صُور العُمانية .. سفنها التقليدية تقهر المحيطات صادق يلي تصوير: فهد الكوح

صُور العُمانية .. سفنها التقليدية تقهر المحيطات

منذ ألف سنة أو يزيد والسفن العمانية تمخر عباب البحار والمحيطات سعيا وراء التبادل التجاري والاتصال بالشعوب الأخرى. إن سلطنة عمان تنفرد بهذا النشاط البحري عن غيرها من شقيقاتها العربيات. لقد وصلت عمان بسفنها الخشبية التقليدية إلى شواطىء الهند والصين وإفريقيا، وكان البحارة العمانيون مثالا يحتذى - بين رواد المحيطات - في الشجاعة والإقدام.

بلغ الأسطول العماني أوج عظمته في القرن الماضي إبان حكم السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي، حيث كان الأسطول العماني التجاري يجوب أعالي البحار بسفن تقليدية صنعها العمانيون على سواحل صور وصحار وقلهات وتفننوا في بنائها بكل مهارة وإبداع، واشتهرت أنواع من هذه السفن التجارية مثل "الغنجة والبغلة" في جميع الموانىء المهمة بأنها ذات شهرة عالية في موانىء الهند وشرق إفريقيا، ومع الطفرة الحضارية الراهنة والتقدم الكبير الذي حظيت به سلطنة عمان وسائر بلدان الخليج العربي، وانحسار الطلب على السفن التقليدية ذات الأشرعة المثلثة، فإن سواحل مدينة صور العمانية لا تزال بها أعداد من أحواض صناعة السفن التقليدية والتي تسجل نمطا من الحياة العمانية وتعطي مثالا حضاريا رائعا عن خصائص هذه الصناعة العريقة، ومقدرة هذا الصانع البسيط على التكيف مع بيئته ومعطياتها حتى استطاع أن يبني أسطولا تجاريا كبيرا يمخر به عباب البحار والمحيطات، باستخدام أجهزة وأدوات غاية في الدقة والبساطة وقف العالم في دهشة من جمالها وروعتها.

ومدينة صور هي عاصمة المنطقة الشرقية من سلطنة عمان وأهم مدنها، وتعد ميناء تاريخيا تجاريا اشتهرت بنشاطها البحري وبخاصة صيد الأسماك وبناء السفن التي لا تزال تمارس كإحدى الحرف التقليدية، يبلغ سكانها نحو 85 ألف نسمة وتتبعها نحو 45 قرية، وقد نالت حظا وافرا من اهتمام الدولة والمسئولين، فجميع خدماتها متكاملة كما يقول الشيخ محمد بن سعيد السنان وهو أحد وجهاء مدينة صور، لقد وضعت الدولة خطة لتجميل المدن الرئيسية في السلطنة وقد شكلت لجنة على مستوى الوزراء برئاسة نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية عبدالمنعم الزواوي فقامت بتقديم تصوراتها وبرامجها في كل من ولاية نزوى من المنطقة الداخلية وواحة البريمي من الولايات الرئيسية في السلطنة. وفي هذا العام كانت ولاية صور من نصيب الخطة وقد زارت اللجنة مدينة صور واجتمعت بمشايخ المدينة، وقدموا لها تصوراتهم للمرحلة القادمة واحتياجاتهم الراهنة ومنها استكمال الطرق الداخلية، وعمل بعض الحدائق العامة في المدينة، بالإضافة إلى زيادة قوة الكهرباء في بعض المناطق وإنارة الشوارع. وقد تفهمت اللجنة الوزارية هذه الاحتياجات ووضعت تصوراتها بعد التشاور مع المواطنين، ونأمل أن تنتهي اللجنة من تنفيذ احتياجات المدينة في غضون السنوات الخمس القادمة.

وفي المدينة ما يقرب من 20 مدرسة لمختلف مراحل التعليم بالإضافة إلى معهد فني صناعي وكلية متوسطة للمعلمين ومعهد للتمريض يمد مستشفيات المناطق الأخرى من السلطنة بما تحتاجه من ممرضين وممرضات، كما يوجد في مدينة صور معهد فني صناعي لجميع الحرف من ميكانيكا وكهرباء والكترونيات وبناء ونجارة والكثير من الحرف الأخرى، ويعد معهد التمريض والمعهد الصناعي من المعاهد المهمة ذات المستوى الجيد والعالي حيث يتخرج من هذا المعهد عدد كبير من الفنيين المهرة يغطون جانبا من احتياجات المنطقة الشرقية من السلطنة. كما يوجد في مدينة صور مستشفى مجهز بأحدث التجهيزات الحديثة يقدم خدماته لجميع أبناء الولاية. وقد تضمنت الخطة بناء مستشفى حديث تبلغ طاقته الاستيعابية نحو 250 سريرا، كما أن هناك مشروع طريق العيجة، والعيجة لسان من الأرض تتبع مدينه صور، وهذا الطريق سوف يربطها بمدينة صور وقد بدأ تنفيذ المشروع منذ فترة وينتظر الانتهاء منه خلال الشهر القادم.

حصون وقلاع

ومن المعالم الرئيسية والتاريخية في منطقة صور تلك الحصون والقلاع القديمة التي بنيت منذ مايقرب من أربعمائة عام، ومن أشهرها حصن بلاد صور وهو لا يزال موجودا، وكان يستخدم قديما كمجلس للوالي في جانب منه، أما الجانب الآخر فكان يستخدم كمسجد، وقد قامت وزارة التراث القومي والثقافة بترميم هذا الحصن الذي بني أيام حكم آل بو سعيد وعمره لا يقل عن مائتي سنة، أما الحصن الآخر فهو حصن السنيسلة وهو من الحصون التي نالت العناية من وزارة التراث القومي والثقافة، ويعود هذا الحصن إلى عهد أسرة اليعاربة التي حكمت سلطنة عمان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، بالإضافة إلى حصون وقلاع أخرى منها حصن بوابة المشافة، وحصن رأس الحد.

ومن الجدير بالذكر أن في لبنان مدينة ساحلية يطلق عليها اسم صور أيضا، وقد سألنا الأستاذ محمد بن سعيد السنان عن مدينة صور التي تقع في لبنان وصور عمان وماهو الرابط بينهما فقال: لقد تتبعنا هذه المسألة مع أحد الأساتذة اللبنانيين المتخصصين في التاريخ، فأفاد بان الفينيقيين الذين بنوا صور لبنان هم الذين بنوا صور عمان، فقد أقاموا في الخليج فترة حيث كانوا يعملون بالتجارة، ثم رحلوا إلى شواطيء البحر الأبيض المتوسط وأنشأوا مدينة صور اللبنانية، وهناك نوع من التشابه بين المدينتين، ومن المرجح أن تكون صور عمان قد بنيت قبل صور لبنان بفترة من الزمن، وتشتهر صور بالمشغولات الفضية كالخناجر والأساور والحلق، وكان نساؤها قديما يعملن في صناعة الأقمشة وحياكتها بالأنوال اليدوية القديمة، وكانوا يستخدمون القطن الذي كان يجلب من مدينة صحار أو نزوى، ويصبغون هذه الأقطان ثم ينسجونها، حيث كانت المرأة تشارك الرجل جانبا من تبعات حياته المعيشية. وتشتهر صور كذلك بالنقوش الخشبية الجميلة وصناعة الأبواب المزدانة بهذه النقوش، وتعد مدينة صور من أغنى مناطق السلطنة بالفنون التقليدية، ولعل ذلك يعود إلى الموقع المتميز الذي احتلته إبان حقب تاريخية طويلة، فقد كانت السفن التجارية تنقل البضائع، والمشغولات التقليدية إلى هذه المناطق فضلا عن عادة العمانيين الانتقال من المناطق الساحلية إلى داخل البلاد أيام القيظ، الأمر الذي جعل عملية انتقال الفنون الشعبية بين المنطقتن عملية مستمرة، كما امتازت صور بأنماط الفنون الإفريقية العمانية، ثم ذلك الرصيد الكبير من أغاني البحر الذي توارثه البحارة العمانيون أبا عن جد، بأنواع معينة من الرقص مثل رقصات الرزجة والطارمة والنفرود والونة والطنبورة، وهي رقصات وأغان وافدة من إفريقيا، وكانت هذه الرقصات في الماضي نوعا من التطبيب الشعبي، أما اليوم فقد أصبحت من تراث الولاية، وهناك رقصات تؤديها النساء في المناسبات السعيدة كالخطبة والأعراس والمواليد وما شابه من مناسبات اجتماعية مثل رقصة "التشح شح " وكذلك رقصة "الحمبورة"

صور وأسماك التونة والكنعد

ومدينة صور من أهم مناطق السلطنة في صيد الأسماك، وتشتهر سواحلها بوجود كميات كبيرة من سمك التونة، ويوجد هذا النوع من السمك بأحجام مختلفة قد تصل من 80 إلى 100 كيلوجرام للسمكة الواحدة، وكذلك سمك الكنعد الذي تشتهر به سواحل عمان، ويلاقي هذا النوع من السمك رواجا في الكثير من دول مجلس التعاون الخليجي، كما يصدر إلى بعض الدول الأوربية. أما سمك العوم الصغير فيستخدم كسماد للأراضي الزراعية أو يتخذ علفا للحيوانات بعد طحنه وتصنيعه.

والمعروف أن قطاعا كبيرا من أبناء صور يعملون في صيد السمك بالطرق التقليدية التي توارثوها أبا عن جد، وسفينة السنبوك المصنوعة من الخشب هي من أفضل السفن التي تستخدم للصيد، وفي كل يوم تخرج نحو 40 سفينة إلى المناطق المخصصة للصيد، التي تمتد نحو ثمانية أميال في عرض البحر لاصطياد سمك التونة أو سمك الكنعد وهو من أشهر أنواع السمك في عمان، فهذا النوع من السمك لا يحتاج إلى الإبحار لمسافات بعيدة، ويجب أن يكون عمق البحر لاصطياد الكنعد نحو سبعة "أبواع" أي نحو عشرة أمتار، كذلك يجب أن يكون عرض الشبك نحو سبعة أبواع، أما سمك الجيدر والسهوة فلا يحتاجان إلى عمق كبير، وفي الغالب لا يتعدى عدد الصيادين على ظهر السنبوك أكثر من خمسة أفراد. يقول الصياد حمود بن صالح: لقد توارثت أسرتنا حرفة صيد السمك فوالدي وجدي كانا صيادي سمك وأنا كذلك اقتفيت أثرهما، أما أولادي فإني والحق أقول أرغب أن يتعلموا في المدارس ويمتهنوا عملا مريحا، بعيدا عن البحر وعواصفه الهوجاء وعذابه الذي لا ينتهي.

ويضيف الصياد بن صالح قائلا: نحن في العادة نخرج للصيد عندما يكون البحر هادئا، نخرج بعد العصر ونطرح سفننا في منطقة طيوي ورأس الحد، وهي أماكن يكثر فيها السمك، وكل سفننا تسير بواسطة الماكينات، والمعروف أن السمك دائما يتبع سمك السردين، ونحن بدورنا نتبع هذا النوع من السمك ونصطاده، كما نتبع طيور النورس، ونحن نقوم باصطياد سمك السردين بواسطة الطرادات السريعة. ثم يحدثنا السيد حمود عن طريقة توزيع الأرباح فيقول: إذا فرضنا أننا كسبنا من صيدنا نحو الف ريال فإن نصف المبلغ يكون من سهم صاحب السفينة، أو صاحب السنبوك، ثم نخرج تكاليف الوقود وهو الديزل ومصاريف الأكل، وبعد أن نطرح المصاريف من المبلغ الرئيسي فإن الباقي يقسم على أفراد السفينة بالتساوي.

إن غالبية أهل صور يمتهنون حرفة صيد السمك إلا الشباب الذي حصل على قسط من التعليم فإنهم يعملون في حرف أخرى كالتدريس في المدارس أو التجارة في المدينة. ونسأل أحد الصيادين عن المشاكل التي تعترض هذه المهنة فيجيبنا قائلا: من هذه المشاكل أن الحكومة قد حددت مناطق الصيد، وهذا يضايقنا بعض الشيء، فهناك مناطق مخصصة للشركات الكبيرة للصيد بها. إنني أؤيد أن تكون لنا رابطة تدافع عن حقوقنا وتعرض مشاكلنا، وكذلك يجب أن يكون لنا صندوق للتأمين حتى إذا ماكبر أحدنا وجد معاشا تقاعديا يساعده على مواجهة الحياة. ومن المعروف أن السلطنة أنشأت خمس شركات لصيد السمك بلغ رأس مالها نحو 12.5 مليون ريال عماني أي مايعادل 32.5 مليون دولار أمريكي وهذه الشركات هي شركة الأسماك العمانية، وشركة بحر عمان، والشركة العالمية للمنتجات البحرية، وشركة الخليج للأسماك، بالإضافة إلى مجموعة من الشركات التي تعمل في مجال التصدير والتجهيز. ويشارك القطاع الخاص بنحو الثلثين في هذه الشركات بينما تشارك الحكومة بالثلث الباقي، وذلك لأن قطاع الثروة السمكية يمثل أهمية بالغة للاقتصاد العماني، كما أن هذا القطاع يوفر فرص عمل وإيرادات مناسبة لقطاع كبير من الشعب العماني، وتعد صادرات الأسماك العمانية من أهم الصادرات غير النفطية ذات المنشأ العماني، وقد بلغت قيمة صادرات الأسماك العمانية خلال عام 1991 نحو 113.3 مليون ريال عماني وهي تمثل 16.8% من جملة الصادرات العمانية غير النفطية.

قرى صيد نموذجية

وقد حرص المسئولون في السلطنة على الجمع بين استغلال الثروة السمكية والمحافظة عليها تجنبا للاستغلال الجائر الذي يمكن أن يلحق بهذه الثروة نتيجة عدم التقيد بعملية الصيد في السواحل العمانية، فقد أعد المسئولون لوائح وضوابط وتشريعات للتنظيم والتحكم في عملية الصيد وتحديد الأماكن والمناطق والأنواع المسموح فيها بالصيد وإلزام الشركات والأفراد بالتقيد بها. وحتى لا يضار الصياد العماني البسيط فقد أنشئت قرى صيد نموذجية على طول الخط الساحلي، وجرى تركيز هذه القرى في مناطق التجمعات السكانية الساحلية لتمكين الصياد العماني من ممارسة حرفته بوسائله التقليدية التى اعتاد عليها دون أن تنافسه الشركات ذات الإمكانات الغالية في مناطق الصيد التي اعتاد ممارسة صيده فيها، علاوة على أن هذه القرى النموذجية توفر كل التسهيلات التي يحتاجها الصياد العماني، فقد أقام المسئولون نحو 16 مركزا لتسويق الأسماك، وذلك لتوفير الأسماك في جميع المناطق، وبخاصة المناطق الداخلية البعيدة عن السواحل، كما تم إنشاء خمسة مراكز للتبريد بسعة تخزين إجمالية تبلغ نحو 700 طن.

وتفخر مدينة صور بأنها أعرق مدينة في السلطنة اشتهرت بصناعة السفن، فعلى سواحلها بنيت معظم السفن التي كونت الأسطول التجاري العماني الذي جاب البحار والمحيطات ووصل إلى الهند وشرق إفريقيا وجزيرة سومطرة حتى ميناء كانتون في الصين بالإضافة إلى سواحل البحر الأحمر والخليج العربي. وفي مدينة صور الآن نحو ستة أحواض مخصصة لبناء مثل هذه السفن التقليدية تستطيع بناء مايقرب من اثنتي عشرة سفينة من نوع السنبوك او الشوعي أو الجالبوت وهي سفن تلقى رواجا عند الصيادين سواء في عمان أو الإمارات أو المملكة العربية السعودية أو الكويت. وقد كانت أحواض بناء السفن في صور تتمتع بشهرة كبيرة، فقد كانت مدينة صور في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي من أنشط مراكز بناء السفن في منطقة الخليج، وتقول مذكرات البحارة الأجانب إنه وحتى عام 1930 كانت هناك أكثر من مائة سفينة كبيرة من نوع "البغلة" و "الغنجة" التي امتازت بها سلطنة عمان عن بقية دول الخليج تجوب المحيطات تبنى في صور. وكان العمانيون القدامى يمتازون بوضع بعض اللمسات الجمالية على سفنهم وخاصة سفينة البغلة والغنجة حيث كانوا يضعون عطفة لمقدمة السفينة كما كانوا يصنعون بعض الزخارف في مؤخرة السفينة، والآن لم يعد لها سوق رائجة ولا يطلبها أحد. يقول أحد أساتذة بناء السفن الخشبية وهو القلاف نصيب مبارك: لقد قمت بصنع إحدى السفن الكبيرة منذ خمس سنوات من نوع الغنجة وهي الآن موجودة في ميناء قابوس وتستخدم في رحلات الترفيه فقط، ويضيف: إن معظم عملنا ينحصرالآن في عمل سفن صيد السمك الصغيرة مثل الجالبوت والشوعي والسنبوك والتي تقدر حمولتها بنحو عشرة أطنان ويبلغ طول قاعدتها نحو 18 ذراعا، وأنا أقوم بصناعة بعض هذه السفن بطلب من تجار في المملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك قطر، والحقيقة أن بناء سفينة من نوع الشوعي يكلفني الآن ما يقرب من 9 آلاف ريال عماني وذلك بسبب ارتفاع أسعار الخشب الذي نستورده من الهند أو من إندونيسيا بالإضافة إلى غلاء أجور العمال الذين يعملون معي.

