‬لن‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬دراجتي‭ ‬الجديدة‭ ‬أبداً‭. ‬

وصرت‭ ‬أيضاً‭ ‬أسمعهم‭ ‬يتحدثون‭ ‬أثناء‭ ‬الطعام‭, ‬عن‭ ‬التبرعات‭, ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يقومون‭ ‬بها‭ ‬لمصلحة‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬والمستشفيات‭ ‬الخيرية‭. ‬فعلمت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أموراً‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬تخفى‭ ‬عليّ‭.‬

كانت‭ ‬نقطة‭ ‬التحوّل‭, ‬عندما‭ ‬استدعاني‭ ‬أبي‭, ‬ليخبرني‭ ‬بأنه‭ ‬سيزيد‭ ‬مصروفي‭ ‬اليومي‭. ‬حينها‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بالادخار‭, ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شراء‭ ‬الدراجة‭ ‬الجديدة‭. ‬فصرت‭ ‬أقلل‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬الطعام‭ ‬والحلوى‭, ‬من‭ ‬مقصف‭ ‬المدرسة‭, ‬معتمداً‭ ‬على‭ ‬طعامي‭ ‬الذي‭ ‬تعدّه‭ ‬والدتي‭ ‬بالبيت‭ ‬صباحاً‭.‬

ثم‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬بالي‭ ‬فكرة‭, ‬قررت‭ ‬تنفيذها‭ ‬على‭ ‬الفور‭. ‬فأختي‭ ‬الطالبة‭ ‬الجامعية‭. ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬مكافآت‭ ‬تشجيعية‭ ‬من‭ ‬والدتي‭, ‬لمساعدتها‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬المنزل‭. ‬فأصبحت‭ ‬أفعل‭ ‬مثلها‭, ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتلقى‭ ‬أي‭ ‬مكافآت‭. ‬فصارحت‭ ‬أمي‭ ‬بذلك‭.‬

فكان‭ ‬ردها‭ ‬واضحاً‭, ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أقوم‭ ‬به‭, ‬من‭ ‬ترتيب‭ ‬حجرتي‭, ‬وغسل‭ ‬الأطباق‭ ‬والأكواب‭ ‬التي‭ ‬أستخدمها‭, ‬هو‭ ‬من‭ ‬واجباتي‭ ‬المنزلية‭. ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬أختي‭, ‬هو‭ ‬جهد‭ ‬إضافي‭.‬