قصة طابع البريد في الكويت زكريا عبدالجواد تصوير: فهد الكوح

قصة طابع البريد في الكويت

ذاكرة خصبة ومثيرة للدهشة، تلك التي يحملها طابع بريد صغير، تشي ورقته الهشة، وألوانه الناصعة، بما يمكن أن يكون تشكيلا لأبعاد أخرى غير تلك التي تحملها أشكال ورسومات تصدر في مناسبة، أو تؤرخ لحدث، إن هذه الأبعاد الجديدة، هي تلك التي اكتشفها، معرض أقيم في الكويت أخيرا، لأحد هواة الطوابع، لتقدم تلك الورقات الصغيرة شهادة جديدة، وردا قاطعا، ودليلا موثقا وصادقا على وجود كيان واستقلال دولة الكويت.

في هذا المعرض كانت ثمة حقيقة صارخة، هي أن الكويت وجودا وكيانا قد وجدت منذ زمن طويل، وأن الاعتراف بهذا الوجود حملته عدة طوابع بريدية قبل سنوات عديدة.

وعبر عدة مجموعات من طوابع متنوعة، كانت قسمات العيش على هذه الأرض حاضرة فيها بقوة، وبتفاصيل تناستها كتب التاريخ وانطباعات المؤرخين، تحملها لوحات فنية شديدة الجمال، وشديدة الدقة أيضا.

أول طابع بريد

والقراءة المتأنية للطوابع التي احتواها هذا المعرض، تثير الدهشة حقا، فالحقائق الواضحة بها، تدحض كل الادعاءات التي أثارها نظام صدام حسين في الفترة الأخيرة حول هوية وكيان الكويت، تلك الدولة التي حظيت بموقع مهم على رأس الخليج العربي، جعل منها ملتقى القبائل والسفن، وكان من نتيجة ذلك أن نشطت الحياة التجارية في هذه البقعة، إذ إن القوافل كانت تأتي إليها من الغرب عابرة لأراضيها، ثم تقوم السفن الراسية في الخليج بنقل تلك البضائع إلى موانىء الهند والشواطىء الشرقية للقارة الإفريقية مثل زنجبار ودار السلام.

هذه الحياة التجارية النشطة استدعت وجود شكل من أشكال الاتصال يتم من خلاله إيصال وتسلم المراسلات والمبادلات التجارية والإرساليات إلى التجار والوكلاء الخارجيين في تلك الدول البعيدة، وفي زمن لم يكن العالم يعرف فيه طوابع البريد.

هذا الشكل أخذ في التطور عاما بعد عام حتى عرفت الكويت النظام البريدي منذ بداية القرن الثامن عشر تقريبا، حين أرسل "فرانس كانتر" موظف شركة الهند الشرقية رسالة إلى أهله في هولندا من الكويت عام 1750 م وهي الرسالة التي لا تزال المتاحف الهولندية تحتفظ بها حتى يومنا.

غير أن أول مكتب بريد منتظم قد افتتح في الكويت في 21 يناير عام 1915 في عهد المغفور له الشيخ مبارك الصباح، وكان مقره القنصلية البريطانية التي كانت تسمى في ذلك الوقت دار الاعتماد البريطاني وتحت إشراف إدارة البريد الهندية، التي استخدمت الطوابع الخاصة ببلادها للتخليص على الرسائل، وكان خاتم التخليص يحمل اسم الكويت باللغة الإنجليزية وبالتهجئة القديمة "Koweit" أما أول مجموعة طوابع تم تداولها في الكويت فقد صدرت في عام 1923 وكانت عبارة عن طوابع بريد هندية عليها صورة الملك جورج الخامس وتحمل اسم الكويت (Kuwait) وقد وضعت بداخلها علامة مائية هي عبارة عن نجمة واحدة كبيرة تشاهد في ظهر الطابع. وقد تكونت هذه المجموعة من 15 طابعا، وقيمة فئاتها بالعملة المتداولة بالكويت في ذلك الوقت والمسماة بالآنة والروبية، تساوي 0.5 آنة لأصغر فئات الطوابع، أما أكبرها فقد بلغت قيمته عشر روبيات.

وشهد العام 1929 صدور مجموعة طوابع جديدة، تشابهت مع المجموعة الأولى في حملها لصورة الملك جورج الخامس، ولاسم الكويت بالتهجئة الحديثة واختلفت في العلامة المائية، إذ ازدادت من نجمة واحدة إلى عدة نجوم صغيرة، واختفى من قيمتها فئة 0.5 آنة وأضيفت إلى هذه المجموعة فئة 15 روبية.

وعقب ذلك صدرت أربع مجموعات بريدية في الأعوام 1933، 1934، 1939، 1945 وحملت المجموعة الأخيرة من طوابع البريد الهندية صورة الملك جورج السادس وعليها اسم الكويت.

وعقب انفصال باكستان عن الهند وتأسيس دولتها المستقلة أصبح مكتب البريد في الكويت في أغسطس 1947 تحت مسئولية الإدارة الباكستانية، ومع ذلك فقد ظلت الطوابع الهندية التي تحمل اسم الكويت هي المتداولة حتى عادت إدارة البريد البريطانية في 1 أبريل 1948 إلى الإشراف على الخدمات، لتطرح طوابع بريد تحمل اسم الكويت وبالعملة المتداولة في ذلك الوقت وهي الروبية وأجزاؤها.

خلال هذه الفترة التي تمتد من عام 1947 إلى 1952 صدرت في الكويت طوابع تذكارية بمناسبة عيد جلوس المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح، غير أنها لا تندرج ضمن مجموعة الطوابع لكونها لا تحمل قيمة عند التحصيل، ولكنها تعتبر من أكثر الطوابع ندرة، وقد صدر أحدها في عام 1947 باللون البنفسجي، بينما صدر الثاني في عام 1948 باللون القرمزي، وحمل الطابع الثالث والذي صدر في عام 1949 اللون الأخضر، كما صدر الطابع الرابع في عام 1950 باللون الأخضر أيضا، غير أنه لم يتم تداوله قي تلك السنة التي صدر بها لوفاة الشيخ أحمد الجابر. وفي مرحلة ما قبل الاستقلال أيضا، ظهرت طوابع بريد إنجليزية جديدة، تداولتها الكويت في الفترة من 1952 إلى 1957، وكانت تلك الطوابع تحمل صورة الملكة إليزابيث الثانية، إضافة إلى اسم الكويت، وبداخلها العلامة المائية التاج، وقد صدر من هذه الطوابع أربع مجموعات بالعملة المتداولة في الكويت في ذلك الوقت (الآنة والروبية)، إلا أن المجموعة الأخيرة هي التي تم تداولها بدول الخليج في عام 1957 وبعملة ذلك الوقت "الناية بيزة والروبية"، وكانت صورة الملكة إليزابيث الثانية قد طبعت في هذه المجموعات بمناسبة تتويجها في العام 1953.

مسئولية البريد

وفي أول فبراير عام 1958 تسلمت حكومة الكويت مسئولية الخدمات البريدية الداخلية، فأصرت دائرة البريد مجموعة تتكون من ثلاثة طوابع تحمل صورة المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، وذلك للتخليص على البريد الداخلي، بعد أن ألغي تداول المجموعات التي كانت تحمل صور ملوك بريطانيا.

وقد حمل الطابع الأول من المجموعة الجديدة من طوابع البريد الكويتية اللون الأخضر وحددت فئته (5) ناية بيزة، بينما حمل الثاني اللون الأحمر وبفئة (10) ناية بيزة ، وكان الثالث باللون البني وبفئة (15) ناية بيزة.

أما في الأول من فبراير عام 1959، فقد تسلمت حكومة الكويت مسئولية الخدمات البريدية الخارجية، وبذلك أصبحت الحكومة مسئولة بشكل تام عن الخدمات البريدية، وأصدرت المجموعة الثانية المؤلفة من عشرة طوابع والتي تم دمجها مع المجموعة الأولى فى مجموعة طوابع واحدة. وحملت الطوابع الثلاثة الأولى صورة الشيخ عبدالله السالم الصباح بالألوان الأزرق الغامق والبرتقالي والأحمر الغامق، وبفئات 20، 25، 40 ناية بيزة. أما الطوابع السبعة الأخيرة من تلك المجموعة فكانت فئاتها: 40، 50. 75 ناية بيزة، روبية واحدة، روبيتين، خمس روبيات عشر روبيات، وتحمل جميعها صورا من المعالم الحضارية للكويت، كإنتاج النفط، وحركة إعمار البلاد ومحطة تقطير المياه، والملاحة البحرية، وإعمار المساجد.

وفي 25 فبراير عام 1960 صدر طابعان بريديان بمناسبة عيد جلوس المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح، كان الأول أخضر اللون وعليه علم الكويت السابق وفئته 40 ناية بيزة، أما الثاني فأزرق اللون وبمواصفات الطابع السابق نفسها إلا أن فئته 60 ناية

إصدار العملة الوطنية

وفى مناسبة صدور العملة الوطنية (الدينار)، تقرر في الأول من أبريل عام 1961 إلغاء جميع الطوابع الكويتية التي كانت تحمل فئاتها (الناية بيزة والروبية)، وفى هذا الوقت تم طرح طوابع بريد جديدة بالألوان الأخضر، الأحمر، البني، الأزرق الغامق، البرتقالي، الأحمر الغامق وبالفئات فلس، فلسان، 4، 5، 8، 15 فلسا، وجميع هذه الطوابع تحمل صورة المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح، كما صدرت في هذا اليوم نفسه مجموعة طوابع أخرى تتكون من اثني عشر طابعا على شكل مستطيل، وتتراوح فئاتها من 20 فلسا إلى 3 دنانير وتحمل جميعها معالم من البدايات الأولى لنهضة الكويت الحديثة، ومنها جبل وارة، وهو موقع أثرى تناولته العديد من الأخبار في التاريخ الإسلامي، إلى جانب مدرسة الشويخ الثانوية، وقد كانت من معالم النهضة التعليمية في الكويت، فيشاهد على الطابع صورة للكرة الأرضية الضخمة التي كانت موجودة داخل المدرسة، وهي المدرسة التي بنيت على أنقاضها وفي الموقع نفسه جامعة الكويت في الوقت الحاضر. إلى جانب هذا، توجد عدة طوابع أخرى تحمل صورا للانفتاح البحري والجوي للكويت على العالم.

ولأن هذه المجموعة من الطوابع كانت تحمل العملة الوطنية "الدينار" فقد تم تداولها في الفترة التي أعقبت الاستقلال، إلى أن صدر في الأول من شهر يناير 1962 طابعان بمناسبة المؤتمر الرابع للاتحاد العربي للمواصلات السلكية واللاسلكية، وصدر طابعان آخران في مارس من العام نفسه بمناسبة أسبوع الجامعة العربية، وفي شهرأبريل صدر طابعان جديدان في مناسبة اليوبيل الذهبي للمدرسة المباركية.

وإلى جانب هذه الإصدارات التي واكبت الأحداث، كانت هناك إصدارات أخرى لإبراز معالم الكويت ونهضتها وتاريخها وتراثها، إضافة إلى معالم البيئة من طيور وأزهار ونباتات ومن بين تلك الإصدارات حمل أحد الطوابع شعار "العلم يتكتل ضد الملاريا" وصدر الآخر في ذكرى مرور 200 عام على وفاة المغفور له الشيخ صباح الأول، في الوقت الذي صدرت في 11 ديسمبر 1966 ثلاثة طوابع تذكارية بمناسبة تولي سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت الحالى ولاية العهد، ويوضح الطابع تاريخ الولاية في 31 مايو 1966، وكانت هذه المجموعة قد صدرت بالألوان الأخضر والأصفر والزهري وحملت فئات 8، 20، 45 فلسا. كما صدرت في 28 يونيو 1978 مجموعة أخرى من الطوابع كان عددها ثمانية حملت جميعها صور سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد وبفئات 15، 30،80،100،130،150 فلسا، دينار، أربعة دنانير.

وقد امتازت طوابع البريد التي صدرت في الفترة التي أعقبت الاستقلال بالدقة في الطباعة والمتانة والجودة، وبارتفاع قيمة هذه الطوابع في المعارض العالمية وازدياد الطلب عليها من هواة الطوابع في الكويت وخارجها. من هذا يتضح أن الطابع الكويتي القديم، لم يكن مجرد طابع بريدي عادي، انحصرت كل مهمته في الالتصاق بالرسائل المغادرة فقط، فالمعرض الذي أقامه الباحث الكويتي عادل محمد عبد المغني بالاشتراك مع مركز البحوث والدراسات الكويتية أخيرا، استطاع أن يقدم دليلا جديدا موثقا ومدعما بالبراهين والحجج التي لا يطالها الشك على مدى بطلان ووهن الادعاءات التي يطلقها نظام طاغية بغداد، ويزعم فيها بأن الكويت جزء من العراق، فهذه الطوابع تؤكد بالوثائق أن هذا البلد العربي المسالم، كان له كيانه المستقل ووجوده المؤثر في مسيرة العرب التجارية والاقتصادية منذ بدايات القرن الثامن عشر تقريبا، تماما، كما أشار لذلك دليل بريدي باهر، يقبع الآن في أحد المتاحف الهولندية.

إلى جانب هذه الدلائل والحجج التي يحملها الطابع البريدي، فإنه يقوم بتأريخ دقيق للحياة على هذه الأرض، بكامل تفاصيلها، بألعابها الشعبية ووسائلها القديمة لرفع المياه من باطن الأرض، ولصيد اللؤلؤ من البحار البعيدة، والصناعات اليدوية القديمة، والعادات التي سادت بين أبناء هذا البلد قديما في الأفراح والأحزان والأكلات الشعبية، والآثار القديمة والمعالم الحضارية الحديثة.

كل ذلك يقدمه طابع بريد صغير، داعيا الباحثين في التراث الشعبي وعلم الاجتماع والسياسة والجغرافيا والتاريخ إلى الغوص فيه واكتشاف ماظل بعيدا عن متناول اليد، ورؤية العين.

ميزة انفردت بها الكويت

إنه عالم مثير للدهشة، إذ يحمل بين جوانبه كل تلك الإمكانات التي تنتظر من يتقدم فاحصا ومدققا، فيمنح الأجيال سجلا آخر للتاريخ ووثيقة جديدة لا تعرف الكذب.

في هذا الصدد يقول رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية د. عبدالله يوسف الغنيم: إن مجموعة الطوابع البريدية الكويتية تنفي تماما أي ادعاء بالإشراف على الكويت قبل الاستقلال من أي دولة عربية، بل إن بعض هذه الدول، ومنها العراق لم تعرف النظام البريدي أصلا، إلا بعد أن عرفته الكويت بفترة طويلة.

وهنا يؤكد د. الغنيم على أن وجود الاسم مكتوبا فوق الطابع منذ صدور وتداول طوابع البريد في الكويت، كان ميزة انفردت بها في ذلك الوقت، فهذه الطوابع تحمل اسم الكويت منذ عام 1923، ومن المعروف أيضا أن خاتم التخليص على الرسائل، كان يحمل هذا الاسم منذ عام 1915 حين افتتح أول مكتب بريد منتظم في الكويت.

يضيف د. الغنيم كانت الكويت - كما تتواتر بذلك الوثائق - طريق البريد إلى طرابلس وموانىء الهند ومنها إلى العالم، كما كان قرار شركة الهند الشرقية عام 1775 بأن تكون الكويت مركزا ومحطة بريدية لرسائلها إلى الغرب، تأكيدا على أن الكويت قد بلغت مرحلة كافية من التطور يؤهلها لأن تقوم بهذه المهمة الخطيرة.

