إلى أن نلتقي أنور الياسين

إلى أن نلتقي

ومازال الحب أعمى

أقيمت في بلجيكا أخيرا مسابقة فريدة في نوعها تحت عنوان " قصائد حب". المشتركون في المسابقة زاد عددهم على 30 ألفا. وانتهت المسابقة بفوز "رامبو" الذي استطاع أن يغرد ما يزيد على 900 قصيدة حب ، خلال مدة قياسية لا تزيد على ساعة واحدة.

و "رامبو" هو نوع من طيور "الكنار" المدربة على التغريد، وينحدر من سلالة "عاشقة" شاركت عل مدى المائة عام الماضية في هذه المسابقة السنوية وحصدت لأصحابها جوائز قيمة. ولكن "رامبو" عندما أطل كل شاشة التلفزيون باعتباره "العاشق العظيم" لم ينبس ببنت شفة وأبقى منقاره مطبقا وكأنما يحمل فيه صمت القبور، والسبب، كما يقول صاحبه، هو أن هذا العاشق مثل سواه من العشاق، لا يبوح بحبه إلا تحت جنح الظلام، ولا يطلق قصائده إلا في عتمة الليل، ومن هنا فإن المشاركين في المسابقة يضعون طيورهم داخل صناديق خشبية صغيرة تمنع عنها ضوء الشمس وتبيتهم في ظلام دامس يهيئها لاستقبال الوحي وإطلاق قصائد الحب.

وأجداد "رامبو" لم يكونوا في مثل سعادته وحسن حظه رغم فوزهم في كثير من المسابقات، والسبب هو أن المشاركين في المسابقة عندما بدأت في القرن الماضي كانوا "يفقأون" عيون الكنار بإبرة محماة، أو يستخدمون سائل "الأمونيا" كي تصاب طيورهم بالعمى المؤبد، وعندئذ كانت قصائد تلك الطيور العمياء تفيض من قلوب مفعمة بالألم. على عادة العشاق الرومانسيين، ولا تتوقف حناجرهم عن الغناء والتغريد.

المسابقة تعيد التأكيد على أن "الحب أعمى" مع أنني كنت دائما أعتقد بآن هذا المثل الشعبي العالمي هو محض خرافة وجنون. ورغم أن صور وتماثيل إله الحب "كيوبيد" مازالت تملأ ساحات أوربا ومتاحفها ، وهو يظهر في صورة طفل مجنح معصوب العينين يطلق سهامه عشوائيا كي يصيب قلوب العشاق ويدميها فتفيض حناجرهم بقصائد الحب، إلا أنني كنت أحسب أن هذه الصورة هي أقرب إلى الأسطورة منها إلى: الخيال العلمي، ولكن "رامبو" أفسد علي هذه المعتقدات، فهو وأمثاله، لا يعشقون إلا في الظلام، بحيث تصبح العتمة رديفا للحب، ويصبح الليل مفتاحا للعشق، ليس عند الإنسان وحده بل عند الطيور والحيوانات أيضاً تجعل هذه الطقوس العمياء سريعة للكون كله، وقد سمعت أن الأقدمين كانوا يصفون "بيض النعامة" للشفاء من العشق، باعتبار أن طائر النعام لا يبيض إلا مع شروق الشمس، فإذا أكل العاشق نتفا من هذه البيضة "فتح" عينيه وأبصر وشفي من داء العشق الأعمى (!)، أما الدكتور صادق جلال العظم في كتابه عن "الحب العذري" فإنه يرى في "الزواج" من المحبوب أفضل علاج للخلاص من داء العشق، ويبدو أن تجارب كثير من العشاق تؤكد صحة نظرية الدكتور (!) مع استثناءات قليلة يؤكد أصحابها أن العاشق عندما يتزوج من محبوبته لا يفتح عينيه كلتيهما بل يتحول إلى "أعور".

ويبقى المهم في هذا كله أن أوربا كلها وهي تمارس الحب تحت ضوء الشمس لا تملك إلا أن تنتخب " رامبوا" صاحب الحب الأعمى.. رمزا للعشق.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات