شوقي ضيف..سيرة وتحية فؤاد دوارة

شوقي ضيف..سيرة وتحية

إشراف وتقديم: الدكتور طه وادي

هذا الكتاب هو تحية لرائد من رواد الدراسات العربية. قام بكتابته تلامذته ومحبوه الذين عشقوا الأدب العربي من خلال كلماته بمناسبة بلوغه سن الثمانين من عمره دون أن يجف مداد قلمه أو يخفت توقد ذهنه. ومجلة العربي تشارك في تحية هذا الرائد الكبير بتقديم عرض لهذا الكتاب.

  • توقف القلم بعد مسيرة طولها خمسة وسبعون عاما تمثل القرن العشرين فكرا وثقافة وسياسة وتربية وتجارب.
  • شوقي ضيف المفكر واضح تمام الوضوح ولكن شوقي الإنسان في بيته أسدل عليه ستورا كثيفة.

سنة حميدة تلك التي استنها أستاذنا الدكتور عبد الرحمن بدوي حين أصدر منذ سنوات عديدة كتاب "طه حسين، سيرة وتحية" بالاشتراك مع نخبة من تلاميذ عميد الأدب، أسهم كل منهم بإضاءة جانب من جوانب إنتاج الأستاذ الرائد، أو بإضافة من إضافاته المهمة لحياتنا الأدبية والثقافية، ثم في قسم آخر لحق بهذا القسم الأول، نشرت نخبة من أولئك التلاميذ الأبرار مجموعة من دراساتهم وأبحاثهم المبتكرة في تخصصاتهم الأدبية الدقيقة، أهدوها إلى صاحب السيرة وموضوع التحية، قد تكون امتدادا لدراساته، أو تطويرا لها، وقد لا تربطها به وبدراساته أدنى صلة، وكأنهم يقولون له بهذا القسم من الكتاب، ها هو ذا غرس يديك قد أتى ثماره، وأثبت نفعه وجدواه، وها نحن تلاميذك نتابع السير على الطريق الذي شققته، ونمضي على الدرب الذي ارتدته، وقد نرتاد كذلك آفاقا أوسع مما ارتدت، ونشق فجاجا عديدة أرحب مما شققت، فتلك طبيعة الحياة، وتلك طبيعة البحث الأصيل، لا يعرف حدودا يتوقف عندها، ولا قيودا تعوق انطلاقه وتقدمه.

على هذه السنة صدرت كتب أخرى تكريما للعقاد، ومحمود شاكر، وزكي نجيب محمود، وأخيرا للدكتور شوقي ضيف بمناسبة بلوغه الثمانين من عمره المديد بإذن الله، وهذا الكتاب الأخير هو موضوع هذا المقال.

العنوان الكامل للكتاب هو: "شوقي ضيف - سيرة وتحية: دراسات في الأدب والنقد واللغة بقلم مجموعة من أساتذة الجامعات العربية"، إشراف وتقديم: د. طه وادي، الذي يستهل تقديمه قائلا: "إن هذا الكتاب كتاب تذكاري ومجلد وثائقي عن أستاذنا الجليل، أستاذ الأساتذة، وكبير العلماء، وهو كتاب يؤكد وفاء جيل من دارسي الأدب العربي، نحو أستاذ عظيم المكانة، جليل القامة، وهب حياته كلها للبحث والدرس، والعلم والتعليم، غير متطلع إلى منصب أو طالب لعرض من أعراض الدنيا. إن الحديث عن شوقي ضيف حديث عن رجل كالسيف، صور بسيرته، وشكل بمسيرته، مثلا أعلى يحتذى ، وقدوة حسنة بها يهتدي، ولمثل ذلك فليعمل العاملون، وليتنافس المتنافسون".

ويقرر كاتب المقدمة أن فكرة إصدار هذا الكتاب استقبلت بترحيب كبير وحماسة من تلامذة الأستاذ في قسم اللغة العربية في كلية آداب القاهرة الذي تعلم وعلم فيه، فوصلته خلال أربع سنوات أبحاث متنوعة ودراسات عديدة يصعب جمعها بين دفتي مجلد واحد، وخشية من تضخم حجم الكتاب، أو نشره في جزأين منفصلين، فقد اضطر إلى انتخاب نماذج مختلفة من تلك البحوث المهداة، تكون قريبة - إلى حد كبير - من المجالات التي تدور فيها دراساته، وتتشعب إليها مؤلفاته، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون دالة على جهود الباحثين الذين تلقوا العلم على يديه في مختلف الأقطار والمعاهد.

سيرة عالم.. ومسيرة إنسان

لم يكتف د. طه وادي، أستاذ الأدب والنقد الحديث بآداب القاهرة بجهد الإشراف على هذا السفر القيم وكتابة تقديمه، بل اضطلع كذلك بكتابة الدراسة الأولى من القسم الأول من الكتاب، وموضوعها دراسات عن شوقي ضيف، فقدم دراسة شاملة لحياة الأستاذ وإنتاجه الأدبي الغزير بعنوان: "شوقي ضيف - سيرة عالم.. ومسيرة إنسان". وهي مهمة شاقة للغاية لاتساع رقعة حياة صاحب السيرة، وضخامة إنتاجه الأدبي، الذي بلغ سبعة وأربعين كتابا، احتاج مجرد تسجيلها في ببليوجرافيا إلى أربع صفحات من القطع الكبير، فما بالك بقراءتها، والإلمام بخصائصها ومزاياها، تمهيدا للتعريف بها وتقديمها.

يستعرض د. طه وادي مختلف مراحل حياة صاحب السيرة، ابتداء من مولده في قرية أولاد حمام بالقرب من بحيرة المنزلة بمحافظة دمياط، حتى فوزه بأرفع الجوائز، كجائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1979، وجائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي سنة 1403 هـ (1983م).

وبعد أن يقدم قائمة ببليوجرافية كاملة بمؤلفاته حتى سنة 1992، يقسم هذه المؤلفات إلى أربعة أقسام:

- الدراسة الأدبية.
- الدراسة البلاغية والنقدية.
- الدراسة النحوية.
- الدراسة الإسلامية وتحقيق التراث.

وبعد أن يفصل القول في مؤلفات كل قسم يختتم دراسته قائلا:
"إن هذه الدراسة المختصرة شمعة صغيرة تحاول أن تضيء بحرا شاملا من العطاء والتأليف. إن شوقي ضيف مدرسة في إهاب أستاذ، وأمة في جسد فرد، أعطى ولا يزال يعطي حتى اليوم علما وفضلا، لكل من يلوذ به أو يلجأ إليه. وشوقي ضيف - كما يعلم كل من تتلمذ عليه أو عاصره - رجل عفيف نظيف. لم يشغل نفسه إلا بالعلم وبناء العلماء، ومن عجب أن قلبه الأبيض لم يعرف الحقد أو الضغينة، ولم يحاول يوما أن يسيىء حتى إلى من أساء إليه، ولم يطمع في منصب، ولم يسع إلى وظيفة أو شهر".

الموشحات والأزجال

إذا كان كتاب "معي"، وهو السيرة الذاتية لشوقي ضيف، هو المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليه د. طه وادي في سرد وقائع حياته، فإن الكتاب نفسه كان موضوع الدراسة الثانية من القسم الأول من كتاب "سيرة وتحية"، كتبها د. ماهر حسن فهمي، عميد كلية الإنسانيات وأستاذ الأدب الحديث بجامعة قطر، وهو بالمناسبة ليس من تلاميذ شوقي ضيف المباشرين، لأنه من خريجي كلية الآداب بجامعة الإسكندرية سنة 1950، وقد أشرف على رسالتيه للماجستير والدكتوراة الأستاذ الراحل د. محمد محمد حسين أستاذ الأدب الحديث هناك. ولكن هذا لا يمنع من أنه تتلمذ على شوقي ضيف بصورة غير مباشرة ككل المشتغلين بالدراسات العربية، أي عن طريق مؤلفاته العديدة الخصبة. وبعد أن يستعرض د. ماهر حسن فهمي سيرة شوقي ضيف الذاتية التي نشرها في كتاب من جزأين بعنوان "معي"، ويتوقف وقفات غير قصيرة عند فقرات عديدة يستخلص منها دلالات خاصة في فهم شخصية صاحب السيرة ومسيرة حياته، ينتهي إلى القول: "هكذا توقف القلم بعد مسيرة طولها خمسة وسبعون عاما، تمثل القرن العشرين فكرا وثقافة وسياسة وتربية وتجارب من خلال رحلة فرد متميز، يعرضها عرضا أدبيا، يتوقف ويتأمل حينا، ويسرع الخطى حينا آخر، ويستخلص العبرة في كل الأحيان، يمزج بين التركيب والتحليل في البناء، ولكنه لا يعرض الصورة بكل جوانبها، فقد ترك فراغا لا ندري له سببا، لمسه حينا لمسا خفيفا، حين تحدث عن الوفاء، ولكن هذا لم يشبع نهمنا، فشوقي ضيف المفكر واضح تمام الوضوح، ولكن شوقي ضيف الإنسان في بيته مع اولاده، في عاداته وتقاليده، في عواطفه بكل مدلول الكلمة، كل هذا أسدل عليه ستورا كثيفة، وحجبه عنا، كأنه يراه نوعا من الخصوصية، قد لا تفيد الناس، أو نوعا من الضعف البشري لا يليق بالكبار، أو هو نتيجة النشأة الريفية التي تعتبر الحديث عن الأسرة لا يليق، ولكن كل هذا لا يقنع القارىء، فلمسة حنان هنا، ولمسة أبوة هناك، وأسلوب حياة في طرق التهيؤ للكتابة، أو في الترويح عن النفس من خلال الحياة اليومية، كانت كفيلة بأن تزيد السيرة إمتاعا وخصوبة وتشويقا".

وبحكم تخصصه يدرس د. محمود علي مكي "الأندلس في نتاج شوقي ضيف" فيعرف بجهوده المختلفة في العديد من كتبه التي تعرض فيها للأدب الأندلسي، مثلإ الفن ومذاهبه في الشعر العربي " و "الفن ومذاهبه في النثر العربي"، وبالكتب الأندلسية التى حققها وشرحها وقدم لها مثل كتاب "الرد على النحاة" لأبي مضاء القرطبي، و"المغرب في حلي المغرب "لابن سعيد الأندلسي، لينتهي ب "عصر الدول والإمارات" وهو المجلد السابع من مجموعة تاريخ الأدب العربي، ليرى أنه الكتاب الذي توج به شوقي ضيف جهوده في ميدان الدراسات الأندلسية، ويضيف:
"لسنا نبالغ إذا قلنا إن هذا الكتاب هو أجمع كتاب في تاريخ الأدب الأندلسي صدر حتى الآن، صحيح أن محاولات عديدة سبقته إلى ذلك ولكنها محاولات كانت مقصورة: إما على عصر من عصور هذا الأدب، أو على ظاهرة من ظواهره أو شخصية من شخصياته، أما الكتاب الجامع المجمل لتاريخ الأدب الأندلسي هو أول ما يعالج هذا الميدان ويسد الفراغ في مكتبتنا الأدبية حوله.

والكتاب يلتزم بالمنهج نفسه الذي اتبعه شوقي ضيف في كتب مجموعته، فهو بدأ بفصلين تمهيديين، الأول عن الأحوال السياسية والاجتماعية للبلاد، والثاني عن الثقافة بوجه عام، وفيها يقدم لنا خلاصة محكمة لأوضاع الأندلس في هذه الميادين. والفصل الثالث دراسة مجملة للشعر والشعراء، وفيه يتحدث عن تعريب الأندلس وخصوبة بيئتها الشعرية، ثم يختص بدراسة الفنين اللذين كانا من ابتكار الأندلسيين وهما الموشحات والأزجال".

وعن منهج شوقي ضيف في الدراسات الأدبية، يكتب د. يوسف حسن نوفل، فيمهد لبحثه بمحاولة التعرف على مناهج الباحثين السابقين والمعاصرين لشوقي ضيف، كرفاعة رافع الطهطاوي، والشيخ حسين المرصفي، وحفني ناصف، وجورجي زيدان، وطه حسين، والزيات، وأحمد أمين، ومحمد خلف الله أحمد، وغيرهم.. ثم يقول:
"إن في تأمل مكتبة شوقي ضيف بمجالاتها المتعددة ما يستوقفنا على حقيقة مهمة هي صدوره عن نظرية آمن بها من قبل وطبقها في بحثيه: الفن ومذاهبه في الشعر العربي، والفن ومذاهبه في النثر العربي، ومازال يعود إليها بين الحين والحين.

نراه يضرب بسهم وافر، ويحيط إحاطة شاملة واعية، وما ذلك- في نظرنا- إلا لإيمانه بوحدة التراث، تراث أمتنا، يراه حين يدنو من الأدب، أو النقد، أو البلاغة، أو النحو، أو التحقيق، أو الدراسات القرآنية، حتى ليمكن لنا أن نزعم - دونما مبالغة - أنه لم يتيسر لباحث محدث أن يحيط بدرس أدب أمته من أعماق ماضيها البعيد، إلى أوج حضارتها المعاصرة بدرجة واحدة من الإحاطة والشمول، والتمثل والاستيعاب، مثلما تيسر لباحثنا الكبير الذي استخلص لنفسه منهجا، واصطفى سبيلا بين تيارات صاخبة بيئ التراثية والغربية والفرعونية، بين سكينة اليقين وثباته، وصخب الشك واضطرابه، في منهج أبسط ما يقال فيه إنه منهج متكامل يجمع بين الرؤية الداخلية والرؤية الخارجية".

ملامح الشخصية المصرية

وينبهنا د. أحمد يوسف في دراسته الطريفة المهمة عن "البحث عن الشخصية المصرية عند شوقي ضيف" إلى أنه إذا كان تحديد ملامح الشخصية العربية كان الهدف الأساسي وراء كل اهتماماته، فإن البحث عن ملامح الشخصية المصرية كان كذلك من بين أهدافه النبيلة، كما كان من بين أهداف جيل أساتذته، مما يتضح في محاولتي طه حسين وأمين الخولي في كتابيهما"مستقبل الثقافة في مصر" و "أدب مصر الإسلامية"، وهو ما حاول شوقي ضيف استكماله في كتابه "الفكاهة فى مصر" الذي لم يحظ بعناية الباحثين بالرغم من أنه من أهم ما كتب الأستاذ فيما يرى الباحث، لأنه يركز فيه كل اهتمامه على استكشاف مايميز الشخصية المصرية عن غيرها من خلال نصوص كتبت باللغة العامية، أو الدارجة كتبها شعراء أو زجالون لم يدرجوا في سجل التاريخ الأدبي المعروف، ومن ثم فهو إضاءة قوية لبقعة من بقاع الإبداع والوجدان، طال نسيانها وإهمالها. ويطول بنا الحديث أكثر مما تحتمل صفحات العربي لو أردنا التوقف عند كل بحث من أبحاث هذا السفر الثمين الذي تناول في قسمه الأول كل جوانب الباحث الكبير تقريبا، وقدم في قسمه الثاني سبع دراسات أصيلة مهداة إليه، من أهمها "عمود الشعر العربي" لحسين نصار، و "رفاعة الطهطاوي.. الناقد الأدبي " لعطية عامر رئيس قسم اللغة العربية بجامعة استكهولم بالسويد.

من مزايا هذا الكتاب أنه أشرك عددا غير قليل من تلاميذ شوقي ضيف في الأقطار العربية الشقيقة، وما أكثرهم، فنشر لبعضهم أبحاثا، ولبعضهم الآخر ذكرياته مع الأستاذ من الأردن ناصر الدين الأسد، وعصمة غوشة، وأحمد الخطيب، ومن سوريا مازن مبارك، ومن العراق أحمد الجواري، ومن السودان بشير عباس، ومن السعودية محمد عزيز نظمي، ومن قطر أحمد عبيدان. فاكتملت بذلك، أو كادت، صورة رمزية لجهود الأستاذ في كثير من أرجاء الوطن العربي، بالإضافة إلى جيش تلاميذه الجرار في مصر. أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية بقدر ما خدم بلاده وأدبها وثقافتها بشكل عام.

 

فؤاد دوارة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




شوقي ضيف





غلاف الكتاب