ويشير د. الغنيم إلى أن الطوابع الكويتية منذ ذلك الوقت وهي تؤرخ لأشياء تناستها كتب التاريخ، ففي هذه القطعة الصغيرة من الورق نجد سجلا جميلا لطرق الحياة القديمة لدى أبناء الكويت، مثل وسائل حفظ المياه، كما أن بها إشارات على مظاهر وبدايات النهضة العمرانية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في الفترة التي أعقبت اكتشاف النفط، مثل الطوابع التي سجلت لهذه البدايات وحملت بعضها صورا للمصافي النفطية الحديثة.

ضرورة ملحة

وحول فكرة إقامة معرض الطوابع البريدية الكويتية، يقول منظم المعرض والباحث في التراث الشعبي عادل عبدالمغنى، الذي يهوى جمع الطوابع منذ ثلاثين عاما: إن هذه الفكرة تحولت من هواية إلى ضرورة تاريخية ملحة عقب تحرير الكويت من الاحتلال، لتشارك هذه الطوابع في الرد على ادعاءات النظام المعتدي، والتأكيد على ان الكويت موجودة منذ القدم، وإنها عرفت النظام البريدي والمراسلات منذ عام 1775، وإن أساطيل الكويت العملاقة، القوية الصنع وذات الحمولة الكبيرة، قد حملت المراسلات التجارية إلى مدن وموانئ، الهند، بل تعدت ذلك إلى شواطىء شرق إفريقيا.

يضيف عادل عبد المغني أن الطوابع الكويتية يتم صنعها في أفضل المطابع، ولذلك فإنها تنفرد بجودة الورق، ومتانته وجمال الألوان، إلى جانب ذلك فإنه نادرا ما توجد أية أخطاء مطبعية في الطابع، نظرا للعناية الشديدة والحرص على الدقة التي ظلت هدفا من فترة لأخرى رغم مايكلف ذلك من جهود مضنية.

إلى جانب هذه الطوابع البريدية التي تقدم الدليل المادي على انفراد الكويت في إدارة شئونها الداخلية والخارجية، وهو ما يمثله ظهور اسمها على طوابع البريد والمراسلات منذ بداية استخدام البريد النظامي، فإن الأختام البريدية أيضا تعد دليلا آخر ومظهرا من مظاهر السيادة والاستقلال، وقد قدم الباحث عبد المغني عدة نماذج لأختام استخدمت في الكويت وحملت اسمها، كان أولها الختم الذي حمل الاسم بالتهجئة القديمة "Koweit" وقد استخدم على طوابع البريد الهندية التي تداولتها الكويت قبل ان يتم تعديل كتابة الاسم إلى "Kuwait" في عام 1923. إلى جانب عدة أختام أخرى منها الختم الذي استخدم خلال الحرب العالمية الثانية حيث كانت المراسلات تخضع في ذلك الوقت للتفتيش الدولي لظروف الحرب، وحفاظا على سرية المراسلات تم وضع ختم خاص يحمل رقم (79 - ك) للدلالة على أن هذه المراسلات صادرة من الكويت.

ظلت الخدمات البريدية منذ إدخال هذا النظام في الكويت تعمل، بكفاءة عالية، وتزداد مع مرور السنوات في تقديم الأفضل للجمهور، إلى أن تعرضت البلاد للجمهور، إلى أن تعرضت البلاد لهجمة شرسة استهدفت ابتلاع الكويت وتدمير معالمها الحضارية والتاريخية والتراثية، فتعطلت الخدمات البريدية وتوقفت تماما داخل البلاد غير أن حكومة دولة الكويت في الخارج قامت خلال فترة الاحتلال بإصدار طابعين بريدين لا يحملان قيمة مالية، حيث طبعت منهما خمسة ملايين نسخة تحمل عبارة "الكويت حرة" وتم تعميمها على مكاتب البريد في دول مجلس التعاون الخليجي وعلى العديد من الدول الصديقة في العالم.

وقد ظلت الخدمات البريدية داخل الكويت المحتلة مشلولة إلى أن تم تحرير البلاد، فاستؤنفت تلك الخدمات في 27 أبريل 1991، حيث تم افتتاح مكتب بريد الصفاة للجمهور، ونظرا لعدم توافر طوابع بريدية في بادىء الأمر، فقد تم استخدام ختمين مطاطيين للتخليص اليدوي على الرسائل (خالص الأجرة) وبعد ذلك صدرت ثلاثة طوابع عادية ترمز إلى النصر والتحرير، ثم توالت الإصدارات عقب ذلك والتي يمكن تحديد معالمها بالتعبير عن فرحة النصر وتحر ير البلاد، والدعوة إلى بناء ما تم تخريبه وإعادة إعمار الكويت من جديد، إلى جانب التعبير عن الامتنان لدول العالم المساندة للحق والشرعية الكويتية والواقفة ضد همجية الغزو وديماجوجية ادعاءاته الزائفة، إضافة إلى إظهار حجم الدمار البيئي الذي خلفه الاحتلال، ومناشدة العالم اتخاذ شتى أشكال ووسائل الضغط من أجل إطلاق الأسرى والمعتقلن الكويتيين في سجون طاغية بغداد.

طوابع مميزة

بالإضافة إلى ذلك أصدرت وزارة المواصلات الكويتية عقب التحرير، عددا من الطوابع المميزة التي توالى صدورها في مناسبات مختلفة، مثل مؤتمر قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي عقد في الكويت بعد التحرير، ومشاركة الكويت في معرض أشبيلية عام 1992، وقمة الأرض التي عقدت في ريودي جانيرو بالبرازيل في شهر يونيو 1992 وتتألف المجموعة الأخيرة من أربعة طوابع تحمل لوحة واحدة عنوانها "الإرهاب البيئي"، إلى جانب مجموعة تذكارية أخرى صدرت بمناسبة مشاركة الكويت في دورة الألعاب الأولمبية الخامسة والعشرين في برشلونة عام 1992، وتتكون هذه المجموعة من ثلاث فئات، وتحمل صورة الشهيد فهد الأحمد الصباح الذي كان يشغل العديد من المناصب الرياضية الدولية.

من هذا السرد لقصة نشوء الخدمات البريدية في الكويت، والتي كان لموقعها الممتاز على الخليج العربي أثره الكبير في ذلك الرواج التجاري الذي شهدته تلك المنطقة منذ زمن بعيد، تتضح تلك القيمة التي يحملها بين جوانبه ذلك الطابع البريدي الصغير، الذي يتقدم الصفوف الآن ليقدم دليلا جديدا على استقلال وسيادة دولة الكويت منذ الأزمنة القديمة، وليدحض بشكل مباشر وعملي، بالحقائق والبراهين، تلك المزاعم التي رددها النظام الغازي والتي اتخذ منها ذريعة أمام العالم لتبرير عدوانه، ومواصلة اعتداءاته على البشر المسالمين وعلى خيرات بلد عربي وجار مسلم، وضد البيئة ذاتها، بأشجارها وطيورها، ونسائم هوائها، ومياهها التي أجراها الله لخير البشر، وإحراق نفطها الذي أنعم به الخالق سبحانه وتعالى عليها لتعم النعم والخير آفاق الدنيا، وتساهم في تقدم المسيرة الحضارية لبني الإنسان حيثما كان.

لقد حمل ذلك الطابع البريدي، دهشة عظيمة حين قلص المسافات وساهم في تبادل الأخبار وتلاحم أبناء البشرية وهم في أماكنهم البعيدة لكنه هنا أيضا، وبعد مئات السنين من إصداره، يقدم دليلا ناصعا من الكويت، على أن هنا، كانت تقوم دولة ذات سيادة، وبشر يتمتعون باستقلال القرار واستقرار الكيان والوجود .. بعيدا عن مزاعم باطلة، وافتراءات تبزغ بين الحين والحين، لدى بعض النفوس المريضة، كلما ضاقت السبل بها، وتفاقمت مشاكلها الداخلية.

 

زكريا عبدالجواد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات