تجربة الكويت في رعاية الطفل المعوق حسين لاري

تجربة الكويت في رعاية الطفل المعوق

تحقيق: فاطمة منصور

طالبت الجمعيات التي تتولى رعاية المعوقين بأن يكون عام "2000" عام مساواة بين الطفل المعوق، والطفل السليم.. ليصبح للمعوق دور في المجتمع. فهل يمكن أن يتحقق ذلك؟ وماهو دور الكويت في رعاية المعوقين؟

كانت الشهيدة أسرار القبندي رائدة في احتضان الأطفال المعوقين قبل استشهادها نتيجة الغزو، فقد ساهمت بإقامة دار خاصة لهم، والتقت بأمهات كن يعانين من إدراج أولادهن بإحدى المدارس الحكومية، وقد عقدت عدة اجتماعات مع شخصيات لهم الخبرة في هذا الميدان لإنشاء مدرسة أهلية لرعاية الأطفال المعوقين. ساعدتها في البداية زوجة دبلوماسي غربي، والتقت بأول طفل قدمته أمه وتطوعت السيدة الفاضلة "لولو الخليفة" ببيت عربي لاستضافة مجموعة من الأطفال المعوقين فكانت البداية لإنشاء أول مدرسة لمؤسسة القبندي وسميت باسم أول المسجلين لديها وهو "خليفة" وازداد عدد أهل الخير، وقد ضمت المدرسة عام 1989 ستة عشر طفلا تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وثمانية أعوام، وزاد العدد إلى ثلاثين طفلا بعد عام.. واستقر رأيها على ضم الأصحاء، والمعوقين معا وهي التوصية نفسها التي قدمتها فيما بعد المنظمات التابعة للأمم المتحدة بمساواة المعوقين، والأصحاء مع حلول عام "2000".

ساهم أهل الخير أيضا من أبناء الكويت في إنشاء جمعية لرعاية المعوقين كان من بين أهدافها توفير الرعاية الصحية، والنفسية، والاجتماعية للأطفال الذين يتعذر رعايتهم في مكان آخر، وتقديم المعونات المادية لأسرهم، والتعاون مع الأجهزة الحكومية والأهلية لتوعية الجماهير بأسباب الإعاقة والوقاية منها.

ولم يكن هناك تفرقة في قبول أي طفل معوق كويتي، أو غير كويتي، كما استقبلت الجمعية أطفالا من المجر، والصومال، وإريتريا، وباكستان، ومصر، واليمن، والأردن، وبعض الحالات من العراق.

والحالات التي تقبل هي الإعاقة الجسدية التى تشمل الشلل الوقائي، وأمراض العضلات، والأعصاب وشلل الأطفال نتيجة الحوادث، أو الولادة، تضاف إليها إعاقة بعض الحواس كالبصر، والسمع، وأيضا حالات التخلف العقلي، بالإضافة إلى (المنغوليين) ومفرطي الحركة.

جولة مع المعوقين

في جمعية رعاية المعوقين شاهدت شابا معوقا يحمله كرسي طبي لمساعدته على التنقل من مكان لآخر، ولفت نظري أن أمينة سر الجمعية منيرة المطوع كانت تعامله برفق وحنان، حدثته قائلة: "عدت يا زكريا من أجازتك مع أهلك بالأردن" شعرت لحظتها أنها لاتفرق بينه وبين أبناء وطنها.

شاب آخر معوق من اليمن اسمه "محمد عمر" تبدأ قصته عندما التحق بالجمعية وكان عمره ست سنوات مصابا بشلل دماغي تيبسى مع تشوهات باليدين، والقدمين، وعلى مدى عشرين عاما من العلاج المستمر تماثلت بعض أعضائه للشفاء، وهو فنان موهوب استغل وقت فراغه في ممارسة الفن التشكيلي حتى حصل على جائزة للوحة فنية اشترك بها في أحد المعارض الخارجية للمعوقين، وهو عازف ماهر على آلة البيانو، ولم يكتف بذلك بل يساهم في إصلاح الأعطال الكهربائية التي تحدث داخل الجمعية.

ويضم مبنى الجمعية ثلاثة طوابق لعدة أجنحة سمي كل جناح باسم المتبرع من أهل الكويت الخيرين .. الأجنحة الأربعة الرئيسية .. الأول يختص ب "60" معاقا ذهنيا، والجناح يضم خمسة فصول، أما الجناح الثاني فيضم "60" معاقا جسديا، وخصص الجناح الثالث للعلاج، ويحوي ثلاث صالات كبرى الأولى للعلاج بالماء، والأخرى للعلاج الطبيعي، والثالثة للتأهيل المهنى بجانب غرف للممرضة، والأخصائية الاجتماعية، والأخصائية النفسية، والرابعة للتقييم.