أما مراحل بناء السفينة الخشبية التقليدية فهي متشابهة في جوهرها ومشتركة في جميع مناطق الخليج. والبحر الأحمر.

بلد وخيط وهندازة

ووفقا للطريقة المتبعة في بناء السفينة يتفق التاجر مع صانع السفينة والمعروف باسم الأستاذ أو القلاف بتعيين نوع السفينة المطلوبة وطول قاعدتها أو مايعرف بالبيص وهو العمود الفقري للسفينة، ثم يترك التاجر للأستاذ أن يحسب النسب المطلوبة والخاصة بالسفينة مثل الطول والعرض والارتفاع والتي غالبا ماتكون جاهزة في فكر الأستاذ القلاف بدون أن يحتاج إلى حساب، ثم يقوم الأستاذ باختيار خشبة القاعدة "البيص"، ويجب أن تكون هذه الخشبة مستقيمة وخالية من أية شوائب، وفي العادة تختار هذه الخشبة من الساج، وفي صور يقع الاختيار هذه الأيام على خشب يطلق عليه اسم "بلاد" يجلب من إندونيسيا ويمتاز بأنه صلب وقوي، وبعد اختيار القاعدة توضع على قطع من الخشب وترفع قليلا عن الأرض، ويقوم القلافون بتسويتها لتكون مستقيمة دون وجود تعرجات، ثم يقوم الأستاذ بوضع الخشبة الأمامية والتي تسمى بالصدر، ثم الخشبة الجلفية والتي تسمى بالتفر، ويقوم بتثبيتهما بالقاعدة، ويستعين الأستاذ في تثبيت هاتين الخشبتين في وضعهما المناسب بآلة بسيطة تسمى الهندازة أو الكامبي، وهي عبارة عن نصف دائرة من النحاس توضح عددا معينا من الزوايا ويتدلى منها خيط معلق فيه ثقل صغير، وهذه الآلة أو الهندازة تساعد الأستاذ على تعيين مقدار درجة انحناء أو ميل الصدر أو التفر حيث يجب أن تكون القاعدة والصدر والتفر على مستوى رأسي واحد، ومن أجل هذا يستخدم الأستاذ "البلد" وهو عبارة عن قطعة من الرصاص مخروطية الشكل بها خيط طويل يربط الأستاذ أحد طرفي الخيط في منتصف العمود الأمامي والطرف الآخر في منتصف القاعدة، ويعلق الثقل بحيث يتدلى حتى يلامس القاعدة وذلك حتى يكون عمود المقدمة والقاعدة في مستوى رأسي واحد، ويقوم بالعمل نفسه بالنسبة للعمود الخلفي أو مايعرف بالتفر، ثم يبدأ بعد ذلك بوضع الأضلاع الخاصة بجسم السفينة، واحدا بعد الآخر حتى تبدو السفينة من الداخل وكأنها قفص صدري بأضلاعها، وهنا يجب أن تكون الأضلاع الموجودة على أحد جانبي القاعدة نسخا طبق الأصل من الأضلاع الموجودة على الجانب الآخر.

وهذا ما يضمن للسفينة بقاءها طافية على سطح الماء، ويعد تركيب أضلاع السفينة من الأعمال التى يحرص القلاف على أن يتقنها بدقة متناهية لأنها تمثل أهم شيء لكل ما في السفينة من علم وفن، وبعد ذلك يقوم الأستاذ بتركيب الألواح الخاصة بجسم السفينة دون الحاجة إلى قياسات وتصاميم مسبقة، معتمدا على خبرته ومهارته.

ومن المعروف أن الأستاذ الذي يقوم ببناء سفينة بهذه الطريقة لا يمكن أن يصنع سفينتين متشابهتين تماما، لأن كل سفينة تأتي بمواصفات خاصة بها وتكون ذات جمال مميز، ويرجع السبب إلى أن الأستاذ لا يستخدم الرسومات والمقاييس المسبقة عند بناء - أو كما يطلق عليها "وشار" - السفينة بل يعتمد على خبرته ونظرته في تصميم كل سفينة ولما كان كل لوح يدخل في بناء أي جزء من أجزاء السفينة قد قطع وشذب بطريقة تجعل مقاسه وحجمه وشكله مختلفا عن الآخر، فإنه من الصعب بناء سفينتين متطابقتين تماما، وربما تكون هذه الميزة أحد الأسباب التي تنفرد بها هذه الصناعة، كما أنها مدعاة للإعجاب بها، وبصانعها الذي قام بالإشراف على صنعها.

