المرأة والحرية
استمرت أفلام البدايات مرتكزة على المرأة بشكل أساسي مثل اسعاد الغجريةب، واالبحر بيضحكب، وافاجعة فوق الهرمب، وابنت النيلب، وحتى اغادة الصحراءب (1929)، الذي تناول الأطماع التي تتعرض لها المرأة في البيئة الصحراوية القديمة.
يتضح من أسماء الأفلام تمحورها حول المرأة وارتباطها بالمكان وبالواقع الاجتماعي، وتناول فيلم ازينبب (1930) من إخراج محمد كريم - وأعاد إخراجه ناطقًا عام 1952 - زواج المرأة الريفية دون إرادتها. ولا غرو أن نجد أول إنتاج سينمائي لاستوديو مصر لفيلم اودادب (1936) من بطولة أم كلثوم. واهتمت جل أفلام تلك المرحلة بالمرأة بشكل خاص. واستمر ذلك حتى الأربعينيات في كثير من الأفلام، مثل: ابنات الريفب (1945) من إخراج يوسف وهبي، وتناول البعد الرومانسي في حياة المرأة الريفية، وافاطمةب (1947) من إخراج أحمد بدرخان، وبطولة أم كلثوم، وتوقف عند معاناة المرأة الفقيرة في المجتمع.
يلاحظ أن السينما في الألفية الثالثة عادت - إلى حدٍ ما - للقيام بهذا الدور من جديد، فقد عبرت عن حياة المرأة وما يعترضها في سبيل سعيها نحو التحقق والمشاركة الإيجابية في نهضة أسرتها أو محيطها الاجتماعي، ولم يكن ما أوْلته السينما للمرأة في الألفية الثالثة إلا نتيجة لركام التجارب والرؤى الفنية التي قدمها صناع السينما من مؤلفين ومخرجين وفنانين على مدى تاريخ السينما المصرية، الذي تجاوز المئة عام. حتى أن الحقل الأكاديمي التفت إلى اهتمام السينما بالمرأة، من خلال البحث الجامعي، فظهرت دراسة أكاديمية في جامعة القاهرة عام 1974، قامت بها الباحثة منى الحديدي لنيل درجة الدكتوراه، بعنوان اصورة المرأة في السينما المصريةب، تناولت بالدراسة والتحليل 410 فيلمًا، تم إنتاجها في الفترة (1962ذ 1972)، وجاءت دراسة أخرى لنيل درجة الماجستير في كلية الآداب، بجامعة عين شمس عام 2002 للباحثة إحسان سعيد، بعنوان اصورة المرأة المصرية في سينما التسعينياتب، وتناولت 31 فيلمًا من إنتاج الفترة (1990 - 2001)، وهو ما يؤكد على اهتمام الحقل الجامعي والبحث العلمي بتجليات صور المرأة على الشاشة، وكيف جاء التعبير عنها عبر رؤى فنية متنوعة.
قضايا المرأة والعوالم المتشابكة
تعاملت السينما بكثير من المصداقية إزاء قضايا المرأة وعالمها المتشابك، وتم التعبير عن ذلك بتنوع وتباين لافتيْن، نظرًا لاختلاف القضايا والإشكاليات التي تعترضها من بيئة وظروف اجتماعية معينة إلى بيئة وظروف أخرى، وكذلك تعدد الرؤى الإخراجية واختلاف منظور الرؤية الفنية لدى المخرجين. في كل الأحوال فإن السينما المصرية التي حملت على عاتقها منذ البدايات الأولى مهمة التعبير عن الواقع المعاش واستطاعت أن تكون - في أغلب الأحيان - مرآة عاكسة عما يدور في المجتمع؛ لم تهمل التعبير عن الهواجس المؤرقة للمرأة، كإحدى الإشكاليات الرئيسة في التعبير عن هذا الواقع. ونجحت إلى حد بعيد في أن تكون المعبّر الأول عن أحوال المرأة وصوتها المسموع وصورتها التي تنقل معاناتها وإحباطاتها وآلامها، ساعدها على ذلك أنها أهم الفنون لدى الجمهور العام والأكثر تأثيرًا على كافة أطياف المجتمع. اهتمت السينما بالآني والحاضر بشكل رئيسي، وانشغلت بالخيال والفانتازيا بصورة محدودة، فلم تنجرف خلف السينما الغربية التي اهتمت بالصورة في كثير من نماذجها؛ حيث عالم الخيال والأساطير، والتركيز على الخيال العلمي وأثر التطورات العلمية على مستقبل الإنسان، معتمدة في الحالتين على التطور التقني الهائل الذي حققته ثورة العلم، والطفرة التي تحققت في مجال الجرافيك وتركيب الصورة. أما السينما المصرية فقد نهلت من الآني والمعاش، وحفلت بالقضايا والهموم التي تعانيها المرأة، حتى تشكل ما يسمى بـ اسينما المرأةب.
اختارت السينما أن يكون لها هذا الخط الموازي المتفرد، الذي عني بالتعبير عن أوضاع المرأة، راصدًا أحلامها وطموحاتها، وكان اسم أول فيلم مصري حقيقي اليلىب ما يدل على الاهتمام بالمرأة منذ البداية.
كينونة المرأة وأثر الثورات عليها.
على الرغم من خروج المرأة في ثورة 1919، إلا أنها - باستثناء بعض الحالات القليلة - لم تنشغل بكينونتها إلا مع بزوغ ثورة 1952، حيث بدأت رحلة البحث عن ذاتها وعن الأسباب الأخرى لوجودها غير الأسباب النمطية التي أرادها لها المجتمع الذكوري. فلم تقم الثورة ضد التوجهات السياسية فحسب؛ بل قامت ضد كافة الأفكار الرجعية، منادية بضرورة الخروج إلى ركب التطور والتحضر؛ لذا فإن فيلم اأنا حرةب (1959) من إخراج صلاح أبوسيف وقصة إحسان عبدالقدوس، ويدور في فترة الأربعينيات؛ يقترح وجهة نظر نِسوية ترفض الوصاية الذكورية، لكن بشكل خاطئ، حيث تبحث أمينة (الشخصية المحورية للفيلم) عن حريتها، دون أن تعي معنى الحرية بالصورة الصحيحة، فـتلهو وتسهر وتمرح، غير عابئة بنظرة المجتمع لها، لكنها تفيق من غفلتها، فتعمل بالسياسة وتنضم إلى خلية سرية، وتناضل ضد الاحتلال، فيتم اعتقالها، ثم تنال حريتها مع قيام ثورة 1952، ليكتمل في وعيها المعنى الحقيقي للحرية. وفي هذا تحذير واضح للمرأة من الاندفاع في مغبة التحرر الملتبس والوقوع في شرك الفهم الخاطئ للحرية كمعنى وقيمة.
على الرغم من أن أفلام المرأة هي في الغالب صدى مؤكد لأحداث الواقع، وتعبير صريح في الوقت نفسه عن ما يؤرق المرأة، إلا أن السينما أدت دورًا جادًا في تطوير وعيها خلال تلك الفترة التي أعقبت الثورة، وحرصت على تحذيرها من الشطط في التفكير، واتخاذ مواقف سطحية إزاء الواقع، فحملت بعض الأفلام أفكارًا تبين هواجس المرأة تجاه الرجل، وانحيازها لبني جنسها بطريقة تشكل استعداءً على الآخر/ الرجل، واختيارها لتحديد مصيرها والحث على اتخاذ موقف مضاد من المجتمع، لمجرد أن يكون لها موقف خاص يعبّر عنها وعن كينونتها في المجتمع الذكوري، الذي يفرض وصايته عليها، ومن هذه الأفلام ابنات حواءب (1954)، واأنا حرةب (1959)، واالمراهقاتب (1960)، واآه من حواءب (1962)... وغيرها.
اختارت السينما منذ البداية أن ترصد مسيرة المرأة في الحياة والمجتمع، تنقل أوجاعها وتعبر عن همومها وأحلامها وتتناول على الشاشة كل ما تواجهه من فرح وحزن، حرب وسلم، فقر وثراء، قهر وحنو... إلخ. بحيث أصبحت هي مرآة المرأة في كل زمان، تعكس أفكارها وتعبر عنها في مختلف المراحل والظروف الاجتماعية... أصبحت السينما - ببساطة - لصيقة للحيوات النسائية على اختلاف ألوانها. لذلك، فقد جاءت أفلام الخمسينيات التي تناولت القهر، عقب ثورة 1952، معبّرة عن المعاناة التي تتعرض لها المرأة على يد الرجل أو الأسرة، فشهدت تلك الحقبة بداية النضج الحقيقي لسينما المرأة، التي راحت تعبّر عن مختلف الهموم التي تشغلها إزاء الواقع، وشكلت - في الوقت نفسه - مرآة صادقة تعبر عن هذا الواقع، وتواكبه في تغيراته المتسارعة. وعلى الرغم من هذه التغيرات التي أدت بدورها إلى تبدل الهواجس المؤرقة لدى المرأة؛ فقد تعقبتها السينما لتبرزها وتعبّر عنها، من خلال كافة الأمور التي تشغل وعي المرأة في علاقتها بالواقع والمجتمع، فنقلت صورة عن وعيها إزاء ذاتها وازاء الآخر/ الرجل.
صورة المرأة في كلاسيكيات السينما
على هذا النحو، جاءت صورة المرأة في أفلام الخمسينيات (مفعول بها)، وليس لها رد فعل سوى الهروب أو الاختفاء، كما في أفلام اوفاءب، واعائشةب (1953)، واعاشت للحبب (1959)، فأمينة (مديحة يسري) في فيلم اوفاءب من إخراج عزالدين ذو الفقار، تمر بظروف معيشية صعبة ويقع في حبها الدكتور اكمالب، الطبيب الميسور الحال الذي يعالجها، لكن أحواله المادية تتغير بعد زواجه بها، فتخرج للعمل من أجل مساعدته، ويتهمها بالخيانة ويطردها من حياته، وتتضح الحقيقة فيقوم بالبحث عنها، لكنها تؤثر الاختفاء والهروب على الظهور والمواجهة.
في فيلم اعاشت للحبب من إخراج السيد بدير، ومقتبس عن قصة اشجرة اللبلابب لمحمد عبدالحليم عبدالله، كادت زينب (زبيدة ثروت) التي أحبت بصدق وأعطت كل شيء، تنهي حياتها بعد أن استسلمت لليأس ولجأت للانتحار، بدلًا من الصبر والاستقواء بالأمل ومحاولة التجرؤ على المواجهة.
عبرت السينما في الخمسينيات عن كثير من المواقف المتخاذلة للمرأة، والتي تتواطأ فيها ضد ذاتها، وضد مستقبل أسرتها، ولم تتخذ قرارًا يحقق مصيرًا أفضل لها، فكانت مسلوبة الإرادة، وليس في مواقفها سوى الخنوع والرضا بمصير آخر على غير قناعتها، فضلًا عن عدم القدرة على المواجهة بشكل إيجابي، وظهر ذلك أيضًا في أفلام اأين عمريب (1956)، واحسن ونعيمةب (1959)، واأم رتيبةب (1959)، واالمراهقاتب (1960)، وابداية ونهايةب (1960)، وغيرها.
بينما اختلف الأمر- نسبيًا - في فيلمي اردّ قلبيب (1957)، وادعاء الكروانب (1959)، ففي الأول تمكنت من الاختيار وأصرّت عليه حينما سنحت الفرصة، وفي الثاني كانت أكثر إيجابية وصاحبة قرار وموقف، حتى وإن كان موقفها يقوم على الانتقام. جاءت صورة المرأة في أفلام الستينيات معبرة عن أفكار أكثر نضجًا وأكثر وعيًا عن دورها في المجتمع، وبدا ذلك جليًا في أفلام عديدة عبّرت عن هذا الوعي، وكشفت عن أسلوب ووعي لدى المرأة، تستطيع من خلالهما مواجهة قوى القهر والبطش مهما كانت، وأصبحت تستطيع أن تدافع عن مصيرها، ويلاحظ ذلك في عديد من الأفلام، مثل: ايوم من عمريب (1961)، واالزوجة 13ب (1962)، واالباب المفتوحب (1963)، واالزوجة الثانيةب (1967)، واشيء من الخوفب (1969)، حيث بدت غير راضية بمصيرٍ خطَّهُ الرجل وفرضه عليها، على الرغم من أن هذا الرجل قد يكون الحبيب، أو الزوج، أو الأب، أو ممثل للسلطة.
في فيلم ايوم من عمريب تختار نادية الهروب تعبيرًا عن رفضها للعريس المفروض عليها، وتختار مصيرها بنفسها، على الرغم من أن هذا الاختيار بدأ بالهروب (ربما تأثرًا بسينما الخمسينيات)، لكنه جاء تعبيرًا رمزيًا عن الهروب إلى واقع آخر وحياة أخرى كانت تحب أن تعيشها. ورفضت اليلىب في فيلم االباب المفتوحب من إخراج هنري بركات، ومقتبس عن رواية اخرجت للنورب للأديبة لطيفة الزيات، الانسياق وراء الأسرة، والزواج من افؤادب، فتتخلى عن الحياة النمطية التي تفرض عليها، وترفض السفر مع الرجل الذي لا تحبه وتختار طريقها بنفسها، فتتركه وتواجه الجميع برأيها، وتذهب مع الشباب إلى ابور سعيدب للانضمام إلى الفدائيين والدفاع عن الوطن.
على الرغم مما ذكرته اسيمون دي بوفوارب عن الزواج من أنه االسبيل الوحيد أمام المرأة للاندماج في المجتمع، حتى ولو جعلها تقع تحت سلطة الرجل، فالمرأة التي تظل غير متزوجة تعتبر (فضلة) وحتى في هذا العصر الذي حققت فيه النسوية مكاسب اجتماعية ومهنية كبيرة للمرأة، لايزال الزواج قائمًا بوصفه مؤسسة يعتد بها؛ لأنه مؤسسة تدعمها أيديولوجية الحب الغرامي، التي تحتفي بالزواج على أساس أنه النهاية اللائقة بكل السرديات والروايات من الحكايات الخيالية، وحتى الأفلام السينمائية، وكما تقول اإنجيلا كارترب بنبرة ساخرة في روايتها اليال في السيركب (1984): اإن لقاء المحبين المخلصين ينتهي دائمًا بالزواجب، ومع ذلك، فإن فؤادة في اشيء من الخوفب من إخراج حسين كمال، ترفض الزواج من عتريس وتقاومه، وتقوم بفتح مصدر المياه لتروي الأرض العطشانة، على عكس رغبة عتريس، الرجل القوي المسيطر على كل شيء في القرية. لم ترضخ له حتى بعد أن أصبحت زوجته، لأن الزيجة لم تتم بشكل منطقي أو برضا منها.
ليس مفهوم الزواج على إطلاقه، هو ما يجعل المرأة مستعدة للعيش في كنف الرجل، فـ اعتريسب الذي أحبته كان رهيف القلب، يبغض العنف ويشعر بالألفة تجاه الناس، أما هذا الوحش الذي تحول إليه فهي لا تعرفه، فهو رجل آخر، يحرق ويقتل ويدمر كل شيء، فترفضه على الرغم من أنها أصبحت زوجة له. وجاءت صورة المرأة في فيلمي االزوجة 13ب، واالزوجة الثانيةب مختلفة، لأن المرأة في أفلام الستينيات، رفضت الخنوع والإذعان لرغبات الفحولة ورفضت الوثوق في الآخر/ الرجل الذي ينظر إليها كشيء أو سلعة، أو مجرد مصدر للمتعة، فلا يرى بها سوى جسد. في الفيلم الأول يحتال الرجل ويقنعها بحبه، ثم تكتشف بعد الزواج أنه أخفى زواجه من 12 امرأة قبلها فترفض الخضوع، وفي االزوجة الثانيةب إخراج صلاح أبو سيف، وسيناريو سعد الدين وهبة، ويعد أحد علامات السينما المصرية؛ يستقوي العمدة ممثل السلطة الأول في القرية ويقوم بالضغط على اأبي العلاب، حتى يطلِّق امرأته افاطمةب ليتزوجها هو ضاربًا بالأعراف والقوانين والشرائع السماوية عرض الحائط. لذلك فقد استجمعت فاطمة قواها ودهاءها واستحضرت خبرات أسلافها في التاريخ اللائي تعرضن لبطش الرجل، وعلى رأسهن اشهر زادب التي لجأت للحكايات المثيرة لتحمي رأسها، بل إن دهاءها فاق كل دهاء حينما انتقمت لنفسها ولزوجها ولكل فقراء القرية.
أثر الظروف السياسية على سينما المرأة
انبثقت الهواجس الملحّة للسينما من زخم فضاءات التعبير، وتنوع أحوال المرأة في مختلف الظروف الحياتية، فجاءت كثير من الأفلام جادة، رصينة، وناقشت واقع المرأة في مختلف الحقب والمراحل التاريخية، فعبّرت عن االحقبة الناصريةب بأفراحها وأتراحها وأثر ذلك على المرأة ابنة مجتمعها والمتفاعلة معه. وجاءت أفلام أخرى بمنزلة الشاهد على حالة التبدل التي أصابت المجتمع في االمرحلة الساداتيةب، وبينت أثرها على مصير المرأة، كما في فيلم اانتبهوا أيها السادةب (1978)، الذي رصد تبدّل المعايير، وطغيان المادة على القيم والعلم، وفيلم اأهل القمةب (1981)، الذي تناول مرحلة الانفتاح الاقتصادي وصعود طبقة من قاع المجتمع إلى سطحه.
تناولت السينما في الفترة التي أعقبت االمرحلة الساداتيةب، بعض القيم، والعلاقات، لاسيما علاقة الدولة بالمواطن، فبدا قهر البسطاء ولفظهم من قبل الدولة، واحتواء طبقة (الكبار) لا تحجيمها، وانتشار الفساد في المجتمع، ورصدت انعكاس ذلك على المرأة، وبدا هذا التوجه في كثير من الأفلام مثل ازوجة رجل مهمب (1988) من إخراج محمد خان، واالهروبب (1991) من إخراج عاطف الطيب، واحين ميسرةب (2007) من إخراج خالد يوسف، وادم الغزالب (2005) من إخراج محمد ياسين، واهي فوضىب (2007)، وا678ب (2010)، وابنتين من مصرب (2010)، وجاء فيلم ابعد الموقعةب (2012) من إخراج يسري نصرالله، تعبيرًا صادقًا عن أحوال المرأة عقب أحداث يناير 2011، حيث أصبحت المرأة وأسرتها في مهب الرِّيح، بسبب الفوضى السياسية التي سيطرت على البلاد خلال تلك المرحلة.
من المهم في هذا السياق الإشارة إلى بعض الأفلام التي جاءت في فترات مختلفة وشملت أفكارًا متباينة، وتميزت بجرأة فريدة في التناول، بما يجعلها تحمل داخلها إرهاصًا فنيًا لسينما المرأة، بل إن هذه الأفلام قد تكون من ناحية الفكرة العامة، تنتمي إلى المرحلة الزمنية التي ظهرت فيها، بينما تنتمي فنيًا إلى سينما أكثر تقدمًا من حيث أسلوب الطرح والتناول والرؤية الفنية للمخرجين، ومن هذه الأفلام، ادعاء الكروانب (1959) الذي ينتمي زمنيًا إلى حقبة الخمسينيات، ويناقش حال أسرة فقيرة تقيم في منطقة نائية وتفقد عائلها وتعاني شظف العيش، فتخرج الابنتان للعمل في (الحضر) وتواجهان كثيرًا من المصاعب، فينتمي هذا الفيلم من حيث أسلوب الطرح والتناول والاتكاء على الجسد، والعلاقة مع الآخر/ الرجل، أو الآخر/ المرأة، إلى السينما الأجد في الألفية الثالثة. كذلك فيلم اشفيقة ومتوليب (1978) من إخراج علي بدرخان الذي ينتمي زمنيًا لمرحلة السبعينيات وتدور أحداثه في فترة حفر قناة السويس (1859- 1869)، ويتناول وقائع ترتبط مباشرة بأحوال المجتمع وأثر غياب الشباب الذين ذهبوا لحفر القناة على حياة ذويهم، فينتمي الفيلم كرؤية إخراجية ولغة سينمائية إلى الألفية الثالثة؛ إذ تميز بأسلوب فني متقدم على سينما السبعينيات، لاسيما في تعاطيه مع الجسد وطرحه بجرأة لا تنظر إلى المسألة باعتبارها قهرًا، بل تصل إلى ما هو أبعد، باعتبار الجسد مجرد سلعة يتم استثمارها والمساومة عليها من أجل تحقيق مكاسب مادية. كذلك فيلم اشيء من الخوفب الذي تنبأ للمرأة بأن يكون لها دور محوري وقدرة على المشاركة الجادة التي تدفع الأحداث، فما قامت به افؤادةب من فتح هويس المياه لسقي الأرض العطشانة يعدّ تحديًا سافرًا لرغبة (رجل) هو صاحب الكلمة في القرية، كذلك فيلم اأفواه وأرانبب (1976) من إخراج هنري بركات، الذي دافعت فيه المرأة عن مصيرها ورفضت الزوج المفروض عليها بالتزوير ولجأت للشرطة دون خوف أو رهبة ودون تردد.
مرحلة السبعينيات ووعي المرأة
كشفت السينما في مرحلة السبعينيات، عن أن المرأة أصبحت أكثر قدرة على المواجهة، وأكثر معرفة لحقوقها، نظرًا لتطور المجتمع من حولها وتطور وعيها، فهي في فيلم اخلي بالك من زوزوب (1972) تحدت سلبيات المجتمع ونوايا بعض أفراده، ولم تعبأ بأولئك الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الناس ويتدخلون في شؤونهم، فالمرأة تضطرها الظروف للعمل، على الرغم من حساسية ونوع هذا العمل، لكنها دافعت عن حقوقها وواجهت سخرية مجموعة طفيلية في المجتمع، برغم أنها لم تواجه حبيبها، أو زملاء الجامعة بموقفها، بل كادت تسقط لولا يقظة الأم. وناقشت أفلام السبعينيات - أيضًا - الديمقراطية وفكرة االانتخاباتب في فيلم اإمبراطورية مب (1972) من إخراج حسين كمال، للترويج لأهمية المجتمع الديمقراطي، والتعريف بمعنى الحقوق والواجبات، فتم توظيف أفراد الأسرة في الفيلم كرمز لشرائح المجتمع، ولم تُغفل طبقة العمال، فتم استقطابهم باعتبارهم طبقة اجتماعية مؤثرة وأفرادها جزء من المجتمع لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وإن جاء ذلك بصبغة كاريكاتيرية تنأى عن الواقعية والمباشرة.
اشتبكت سينما السبعينيات من خلال نماذج فيلمية فريدة مع مشكلات المرأة والقانون، وبحثت عن حقوقها داخل المحاكم، ومن هذه النماذج، ثلاثة أفلام لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، هي اأريد حلاًب (1975)، واأفواه وأرانبب (1976)، والا عزاء للسيداتب (1979)، جاءت جميعها مؤثرة على عدة أصعدة، ومعبرة عن مرحلة جديرة بالتأمل في سينما المرأة، لاسيما ما أحدثه فيلم اأريد حلاًب للمخرج سعيد مرزوق من التأثير على المشرِّع نفسه بإعادة صياغة بعض البنود الخاصة بقانون الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق. ومع بدايات القرن الحادي والعشرين أخذت السينما شكلًا جديدًا في التعامل مع قضايا المرأة، حيث أخذت تنحو باتجاه القضايا الشائكة والغوص في المسكوت عنه، عبْر تناولها لقضايا أكثر حساسية لم يتم تناولها من قبل .