مُتحف الشوكولاتة عندما يلتقي الفنّ بلذّة المذاق
رحلتنا اليَوْم أيُها الأصدقاءُ متميّزة وفريدة, فقد قصدنا مُتْحَفاً في مدينة إسطنبول في الجمهورية التركية يعرض, كما هو معتاد في كل المتاحف, شيئاً من تاريخ المدينة وأهم المعالِم والشخصيّات المؤثّرة فيها. لكن ما وجه الفرادة في ذلك? فالمتاحف كلّها تعرض مقتنيات ومحتويات تذكّر بماضي وتراث الشعوب, أو تعرض لفنونها في الماضي والحاضر.
قبل أن نجيب على هذا التساؤل نطرح عليكم أيّها الأحباء, سؤالاً: أتعرفون ما هي الشجرة التي تعطينا ألذّ ثمرة يحبّها الكبار والصغار? لا شك أنكم تعرفونها.. نعم إنها شجرة الكاكاو. لكن ما علاقة شجرة الكاكاو بهذه الرحلة التي تقوم بها «العربي الصغير» إلى هذا المُتْحَف البديع? هنا تكمن المفاجأة; إنّ كلّ مقتنيات المُتْحَف الذي نزوره لكم اليوم مصنوعة من الكاكاو. ألم نقل لكم إنها رحلة فريدة? هي بالفعل فريدة ولذيذة لأنها تجمع بين الفنّ والشوكولاتة.
اسم المتحف «مُتْحَف بليت للشوكولاتة», وأما مكانه فيقع في منطقة أسان يورت شمال إسطنبول, وهو الأوّل من نوعه في تركيا والمنطقة, ومن المتاحف الفريدة على مستوى العالم. وقد استقلّنا حافلة كبيرة مع مجموعة من أصدقائنا الأطفال, حيث استغرقت الرحلة ما يقارب الساعة من نقطة الانطلاق في وسط إسطنبول. فكرة المتحف هي جذب الناس من خلال الطعم اللذيذ للشوكولاتة, للتعرّف على كثير من المحطّات التاريخية والتحف المعماريّة والشخصيات المهمّة في تركيا والعالم.
يشغل المتحف مساحة ٢٥ ألف متر مربع, ويحتوي على مجسّمات ولوحات فنيّة نُحِتَت من عشرات الأطنان من الشوكولاتة بكل أنواعها, البيضاء والداكنة والممزوجة بالحليب, وقام بنحتها فنّانون على قدر كبير من المهارة والدقة والإبداع.
للمتحف الفريد قاعات مفتوحة على بعضها البعض, وفي كلّ قاعة توجد مجسّمات ومنحوتات يجمعها موضوع واحد. دخلنا إلى القاعة الرئيسة فوجدنا الجدران نُحِتَت على شكل بيوت بها نوافذ أنيقة, وفِي وسط القاعة ثمّة بيت مبنيّ بالكامل من الشوكولاتة. البيت جميل وعند بابه نَحْتٌ لطفلين يلهُوان, أما نوافذ البيت فرائعة التصميم, تطلّ من إحداها ساحرة عجوز ذات أنف طويل ووجه مجعّد مخيف. وقد شاهدنا إلى يمين المدخل شجرة الكاكاو, ووجدنا أسفلها أكياساً بها حبات الكاكاو الحقيقية. وتتوزّع في القاعة منحوتات جميلة, منها برج إيفل الباريسي, وألواح كبيرة من الشوكولاتة, فضلاً عن حسناء جميلة منحوتة من الشوكولاتة أيضا. غير أن ما لفت أنظارنا, تلك الزاوية التي تضمّ منحوتة كبيرة لسفينة يخرج منها كثير من الحيوانات, وقيل لنا إنها تمثّل سفينة نوح, حيث ترمز هذه السفينة إلى الولادة الجديدة للحياة, لقد كانت الحيوانات جميعها جميلة, غير أن الفيل أكثر ما أعجبنا منها. كل ذلك ولم ننته بعد من هذه القاعة, لأن بها شلّالاً جذّاباً, وإذا كانت الشلّالات ينهمر الماء العذب من قمّتها إلى قاعها, فإنّ شلّال مُتْحَف الشوكولاتة مختلف, إذ تتدفّق فيه موجات الشوكولاتة الدافئة. وبإمكانكم أيّها الأصدقاء أن تغرفوا بإصبعكم من الشلّال وتتذوّقوا منها ما شئتم.
خرجنا من القاعة الرئيسة بعد أن متّعنا ناظرَينا بالمناظر الجميلة, ولساننا بلذّة المذاق. ثم دخلنا إلى القاعة التالية, وهي مخصّصة بكاملها لمعالم إسطنبول التاريخية, عبر مجسّمات من الشوكولاتة, من مسجد السلطان أحمد, إلى مسجد أيا صوفيا, إلى الجسر المعلّق, إلى برج غالاتا, وغيرها كثير. مضينا إلى قاعة أخرى كانت تعرض منحوتات معمارية لحضارات من حقب تاريخية مختلفة, منها أبو الهول وتمثال الحرية, وتنفتح القاعة على حجرة خصّصت لِمجسّم يجسّد المسجد الأقصى المبارك.
كما يوفّر المتحف قاعات بها وجوه منحوتة لشخصيات تاريخية شهيرة تركيّة وعالميّة, مثل كمال أتاتورك, وعثمان غازي, ومحمد الفاتح, وآينشتاين, وجلال الدين الرومي. ولا يمكن أن ننسى التمثال البديع الذي نُحِت بدقّة بالغة للوحة عالمية شهيرة; إنها رائعة ليوناردو دافنشي; الموناليزا, فضلاً عن لوحات فنيّة من روائع الفنّ العالمي, كاللوحات المرسومة بألوان الشوكولاتة والتي تحاكي لوحات بيكاسو.
ويوجد في المُتْحَف محل لبيع الشوكولاتة, بداخله ممرٌّ به كثير من الشخصيات الكرتونية التي يحبّها الأطفال, مثل بياض الثلج, سوبرمان, قراصنة الكاريبي, وكأننا دخلنا في عالم الرسوم المتحركة, وكلّها مصنوعة من الكاكاو, ومن هنا تتوافّرأيضاً إطلالة على مصنع الشوكولاتة الذي بداخل المتحف, ويمكن للزائر أن يرى كيفية صنع قوالب الشوكولاتة.
أنهينا جولتنا في مقهى المُتحف, الذي يضمّ صنبور ماء سبيل من الشوكولاتة, تصبّ في أكواب صغيرة مصنوعة من الشوكولاتة أيضاً, وتوزّع بالمجّان.