أما الجناح الرابع فيضم أربع صالات للأنشطة إحداها للورشة والثانية استخدمت كناد، والثالثة للترفيه الموسيقي، والأخيرة للمكتبة، كما يضم هذا الجناح صالة الأنشطة اليومية، وغرف الإدارة والسكرتارية، والاستقبال، وصالة الطعام والمطبخ، يحوط الجناح فناء مكشوف، تظلله الخضرة.

واستحدثت الجمعية مركزا للرعاية النهارية نتيجة زيادة المعونات من أهل الخير الكويتيين ضمت "42" طفلا، ولم تكتف بذلك.. بل خصصت فترة أخرى مسائية وضمت "20" طفلا.. بخلاف الأطفال المقيمين إقامة دائمة وعددهم "75" طفلا ولهم حق أجازة في نهاية الأسبوع لقضائها مع أسرهم. ويتكلف الإيواء الكامل للطفل"5500" دينار سنويا.. أما تكلفة الطفل في الرعاية النهارية فتبلغ " 1500" دينار سنويا.. وتشمل الخدمات المقدمة لهؤلاء الأطفال عدة مجالات منها خدمات طبية وعلاج طبيعي، وعلاج بالعمل، وتدريب، وتعليم ذاتي بجانب الخدمات الاجتماعية، والنفسية، والإرشاد الأسري. ولم تبخل جماعة أهل الخير بالمساعدات المالية للأسر المحتاجة وقد وضعت الجمعية خطة لتوسيع نشاطها في محافظتي الجهراء، والأحمدي لتوصيل الخدمات إلى هذه المناطق البعيدة.

ملف جديد

ولكن كيف يقبل الأطفال المعوقون في جمعية أهل الخير؟

الأصل أنه يدخل بتحويل من أحد المستشفيات، أو أحد المعاهد الخاصة، أو أي جهة أخرى. وهنا تقابله آخصائية اجتماعية تقوم بعمل ملف اجتماعي كامل، ثم يعرض على الطبيبة التي تكتب عنه تقريرا طبيا بالاستعانة بتقاريره السابقة، إن وجدت. أو تتولى هي عمل الفحوصات الطبية مع أخذ البيانات عن تاريخ المرض، أو الإصابة ثم تكتب برنامج العلاج طبيا، أو طبيعيا، أو علاجا بالعمل حسب الحالة.

وتقول الدكتورة سناء وليم الأخصائية بالمعهد ومرافقتنا في هذه الجولة إن الطبيبة تتولى إرشاد أهل الطفل للخدمات، وقد تطلب منهم عرض المريض على بعض المختصين مثل كشف العيون، أو السمع، أو جراحة العظام، ثم يأتي بعد ذلك دور الأخصائي النفسي لتحديد نسبة الذكاء، وقدرات الطفل العقلية، والسلوكية، وتقديم البيانات التي تساعدهم على رعاية الطفل.

أزمة قلبية

مدير الجمعية هاشم تقي الذي تعرض أثناء الغزو لضغوط نفسية أدت إلى إصابته بأزمة قلبية سافر إلى الولايات المتحدة على أثرها لإجراء عملية جراحية وتم له الشفاء بعد معاناة أثناء الاحتلال، يحكي عن التجربة المريرة التي مرت به فيقول:

كان يوما مشئوما عندما احتل الغزاة وطننا العزيز. لقد سمعت أصوات الانفجارات حولنا، ودب الخوف والرعب في قلوب أطفالنا المعوقن مما دعاني لاستدعاء جميع العامين الذين تأثروا.. طلبت منهم رسم الابتسامة على وجوههم والانضباط أمام هؤلاء الأطفال حتى لاينتقل الخوف إليهم. مرت علي أيام واجهت فيها المخاطرة بحياة هؤلاء الأطفال.. لقد بدأت حملة الاعتقالات من جانب المحتل بخلاف السلب، والنهب، وشعرت بمدى قلق العامليئ، ولكن فضلت البقاء مع أطفال لا ذنب لهم يحتاجون العلاج، وتأكد للجميع أن كارثة ستحل بنا لو سافرت أخصائيات العلاج الطبيعي، وبنهاية شهر أغسطس عام " 1990 لا بدأ السطو على ممتلكات الجمعية.

كانت المشكلة لدينا هي الصرف المادي على هؤلاء الأطفال، كان كل همي علاجهم، وتدبر احتياجات العاملن لتشجيعهم على البقاء.

لم يتصور المحتلون أن مبنى هذه الجمعية من تبرعات أبناء الخير الكويتيين بل اعتقدوا أنه مستشفى وراءه تمويلى ضخ! فبدأوا البحث عن الملفات، والاجهزة، كانت سياستهم تفريغ محتويات المبنى، وبمعنى أصح نهبه وسرقته، وهددوني بنسف المبنى إذا انطلقت منه رصاصة واحدة دون اعتبار لوجود أطفال أبرياء، كانت حجتهم أن المنطقة أصبحت عسكرية، ولا أنسى حضور متطوعات كويتيات عرضن خدماتهن بالمجان، وحمدنا الله أن زالت الغمة بالتحرير بعد أن نقلت الأطفال إلى شقة صديق.

نظرة جديدة للمعوق

قامت الجمعية بالاستعانة بخبرات متخصصين عالميين، ودعت كثيرا منهم لزيارة دور الرعاية بالكويت، وكان من بينهم البروفسور سايمون هايسكل وهو أحد المختصين في مجالات رعاية الأطفال المعوقين وله رأي في مفهوم الإعاقة: لم يعد ينظر للمعوق على أنه منبوذ، لقد اختلفت النظرة الحديثة إليه ليس من باب العطف، بل أصبح ينظر إليه بأن له دورا في المجتمع، وله حق المشاركة مع السوي في العمل، والدراسة، بل إن بعض المعوقين نبغوا، وتفوقوا على الأصحاء، ومن رأيه أن حاصل الذكاء لا يعطينا فكرة عن أفضل الأساليب لشخصية المعوق للتغلب على نواقصه.. لكنه أكثر إفادة لمساعدة الطفل على تعلم المهارات الفنية. إن تقدم العلم ساعد المعوقين على التغلب على اضطراباتهم الحركية، أو النطق. واستحدثت طرق، وأساليب جديدة للتعلم مثل تعديل السلوك، أو التصرف، والتكيف الاجتماعي.. عموما إنها أفادت في إعادة التأهيل للمعوق.

وفي رأيه أيضا أن الغزو قد زاد من حالات الإعاقة بمنطقة الخليج عموما وخاصة في الكويت. وأضاف: إن الجرائم التي ارتكبها المحتل بحق نساء، وأطفال أبرياء، وشباب، وعجائز قد أضافت مشاكل جديدة لأهل هذه المنطقة من صدمات نفسية، وأضرار جسدية ناتجة عن التعذيب الذي مارسوه على شباب الكويت الذين حملوا لواء العصيان على المحتل عبر المقاومة الكويتية، لقد أجرى البروفسور هايسكل لقاءات عديدة أثناء زيارته للكويت أخيرا مع اللجنة التعليمية في مركز تقويم الطفل، ودار المعوقين، ومدارس التربية الخاصة، وتركز اهتمامه بحالات الأطفال الذين يشكون من صعوبات في التعليم، وبطء التعلم، ومن لديهم تخلف عقلي.. ومن رأيه وضع خطة مستقبلية لدمج الأطفال المعوقين بالمدارس العادية فهو يساعدهم في العلاج مع إيجاد الكوادر المتخصصة، وتخصيص كلية بالجامعة للدراسات الخاصة تقبل الطلاب المعوقين.

ومن هذا المنطلق نجد أن الإعاقة العقلية والجسدية مجرد أعراض، وليست تشخيصا لحالة معينة فطبيب الأمراض العصبية يتعرف على هذه الأعراض والفحوصات التي تجرى لتقييم مدى تطور الأطفال الرضع، والصغار، وأصبحت هذه الأشياء من المسائل الروتينية عند تشخيص الإعاقة الجسدية، أو العقلية في وقت مبكر ذلك أن مشي الأطفال يعتبر مؤشرا عاما نسبيا لدرجة ذكائهم.

 

حسين لاري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




العلاقة بين المريض والممرضة التي تتولى رعايتها تولد نوعا من الود بينهما





لمسة حنان من منبرة المطوع لطفلة معوقة





البروفسور سايمون هايكسل





الحالات المستعصية تتطلب علاجا ورعاية دون تعلم





المعوق اليمني الذي مضى عليه عشرون عاما في المركز يعزف على البيانو





طفولة بريئة وعيون تنظر إلى المستقبل وقيود تحبس جسدها الغض نتيجة الإعاقة