مساحة ود

مساحة ود

الابتسامة

يقرر أطباء علم النفس والاجتماع، أنك لكي تعبس، يلزمك تحريك 33 عضلة في وجهك. أما لكي تبتسم، فلا تحتاج إلا لتحريك عضلة واحدة. كم نرهق أنفسنا ووجوهنا، في حمل هذا الكم من العبوس والتقطيب. صحيح أن الإنسان لايستطيع أن يقاوم مشاكله ويتجاهل متاعبه، لكن لابد من (استراحة المحارب) من حين لآخر، في محاولة تخفيف العبء الأكبر عن عضلة القلب، وقد ثبت طبيا، أن ديمومة الزعل، والتفكير القاتم الضاغط على الصدر، (يمشكل) القلب، ويتسبب في ارتفاع الضغط! ومن هنا كان الحديث الشريف خير نصيحة طبية نفسانية تجوهر روح الإنسان، وتضاعف جهده وحبه للحياة (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت). وفي التجربة المعيشة، فإن الابتسامة فعل إرادة واقتناع ورضا. إنها أصعب من (الضحكة)، تتفجر للحظة أو لحظات كما البالون وما تلبث أن تتلاشى. إن الأدب الساخر، من شعر ونثر وصحافة كاريكاتير ومقالة مرحة هادفة، ينزع إلى زرع البسمة الأصعب في وجه القارىء أو حتى السامع. لكن كوميديا التمثيل المسرحي- على نحو خاص- تشاغب الضحكات، وتعابثها، من خلال مواقف تبعث على الترويح عن النفس في إطار (الضحك للضحك) الذي هو في حد ذاته فن، وليس فلسفة، لحظة (تنفيس) وليست لحظة (تأملات) فكرية، كما الغوص في أعماق كتاب، أو ديوان شعر. إن العامة يضربون مثلا قاسيا ليس مستحبا أن يضاف إلينا كلقب من ألقاب غير إنسانية. هذا المثل الدارج يقول: فلان، وجهه لايضحك للرغيف الساخن! وإنك ترى، عزيزي القارىء، من خلال بعض تجاربك، في علاقاتك بالناس، أو علاقة الآخرين بك، وبخاصة ممن لك عندهم حاجة أو مطلب، أو معاملة، أن (عبوسك) يقف حجر عثرة أحيانا بينك وبين إنجازها، في حين أن بسمتك الرضية، حتى ولو كانت طيفا يتقافز على شفتين راعشتين كأوراق الخريف، يقرب المسافات، ويحقق المنى، وتكون البسمة - عملة متداولة بين الناس - بمثابة جواز مرور إلى قلوب الآخرين، وأكاد أقول عقولهم أيضا وثقتهم.

وليست كل الابتسامات مقبولة أو مستساغة، مالم تكن نابعة من القلب، تفترش الثغر وتعمر الوجه بشاشة. لقد قال الرسول الكريم في الحديث الشريف:

- خذوا الخير من ملاح الوجوه.

وبعض المفسرين أكدوا على أن (ملاحة) الوجه ليست في وسامته، وإنما في انبساط أساريره الرضية. وهـل ننسى الآية الكـريمة نابذة العبوس، منددة به عبس وتولى. أن جاءه الأعمى.

وفي سياق التفاؤل والابتسام وبشاشة الحياة على مبلغ أوصابها ومتاعبها، فإن الشاعر المهجري الراحل إيليا أبوماضي، له قصيدة في التفاؤل البسام، وهو من هو في مقارعة الغربة معاناة وأسى وحرمانا واصطبارا. يقول في مطلعها:

قال السماء كئيبة وتجهما

قلت ابتسم، يكفي التجهم في السما

وبعد، فإن الجهامة غير الحزن. الحزن جميل يستشف، أما الكآبة والجهامة والعبوس، فحالات نفسية متوترة متشائمة تقبض الصدر وتغتال المشاعر! ولو كان في وسعي لافتتحت بقالة، خاصة ببيع الابتسام بالمجان!

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات