الكتابة للأطفال ليست ترفاً

الكتابة للأطفال ليست ترفاً

ثمّة‭ ‬فرق‭ ‬جليّ‭ ‬واضح‭ ‬بين‭ ‬الكتابة‭ ‬اللأطفالب،‭ ‬والكتابة‭ ‬عن‭ ‬اعالَم‭ ‬الأطفالب‭ ‬أو‭ ‬قضاياهم‭. ‬النوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬نمط‭ ‬موجّه‭ ‬للأطفال‭ ‬أنفسهم،‭ ‬مطلوب‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يتفاعلوا‭ ‬معه،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قرأوا‭ ‬واستوعبوا‭ ‬مضمون‭ ‬تلك‭ ‬الكتابة‭ ‬أو‭ ‬محتواها‭ ‬وأهدافها‭ ‬ومقاصدها‭.‬

أما‭ ‬النوع‭ ‬الثاني،‭ ‬فهو‭ ‬كتابة‭ ‬تتضمّن‭ ‬تنظيرًا‭ ‬وتفكيرًا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأطفال،‭ ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬جوانب‭ ‬ومكوّنات‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الواسع‭ ‬المتنوّع‭. ‬أو‭ ‬تتضمن‭ ‬خلاصات‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬التربوي‭ ‬والسلوكي‭ ‬والتوجيهي،‭ ‬بقصد‭ ‬استثمارها‭ ‬والإفادة‭ ‬منها‭ ‬بطريقة‭ ‬إيجابية‭ ‬مفيدة‭. ‬ولا‭ ‬مراء‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬قضية‭ ‬وأبرز‭ ‬مفردة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأطفال‭ ‬الفسيح‭ ‬اللاحب‭ ‬العجيب،‭ ‬هي‭ ‬التربية‭ ‬والتأهيل‭ ‬والإعداد‭ ‬والتوجيه‭. ‬والتربية،‭ ‬باختصار،‭ ‬هي‭ ‬فنّ‭ ‬الصياغة‭ ‬والبناء‭ ‬والتشكيل،‭ ‬تفضي‭ - ‬إذا‭ ‬تكاملتْ‭ ‬عناصرها‭ ‬وتوافرت‭ ‬جلّ‭ ‬عواملها‭ - ‬بواسطة‭ ‬الأسوة‭ ‬الحسنة‭ ‬والقدوة‭ ‬الصالحة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬أو‭ ‬أرضية‭ ‬صلبة‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬الراسخة،‭ ‬تُمكّن‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬بلوغ‭ ‬غاياته‭ ‬الثلاث؛‭ ‬الوطنية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والدينية‭.‬

ولأهميّة‭ ‬التربية‭ ‬ومركزيتها‭ ‬وتميّز‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬تفكير‭ ‬البشرية،‭ ‬فقد‭ ‬أجهد‭ ‬المفكرون‭ ‬والكُتاب‭ ‬والفلاسفة‭ ‬والمربون‭ ‬أنفسهم‭ ‬وتفكيرهم،‭ ‬وهم‭ ‬يحاولون‭ ‬صياغة‭ ‬تعريف‭ ‬متكامل‭ ‬لها‭. ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭:‬

‭- ‬التربية‭ ‬هي‭ ‬إعداد‭ ‬بني‭ ‬الإنسان‭ ‬بهدف‭ ‬القيام‭ ‬بواجباتهم‭ ‬المختلفة‭.‬

‭- ‬وهي‭ ‬تعني‭ ‬ترقية‭ ‬جميع‭ ‬أوجه‭ ‬ومناحي‭ ‬الكمال‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬ترقيتها‭ ‬وتنميتها‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الإنساني‭.‬

إن‭ ‬التربية‭ ‬عملية‭ ‬شاقة‭ ‬تستنفد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬والجهود‭ ‬والأموال،‭ ‬لذلك‭ ‬يخطئ‭ ‬بعض‭ ‬المربين‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الأولياء‭ ‬عندما‭ ‬يخططون‭ ‬لكي‭ ‬يتعلّم‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬أقصر‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬ممكنة،‭ ‬وبمجهود‭ ‬يسير،‭ ‬متجاهلين‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬كالزهرة،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬مرورها‭ ‬بالمراحل‭ ‬الطبيعية‭ ‬لكي‭ ‬تتفتّح،‭ ‬ولكي‭ ‬نستفيد‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أريجها‭ ‬وشذاها‭ ‬وبهائها‭ ‬وجمالها،‭ ‬أما‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تفتيحها‭ ‬قبل‭ ‬الأوان‭ ‬الطبيعي‭ ‬فإنه‭ ‬مسلك‭ ‬يفسدها،‭ ‬ولا‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬أبدًا‭ ‬زهرةً‭ ‬ذات‭ ‬أريج‭ ‬أخّاذ‭ ‬أو‭ ‬عطر‭ ‬فواح‭. ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬الحية‭ ‬والمجتمعات‭ ‬الناهضة،‭ ‬تطيل‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬التربوية،‭ ‬وتحتاط‭ ‬لأبنائها‭ ‬ولمستقبلهم،‭ ‬بمراجعة‭ ‬البرامج‭ ‬وتنقيح‭ ‬المناهج،‭ ‬كي‭ ‬تجني‭ ‬أفضل‭ ‬وأغنى‭ ‬مردود‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬التربوية‭.‬

وأمتنا‭ ‬العربية‭ ‬مدعوّة‭ ‬بكل‭ ‬مؤسساتها‭ ‬إلى‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحقل،‭ ‬فإن‭ ‬أعظم‭ ‬استثمار‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الإنسان،‭ ‬عنصر‭ ‬بناء‭ ‬الحضارة‭ ‬والتقدم‭ ‬والنماء‭.‬

إن‭ ‬خبراء‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬أمتنا‭ ‬بإمكانهم‭ ‬أن‭ ‬يقدموا‭ ‬خيرًا‭ ‬كثيرًا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬عصارة‭ ‬تجاربهم‭ ‬للأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬بشرط‭ ‬ربطها‭ ‬بمسألة‭ ‬نهضة‭ ‬الأمة،‭ ‬وتوظيفها‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التطوير‭ ‬والتجديد‭ ‬والبناء‭. ‬

إذن‭ ‬ليس‭ ‬أمامنا‭ ‬سوى‭ ‬التفاؤل‭ ‬والعمل‭ ‬البصير‭ ‬الواعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأهيل‭ ‬أبنائنا‭ ‬وأطفالنا‭ ‬وناشئتنا،‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬دعم‭ ‬برامج‭ ‬نهوض‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬وتقدّمها،‭ ‬وتفعيل‭ ‬عناصر‭ ‬وعوامل‭ ‬القوة‭ ‬والرفعة‭ ‬والسؤدد‭ ‬في‭ ‬كيانها‭.‬

إنّ‭ ‬الكتابة‭ ‬للأطفال،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الإبداعي‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التربوي‭ - ‬أي‭ ‬عندما‭ ‬نكتب‭ ‬لهم،‭ ‬أو‭ ‬عنهم‭ ‬وعن‭ ‬عالمهم‭ - ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬اهتمامًا‭ ‬جديًا‭ ‬ونوعيًا‭ ‬بتقديم‭ ‬معالجات‭ ‬ذات‭ ‬عمق‭ ‬وتميّز،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مرتبطـــة‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬بمسألة‭ ‬تقدّم‭ ‬وازدهار‭ ‬أمتنا‭ ‬وأوطاننا‭ ‬وأجيالنا،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الكتابة‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات،‭ ‬ليست‭ ‬ترفًا،‭ ‬أو‭ ‬وسيلة‭ ‬لتزجية‭ ‬الوقت‭ ‬ودفع‭ ‬السأم‭ ‬والملل‭ .