أما أدوات النجارة التي يستخدمها القلافون أو النجارون في صناعتهم فهي الأخرى بسيطة غاية البساطة أهمها المجرح أو المثقب والذي عادة مايدار بواسطة القوس، وكذلك المنشار والقدوم وعليه المعول في هذه الصناعة فهو يستخدم في الكثير من أعمال بناء السفينة.

ورغم أن القلافين يعتمدون على خبرتهم ومهارتهم في هذه الصناعة إلا أنهم يأتمرون بإمرة " الأستاذ" الذي غالبا ما تكون عنده خبرة سنوات عديدة في هذه الصناعة، وفي الغالب يكون الأستاذ والقلافون قد توارثوا هذه المهنة عن آبائهم أو تعلموها من أقاربهم، ولذلك فإن حرفة صناعة السفن الخشبية في صور ذات طابع عائلي. يقول حديد جمعة إسماعيل من كبار الأساتذة في بناء السفن وأحد الذين ساهموا في بناء السفينة العمانية المعروفة "صحار" والتي قامت برحلتها التاريخية إلى ميناء كانتون عام 1980: إنني لا أنكر فضل أساتذة الكويت علي حيث تعلمت على أيديهم حرفة بناء السفن، بل إن كل القلافين الذين مررت عليهم في مدينة صور تعلموا هذه الصناعة في الكويت، وإنني أؤكد بكل فخر أن أستاذي الحاج محمد بن عبد الله الأستاذ والحاج علي عبدالرسول وجاسم عبد الرسول وكذلك القلاف المشهور الحاج أحمد بن سلمان الأشرم هؤلاء لهم الفضل كل الفضل على كل القلافين في صور.

وفي العادة يبدأ موسم بناء أو "وشار" السفن كما يطلق عليه القلافون مع أواخر موسم الصيف، وقد يستغرق بناء سفينة كبيرة مثل العنجة والتي يبلغ طول قاعدتها نحو 30 ذراعا نحو عشرة أشهر، أما المراكب الصغيرة كالشوعي أو السنبوك أو الجالبوت فلا تحتاج أكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر، ويعتبر خشب الساج هو الأساس في بناء أية سفينة، وهو يستورد من الهند بالإضافة إلى نوع آخر من الخشب وهو البنطيج وهو الآخر جيد وممتاز لصناعة السفن الصغيرة، ويمتاز هذان النوعان من الخشب بقوة احتمالهما للرطوبة وصلابتهما، أما المسامير فإنها تستورد كذلك ويقوم الأستاذ بشرائها من السوق المحلية ولابد من وضع فتايل من القطن والدامر والصل حيث يلف المسمار ثم يدخله القلاف في اللوح، أما الأخشاب الأخرى المستخدمة لبقية أجزاء السفينة والتي ليس عليها الثقل فبعضها يجلب من الصومال أو إيران أو إندونيسيا، كما يعتمد أهل عمان في صناعتهم للسفن على جزء لا بأس به من الخشب الذي ينمو في السلطنة، فأخشاب شجر الفرظ المحلي تستخدم في بناء أجزاء مهمة. من السفينة نظرا لصلابتها وقوتها، كما تستخدم أخشاب شجر السدر المحلي لصناعة مؤخرة ومقدمة السفينة الصغيرة، لذلك فإن صناعة السفن التقليدية في عمان تعتمد على جانب من الأخشاب التي تنمو في عمان نفسها على عكس الصناعة في بقية دول الخليج العربي.

وبعد الانتهاء من صنع السفينة تجري "قلفطة" الهيكل باستخدام مزيج من الليف والقطن الخام مشرب بزيت السمك أو مايسمى (بالصل) أو زيت جوز الهند أو زيت السمسم، وفي العادة يستخرج زيت السمك إما من السردين أو من كبد سمك اللخم، ثم يطلى الهيكل تحت مستوى سطح الماء بطلاء واق يصنع من الزيت أو الدهن وذلك لوقاية السفينة من التسوس، أما الأجزاء التي فوق مستوى سطح الماء فتطلى بزيت السمك أو بزيت نباتي، وهذا مايضفي على الخشب لمعانا وبريقا.

مصنع النماذج

لقد اعتادت الكثير من المؤسسات الحكومية والشركات وحتى الأفراد في هذه الأيام وضع نماذج من السفن التقليدية في أمكنة بارزة من المؤسسات والشركات وذلك كنوع من الديكور الجميل وإبراز جانب من أنواع الصناعات التقليدية التي تفخر بها البلاد، وقد لاقت هذه الفكرة رواجا كبيرا في كثير من دول الخليج العربي، حتى أن بعض الشركات والأفراد يتسابقون للحصول على نماذج من هذه السفن لوضعها في أماكن بارزة من الفنادق، وكذلك البيوت السكنية والمعارض، وأمام هذا الاهتمام الكبير بهذه النماذج من السفن التقليدية قامت وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عمان بإنشاء مصنع لنماذج من هذه السفن في مدينة صور يقع بالقرب من الموقع الذي بنيت فيه السفينة صحار ليكون مركزا لصنع هذه النماذج، ويعمل بهذا المصنع مجموعة من القلافين العمانين المسنين والمهرة والذين أفنوا جانبا من أعمارهم يصنعون السفن الكبيرة على سواحل عمان، يقوم هذا المصنع بصنع نماذج صغيرة لمختلف أنواع السفن المعروفة في عمان مثل السنبوك والشوعي والعنجة والبغلة والبدن والجالبوت، وبالطبع فإن كل نموذج من هذه السفن يجب أن يكون صورة طبق الأصل من السفينة الكبيرة بكل أجزائها وتوابعها والتي اعتاد القلافون عملها وهذا النموذج لا يختلف عن السفينة الأصلية في شيء أبدا.

تقوم وزارة التراث القومي والثقافة في عمان بدفع رواتب مجزية لهذه المجموعة من القلافين والذين لا يتجاوز عددهم ستة أفراد يقومون بصنع نحو ستة إلى ثمانية نماذج لسفينة تقليدية، حيث تقدمها الوزارات إلى البلاط السلطاني أو وزارة الخارجية فتقدم كهدية مميزة للزوار الرسميين للدولة. ويقول القلاف فاضل حسون ابن جمعة وهو أحد القلافين العاملين بالمركز: لقد أرسلت وزارة التراث القومي والثقافة هذا العام مجموعة من القلافين الذين يعملون بالمركز إلى إسبانيا للمشاركة في معرض لشبونة حيث يقوم هؤلاء القلافون بصنع نماذج لسفننا التقليدية أمام الزوار في المعرض وفي الجناح المخصص للسلطنة، وقد حمل هؤلاء القلافون كل ما يحتاجونه من خشب وآلات وغيرها لعرضها أمام الجمهور. ويضيف بن جمعة قائلا: عندنا الآن في صور مجموعة من القلافين يضعون نماذج من هذه السفن في بيوتهم ثم يبيعونها إلى من يريد، وكثيرا ما يأتي بعض التجار من الهند إلى مدينة صور لشراء هذه النماذج فيذهبون بها إلى الهند لتقليدها وعمل نماذج مشابهة لها ثم بيعها للجمهور. وقد أصبحت هذه المهنة تجارة رابحة، حتى أن بعض الشباب حضروا في هذا الصيف وطلبوا أن أعلمهم طريقة صنع هذه النماذج، وأنا على استعداد أن أعلم أي واحد يريد أن يتعلم هذه الحرفة اللطيفة.

إلى كانتون مع صحار

وحرصا من سلطنة عمان على إحياء التراث البحري العماني العريق، قررت بناء سفينة تقليدية بالطريقة نفسها التي كان العمانيون يصنعون بها سفنهم قبل ألف عام، والإبحار بها سالكين الطريق البحري القديم الذي سلكه البحارة العمانيون في تجارتهم مع الشرق وصولا إلى ميناء كانتون الصيني، وقد بنيت السفينة التي أطلق عليها اسم صحار في المركز التاريخي لبناء السفن في مدينة صور العمانية والتي عرفت قديما ولعدة قرون كميناء شهير، ومركز رئيسي لصناعة السفن والقوارب الشراعية، وقد تم بناء جسم السفينة من خشب الآني المختار من غابات الهند، وهو يشبه إلى حد كبير خشب الساج ويبلغ الدرجة نفسها من القوة والكثافة والوزن، كما يمتاز هدا النوع من الخشب بمقاومته لأنواع عديدة من الفطريات والحشرات التى تصيب السفن، بالإضافة إلى أن خشب الآني يستطيع تحمل الماء أكثر من خشب الساج ذاته.

وقد احتاجت السفينة إلى مايقرب من مائة وأربعين طنا من هذه الأخشاب الممتازة، وبأطوال خاصة، أما العارضة الرئيسية للسفينة "البيص" والممتدة على طول قاع المركب فهي الأساس الذي يقوم عليه بناء السفينة، وقاعدتها طولها 52 قدما وبعرض 12 بوصة وارتفاع 15 بوصة، وقد تم اختيارها من جذع شجرة واحدة.

إن أبرز ملامح بناء هذه السفينة يتمثل في عدم استخدام المساميرفي عملية بناء السفينة، حيث تم شد ألواحها إلى بعضها البعض بالحبال المجدولة والمصنوعة من ألياف جوز الهند، وبالطريقة نفسها التي كانت تصنع بها السفن في القرن التاسع الميلادي دون أدنى تعديل، وقد استخدم مايربو على اربعة أطنان من الحبال المجدولة من ألياف جوز الهند لشد ألواح السفينة إلى بعضها البعض أي مايعادل نحو خمسة وسبعين ألف جوزة هند ثم أربعة أطنان من حبل ألياف جوز الهند لأربطة الأشرعة والصواري والمراسي، كما بلغ طول السارية الرئيسية للسفينة نحو 75 قدما، أما الشراع فمساحته نحو ألفي قدم مربع، وقد تم "تعشيق" ألواح السفينة والتي يبلغ سمكها نحو بوصتين ونصف البوصة، كما تم ثني هذه الألواح مكونة انحناءات غاية في الدقة والإتقان، وتم تعشيق هذه الألواح وإحكام التداخل بينها بدقة تصل إلى 1 على 64 من البوصة حتى امتداد الألواح الخشبية التي يبلغ طولها 80 قدما.

والحق أن مستوى رقي الصناعة في بناء السفينة يسترعى الاهتمام، لاعتماد هذه الصناعة على الطريقة اليدوية في جميع مراحلها، إن هذه الطريقة التي اتبعت قديما في بناء السفن والمراكب الشراعية لم تندثر ولم يعف عليها الزمن، ففي سواحل عمان لا يزال الصيادون العمانيون يعكفون على ترميم زوارقهم الصغيرة باستخدام الطريقة القديمة نفسها، وقد أتاح هذا الأسلوب التاريخي في بناء السفينة صحار مستوى جيدا من دقة الصنعة وجمالها فضلا عن المتانة البالغة. أما أهم المزايا لسفينة مصنوعة من الألواح المشدودة إلى بعضها بالحبال فهي أنها تتجاوب مع الأمواج فتنزلق على الماء على نحو يخفف الضغط على هيكلها.

وقد تمت معالجة هيكل السفينة بخليط تقليدي من الدهون الحيوانية والجير لحماية هيكل السفينة من هجمات ديدان المراكب، كما تم رش ألواح السفينة وضلوعها والحبال المستخدمة في بنائها بالزيت النباتي، حتى يكسبها متانة وقوة ويقيها خطر التآكل، ومن المؤكد أن السفينة المصنوعة بهذه الطريقة لو أحسنت صيانتها فستعيش من ثمانين إلى مائة عام. لقد قدم المسئولون في السلطنة كل التسهيلات الممكنة لنجاح هذه التجربة فهم لم يحتضنوا فكرة رحلة صحار من حيث التمويل فحسب بل قدموا كل المهارات الفنية العمانية في صناعة السفن والملاحة البحرية، لذلك جاءت السفينة صحار نموذجا رائعا للصناعة اليدوية العمانية.

من مسقط إلى كانتون

وفي 23 نوفمبر من عام 1980 أقلعت "صحار" من ميناء مسقط متجهة إلى الصين في رحلة بحرية طويلة تذكر بأمجاد الملاحين العمانيين القدامى، وكان على متنها المستكشف والمؤرخ البحري "تيم شعرن" وطاقم مكون من ثمانية من خيرة البحارة العمانيين، وفريق مكون من 20 بحارا أوربيا في مختلف التخصصات، وقد استهدفت الرحلة رسم واكتشاف الطريق البحري للتجارة الذي سلكه البحارة العرب منذ ألف عام حيث كانت أنباء مغامراتهم في البحار مصدر إلهام لكثير من القصص والحكايات وبخاصة قصص السندباد، وفي بداية شهر ديسمبر من عام 1980 أكملت "صحار" المرحلة الأولى من رحلتها حيث رست في ميناء "بيوبور" على ساحل ما لابار الهندي، وفي هذا الساحل تم تفقد السفينة وصيانتها وإزالة ماعلق بها من شوائب، ويعد هذا الميناء اليوم واحدا من أكثر المراكز الباقية في العالم لبناء السفن الخشبية، ففي كل عام يجري بناء عدد يتراوح بين 20 إلى 30 سفينة خشبية بأيدي رجال كرسوا حياتهم للعمل في أحواض السفن، ومن المعروف أن صناعة السفن الهندية التي يتم بناؤها باستخدام المسامير قد عرفت في الهند مع بداية القرن السادس عشر الميلادي على يد المستكشفين البرتغاليين، وأن هذه الطريقة في بناء السفن تعد سريعة ورخيصة إلا ان استخدام المسامير يجعل هذه السفن لا تعمر أكثر من عشر سنوات تقريبا، ذلك لأن المياه الاستوائية تتسبب في تآكل المسامير الحديدية الملساء وتعفن الخشب، ولكن السفن المصنعة بطريقة استخدام الحبال في شد ألواحها وأضلاعها على غرار السفينة صحار تعمر لفترة أطول بكثير قد تصل إلى مائة عام.

وفي منتصف يناير عام 1981 وصلت صحار إلى جزر مالديف وبعدها إلى ساحل سريلانكا متجهة شرقا إلى سومطرة على مسافة 900 ميل عبر المحيط الهندي وهي رحلة تستغرق شهرا كاملا إذا جرت الرياح على ماتشتهي السفن، إلا أن الرياح عاكست صحار مما جعلها تتقدم ببطء شديد، وفي هذه المرحلة صادفت تغييرا حادا فى اتجاه الريح مما أدى إلى اندفاع السفينة إلى الوراء، ثم أدى إلى انكسار الصاري الرئيسي في وقت من أسوأ الأوقات وهذا مايحدث كثيرا على ظهر سفينة شراعية، وبتعاون البحارة الأشداء استطاعت السفينة أن تكمل رحلتها بعد أن قام البحارة بإصلاح الجزء المنكسر من الصاري، ومن حسن الطالع بعد ذلك أن واتت السفينة رياح جنوبية غربية أتاحت لصحار أن تتقدم تقدما ملحوظا نحو مضيق "ملاقا" وفي منتصف إبريل من عام 1981 وبعد مائة وعشرة أيام من بدء الرحلة، كانت صحار تمخر عباب المحيط وتقترب من ساحل سومطرة حيث قطعت نحو 3500 ميل، وفي منتصف شهر يونيو عام 1981 أخذت صحار تتوغل في مياه بحر الصين الجنوبي في المرحلة الأخيرة من رحلتها الممتدة من مسقط إلى ميناء كانتون، وفي خلال هذه المرحلة صادفت السفينة رياحا مواتية على نحو لم تصادفه من قبل، مما أعانها على قطع مسافة 120 ميلا في اليوم.

ومع إشراقة يوم 28 من يونيوعام 1981 بدا الساحل الصيني على مرمى البصر للبحارة حيث ساد أفراد الطاقم شعور عميق بالفرحة لوصول السفينة إلى الساحل الصيني، بعد انقضاء217 يوما من إبحارها من مسقط فقد أوشكت سفينة شراعية عمانية ولأول مرة منذ عدة قرون أن تدخل المصب الواسع لنهر اللؤلؤ الذي كان يعرفه الملاحون والتجار العمانيون القدامى وغيرهم من الملاحين العرب في القرون الوسطى بنهر الصين العظيم. وفي يوم 11 يوليو 1981 استقبل الصينيون وبكل الحفاوة والترحيب السفينة صحار وطاقمها استقبالا رسميا حافلا، كما شارك في استقبال السفينة مجموعة كبيرة من مسلمي الصين والذين قاموا مع أفراد- طاقم السفينة باداء الصلاة شكرا لله تعالى على سلامة الوصول. لقد قطعت صحار في رحلتها هذه من مسقط إلى ميناء كانتون خمس المسافة حول العالم، وعبرت البحار السبعة التي قال الجغرافيون العرب القدامى إنها تمتد عبر الطريق إلى الصين. وقد تم نقل السفينة صحار إلى مسقط حيث أصبحت رمزا وطنيا وشاهدا حيا على مآثر أجيال من البحارة العمانيين الذين استطاعوا أن يقطعوا نحو ستة آلاف ميل عبر البحار السبعة.

سفينة شباب عُمان

وإذا كانت رحلة السفينة "صحار" إلى ميناء كانتون تعد من المآثر الخالدة لسلطنة عمان فإن رحلة سفينة شباب عمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية تعد المأثرة الثانية للسلطنة فقد أبحرت في مارس عام 1986 القطعة البحرية السلطانية "شباب عمان" في أول رحلة لها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتشارك في احتفال أمريكا المئوي بتمثال الحرية في نيويورك، ولتكون هذه السفينة هي السفينة العربية الوحيدة التي تشارك في تلك الاحتفالات وقد استغرقت رحلتا الذهاب والعودة من مسقط إلى نيويورك نحو سبعة شهور وكان على متنها 131 شابا عمانيا، وقد قطعت "شباب عمان" لا مسافة 20200 ميل وهي أطول رحلة قطعتها سفينة عمانية، فقد زارت فيها عشرين دولة منها جيبوتي ومصر وجبل طارق وكندا وتونس واليونان وإيطاليا والأردن والمملكة العربية السعودية فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية.

وسفينة "شباب عمان" من أكبر سفن التدريب الشراعية في العالم، وقد بدأت الخدمة في البحرية العمانية عام 1979 بهدف توفير فرص التدريب للشباب العماني على المناورة والإشراع، ويتكون طاقمها من خمسة ضباط دائمين وثمانية عشر جنديا. والسفينة تتسع لاستقبال 31 متدربا، وتعقد في السفينة عدة دورات تدريبية، وتتاح في هذه الدورات فرص التدريب على الإشرعة أي قيادة السفينة، والأسس الأولية في الإبحار وأعمال التدريب وغيرها. وقد بنيت "شباب عمان" عام 1971 بأفضل الأخشاب، فهي تتكون من أخشاب سكوتلندا القوية وأخشاب الآوريفون الصلبة، وقد غيرت "شباب عمان" أثناء الرحلة إلى الولايات المتحدة طاقمها أربع مرات لكي تعطي أكبر عدد من الشباب المتدربين خبرة الملاحة في المحيط وأعالي البحار متيحة الفرصة أمامهم للاحتكاك بالدول والموانىء التي تتوقف فيها السفينة للتعرف على حضارتها وثقافتها. وقد قامت السفينة "شباب عمان" برحلة طولها 17 ألف ميل بحري إلى استراليا زارت خلالها أحد عشر ميناء لخمس دول على خط سيرها منها كوالالمبور وسنغافورة وسورباما وسدنى وكينز وسلطنة بروناي وماليزيا وقد جاءت الرحلة في إطار توثيق عرى الصداقة والود وإقامة جسور متينة من العلاقات القائمة على التعاون والاحترام المتبادل بين سلطنة عمان ودول العالم المختلفة.

وفي شهر أبريل عام 1989 غادرت "شباب عمان" السلطنة في ثالث رحلة عالمية لها للمشاركة في الاحتفالات الفرنسية التي أقيمت في ميناء "روان" الفرنسي في النصف الأول من شهر يوليو بمناسبة مرور مائتي عام على قيام الثورة الفرنسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد زارت السفينة في رحلة الذهاب أحد عشر ميناء واستغرقت الرحلة قرابة ستة أشهر.

 

صادق يلي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صُور العُمانية.. سفنها التقليدية تقهر المحيطات





أحد الأبواب العمانية القديمة تتجلى فيه مهارة النقش واستخدام أشكال الأزهار والأشجار الموجودة في البيئة





أحد الاحتفالات الشعبية.. أغاني البحر هبطت إلى البر وأصبحت تتردد وفق إيقاعات الطبول





طريقة صنع السفن بالأساليب التقليدية وواحد من أشهر صناع هذه السفن يمارس عمله





صنع نموذج لسفينة قديمة لقد أصبحت تحفا تتسابق على اقتنائها المؤسسات والبيوت والفنادق





منظر عام لمدينة صور من ناحية البحر حيث تجوب السفن التقليدية مياه الخليج





شيخ عماني باللباس التقليدي والخنجر المشغول بالفضة





صناعة الخناجر إحدى الصناعات التي مازالت مزدهرة.. المقبض من قرون وحيد القرن والنصل من الصلب والغمد موشى بالفضة





أسماك الكنعد أشهر الأسماك في مياه عمان الدافئة





لقطة عامة لمدينة صور يتوسطها مسجد المدينة





الاحتفالات الشعبية الصنوج والطبول والسيوف.. كلها أدوات ضرورية لممارسة الرقص





الجياد لها أيضا دور أساسي في ممارسة استعراض الفروسية





الجمال لها مكان في حياة العماني خاصة في الأماكن التي تبتعد عن مراكز المدن





الأطفال على الشاطئ والآباء في القوارب كل واحد يتنزه بطريقته





محرر العربي وهو يجري حوارا مع الصيادين.. ويسألهم عن مشاكلهم





جلسة تجمع بين الصيادين وأولادهم.. المشاكل واضحة على وجوه الكبار والأطفال يتساءلون عن سر هذا التجهم





أحد المساجد العمانية يجمع بين ملامح العمارة الحديثة وتجليات التراث القديم